الثانية : خراب الوقف بحيث يسقط عن الانتفاع المعتدّ به 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4171


الصورة الثانية : ما إذا خرب الوقف وسقط عن المنفعة المعتدّ بها وقد فصّل الشيخ (قدّس سرّه) في هذه الصورة بين ما إذا كانت المنفعة ملحقة بالعدم بأن تكون قليلة في الغاية بحيث تلحق بالمعدوم ، وبين ما إذا لم تكن كذلك بل كانت ممّا لا يعتدّ بها ، وحكم بجواز البيع في الأوّل لعين ما ذكرناه في الصورة الاُولى من عدم شمول أدلّة المنع من قوله (عليه السلام) « الوقوف » الخ أو الاجماع المدّعى على عدم جوازه  ، ومن قوله (عليه السلام) « لا يجوز شراء الوقف » الخ وحكم بعدم الجواز في الصورة الثانية لوجود المقتضي لعدم الجواز لوجوب العمل بمقتضى وقف الواقف الذي هو عبارة عن حبس العين ، ولعموم قوله (عليه السلام) « لا يجوز شراء الوقف  »  .

وفيه : إن كان مراده (قدّس سرّه) من المنفعة غير المعتدّ بها أن تكون منفعة العين مع بقائها قليلة بالنسبة إلى حالتها الاُولى كما إذا كانت منفعة الوقف قبل خرابه مثلا في كل سنة مائة دينار والآن يستأجر بخمسين ديناراً فهو ملحق بالصورة الثالثة التي ذهب (قدّس سرّه) فيها إلى عدم جواز البيع لأجل وجود المقتضي لعدم الجواز ولعدم عروض المجوّز ، بداهة أنّ قلّة المنفعة لا توجب جواز بيعه وبديهي أنّ العين لو كانت من الأول هكذا يعني كانت منفعتها قليلة لكان وقفها جائزاً حدوثاً فما ظنّك في مرحلة البقاء فتأمّل وسيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى .

وإن كان مراده من المنفعة غير المعتدّ بها أنّ المنفعة الموجودة لا تعدّ في العرف منفعة لتلك العين الموقوفة مثل السرير من الحديد إذا انكسر لا يمكن الانتفاع به إلاّ في بعض الموارد التي يعدّ في العرف من موارد عدم المنفعة فهو عين الصورة الاُولى لأنّ المراد بعدم إمكان الانتفاع عدم ترتّب ما يعدّ منفعة له بنظر العرف ، وكيف كان لا وجه لهذا التفصيل .

ــ[286]ــ

ثمّ إنّه (قدّس سرّه)(1) تعرّض بعد ذلك لأمرين ذكرهما صاحب الجواهر (قدّس سرّه)(2): الأمر الأول ما ذكرناه آنفاً منه (قدّس سرّه) من أنّ جواز بيع الوقف لا يكون إلاّ مع بطلان الوقف ، ولكنّه قد عرفت أنّ الحقّ ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قدّس سرّه) بالبيان الذي ذكرناه آنفاً من أنّ الوقف يبطل من هذه الجهة دون سائر الجهات من جواز هبته وإرثه ، لأنّ عدم بطلان الوقف من هذه الجهة أيضاً مع جواز البيع من التضادّ كما ذكرناه .

ثمّ وجّه صاحب الجواهر (قدّس سرّه) بطلان الوقف عند جواز بيعه بفوات شرط الوقف وقال : إنّ من شرائط الوقف ابتداء واستدامة كون العين ممّا ينتفع بها مع بقاء عينها ، ثمّ أشكل عليه الشيخ (قدّس سرّه) بإشكالات والمهمّ منها ما ذكره (قدّس سرّه) بقوله : فإنّ الشرط في العقود الناقلة يكفي وجوده حين النقل بداهة أنّ المبيع ربما يخرج عن المالية ومع ذلك لا يخرج عن ملك المشتري .

وفيه : أنّ هذا مسامحة محضة ولا يقاس الوقف بالبيع بداهة أنّ اعتبار المالية في الملك في البيع إنّما هو لأجل النقل وفي مرحلته وأمّا بعد ذلك فلا ضرورة لأنّ الغالب في المبيع خروجه عن المالية بعد مدّة من الزمان لأنّ غالب الأشياء يخرج عن المالية في عالم الكون والفساد بالوجدان ، وغير خفي أنّ خروج الشيء عن المالية بعد ما كان له المالية عند البيع لا يكون إلاّ في ملك المشتري وهذا بخلاف الوقف لما ذكرناه مراراً من أنّ قوام الوقف ببقاء العين وتسبيل المنفعة ، ولو فرضنا عدم المنفعة مع بقاء العين يكون أحد ركني الوقف مرتفعاً ، وهذا المعنى أي بقاء العين وتسبيل المنفعة من مقوّمات الوقف حدوثاً وبقاءً ، فما ذكره صاحب الجواهر (قدّس سرّه) في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 73 .

(2) الجواهر 22 : 358 .

ــ[287]ــ

وجه بطلان الوقف بالمعنى الذي ذكرناه آنفاً من فقدان شرط الوقف عند عدم وجود المنفعة مع بقاء العين متين جدّاً ولا يرد عليه ما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) من الاشكالات أصلا .

الأمر الثاني ممّا ذكره صاحب الجواهر (قدّس سرّه) في المقام : أنّ الوقف قد يبطل بانعدام عنوان الوقف كما إذا فرضنا أنّه وقف بستاناً فخرج بعد ذلك من عنوان البستانية وبقيت عرصته ، ثمّ أيّد هذا بما ذكره الفقهاء في باب الوصية من أنّه لو أوصى بدار فانهدمت قبل موت الموصي بطلت الوصية لانتفاء موضوعها ، ثمّ ذكر (قدّس سرّه) وجهين في أنّ الوقف بعد بطلانه هل يرجع إلى الواقف وورثته أو إلى الموقوف عليهم .

ثمّ أشكل عليه العلاّمة الأنصاري (قدّس سرّه) بأنّه لا وجه للبطلان بانعدام العنوان ، مضافاً إلى وجود الاجماع على عدم بطلان الوقف بانعدام العنوان ، لأنه إن أراد بالعنوان ما جعل مفعولا في قوله وقفت هذا البستان ، فغير خفي أنّه ليس إلاّ مثل قولنا في البيع بعت هذا البستان أو وهبته فكما أنّ التمليك في البيع لا يدور مدار وجود العنوان كذلك في الوقف ، وإن أراد منه غير هذا فلم يظهر لنا ما يريده .

ثمّ قال (قدّس سرّه) إنّ تأييده بما ذكروه في الوصية في غير محلّه ، لأنّ ما ذكره من بطلان الوصية على فرض صحّة هذه المقالة في الصورة التي ذكرها (قدّس سرّه) إنّما هو قبل كون الموصى به ملكاً للموصى له وهذا أجنبي عن المقام ، بل المناسب أن يقاس المقام بالوصية بالبستان بعد تمامها وخروج البستان عن ملك الموصي بموته وقبول الموصى له فهل أفتى أحد في هذه الصورة ببطلان الوصية بعد صيرورة البستان عرصة كلاّ ، ثمّ ذكر (قدّس سرّه) أنّ ما ذكره من الوجهين ممّا لم نعرف له وجهاً  الخ .

ــ[288]ــ

وقد فصّل الميرزا (قدّس سرّه)(1) في المقام بين زوال الصورة النوعية وبين ما يكون العنوان الزائل من قبيل العوارض وحكم ببطلان الوقف في الأول دون الثاني  ، وملخّص ما ذكره (قدّس سرّه) أنّه إذا تبدّلت الصورة النوعية إلى صورة اُخرى كالنخلة الموقوفة إذا قلعت فصارت حطباً ، فغير خفي أنّ هذه المادّة الحطبية تعدّ في العرف مباينة للنخلة لأنّ النخلة في نظر العرف عبارة عن الشجرة لا المادّة المشتركة بين النخلة والحطب والخشب ، وبطلان الصورة النوعية عبارة اُخرى عن بطلان الوقف ، بخلافه فيما إذا كان الزائل من العوارض مثل الدار التي زالت عنها صورة الدارية كما إذا انهدمت وصارت عرصة ، لأنّ الوقف قد تعلّق بالدار وهي مركّبة من العرصة والبناء وانهدام البناء لا يوجب بطلان الوقف رأساً لبقاء العرصة وزوال الصورة البنائية عن العرصة لا يوجب بطلان وقف العرصة . وبعبارة واضحة أنّ الوقف متقوّم بأمرين : حبس العين وتسبيل المنفعة وبانتفاء أحد الأمرين تخرج العين الموقوفة عن الوقفية ، فكما يجوز بيعها عند عدم إمكان الانتفاع بها مع بقاء العين كذلك يجوز البيع إذا لم تبق صورتها النوعية التي هي أحد ركني الوقف .

ولا يخفى أنّه يرد على ما ذكره الميرزا (قدّس سرّه) ما أورده شيخنا الأنصاري (رحمه الله) على صاحب الجواهر من أنّ الوقف كالبيع لم يتعلّق بالصورة النوعية فقط بل تعلّق بالمادّة المتّصفة بالصورة الكذائية ، ولا يخفى أنّ مرادنا من المادّة ليس الهيولى بل مرادنا منها الجسم فإذا زالت الصورة النوعية تبقى المادّة متعلّقة للوقف فلا وجه لرجوع المادّة بعد الوقف إلى ملك الواقف أو الموقوف عليهم بل هي باقية على الوقفية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 285 .

ــ[289]ــ

وبعبارة اُخرى : هل يكون للواقف بعد وقفه حقّ ويكون الجسم ملكاً له وباقياً في ملكه من جهة كون الوقف متعلّقاً بالصورة النوعية ، أو أنه لا يبقى له حقّ وملك أصلا ، وبديهي أنّه لا يمكن الالتزام ببقاء ملكه في الجسم كما لا يخفى لأنّ الصورة النوعية تابعة للجسم وليست من الاُمور التي تباع أو توقف مستقلّة ، بل لا فائدة لها إلاّ أنّ وجودها يوجب الزيادة في القيمة كما هو الواضح ، فعليه لا وجه لبطلان الوقف بانعدام الصورة النوعية بل الوقف باق على حاله بالنسبة إلى الجسم فما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) هو المتين .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net