السابعة - الثامنة - التاسعة - العاشرة 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3930


الصورة السابعة : ما إذا علم أو خيف وظنّ أن يكون بقاء العين الموقوفة على حالها مؤدّياً إلى تلفها وعدم إمكان الانتفاع بها .

الصورة الثامنة : أن يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه من تلف المال أو الأنفس ، وظاهر هذا الكلام أنّه يجوز بيع العين الموقوفة عند وقوع الاختلاف بينهم بحيث لا يؤمن من تلف المال ولو كان المال المخوف تلفه غير العين الموقوفة .

الصورة التاسعة : أن يكون بقاؤها مؤدّياً إلى الضرر على الموقوف عليهم . وبعبارة اُخرى أن يتوجّه عليهم الضرر من بقاء العين الموقوفة .

الصورة العاشرة : أن يلزم من بقاء العين الموقوفة فساد يستباح منه الأنفس


ــ[298]ــ

وقد ذكر بعض في هذه الصور أنّه يجوز بيع العين الموقوفة . وذكر الشيخ (قدّس سرّه) بعد التعرّض لهذه الصور أنّ الحقّ جواز البيع في الصورة الاُولى أي فيما إذا علم أو خيف أنّ بقاءها يؤدّي إلى تلف العين الموقوفة وعدم إمكان الانتفاع بها ، وعدم جواز البيع في غير هذه الصورة لعدم الدليل على ذلك ، ولا يخفى أنّ ملخّص كلامه (قدّس سرّه) ينحلّ إلى قضيتين إيجابية وسلبية ، والاُولى عبارة عن جواز البيع فيما إذا علم أو ظنّ أنّ بقاءه يؤدّي إلى خرابه وعدم إمكان الانتفاع به ، والثانية عبارة عن عدم جواز بيعه في غير هذه الصورة .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الكلام الآن يقع في الصورة الاُولى وقد قال (قدّس سرّه) إنّ المقتضي لجواز البيع موجود والمانع منه مفقود وملخّص استدلاله : أنّ الملكية مقتضية للبيع وإنّما خرجنا عنه في الوقف بدليل خارجي فلابدّ من الاكتفاء بموارد وجود المانع والمانع عن البيع في الوقف منحصر في اُمور أربعة : الإجماع وقوله (عليه السلام) « لا يجوز شراء الوقف » و « لا تدخل الغلّة في ملكك » وقوله (عليه السلام) « الوقوف على حسب » الخ وإن استشكل الشيخ (قدّس سرّه) في دلالته وأنّ البيع مناف لغرض الواقف وحقّ الموقوف عليهم . وبديهي أنّ الإجماع في المقام غير متحقّق بل عدمه محقّق لأنّه ذهب بعض إلى جواز البيع في صورة كون البقاء مؤدّياً إلى الخراب وعدم إمكان الانتفاع به .

وأمّا الروايات المذكورة فهي منصرفة عن هذه الصورة بالبداهة ، وأمّا مقالة كون البيع منافياً لغرض الواقف فهي لا تتمّ لكون البيع وتبديل العين الموقوفة مع فرض الخراب إلى غيرها موافقاً لغرض الواقف وحقّ الموقوف عليهم .

وقد ذكر الميرزا(1) في المقام أنّ هذه الصورة داخلة تحت الصورة الاُولى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 289 .

ــ[299]ــ

وهي صورة خراب الوقف وعدم إمكان الانتفاع به مع بقائه بعد ما كان العلم طريقاً محضاً . وبعبارة اُخرى إذا احتمل احتمالا عقلائياً تأديته إلى الخراب على نحو لو كان خراباً فعلا لجاز بيعه ، فحكم الاحتمال حكم نفس الخراب الفعلي ولكن من حيث كونه طريقاً لأنّه بعد اعتبار هذا الاحتمال عند العقلاء فكأنّه صار خراباً فعلا .

ولا يخفى أنّ ما ذكره الميرزا (قدّس سرّه) من العجائب ، بداهة أنّه فرق بين الخراب الفعلي وبين ما يصير خراباً فيما بعد ، والثابت من جواز بيع الوقف هو الأوّل والدليل منصرف عنه ، وأمّا الثاني فلا وجه لجواز البيع فيه بعد ما كان مشمولا لقوله (عليه السلام) « لا يجوز شراء الوقف » خصوصاً فيما إذا كان في البيع ضرر على الموجودين من الموقوف عليهم من جهة عدم إمكان انتفاعهم من بدلها فعلا مثلا .

وفيما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) أيضاً مجال للمناقشة بعين الكلام الذي ذكرنا في جواب الميرزا من شمول أدلّة عدم جواز بيع الوقف وشرائه وعدم دخول الغلّة في ملكه وأنّه لا دليل على جواز البيع بعد ما كانت العين الموقوفة الآن قابلة للانتفاع فعلا ، وكونها معدومة الانتفاع فيما بعد لا يكون موجباً لجواز بيعه إلاّ في ظرفه كما هو الظاهر ، وهذه الصورة أشبه شيء بالصورة التي يكون انتفاع البطون اللاحقة من العين الموقوفة محتاجاً إلى أن يصرف البطون الموجودة حقّهم من الانتفاع في عمران العين الموقوفة ، وقد ذكرنا سابقاً أنّه لا يلزم على البطون الموجودة صرف أملاكهم لحفظ الوقف على غيرهم فإن صرف المنافع كصرف غيرها من أموال الموقوف عليهم ، وهكذا الكلام بالنسبة إلى ما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) في ضمن كلامه وهو ما إذا علمنا بعدم وجود من يشتري العين الموقوفة فيما بعد وعند خرابها فإنّ عدم وجدان المشتري فيما بعد لا يكون موجباً لجواز بيعه فعلا بعد ما كانت العين الموقوفة قابلة للانتفاع بها فعلا فافهم .

وبالجملة استدلّ على جواز بيع الوقف فيما إذا أدّى بقاؤه إلى خرابه بوجوه

ــ[300]ــ

أربعة :

الأوّل : ما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) بقوله : لما مرّ من الدليل على جواز بيع ما سقط عن الانتفاع ، وحاصله انصراف الأدلّة المانعة عن هذه الصورة .

الثاني : ما ذكره الميرزا (قدّس سرّه) وقد عرفت المناقشة فيه وفيما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) .

الثالث : ما عن العلاّمة (قدّس سرّه) وحاصله : أنّ الأمر دائر بين إبقائه والانتفاع به ما دام باقياً وتلف العين بعده ، وبين تبديله إلى شيء آخر وبقاؤه والانتفاع إلى الأبد ، وبديهي أنّ الثاني أولى في نظر الواقف وأوفق بمراده .

وفيه : أنّه لا يمكن أن يجعل الأوفقية بمقصود الواقف دليلا مستقلا على جواز بيع الوقف بعد ما كانت العين الموقوفة قابلة للانتفاع فعلا ، لأنّ أدلّة المنع عن بيع الوقف شاملة للمقام وقد ذكرنا آنفاً أنّ انصراف دليل المنع إنّما هو في صورة الخراب الفعلي ولذا قلنا بعدم جواز تبديل الوقف إلى شيء أحسن منه ، ولو كان ملاحظة نظر الواقف في هذه الموارد دليلا لكان هذا جائزاً ، نعم لو قلنا بوجود المقتضي لجواز البيع وعدم المانع عنه لأجل انصراف أدلّة المنع عن هذه الصورة كما عليه الشيخ (قدّس سرّه) لا بأس بجعل هذا الوجه أي الأوفقية بغرض الواقف مؤيّداً له إلاّ أنّك قد عرفت ما فيه أيضاً .

الرابع : ما عن التنقيح(1) وملخّصه : أنّ عدم جواز البيع في صورة العلم أو الظنّ بأنّ بقاءه يؤدّي إلى خرابه أو غير ذلك من الاُمور المذكورة المتقدّمة موجب لتضييع المال وتبذيره وهو حرام ، فعليه لابدّ من القول بجواز بيعه في هذه الصور بل وجوبه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التنقيح الرائع 2 : 330 .

 
 

ــ[301]ــ

وفيه : أنّ ترك المال ولو مال الإنسان نفسه الذي له السلطنة عليه إلى أن يخرب بنفسه وطبعه لا يعدّ إضاعة ولا إسرافاً وإلاّ لزم تعمير الأوقاف المشرفة على الخراب ولو بغير البيع وهو كما ترى ، بل يجري ذلك في أموال نفس الإنسان التي يملكها طلقاً.

فتلخّص أنّ شيئاً من الوجوه المذكورة لا ينهض على تجويز البيع في المقام .

بقي الكلام في الرواية التي استدلّ بها كلّ من جوّز البيع في هذه الصور الأربعة وهي مكاتبة ابن مهزيار قال « كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) إنّ فلاناً ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل لك في الوقف الخمس ويسألك عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض ـ إلى أن قال ـ فكتبت إليه (عليه السلام) إنّ بين من وقف عليهم بقية هذه الضيعة اختلافاً شديداً وأنّه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كلّ إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته فكتب (عليه السلام) بخطّه وأعلمه أنّ رأيي ، إن كان قد علم الاختلاف بين أرباب الوقف أنّ بيع الوقف أمثل فليبع فإنّه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس  »(1) الخبر .

ومورد الاستدلال هو قوله (عليه السلام) في آخر الخبر « فإنّه ربما جاء » الخ وهذه الرواية معتبرة السند ، إلاّ أنّ الظاهر بملاحظة القرائن كونها أجنبية عن بيع الوقف رأساً ، بل لابدّ من حملها على ما قبل القبض وعدم تمامية الوقف وإلاّ لم يكن وجه لأمر الإمام (عليه السلام) ببيع حصّته مع أنّ الاختلاف كان بين الموقوف عليهم غير الإمام (عليه السلام) ، مضافاً إلى أنّ مباشرة الواقف لبيعه بلا وجه ، إذ الواقف بعد تمام الوقف يكون أجنبياً فلا وجه لاحالة البيع إليه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 19 : 187 / كتاب الوقوف والصدقات ب6 ح5 ، 6 .

ــ[302]ــ

والظاهر أنّ حكم الإمام (عليه السلام) ببيعه لم يكن إذناً له بعنوان الولاية بل كان (عليه السلام) في مقام بيان حكم المسألة بطبعها ، كما أنّ دفع ثمن الوقف إلى الموجودين من الموقوف عليهم بحسب حصّتهم لا وجه له حيث إنّا قد ذكرنا مراراً أنّ مقتضى قانون المبادلة قيام الثمن مقام المثمن كما كان ، وحيث كانت العين الموقوفة ملكاً غير طلق لا يجوز إتلافه للبطن الموجود بل لابدّ من إبقائه للبطون اللاحقة فلابدّ وأن يكون ثمنها أيضاً كذلك ، فلابدّ من حملها على صورة عدم تمامية الوقف من حيث عدم القبض بأن تكون هذه الاُمور المذكورة قرينة على أنّ الاختلاف ونحوه كان قبل قبض الموقوف عليهم فتندفع الإشكالات الواردة كما حملها عليها بعض .

ولو سلّمنا ذلك كلّه فلا دلالة لها على الصورة السابقة وما بعدها أصلا ، وذلك لأنّ الظاهر أنّ وجود الاختلاف بين الموقوف عليهم لا موضوعية فيه أصلا بل المناط هو تلف الأموال والأنفس والاختلاف طريق محض ، فلو كان بقاء الوقف على حاله موجباً لتلف الأموال والنفوس ولو لم يكن من جهة الاختلاف بين الموقوف عليهم لكان بيعه جائزاً وهذا ممّا لا يمكن أن ينسب إلى أحد من العلماء (قدّس سرّهم) هذا أوّلا .

وثانياً : أنّ الظاهر من تعبير الإمام (عليه السلام) بالأموال عدم الخصوصية لمال الوقف فيجوز البيع حتّى فيما إذا لم يكن التالف العين الموقوفة في صورة اختلاف الموقوف عليهم ، بل كان التالف الأموال الاُخر . وهذا أيضاً ممّا لا يمكن أن ينسب إلى الأعلام (قدّس سرّهم) .

وثالثاً : أنّ الظاهر من كلمة « ربما » في كلامه (عليه السلام) الاكتفاء في جواز البيع بالاحتمال العقلائي وإن لم يحصل العلم أو الظنّ بذلك ، وهو كما ترى .

ورابعاً : أنّ مورد الرواية هو التلف ومقامنا مورد العلم أو الظنّ بأن يكون

ــ[303]ــ

خراباً ، والتلف غير الخراب فإنّ التلف عبارة عن انعدام العين بخلاف الخراب وإجراء حكم التلف على المقام على عهدة مجريه ، فظاهر الرواية ممّا لم يفت به أحد فلابدّ من ردّ علمها إلى أهله .

بقي في المقام شيء لا بأس بالتعرّض له : وهو عبارة عمّا ذكره بعض من أنّه لو لم يكن في المقام رواية كنّا نقول بجواز بيع الوقف في هذه الصورة من باب التزاحم أي تزاحم عدم جواز بيع الوقف مع الاختلاف الواقع بين الموقوف عليهم بحيث لو لم يبع يقع بينهم تشاجر ينجرّ إلى تلف الأموال والنفوس ولمّا كان حفظ الأموال والنفوس من التلف أهمّ في نظر الشارع من عدم جواز بيع الوقف فلابدّ من القول بجواز بيعه .

وفيه : أنّ التزاحم إنّما هو في مقام امتثال الأحكام التكليفية ومنشؤه عجز المكلّف عن الاتيان بكلّ من التكليفين في مرحلة الامتثال ، وهذا لا دخل له بمقام الجعل ولا بالأحكام الوضعية ، نعم يتصوّر التزاحم بالنسبة إلى نفس الوقف وذلك أنّه لمّا كان التصرف في الوقف غير جائز وحراماً فعلا فلا مانع من القول بعدم حرمة التصرف عند التزاحم وأمّا صحّة بيع الوقف الذي هو من الأحكام الوضعية فلا دخل لها بباب التزاحم بل هي منوطة بحكم الشارع . وبعبارة اُخرى : التزاحم لا يكون بين الأحكام الوضعية لعدم اعتبار القدرة فيها وإنّما يكون بين الأحكام التكليفية ، والتزاحم بين الأحكام التكليفية إنّما يوجب رفع المهم ولا يوجب جعل الشارع حكماً وضعياً كإمضاء البيع .

فتلخّص من جميع ما ذكرناه : أنّه لا يجوز بيع الوقف المؤبّد مطلقاً إلاّ في صورتين :

الاُولى : ما إذا خرب وسقط عن قابلية الانتفاع به أو أشرف على ذلك بحيث عدّ خراباً فعلا ، لانصراف أدلّة المنع عن هذه الصورة . الثانية : ما إذا شرط الواقف

ــ[304]ــ

بيعه عند الحاجة كما ورد في بعض أوقاف علي (عليه السلام) وأمّا في غيرهما فمقتضى العمومات المنع عن البيع .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net