الكلام في جواز كيل المعدود أو وزنه - المناط في كون شيء من المكيل أو الموزون 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5253


والكلام إنّما هو في كيل المعدود أو وزنه على نحو الاستقلال من دون أن يجعلا طريقاً إلى العدّ ، فهل يجوز ذلك مطلقاً أو لا يجوز كذلك أو يفصّل بين الكيل والوزن ويحكم بالجواز في الوزن وبعدمه في الكيل ؟ وجوه .

ــ[377]ــ

اختار شيخنا الأنصاري(1) التفصيل بينهما ، ولم يذكر الوجه في صحّة الوزن في المعدود بل اكتفى بنقل كلمات الأصحاب في أنّه لا يجوز السلم في المعدود إلاّ بالوزن ، والظاهر عدم كفاية شيء من الكيل والوزن في صحّة المعاملة في المعدودات  ، وذلك لأنّ المالية في المعدودات إنّما هي بالعدّ كما أنّها في المكيل بالكيل وفي الموزون بالوزن ، إذ الميزان في مالية كلّ شيء بحسبه ، وهذه المالية لا تعلم في المعدود إلاّ بالعدّ لا بالكيل والوزن لأنّ الكيل أو الوزن لا يعيّنان مقداره حتّى يعلم به ماليته ، فتكون المعاملة في المعدود بالكيل والوزن جزافية لما مرّ من أنّ الجزاف عبارة عن عدم العلم بمقدار مالية المال ، هذا كلّه في المكيل والموزون والمعدود .

والكلام بعد ذلك يقع في أنّ المناط في كون شيء من المكيل أو الموزون ماذا وقد نسب إلى المشهور في الحدائق(2) وغيره ، وإن استشكل فيه صاحب الجواهر(3) وأيّد النسبة إلى المشهور شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) ، أنّ المناط في المكيل والموزون والمعدود هو زمان النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وكلّ شيء كان مكيلا أو موزوناً في زمانه (صلّى الله عليه وآله) فهو مكيل أو موزون إلى يوم القيامة ، هذا فيما علمنا بأنّه كان كذلك في زمان النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وأمّا ما لم يكن كذلك فلابدّ فيه من ملاحظة العادة في جميع البلدان ، فإن كان في جميعها مكيلا أو موزوناً وإن كان في بعض البلدان الصغيرة على خلافها أيضاً فيعامل معه معاملة المكيل والموزون ، وإذا فرضنا البلدان الغالبة مختلفة بأن كان في هذا البلد مكيلا وفي الآخر موزوناً وفي ثالث معدوداً ، فاللازم مراعاة المتعارف في كلّ بلد بخصوصه فيعامل مع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 224 .

(2) الحدائق 18 : 471 .

(3) الجواهر 22 : 427 .

ــ[378]ــ

الشيء الواحد في هذا البلد معاملة المكيل والموزون وفي البلد الآخر معاملة المعدود وهكذا هذا .

وقد ذكروا نظير ذلك بل عينه ومطابقه في الربا ، وأنّ المناط أوّلا هو ملاحظة زمان النبي (صلّى الله عليه وآله) ثمّ العرف العام ثمّ عادة كلّ بلد بخصوصه ، وهذا إن قام على طبقه إجماع واتّفاق أو ورد في بعض خصوصياته نصّ ورواية كما في الدرهم والدينار حيث ورد أنّهما من المكيل والموزون ويدخل فيهما الربا وإن كان معدوداً في مقام المعاملة فهو ، وإلاّ فاثبات ذلك لعلّه مستحيل فضلا عن تعسّره والوجه في ذلك أنّ الجمع بين القضية الحقيقية التي يترتّب فيها الحكم على موضوعاته المقدّرة والمفروضة الوجود ، وبين القضية الخارجية المترتّب فيها الحكم على موضوعاته المعلومة والمتحقّقة في الخارج غير ممكن ، فإن كان الحكم بأنّ المكيل والموزون لا يباع إلاّ بالكيل أو الوزن من قبيل القضايا الخارجية بأن يكون النظر فيه إلى المكيل والموزون الموجودين في الخارج في زمن النبي (صلّى الله عليه وآله) وزمن صدور الحكم فلا محالة تختصّ أحكام الكيل والوزن بما هو كذلك في زمان النبي (صلّى الله عليه وآله) ولا يتعدّى عنه بوجه ، وعليه فما الوجه في التزام المشهور بجريان أحكامهما التي منها جريان الربا فيما صار مكيلا أو موزوناً في العرف العام وجميع البلدان بعد ما لم يكن مكيلا أو موزوناً في زمانه (صلّى الله عليه وآله) ، وإن كان الحكم فيهما على نحو القضايا الحقيقة بأن يكون النظر فيه إلى كلّ ما وجد في الخارج وصدق عليه المكيل والموزون المعبّر عنه بالأفراد المقدّرة الوجود بحيث يشمل كلّ ما هو مكيل فعلا وما سيوجد بعد ذلك ، فيرتفع الإشكال المتقدّم
إلاّ أنّه يتوجّه عليه أنّهم لماذا لا يجرون أحكام المكيل والموزون فيما لم يكن من قبيلهما في زمان النبي (صلّى الله عليه وآله) وصار منهما بعده حيث ذكروا أنّه يعامل معه معاملة غير المكيل والموزون إلى يوم القيامة مع أنّه صار من أفراد الموضوع الذي

ــ[379]ــ

حكم عليه بأحكام المكيل والموزون في القضية الحقيقية .

وبالجملة : الجمع بين هذين الأمرين مستحيل كما ذكره شيخنا الأنصاري من أنّ الجمع بينهما وتطبيقهما على الروايات مشكل ، بل قد عرفت أنّه متعذّر لعدم الجامع بين القضيّتين .

والظاهر أنّ هذا الحكم كنظائره من الأحكام والقضايا المجعولة على نحو القضية الحقيقية وأنّ المناط فيه هو صدق عنواني المكيل والموزون على شيء من دون اختصاصه بالأفراد المتحقّقة منهما في زمان النبي (صلّى الله عليه وآله) كما لعلّه يشير إلى ذلك بقوله (عليه السلام) « وما كان من طعام سمّيت فيه كيلا » الخ ، فإنّ ظاهره أنّ ما كان من الطعام المتعارف كيله فلا يجوز بيعه مجازفة ، وهذا عنوان لا يختصّ بالأفراد الموجودة بل يعمّها وما يتحقّق فيما بعد من الأفراد كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقية ، لأنّ الحكم فيها إنّما يترتّب على الأفراد المقدّرة الوجود فيتوقّف ترتّبه على شيء على صدق ذلك العنوان في الخارج ، فإذا ورد أنّ العالم يجب إكرامه فيلاحظ في الحكم بالوجوب أنّ هذا الشخص فعلا يصدق عليه عنوان العالم أو لا ، فإذا صار أحد متّصفاً بذلك العنوان فيدخل تحت الحكم بوجوب إكرامه سواء كان متّصفاً به في زمان ورود الحكم أيضاً أم اتّصف بذلك بعده ، كما أنّه لا يشمل من انقلب عنه وخرج عن العالمية فعلا ولو كان متّصفاً به قبل ذلك ، وعلى هذا فالميزان في الحكم بلزوم الكيل والوزن هو ملاحظة المتعارف في كلّ بلد بلد ، فإذا كان شيء في بلد من المكيل أو الموزون فيلحقه حكمه ولو كان في البلد الآخر معدوداً أو شيئاً آخر ، وهذا هو المناط في المكيل والموزون من حيث الحكم بالكيل والوزن وجريان أحكام الربا ، اللهمّ إلاّ أن يرد نصّ في خصوص شيء ويدلّ على أنّ ذلك الشيء بما أنّه كان من المكيل والموزون في زمان النبي (صلّى الله عليه وآله) فهو محكوم بحكمهما إلى يوم القيامة وإن انقلب منهما وصار بعده من المعدود أو غيره ، وهذا نظير الدراهم

ــ[380]ــ

الأوضاحية وغيرها من الدراهم والدنانير فإنّها من المكيل والموزون ويلحقهما حكمهما من حيث جريان الربا وإن صارا في الخارج من المعدود ، أو يقوم إجماع كاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) على أنّ ما كان مكيلا أو موزوناً في زمانه (صلّى الله عليه وآله) فهو محكوم بحكمهما إلى يوم القيامة ، ففي كلّ مورد لم يرد فيه نصّ أو إجماع فحكمه ملاحظة أنّه من المكيل أو الموزون في هذا البلد أم من غيرهما فعلى تقدير صدق ذلك العنوان عليه يجري فيه أحكامهما من جهة لزوم كيله ووزنه وجريان الربا  ، وإن كان في البلد الآخر محكوماً بالعدد وغير داخل في المكيل والموزون ، هذا ملخّص الكلام في مناط المكيل والموزون .

بقي هنا شيء وهو أنّ المبيع إذا كان في بلد المكيل والموزون ووقع عليه العقد في بلد ليس ذلك المبيع فيه من قبيل المكيل والموزون ، فهل اللازم اعتبار ما هو متداول في مكان البيع والحكم بعدم لزوم كيله ووزنه ، أو أنّه لابدّ من ملاحظة مكان المبيع والحكم بكيله ووزنه ؟ الظاهر هو الثاني لأنّ المفروض أنّ المبيع هو بادنجان كربلاء مثلا وهو فيها ممّا يوزن أو يكال ، فالبيع إنّما وقع على ما يصدق عليه المكيل والموزون إذ المفروض أنّ بادنجان كربلاء مكيل أو موزون فلا اعتبار بمكان إنشاء البيع بوجه .

ثمّ إنّ هنا فروعاً لابدّ من أن يراجع فيها إلى الاُصول العملية وذلك كما إذا وقعت المعاملة على شيء في صحراء متوسط بين البلدين لا يلتحق بذلك ولا بذاك لعدم كونه من ملحقاتهما فهل اللازم فيه اعتبار الكيل أو الوزن ؟ الظاهر أنّ حكمه جواز بيعه من غير كيل ولا وزن ، إذ يكفي في عدم لزوم وزنه وكيله عدم كونه مكيلا وموزوناً فيرجع إلى عمومات أدلّة الامضاء .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net