بيع اللؤلؤ في الصدف والبيض في الدجاج - بيع المجهول فيما إذا ضمّ إليه معلوم 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4888


ثمّ إنّه (قدّس سرّه) تعرّض لبيع اللؤلؤ في الصدف وللبيض في بطن الدجاج وذكر أنّ بيعهما باطل للجهالة ، فأمّا اللؤلؤ في الصدف فلوضوح اختلاف قيمته بحسب اختلاف لونه شدّة وضعفاً صفاءً وكدراً ، فربّ لؤلؤ يسوى بألف درهم لصفائه ولا يسوى فرد آخر منه بدرهم لكدره كسائر المجوهرات فإنّ بعضها يسوى بقيمة غالية لشدّة لونه دون بعضها الآخر لضعفه كما في الفيروزج ، وجهالة أوصافها من أوضح أنحاء الغرر ، وأمّا بيع البيض في بطن الدجاج فإن كان ذلك الدجاج معتاداً على بيض معيّن من حيث الكبر والصغر فلا مانع من بيعه في بطنه للعلم بمقداره بحسب عادته فلا غرر حينئذ لاطمئنانه أو علمه بمقداره وقيمته ، وأمّا إذا لم تكن له عادة معيّنة فالبيع غرري للجهل بكبره وصغره ولقيمته زيادة ونقيصة .

الكلام في بيع المجهول فيما إذا ضمّ إليه معلوم

لا إشكال في بطلان بيع المجهول ولو انضمّ إليه شيء آخر معلوم أيضاً بحسب

ــ[469]ــ

القاعدة الأوّلية ، للجهل بمقدار المركّب من المجهول والمعلوم ، والجهل بمقدار المبيع يوجب الغرر وهو يوجب البطلان ، ولا ينافي ذلك كون بعض أجزائه معلوماً إذ ما من شيء مجهول غرري إلاّ وبعض أجزائه معلوم للمتبايعين ، هذا بحسب القاعدة الأوّلية .

إلاّ أنّ المشهور بين المتقدّمين وكذلك بين المتأخرين كالأردبيلي(1)والسبزواري(2) وغيرهما إلاّ بعضهم جواز بيع المجهول منضمّاً إلى معلوم ، من دون فرق في ذلك بين كون الغرض هو ابتياع المجموع بذاتهما وبين كون الغرض منه هو ابتياع المجهول وإنّما ضمّ إليه المعلوم للوصلة إلى غرضه وتصحيح بيعه ، وقد اعتمدوا في الحكم بالجواز الذي هو على خلاف مقتضى القاعدة الأوّلية على روايات(3)واردة في جواز بيع المجهول بالضمّ إلى معلوم ، وهذه الروايات بين ضعيفة وموثّقة وصحيحة ، وقد ورد بعضها في بيع أسماك الأجمة بأن يخرج سمكاً منها بيده فيبيع ما في الأجمة من الأسماك بضمّ السمك المعلوم الذي بيده إليها ، فإذا لم يوجد في الأجمة سمك يقع الثمن في مقابل السمكة المعلومة لا محالة ، وبعضها الآخر ورد في بيع اللبن في الضرع بضمّه إلى ما في السكرجة من اللبن المحلوب ، وقد ورد بعضها الثالث في بيع ما في بطون الغنم من الحمل بضمّ أصوافها إليها إلى غير ذلك من الأخبار فراجع .

وقد أورد شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(4) على الاستدلال بالروايات المتقدّمة مناقشات يرجع حاصلها إلى وجوه : الأوّل أنّ الروايات على تقدير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجمع الفائدة 8 : 185 ـ 186 .

(2) كفاية الأحكام : 91 .

(3) الوسائل 17 : 354 / أبواب عقد البيع وشروطه ب12 .

(4) المكاسب 4 : 311 .

ــ[470]ــ

دلالتها والعمل على طبقها تختص بمواردها ولا يمكن التعدّي منها إلى غيرها لأنّها على خلاف القاعدة الأوّلية كما عرفت . الثاني : أنّ مورد الأخبار إنّما هو الشكّ في وجود المجهول كالشكّ في وجود السمك في الأجمة وعدمه ومحلّ الكلام إنّما هو الشكّ في صفة الموجود فوجود المبيع معلوم ونشكّ في أوصافه ، وهذا غير مورد الروايات كما لا يخفى . والثالث : أنّ هذه الأخبار لا يمكن العمل على طبقها في مواردها فكيف بالعمل بها في غيرها من الموارد ، وذلك لأنّها دلّت على جواز بيع المجهول بضمّه إلى مجهول آخر وهذا ممّا لا يلتزم به أحد .

أمّا ما ورد في بيع السمك فلأنّ السمك من الموزون ولذا ذهبوا إلى جريان الربا في السمك فراجع ، وإخراج سمك بيده لا يخرج السمك عن الجهالة فكيف يكون ضمّ ذلك إلى المجهول موجباً لصحّة بيع المجهول .

وأمّا ما ورد في بيع الحمل في بطون الغنم فلأنّ الأصواف المنضمّة إليه مجهولة المقدار ولا يعلم أنّ أصواف النعم على ظهورها أيّ مقدار فالضميمة مجهولة فكيف تصحّح البيع ، وكذا الحال فيما ورد في بيع اللبن في الضرع للجهل بمقدار ما في السكرجة من المحلوب ، ومع كون الضميمة مجهولة لا يمكن الالتزام بصحّة المجهول هذا ملخّص ما أورده (قدّس سرّه) على الاستدلال بالأخبار .

أمّا ما أورده أوّلا فقد ظهر الجواب عنه ممّا بيّناه(1) في بيع العبد الآبق مع الضميمة ، لأنّا ذكرنا هناك أنّ قوله (عليه السلام) في روايات جواز بيع الآبق مع الضميمة أنّه على تقدير عدم وجدانه الآبق يكون ما نقده بازاء ما اشترى معه بمنزلة التعليل للحكم بالجواز ، وهو بيان للمناط في جواز بيع المجهول مع الضميمة والروايات الواردة فيما نحن فيه أيضاً مشتملة على التعليل ، وعليه فلا مانع من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الصفحة354 .

ــ[471]ــ

التعدّي عن موارد الأخبار إلى غيرها ، هذا مع أنّ السائل في الروايات لم يكن يحتمل الخصوصية في المورد قطعاً وإنّما سأله عنها من باب المثال حتّى يعرف حكم المسألة في غيره من الموارد .

وأمّا الجواب عن الوجه الثاني : فهو أنّ بيع المجهول بحسب الوجود إذا صحّ بالضمّ إلى معلوم فكيف لا يصحّ بيع شيء معلوم الوجود مجهول بحسب الأوصاف عند الضمّ إلى شيء معلوم ، فما أفاده (قدّس سرّه) من أن مورد الأخبار هو الشكّ في وجود المجهول فلا تشمل ما إذا كان وجود المجهول ثابتاً وشككنا فيه بحسب الأوصاف ممّا يقتضي العجب ، لأنّ البيع في مثل المجهول بحسب الأوصاف يصحّ بطريق أولى .

وأمّا الجواب عن الوجه الثالث : فهو أنّ الغرض من الأخبار ومحطّ النظر فيها إنّما هو تصحيح بيع المجهول بالضمّ إلى معلوم ، وأمّا أنّ المعلوم لابدّ وأن يكون على أيّ نحو فليست الروايات مسوقة لذلك وإنّما هي تدلّ على جواز بيع المجهول بالضمّ إلى المعلوم المشروط جواز بيعه بما ذكر في البيع من المعلومية والوزن وغيرهما من الشروط ، لا أنّها دلّت على جواز بيع المجهول بالضمّ إلى معلوم لا يعلم قدره أو وزنه بوجه ، لوضوح أنّها في مقام بيان الجواز في المجهول بضمّه إلى معلوم على الشروط المذكورة في صحّة بيع ذلك الضميمة المعلومة ، هذا .

مضافاً إلى أنّ الضمائم من أين استكشفنا جهالتها في الروايات ، أمّا في ضمّ الأصواف إلى بيع الحمل في البطون فلاحتمال انفصالها عن ظهور الغنم ومعلومية مقدارها ، أو احتمال معلوميتها على ظهورها لأجل تعيين أهل الخبرة على وجه لا يوجب الغرر ، وأمّا ضمّ اللبن في السكرجة فلاحتمال أنّ السكرجة كانت كيلا معيّن المقدار وكان اللبن الموجود فيها معلوم المقدار لا محالة ، وأمّا السمك فهو أيضاً كذلك لاحتمال العلم بوزنه ومقداره ، على أنّا نمنع من كون السمك من الموزون بل هو يباع

ــ[472]ــ

بالوزن تارة وبالعدد اُخرى كما لا يخفى على من لاحظ موارد بيع السمك ، فإثبات جهالة الضمائم في الروايات على عهدة مدّعيها . وأمّا جريان الربا في السمك فهو ليس مستنداً إلى كونه من الموزون بل هو من جهة قاعدة أنّ كل شيء كان موزوناً في زمان أو في بلد يجري فيه الربا ولو كان ذلك الشيء من المعدود في مكان آخر أو بلد آخر فلا تغفل ، وكيف كان فلا مانع من الاستدلال بالأخبار في المقام ، هذا .

على أنّ لنا أن نقول : إنّ المستند في عدم جواز بيع المجهول هو الإجماع كما ذكرناه في بيع العبد الآبق دون قاعدة نفي الغرر للمناقشة في دلالتها وسندها والمتعيّن الثابت من الإجماع هو بيع المجهول على استقلاله وتجرّده ، وأمّا مع الضمّ إلى شيء آخر معلوم ولو لأجل الحيلة في تصحيح المعاملة فلا إجماع منهم على البطلان كيف وقد عرفت أنّ المشهور بين المتقدّمين والمتأخّرين كالأردبيلي والسبزواري وجملة من المحقّقين هو الجواز ، وعليه فالظاهر أنّ بيع المجهول فيما إذا ضمّ إليه معلوم صحيح سواء كان المعلوم بنفسه مقصوداً في المعاملة أم كان ضمّه لأجل الوصلة إلى بيع المجهول ، هذا .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net