الجمع بين روايات طلب الكسب وطلب العلم 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4313


ثمّ إنّهم ذكروا أنّ الروايات(2) الدالّة على طلب الاكتساب والمعاملة متعارضة مع الروايات الدالّة على طلب العلم وتحصيله ، ومن ثمّة جمع صاحب الحدائق(3) بينهما بتخصيص أدلّة الاكتساب بالأدلّة الدالّة على طلب العلم ، وأنّ ما دلّ على طلب الاكتساب مختصّ بغير طالب العلم ، هذا .

ولا يخفى أنّ هذا الجمع وتخصيص أدلّة الاكتساب بما دلّ على طلب العلم ممّا لا وجه له بحسب مقامي الثبوت والاثبات . أمّا بحسب مقام الثبوت ، فلأنّ طالب علم إذا لم يزاحمه الاشتغال بالاكتساب كما إذا كان حَسن الخط جدّاً بحيث يباع كل سطر منه بدينار في السوق من دون أن يكون كتابة سطر واحد مزاحماً لتحصيله في كل يوم فلا مانع من أن يكتسب بذلك الكسب الحلال ويكتب سطراً في كل يوم ويتعيّش به ويشتغل بتحصيل العلوم والكمالات أيضاً فإنّه أحسن من طلب العلم من دون اكتساب لأنّه عليه يجمع بين كلّ واحد من الفضيلتين ، فلا يحتمل في مثله أن يقال إنّ طلب الاكتساب غير مستحبّ في حقّه ، هذا في مقام الثبوت .

وكذلك الحال في مقام الاثبات ، إذ لم يرد دليل على تخصيص أدلّة الاكتساب بما دلّ على طلب العلم فلا وجه له بوجه ولا شاهد عليه أصلا ، هذا .

ـــــــــــــــ
(2) الوسائل 17 : 381 / أبواب آداب التجارة ب1 .

(3) الحدائق 18 : 9 ـ 10 .

ــ[494]ــ

ثمّ إنّه ذكر الأخبار الدالّة على أنّ الله تكفّل لطالب العلم برزقه ولا يجوز له الاتّكال على الأسباب الظاهرية بل عليه أن يتوكّل على الله ثمّ استشهد عليه بكلام الشهيد الثاني (قدّس سرّه) في آداب تحصيل العلم وأيّده بروايات اُخرى وردت في عدم جواز الاتّكال على غيره تبارك وتعالى .

ولكن الصحيح كما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ هذه الأخبار وكلام الشهيد كلّها أجنبية عن المراد ولا يكون ذلك قرينة على تخصيص أدلّة الاكتساب بما دلّ على طلب العلم ، لأنّ التوكّل على الله وعدم الاتّكال على غيره لازم على جميع الناس ولا يختصّ به طالب العلم وإن كان مراعاته في حقّه أولى من غيره ، والاكتساب لا ينافي التوكّل على الله ولذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) والباقر (عليه السلام) وغيرهما (سلام الله عليهم) يكتسبون بالاُجرة والعمل لليهودي أو بالزراعة ونحوهما مع أنّهم كانوا متوكّلين عليه تعالى .

فالصحيح في المقام أن يقال : إذا فرضنا كل واحد من الاكتساب وتحصيل العلم مستحبّاً كما إذا كان عنده مقدار الواجب من النفقة لنفسه وعياله الواجب النفقة عليه وأراد الاكتساب للتوسعة عليهم أو لأجل الصرف في الوجوه الخيرية كالزيارة والإحسان ونحوهما ، وفرضنا أيضاً أنّه عالم بمسائل نفسه وهناك من يقوم بحفظ الأحكام عن الإندراس وإنّما أراد تحصيل العلم ليصل إلى مرتبة الاجتهاد ويعلّم الناس فإنّه أمر محبوب كما أنّ الاكتساب للتوسعة محبوب ، فيدخلان في باب المزاحمة لعدم قدرته على الجمع بينهما نظير غيرهما من المستحبّات المتزاحمة كزيارة الأمير (عليه السلام) والصلاة المبتدأة أو قضاء حوائج المؤمنين فلا يكونان متعارضين ، وبما أنّ كلّ واحد من المستحبّات مرخّص في تركه فلا يلزم من الأمر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 342 ـ 345 .

ــ[495]ــ

بجميعها محذور ، فيكون كلّ واحد منهما مستحبّاً وباقياً على محبوبيته ، فينبغي حينئذ ملاحظة الأهم منهما وأنّ أيّهما أنفع له من المستحبّين فربما يكون طلب العلم راجحاً في حقّه لأنّه لو اشتغل بتحصيل العلم يمكن أن يخدم الدين بتأليفاته وترويجه ولكنّه لو اشتغل بالكسب لا يتمكّن من المبرّات إلاّ الإحسان لفقير واحد ، فحينئذ ينبغي الأخذ بطلب العلم ، واُخرى يكون الاكتساب أرجح من طلب العلم كما إذا فرضنا أنّه لا يترتّب أثر مهم على طلب علمه لقلّة فهمه وعدم استعداده ، وأمّا لو اشتغل بالكسب يتكفّل لحاجات أكثر المشتغلين ويدفع الضرورة عن المحتاجين ويروّج الدين بتعمير المساجد وتأسيس المدارس ونحوهما فالأولى في حقّه هو الأخذ بالاكتساب ، وثالثة يتساويان فيتخيّر بينهما ، وكيف كان فحالهما حال سائر المتزاحمين غاية الأمر أنّه لا يستحقّ العقاب بتركهما أو ترك الأهم منهما وإنّما يلزم ترك الأولى .

كما أنّه إذا فرضنا كلّ واحد من الاكتساب والتحصيل واجباً كفائياً لوجود من يقوم بنفقة عائلته ونفقة نفسه لو اشتغل بطلب العلم ووجود من يحفظ الأحكام عن الاندراس لو اشتغل بالكسب ، فهما من الواجبين المتزاحمين فلابدّ من ملاحظة أنّ أيّهما أهمّ ومع عدم الترجيح يتخيّر بينهما .

وكذا فيما إذا فرضناهما واجبين عينيين كما إذا لم يكن هناك من يتكفّل نفقة نفسه وعائلته ولم يكن هناك مجتهد يحفظ الأحكام عن الاندراس نعوذ بالله فإنّ الأهم منهما مقدّم على المهم ، فإذا فرضنا أنّه بحيث لو لم يشتغل بالعلم لاندرست الأحكام واضمحلّ الدين فنوجب عليه التحصيل ولو كان ذلك موجباً لهلاكة من تجب عليه نفقته ، وأمّا إذا كان اكتسابه موجباً لئلاّ يكون هناك مجتهد في البين ولكن لا تندرس به الأحكام لقيام آخرين بذلك عن قريب فيتعيّن عليه الاكتساب لئلاّ تموت عائلته . وبالجملة أنّ حالهما حال سائر المتزاحمين والفرض أنّهما خارجان عن

ــ[496]ــ

التعارض ، هذا أحد المقامين اللذين ينبغي التكلّم فيهما في المقام .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net