ثبوت خيار المجلس للوكيل - خيار المجلس للوكيل في إجراء العقد فقط 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4860


ثبوت خيار المجلس للوكيل

لا إشكال في ثبوت خيار المجلس للمالك والوكيل في الجملة . وأمّا أنّه هل يثبت للوكيل مطلقاً فهو مورد الخلاف بينهم ، وتوضيح ذلك : أنّ الوكيل على ثلاثة أنحاء :

الأوّل : أن يكون الوكيل وكيلا في مجرد إجراء العقد والصيغة بين المتعاملين من دون أن يكون وكيلا في ردّ الثمن أو المثمن أو تبديلهما بشيء آخر أبداً كما يشاهد ذلك في مثل النكاح والمعاملات الواقعة على الأموال الخطيرة حيث يوكّلون العالم بالصيغة وشرائطها في إجراء العقد الواقع على المال المعيّن بازاء العوض المعيّن ، وفي هذا النحو لا قدرة للوكيل في غير إجراء العقد بل هو كأنه لسان الموكّل لا أكثر وكأنّ الموكّل يجري الصيغة بلسان الغير .

الثاني : أن يكون الوكيل وكيلا مفوّضاً في بيع المال إلى أيّ شخص أراد أو بأيّة قيمة شاء ، وهذا كما يتّفق في الدلاّلين حيث يعطي مالك المال ماله إلى الدلاّل

ــ[51]ــ

ويوكّله في بيعه ويفوّض أمر المال إليه ، فله أن يبيعه لمن شاء وبأيّة قيمة أرادها وهو الذي تنقضي وكالته بالبيع أو الشراء .

الثالث : أن يكون الوكيل وكيلا مفوّضاً بنحو أوسع من الثاني بأن يكون وكيلا في بيعه ومختاراً في بيع ثمنه أو المثمن بشيء آخر وبيع العوض الثاني وهكذا وكأنه المالك بعينه ، فهو مفوّض في جميع التصرفات الواقعة على المال بردّه وقبوله وبيعه وفسخه ، وهذا كما في عامل المضاربة فانّه وكيل من قبل المالك في التصرف في المال بأيّ نحو أراد ، هذه أقسام ثلاثة للوكيل.

أمّا القسم الأول : فقد ذهب شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) إلى عدم ثبوت الخيار له خلافاً لما حكي عن صاحب الحدائق (قدّس سرّه)(2) حيث ذهب إلى ثبوته للوكيل في إجراء الصيغة حتى مع منع المالك عن ثبوته للوكيل .

وقد استدلّ الشيخ (قدّس سرّه)(3) على ذلك بوجوه :

منها : أنّ أدلّة خيار المجلس منصرفة عن الوكيل في اجراء العقد .

وفيه : أنّ الانصراف إمّا من جهة مادّة البيع أو من جهة هيئة « بيِّع » الذي هو فعيل من البيع . أمّا دعوى انصراف المادّة فهي واضحة الفساد ، لأنّ البيع عبارة عن تبديل مال بمال والوكيل بدّل مالا بمال فلماذا لا يصدق عليه البيِّع ؟ نعم إنّما باعه وبدّله لا لنفسه بل لغيره ، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب انصراف البيّع عنه وإلاّ فالوكيل المفوّض الذي التزم هو (قدّس سرّه) بثبوت الخيار له ممّن يصدق عليه البيِّع مع أنه يبيعه للغير أيضاً ، وهكذا ولي الطفل إذا باع مال الطفل ، وكذا الحال في بيع الحاكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 28 .

(2) لاحظ الحدائق 19 : 12 .

(3) المكاسب 5 : 28 ـ 29 .

ــ[52]ــ

وبيع الوقف ونحوهما ، فلا وجه للانصراف بحسب المادّة .

وأمّا بحسب الهيئة فمن الظاهر أنّ الهيئة إنّما تدلّ على ثبوت المادّة في من تلبّس بها وأنه متلبّس بها فعلا ، ولا تدلّ على خصوصية اُخرى توجب انصراف البيِّع عن الوكيل ، فدعوى الانصراف ساقطة .

ومنها : أنّ خيار الحيوان قد ذكر في الروايات(1) مقارناً مع خيار المجلس وموضوعهما واحد حيث سئل (عليه السلام) عن الشرط في الحيوان فقال : ثلاثة أيّام  ، وفي غير الحيوان إلى إن يفترقا ، وبما أنّ خيار الحيوان لا يثبت للوكيل ولا يلتزم فقيه بثبوته للوكيل فكذلك في خيار المجلس ، وذلك لأنّهما وإن لم يكونا من قبيل المطلق والمقيّد لأنّ أحدهما أجنبي عن الآخر إلاّ أنّ سياق الجمع يشهد باتّحاد المراد بالبيّع في المقامين ، هذا .

ولكنّه ينبغي أن يعدّ من غرائب الكلام ، لأنّ موضوع خيار الحيوان هو صاحب الحيوان ومالكه ، وموضوع خيار المجلس البيِّعان ، فهما حكمان على موضوعين لا ربط لأحدهما بالآخر ، نعم لو كان الموضوع في خيار الحيوان أيضاً البيّعان وكنّا قطعنا بارادة المالك في أحدهما لكنّا حكمنا بارادة المالك في الآخر أيضاً  ، إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك ، لأنّ خيار الحيوان إنّما يثبت على عنوان صاحب الحيوان فكيف يمكن استفادة أنّ المراد بالبيّعين هو المالكان من جهة أنّ المراد من صاحب الحيوان هو المالك .

وقد يقال : إنّ نظر المستدلّ إلى مثل صحيحة محمد بن مسلم : « المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا » حيث إنها رتّبت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الوسائل 18 : 6 / أبواب الخيار ب1 ح3 ، وأورد صدره في ص11 ب3 ح5 .

ــ[53]ــ

خياري المجلس والحيوان على موضوع واحد هو « المتبايعان » وبما أنّا علمنا بالقرائن الخارجية أنّ المراد بالمتبايعين في خيار الحيوان هو المالكان فوحدة السياق تقتضي أن يكون المراد بالمتبايعين في خيار المجلس أيضاً هو المالكان ، دون غيرهما .

والجواب عن ذلك : أنّ المراد الاستعمالي من المتبايعين واحد في كلا الخيارين وإنّما علمنا بالقرائن الخارجية أنّ المراد الجدّي من المتبايعين في أحدهما هو المالكان دون مطلق المتبايعين ، بل ولا يشمل البائع أيضاً لانحصاره بالمشتري الذي هو صاحب الحيوان ، إلاّ أنّ العلم بالمراد الجدّي في أحدهما لا يوجب إرادة ذلك في موضوع الآخر بل نأخذ باطلاق المتبايعين في موضوع خيار المجلس لعدم ثبوت المقيّد ، ونرفع اليد عن إطلاق الموضوع في خيار الحيوان لأجل القرينة الخارجية الكاشفة عن ضيق دائرة الارادة الجدّية . وهذا نظير ما إذا ورد : أنّ الدم نجس ويحرم أكله ولا تجوز الصلاة فيه ، حيث رُتّبت الأحكام الثلاثة على موضوع واحد هو الدم ، ثم ورد جواز الصلاة في الدم فيما إذا كان أقل من درهم ، فانكشف أنّ موضوع عدم جواز الصلاة هو الدم الذي يكون بمقدار درهم أو أكثر ، فإنّ ذلك لا يكشف عن تقيّد موضوع الحكمين الآخرين بل هما باقيان على إطلاقهما ، وهذا ظاهر .

وممّا ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال على ذلك بأنّ غيره من الخيارات تختص بالمالك ولا يثبت في حق الوكيل ، فكذلك خيار المجلس لابدّ وأن يثبت في حق المالك دون الوكيل ، وذلك لأنّ الموضوع في سائر الخيارات لو كان هو البيّعان لقلنا أيضاً بعدم اختصاصها بالمالك في غير خيار الغبن ، لأنّ الضرر فيه يتوجّه على خصوص المالك دون الوكيل وإنما قلنا باختصاصها بالمالك من جهة كون موضوعها هو المالك ونحوه .

ومنها : أنّ الحكمة في جعل خيار المجلس هي تروّي المالك وتفكّره حتى لا

ــ[54]ــ

يتندّم بعد البيع فهي إرفاق للمالك ، وهذه الحكمة لا تأتي في الوكيل ، فالحكمة الداعية إلى جعل الخيار لا توافق ثبوته للوكيل.

وفيه : أنّ الحكمة في الخيار وإن كانت هي الارفاق إلاّ أنّها ليست بمنصوصة حتى يدور الخيار مدارها ، لأنّ المدار على العناوين المذكورة في الأدلّة ، وعنوان البيِّع يشمل الوكيل وإن لم تكن الحكمة جارية في حقّه . وممّا يدلّ على عدم تبعية الخيار للحكمة أنّ الخيار لا إشكال في ثبوته بالاضافة إلى المالك فيما إذا قطعنا بأنّ البيع مصلحة في حقّه وأنّه يتندّم قطعاً باخبار المعصوم أو بالاطمئنان الخارجي .

ومنها : الذي هو العمدة في الوجوه المذكورة في كلام شيخنا الأنصاري(1)أنّ أدلّة الخيار إنّما تثبت السلطنة على استرداد المال المنتقل عنه بعد تسلّطه على ردّ المال المنتقل إليه ، فموضوع أدلّة الخيار هو التمكّن من ردّ المال المنتقل إليه ، وهذا الموضوع لابدّ من إحرازه قبل ثبوت الحكم لا محالة ، ولا يمكن إثباته بالحكم الذي هو الخيار ، لأنّ الحكم لا يثبت موضوعه ، ثم أيّد ذلك بقوله « ألا ترى أنه لو شك المشتري في كون المبيع ممّن ينعتق عليه لقرابة أو يجب صرفه لنفقة أو إعتاقه لنذر فلا يمكن الحكم بعدم وجوبه لأدلّة الخيار بزعم إثباتها للخيار المستلزم لجواز ردّه على البائع وعدم وجوب عتقه » .

ويرد عليه : إنّ ما أفاده أصلا وفرعاً ممّا لا يرجع إلى محصّل .

أمّا بحسب الأصل ، فلأنّه صرّح في باب المعاطاة(2) عند بيان الفرق بين الجواز الثابت في المعاطاة والجواز الثابت في الخيار وكذا في أوّل بحث الخيار(3) وفي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 29 .

(2) المكاسب 3 : 97 ملزمات المعاطاة .

(3) المكاسب 5 : 11 ، 42 .

ــ[55]ــ

بحث الشروط على ما سيأتي(1) بأنّ موضوع الخيار هو حل العقد دون المالين ، ولذا يمكنه فسخه بعد تلف العين بأكلها أو ببيعها مع أنه غير متمكّن من ردّ ما انتقل إليه حينئذ ، فلا يشترط في ثبوت حق الخيار أن يكون متمكّناً من ردّ المال المنتقل إليه.

وأمّا بحسب الفرع ، فلأنّ التمكّن من الفسخ وثبوت الخيار لا يتوقّف على إحراز أنّ المال المنتقل إليه ليس ممّن يجب إعتاقه أو صرفه أو ممّن ينعتق عليه بوجه لما مرّ من أنّ الخيار متعلّق بالعقد فله أن يفسخ العقد ولو مع عدم التمكّن من ردّ المال المنتقل إليه ، غاية الأمر يدفع إلى المالك مثله أو قيمته ، هذا مضافاً إلى أنّ له إثبات عدم كونه ممّن ينعتق عليه بأصالة عدم القرابة بينهما كما يمكنه إثبات عدم وجوب عتقه أو صرفه بأصالة عدم وجوبهما ، بل لو علم بوجوبهما أمكنه الردّ إلى المالك لأنّ الواجب من الاعتاق والصرف في النفقة إنما هو إعتاقه أو صرفه بعد فرض دخوله في ملكه ، والمفروض أنه يخرجه عن ملكه بالردّ ، غاية الأمر أنه يرتكب المعصية بتعجيز نفسه عن الاعتاق والصرف الواجبين في حقّه بردّه المال وإخراجه عن ملكه ، وهذا لا يمنع عن ثبوت الخيار ، وكيف كان فهذا الوجه غير وجيه ولا يمكن المساعدة عليه بوجه .

ومن هنا وجّه شيخنا الاُستاذ(2) كلام شيخنا الأنصاري بأنّ مفاد أدلّة الخيار أنّ الخيار الذي هو عبارة عن السلطنة على نقض ما التزم به الآخر إنّما يثبت لمن كان له سلطنة على نقض ما التزم به نفسه بالاقالة . وبعبارة اُخرى : أنّ موضوع الخيار عبارة عمّن يتمكّن من رفع يده عمّا انتقل إليه بالاقالة فيما إذا رضي به الآخر ، فانّه يتمكّن بالخيار من نقض ما التزم به الآخر ولو من دون رضاه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 149 ، 189 .

(2) منية الطالب 3 : 22 .

ــ[56]ــ

وهذا التوجيه أيضاً لا يرجع إلى أمر محصّل ، وذلك لأنّ الفسخ والاقالة كلاهما متعلّقان بالعقد ويوجبان حلّه ، ولا فرق بينهما إلاّ في أنّ الاقالة مشروطة برضى الآخر دون الفسخ ، إذ لا يشترط فيه رضى الطرف الآخر ، وليست الاقالة عبارة عن حلّ العقد من طرف نفسه والفسخ حلّه من كلا الطرفين ، لأنّ العقد كالعقدة بين حبلين لا يقبل الحل من طرف واحد ، فلو حلّ من طرف أحدهما فقد حلّ من طرف الآخر أيضاً كالفسخ ، غاية الأمر أنّ أحدهما مشروط بالرضا دون الآخر  .

وبالجملة : أنّ العقد لا يتبعّض بحسب الانفساخ بأن ينفسخ من طرف أحدهما دون طرف الآخر ، ولا يقاس الحلّ والفسخ بالالتزام فانه يعقل أن يكون من طرف أحدهما دون الآخر ، وأمّا الحلّ فلا كما لا يخفى .

وعليه فلا تقدّم للاقالة على الفسخ حتى يقال إنّ الاقالة مأخوذة في موضوع الفسخ ، بل كلاهما أمران يوجبان حل العقد وفسخه بلا تقدّم أحدهما على الآخر . وكيف كان فما أفاده ممّا لا يمكن الالتزام به ، هذا كلّه بحسب الحلّ .

وأمّا بحسب النقض ، فينتقض ما أفاده بالنكاح فإنّ أحد الزوجين فيه يتمكّن من فسخ العقد بأحد العيوب المذكورة في بابه مع أنه لا يتمكّن من إقالته لأنه لا يقبل الاقالة ، كما ربما يتحقّق التمكّن من الاقالة من دون أن يتمكّن من الفسخ وهذا كالبيع بعد زمان المجلس فانّه لا يتمكّن من فسخه لعدم الخيار ويتمكّن من إقالته كما هو واضح ، فلو كان مراده (قدّس سرّه) من التوجيه أنّ الاقالة مأخوذة في موضوع الفسخ فقد مرّ أنه ممّا لا يرجع إلى محصّل ، وإن أراد من ذلك أنّ أدلّة الخيار تنصرف إلى صورة التمكّن من الاقالة فهو داخل في الجواب الأول الذي ذكره شيخنا الأنصاري وذكرنا الجواب عنه فلا يكون وجهاً على حدة .

ــ[57]ــ

ثم إنّ في المقام وجهاً ثالثاً ذكره بعض مشايخنا المحقّقين (قدّس سرّه)(1)وملخّصه : دعوى انصراف أدلة الخيار عن الوكيل في مجرد صيغة المعاملة من جهة قلّة الوجود إذ الغالب أنّ الناس يباشرون معاملاتهم بأنفسهم فلو وكّلوا فيها أحداً فيوكّلون الوكيل على نحو التفويض في البيع والشراء لا محالة ، فصدور معاملة من الوكيل في إيقاع الصيغة فقط أمر نادر وقليل ولأجله تنصرف الأدلّة عنه .

وهذا منه (قدّس سرّه) عجيب ، لأنه صرّح في موارد عديدة بأنّ قلّة الوجود وكثرته لا يوجب الانصراف ، هذا . مضافاً إلى أنّ الوكيل في مجرد إيقاع العقد وإن كان أقل من البيع بالمباشرة أو بالوكيل المفوّض إلاّ أنّه أيضاً في حدّ نفسه كثير وليس في القلّة بحيث يلحق بالمعدوم كما يظهر ذلك من ملاحظة بيع الاُمور الخطيرة من القرى والبساتين والدور الكبيرة ، لأنّ الغالب في مثلها توكيل العالم بوضع العقد في مجرد إيقاعه .

ثم إنّ شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) استدلّ بوجه آخر : وهو أنّ أدلّة الخيار مخصّصة لعمومات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وغيره من الأدلّة الدالّة على لزوم المعاملة ، ومن الظاهر أنّ العمومات كأوفوا بالعقود تختصّ بالمالك لأنه خطاب للملاّك وهو الذي يجب عليه الوفاء بعقده دون الوكيل ، وإذن فيكون الخيار أيضاً ثابتاً في حق المالك دون الوكيل ، إذ لا معنى لكون المستثنى منه غير شامل للوكيل وكون المستثنى شاملا له ، هذا .

وما أفاده وإن كان بظاهره ـ بناء على أنّ معنى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وجوب الوفاء بها وحرمة التصرفات فيما انتقل عنه كما ذكره شيخنا الأنصاري في معنى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (الاصفهاني) 4 : 57 .

(2) منية الطالب 3 : 24 .

ــ[58]ــ

الآية  ـ ممّا لا بأس به ، إلاّ أنه بحسب الواقع ممّا لا يمكن المساعدة عليه سيّما بملاحظة ما ذكرناه في معنى الآية من أنّها إرشاد إلى لزوم المعاملات وعدم انفساخها بالفسخ  ، لما عرفت من أنّ الوفاء بمعنى الانهاء والأمر بالانهاء في العقود كناية عن عدم فسخها ، وعليه فلا مانع من شمول العمومات للوكيل والالتزام بأنّ الوكيل أيضاً مأمور بالأمر الارشادي بانهاء العقود كناية عن عدم قبولها الفسخ ، فإذا شمل المستثنى منه الوكيل فلا مانع من أن يشمله المستثنى أيضاً ، وهذا ظاهر .

فإلى هنا عرفت عدم تمامية شيء ممّا ذكر في المقام من الوجوه على عدم شمول أدلّة الخيارات للوكيل في مجرد إيقاع الصيغة ، ومع ذلك كلّه لا يطمئن النفس بشيء .

والذي يمكن أن يقال في المقام : إنّ موضوع الخيار ليس هو البيّع على نحو الاطلاق ، بل المراد هو البيّع الذي يكون بيعه موضوعاً لأحلّ الله البيع وغيره من أدلّة الحل ، ومن الظاهر أنّ أدلّة حلّ البيع وإمضاء المعاملات إنّما تشمل البيع الصادر عن الوكيل في مجرد إيقاع الصيغة بما أنه منتسب إلى المالك لا بما أنه صادر منه .

وتوضيح ذلك : أنّ البيع الصادر عن الوكيل المذكور الذي هو بيع واحد له إضافتان ، إضافة صدورية إلى الوكيل وإضافة الانتساب إلى المالك ، لأنّ المعاملة ببيع الوكيل تسند إلى المالك فيقال إنّ فلاناً باع داره ، فبيع الوكيل واسطة في الثبوت وعلّة لشمول (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) لبيع المالك ، إذ لولا بيعه لما يتحقّق للمالك بيع حتى تشمله آية الحلّ ، وعليه فالبيع بحسب الحدوث مضاف إلى المالك والسلطنة تثبت له حدوثاً ، لا للوكيل المذكور إذ لا سلطنة له بوجه ، لأنه وكيل في إيقاع الصيغة فقط
وأدلّة الخيار تقتضي بقاء ملك السلطنة بعد حدوثها ، والمفروض أنّها حدثت في حقّ المالك دون الوكيل ، ولا يمكن إثبات الخيار للوكيل بمجرد إضافة البيع إليه بحسب

ــ[59]ــ

الصدور وإلاّ لانتقض بيع الفضولي فإنّه ممّا لم يذهب أحد إلى ثبوت خيار المجلس للفضولي ولو مع إجازة المالك له في مجلس البيع ، وليس هذا إلاّ من جهة أنّ آية الحل إنّما تشمله بما أنّه منتسب إلى المالك لا بما أنه صادر من الفضولي .

وهذا الذي ذكرناه ليس راجعاً إلى دعوى الانصراف وأنّ البيّع لا يشمل الوكيل لأنه كما عرفت غير صحيح ، بل مع الاعتراف بأنّ البيّع شامل له كما أنه يشمل الفضولي ندّعي عدم ثبوت الخيار في حقّه من جهة أنّ موضوعه هو من تشمله آية الحل ، وهي إنّما تشمل البيع لانتسابه إلى المالك كما مرّ ، هذا .

ثم لا يخفى أنه ليس في المقام عموم كلفظة « كل » ونحوها حتى يتمسك به في تسرية الخيار للوكيل كما إذا ورد أنّ كل بيّع له الخيار ، وإنما يمكن تسرية الحكم إليه بواسطة الاطلاق والتمسك بمقدمات الحكمة ، وعليه فيمكن أن يقال إنّ الأدلّة التي ذكروها في المقام لاختصاص الخيار بالمالك حتى ما ذكرناه أخيراً يكفي في المنع عن تمامية المقدّمات لصحّة الاعتماد عليها في مقام البيان ، ومعه لا يمكن التمسك بالاطلاق وتسرية الخيار إلى الوكيل ، فيكون الدليل مجملا ، ويكفي لنا الاجمال في المنع عن ثبوت الخيار للوكيل ، فنأخذ بالمقدار المتيقّن وهو ثبوته للمالك وأمّا في الوكيل فلا بل تكون الأدلّة الدالّة على لزوم البيع بالاضافة إلى فسخ الوكيل محكّمة ، وهذا بخلاف ما لو ادّعينا الانصراف فإنّ معناه ظهور الدليل في المالك لا إجماله والأخذ بالمقدار المتيقّن كما هو واضح ، هذا في الوكيل في مجرد إيقاع الصيغة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net