مسقطات خيار المجلس \ المسقط الأوّل : اشتراط السقوط ضمن العقد 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6730


مسقطات خيار المجلس

من جملة المسقطات لخيار المجلس اشتراط سقوطه في ضمن العقد على نحو

ــ[93]ــ

شرط النتيجة دون شرط العمل ، وقد استدلّوا على ذلك بالاجماع على سقوطه باشتراطه في ضمن العقد .

ويدفعه : ما ذكرناه غير مرّة من أنّ الاجماع في أمثال المقام لا يمكن الاعتماد عليه ، للعلم باستناد المجمعين إلى الأدلّة الدالّة على العمل بالشرط ، بل لا يصحّ الاعتماد عليه فيما إذا احتمل الاستناد إلى دليل فضلا عمّا إذا علمنا بالاستناد والوجه في ذلك أنّ الاتّفاق بما هو لمّا لم يكن حجّة معتبرة بل إنّما صار كذلك من جهة كشفه عن رأي المعصوم (عليه السلام) فلا محالة يختص بما إذا استكشفنا رأيه (عليه السلام) عن الاجماع بالقطع ، وأمّا فيما إذا احتملنا أو علمنا بأنّ المجمعين اعتمدوا في ذلك إلى دليل فلا يحصل لنا القطع بكشف الاجماع عن رأيه (عليه السلام) ومعه لا يمكن الاعتماد عليه وهذا ظاهر .

وقد استدلّ أيضاً على ذلك بالرواية المستفيضة « المؤمنون عند شروطهم » أو « المسلمون عند شروطهم »(1) وبما أنه شرط سقوط الخيار فيجب العمل عليه والالتزام به بمقتضى الرواية المستفيضة .

والظاهر أنّ الرواية لا دلالة لها على سقوط الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد ، وهذا لا من جهة معارضتها بأدلّة الخيار لأنّها على تقدير تماميتها ودلالتها على وجوب العمل بالشرط تتقدّم على أدلّة الخيار لحكومتها عليها من حيث إنّها ناظرة إلى الأحكام الثابتة على العناوين الأوّلية كما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بل من جهة ما ذكرناه سابقاً من أنّ ظاهر الرواية وجوب العمل على الشرط تكليفاً نظير قوله المؤمن عند عدته بمعنى أنّ كونه عنده والتزامه به من لوازم الإيمان ، وهذا إنّما يتم في اشتراط الأعمال التي يتمكّن المكلّف من إتيانها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21 : 276 / أبواب المهور ب20 ح4 .

ــ[94]ــ

وتركها فيكون العمل بها من لوازم الإيمان .

وأمّا في مثل المقام الذي يشترط فيه سقوط الخيار على نحو شرط النتيجة فهو أي سقوطه وعدمه لا يكون من لوازم الإيمان ، إذ لا ربط له بالمكلّف ، لأنّ الخيار حكم شرعي إن أمضى الشارع شرط سقوطه فيسقط وإلاّ فلا . وبالجملة أنه ليس عملا للمكلّف ومرتبطاً به ليقال إنه من لوازم الإيمان ، لأنّ عدم سقوطه غير مرتبط به حتى يكتشف به عدم الإيمان مثلا . وكيف كان فهذه الرواية لا تشمل المقام  ، هذا .

على أنّ الرواية على تقدير تماميتها في حدّ نفسها والغضّ عمّا ذكرناه لا تشمل اشتراط السقوط ، لأنّ هذا الشرط مخالف للسنّة . نعم ليس مخالفاً لمقتضى العقد لأنّ مقتضاه الملكية إمّا إلى الأبد وإمّا إلى زمان الفسخ ، واللزوم والجواز حكمان شرعيان وليسا من المنشآت في العقد حتى يكون من مقتضياته وإنّما المنشأ هو نفس الملكية فقط .

وبالجملة : أنّ سقوط الخيار والحكم باللزوم غير مخالف لمقتضى العقد كما هو ظاهر ، ولكنّه مخالف للسنّة ، وذلك لأنّ ما دلّ من السنّة على أنّ « البيّعان بالخيار » يقتضي باطلاقه ثبوت الخيار على كلا تقديري اشتراط السقوط وعدمه ، فيكون ذلك الاشتراط مخالفاً للسنّة وقد دلّت الروايات الواردة في الشروط على عدم لزوم العمل بها فيما إذا خالفت الكتاب والسنّة .

فالمتحصّل : أنّ اشتراط سقوط الخيار لا يشمله عموم « المؤمنون عند شروطهم » .

وأمّا صحيحة مالك بن عطية قال « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل كان له أب مملوك وكان تحت أبيه جارية مكاتبة قد أدّت بعض ما عليها ، فقال لها ابن العبد هل لك أن اُعينك في مكاتبتك حتى تؤدّي ما عليك بشرط أن لا يكون

ــ[95]ــ

لك الخيار بعد ذلك على أبي إذا أنت ملكت نفسك ، قالت نعم ، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار عليه بعد ذلك ، قال (عليه السلام) : لا يكون لها الخيار المسلمون عند شروطهم »(1).

فهي وإن كانت صحيحة إلاّ أنه لابدّ من تخصيصها بموردها أو من حملها على ما سيأتي توضيحه ، وذلك لأنّ مفاد الصحيحة سقوط خيار الأمة باشتراط السقوط قبل تحقّق المقتضي للخيار ، إذ الموجب لخيار الأمة هو الحرية والانعتاق وهذا إنّما يتحقّق بعد دفع مال المكاتبة ، والمفروض أنّ اشتراط السقوط إنّما هو قبل أداء مال المكاتبة وكيف يسقط الخيار الثابت بعد الحرية باشتراط السقوط قبل ثبوت مقتضيه  ، وهذا نظير ما إذا اشترط في ضمن عقد الاجارة سقوط خيار المجلس في البيع الذي سيوجده بعد شهر وهذا ممّا لا يلتزم به الفقهاء ، فلابدّ من أن يقتصر على موردها فلا يجوز التعدّي منها إلى غيرها ، ومن الواضح أنّ مورد الكلام هو اشتراط سقوط الخيار في ضمن البيع المقتضي للخيار لا فيما قبل ثبوت المقتضي كما في المثال ، فلا يمكننا التعدّي منها إلى المقام .

نعم يمكن أن يقال : إنّ المراد بالخيار واشتراط نفيه في الرواية ليس هو الخيار المصطلح عند الفقهاء أعني ملك فسخ العقد وإمضائه حتى يستدلّ بها في المقام ، بل المراد منه هو الخيار بالمعنى اللغوي أعني الاختيار الذي هو بمعنى طلب الخير والأخذ بما فيه المصلحة ، وهو مصدر واسمه الخيار ، فمعنى اشتراط أن لا يكون لها الخيار أن يشترط عليها أن لا تأخذ بالفسخ ، ومعنى وجوبه عليها أنه يجب على الأمة أن لا تفسخ العقد ، ومن الظاهر أنّ عدم فسخها من الأفعال فهو من قبيل اشتراط الفعل لا من قبيل اشتراط النتيجة أعني سقوط الخيار ، وعليه فالرواية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 23 : 155 / أبواب المكاتبة ب11 ح1 .

ــ[96]ــ

أجنبية عن المقام والحكم فيها على القاعدة ، لما مرّ من أنّ الرواية المستفيضة إنّما تقتضي وجوب الوفاء بالشرط فيما إذا كان الشرط من الأفعال الداخلة تحت اختيار المكلّف حتى يصح أن يقال إنّ عمله من لوازم الإيمان .

فإلى هنا تحصّل أنّ الاستدلال بعموم « المؤمنون عند شروطهم » على سقوط الخيار باشتراط سقوطه ممّا لا يمكن المساعدة عليه .

والذي يمكن أن يقال في المقام : إنّ الخيار ممّا لا ينبغي الاشكال في سقوطه بالاسقاط بعد المعاملة ، لأنّا استفدنا أنّ جواز الفسخ حقّي وليس من الأحكام بواسطة الروايات التي منها قوله « فذلك رضاً منه »(1) والحكم والحق وإن كان كلاهما صادرين مجعولين من قبل الشارع لا محالة إلاّ أنّ أحدهما ممّا يتمكّن المكلّف من رفعه ووضعه بجعل من الله دون الآخر .

وكيف كان ، فسقوط الخيار بالاسقاط بعد المعاملة ممّا لا كلام فيه ، وعليه فلا مانع من سقوطه بالاسقاط حين المعاملة أيضاً ، ولا يتوجّه عليه شيء من المحاذير إلاّ ما عن بعض الشافعية(2) من أنه إسقاط لما لم يجب ، وقد ذكرنا سابقاً أنّ إسقاط ما لم يجب ممّا لا مانع عنه ولم يرد بطلانه في آية ولا في رواية ، ولا محذور فيه إلاّ من جهة التعليق المجمع على بطلانه حيث إنّ معنى الاسقاط حينئذ أنّي أسقطته لو تحقّق بعد ذلك ورفعت اليد عنه على تقدير ثبوته في الآتية ، والتعليق ممّا أجمع على بطلانه ولكن لا إجماع على بطلان التعليق في المقام بل الاجماع على خلافه ، وعليه فلا مانع من إسقاطه حين المعاملة وإن كان من قبيل إسقاط ما لم يجب ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 13 / أبواب الخيار ب4 ح1 .

(2) المهذّب للشيرازي 1 : 265 ، المجموع 9 : 178 ـ 179 .

ــ[97]ــ

ثم إنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) ذكر أنّ اشتراط عدم الخيار على ثلاثة أقسام :

الأول : اشتراط عدم الخيار من الابتداء وهذا هو الذي تقدّم الكلام فيه وقلنا إنه لولا رجوعه إلى إسقاط الخيار في المعاملة الذي استفدنا من الأخبار جوازه من جهة كون الخيار حقّياً لأمكن المنع عنه لمخالفته السنّة أعني الروايات الدالّة على أنّ « البيّعان بالخيار » وإن لم يكن مخالفاً للعقد إلاّ أنّا ذكرنا أنه يرجع إلى الاسقاط ولا مانع عنه ولو فيما قبل البيع ، لعدم قيام الاجماع على بطلان إسقاط ما لم يجب في المقام وقد مرّ تفصيله فراجع .

الثاني : اشتراط عدم الفسخ خارجاً بعد البيع والمعاملة ، ومعناه اشتراط أن لا تفسخه ، وهو يرجع إلى اشتراط الفعل فلا مانع عنه ، وبذلك يحرم عليه الفسخ ويكون العقد لازماً .

وربما يقال : إنّ لزوم العمل بالشرط إنّما هو من جهة وجوب الالتزام بالعقد الذي وقع الشرط في ضمنه ، فيكون اللزوم في الشرط متفرّعاً ومتوقّفاً على اللزوم في العقد ، إذ لا معنى لجواز العقد مع وجوب العمل بالشرط المذكور في ضمنه ، فإذا فرضنا أنّ العقد جائز لأجل الخيار ولا يجب الالتزام في نفس العقد والمعاملة فكيف يمكن أن يقال بوجوب الالتزام في الشرط ، وعليه فيكون الشرط كالعقد جائزاً فله أن يفسخ المعاملة فلا يكون البيع لازماً بذلك ، هذا .

ويمكن الجواب عن ذلك : بأنّ الشروط الواقعة في ضمن العقود ممّا يجب الالتزام بها مطلقاً بمقتضى عموم « المؤمنون عند شروطهم » وغيره ، كان العقد جائزاً أو لازماً ، ومعنى كون الشرط جائزاً من جهة جواز العقد أنّ العقد فيما إذا كان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 55 ـ 57 .

ــ[98]ــ

في حدّ نفسه جائزاً فللمكلّف أن يرفع موضوع ذلك الشرط الواجب وهو العقد وبرفع موضوعه يرتفع الشرط لا محالة لأنه أمر مربوط بالالتزام العقدي ، فإذا رفعنا اليد عن الالتزام في العقد فلا يبقى للعمل بالشرط مورد ومحل ، لا أنّ الشرط في ضمن العقد الجائز ممّا لا يجب العمل به ، فإذا وهب ماله واشترط في ضمنه خياطة ثوب أو عمل آخر فيجب على المشروط عليه خياطة الثوب أو ذلك العمل ، اللهمّ إلاّ أن يرجع في الهبة ولا يستمر على ذلك الالتزام فحينئذ يرتفع موضوع ذلك الشرط فلا يبقى له محلّ ، ونظير ذلك حرمة التصرف في العوضين في العقود الجائزة فانّ التصرف في العوضين فيها محرّم ما دام العقد بحاله ، اللهمّ إلاّ أن يفسخ العقد ويرفع موضوع الحكم بحرمة التصرفات ، إلاّ أنّ ذلك في مثل اشتراط الخياطة ونحوها من الأفعال ، وأمّا إذا اشترط عدم الفسخ وترك رفع موضوع الشرط فلا يتمكّن من رفع الالتزام العقدي ولا يجوز له رفع اليد عن المعاملة حسب الشرط فيجب عليه الوفاء به ويكون العقد لازماً ، وفي مثله لا يتمكّن من رفع موضوعه لأنّ الشرط هو ترك ذلك وعدم فسخ العقد ، فلا إشكال في اشتراط عدم الفسخ من هذه الجهة .

نعم يبقى في المقام كلام وهو ما أشار إليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) من أنّ هذا الاشتراط لا إشكال في أنه يوجب حرمة الفسخ تكليفاً فارتكابه يوجب الفسق لا محالة ، فهل هذا الاشتراط يوجب حرمة الفسخ وضعاً بحيث لو عصى وفسخ العقد لا ينفذ فسخه ، أو أنه لا يقتضي إلاّ حرمته التكليفية دون الحرمة الوضعية ؟

احتمل شيخنا الأنصاري عدم نفوذ الفسخ بعد الاشتراط ، كما احتمل النفوذ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 56 ـ 57 .

ــ[99]ــ

لعموم أدلّة الخيار ، ثم اختار الاحتمال الأول وتبعه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) في ذلك  ، ولكنّهما اختلفا في الاستدلال على عدم نفوذ الفسخ ، وقد أفاد شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) في وجه ذلك ما ذكره في بحث النهي عن المعاملات(1)وملخّصه  : أنّ النهي إن تعلّق بالسبب كالنهي عن البيع وقت النداء ، أو البيع في أثناء الصلاة لأنه كلام والتكلّم في أثناء الصلاة محرّم ، فهو لا يقتضي الفساد ولا يمنع عن صحة المسبّب ونفوذه كما هو ظاهر إذ لم يتعلّق به نهي ، وأمّا إذا تعلّق بالمسبّب كالنهي عن بيع الخمر فهو يقتضي الفساد ، لأنّ صحة المعاملات بالمعنى الأعم يتوقّف على القدرة عليها لا محالة ، والمفروض أنّ المكلّف غير قادر على البيع شرعاً والممتنع شرعاً كالممتنع عقلا ، فلا يصح البيع في المقام لعدم القدرة عليه شرعاً ، وبما أنّ عدم الفسخ واجب حسبما يقتضيه الاشتراط فيكون الفسخ حراماً ، والنهي عنه يقتضي فساده لعدم قدرته عليه شرعاً ، فلا يكون الفسخ بعد اشتراط عدمه نافذاً هذا .

وقد تعرّضنا لهذا الكلام في بحث النهي عن المعاملات(2) وغيره وذكرنا هناك أنّ النهي التكليفي عن شيء لا يلازم الفساد كما يظهر ذلك بملاحظة غير موارد المعاملات كالتطهير بماء مغصوب الذي يحرم استعماله والتصرف فيه ، أو الاستنجاء بالمحرّمات كالكتب الفقهية ونحوهما فإنّهما محرّمان ولكن يوجبان الطهارة لا محالة ، فلا ملازمة بين الحرمة التكليفية والحرمة الوضعية أبداً .

وأمّا النهي المتعلّق بالمسبّب فهو وإن كان يقتضي الفساد ونحن نلتزم بفساد بيع الخمر في المثال ، إلاّ أنه لا من جهة أنّ النهي يقتضي الفساد ، بل من جهة أنّ النهي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما أشار إليه في هذه المسألة أيضاً ، راجع منية الطالب 3 : 47 .

(2) محاضرات في اُصول الفقه 4 (موسوعة الإمام الخوئي 46) : 166 .

ــ[100]ــ

عن المعاملات ظاهر في الارشاد إلى الفساد بحيث لولا ما دلّ على حرمة بيع الخمر تكليفاً لما كنّا نلتزم بالحرمة التكليفية فيه بهذا النهي بل كنّا نحمله على الارشاد وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محلّه .

وأمّا شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) فقد استدلّ على عدم نفوذ الفسخ باطلاق ما دلّ على وجوب العمل بالشرط ، لأنّ إطلاقه يشمل زمان بعد الفسخ أيضاً حيث إنه شرط عدمه وقلنا إنّ الالتزام بعدم الفسخ لازم فهو يشمل زمان بعد الفسخ فيقال له يجب عليك الالتزام بالعقد وهكذا إلى الأبد ومعناه عدم نفوذ الفسخ ، وهذا نظير ما أفاده(1) في التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) عند الاستدلال على لزوم البيع بناءً على أنّ المراد بالوفاء ترتيب آثار العقد خارجاً حيث ذكر أنّ عمومه يشمل زمان بعد الفسخ أيضاً فيقال له بعد فسخه بأنّك مأمور بترتيب الأثر على العقد ، ولازمه عدم نفوذ فسخه ، وقد ذكر نظير ذلك في المقام ، هذا .

ولا يخفى أنّ ما أفاده (قدّس سرّه) هناك وفي المقام مبني على إرادة وجوب ترتيب الأثر على العقد أو الشرط خارجاً بأن يقال إنّ التصرف في المال بعد شرط عدم الفسخ حرام لعموم قوله (عليه السلام) « المؤمنون عند شروطهم » فهو حرام بعد نقض الشرط وفسخ العقد ، فإذا حكمنا بحرمة التصرف بعد فسخه فمعناه أنّ الفسخ لغو .

وأمّا إذا قلنا إنّ المراد بالوفاء هناك و « المؤمنون عند شروطهم » في المقام هو الانهاء والالتزام بالشرط ، وأنّ الأمر فيهما ارشادي إلى اللزوم ، فلا يبقى لما أفاده في المقامين وجه كما ذكرناه عند التكلّم في التمسك بأوفوا بالعقود على لزوم البيع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 18 .

 
 

ــ[101]ــ

فراجع(1) هذا .

ولا يخفى أنّ ما ذكرناه من تمامية التمسك بالاطلاق في المقام على ما أفاده شيخنا الأنصاري فيما إذا اُريد منهما وجوب ترتيب الأثر خارجاً إنّما يصح فيما إذا اشترط الخياطة أو غيرها من الأفعال في البيع ، وأمّا في مثل اشتراط عدم الفسخ فلا معنى للقول بأنّ الفسخ حرام ولو بعد الفسخ باطلاق « المؤمنون » الخ ، فيحرم عليك الفسخ بعد الفسخ لأنّ المشترط عليه إن فسخ العقد فقد ارتفع الموضوع والعقد فما معنى حرمة الفسخ بعده ، هذا فيما إذا كان فسخ المشترط عليه مؤثّراً .

وأمّا إذا قلنا بعدم نفوذه فالفسخ الثاني كالفسخ الأول لا يكون نافذاً ، فلا معنى للنهي عن الفسخ بعد الفسخ ، فلا يبقى في البين إلاّ احتمال حرمة الفسخ فيما لو أنشأ الفسخ سابقاً بأن يقال إنّك إذا أنشأت الفسخ أي تلفّظت به (بلا تأثير وإرادة معناه) يحرم عليك الفسخ ثانياً ، ولكن إنشاء الفسخ مجرداً لم يكن محرّماً عليه لعدم اشتراطه عدم الانشاء ، وإنّما اشترط عدم الفسخ واقعاً ، فانشاؤه ليس نقضاً للشرط بوجه .

وكيف كان ، لا إشكال في أنّ متعلّق النهي لابدّ من أن يكون ميسوراً للمكلّف ، والفسخ بعد الفسخ ليس ميسوراً له فلا يشمله عموم « المؤمنون عند شروطهم » كما هو ظاهر ، وعليه فلا دليل على عدم نفوذ فسخه فيما لو خالف شرط عدم الفسخ وفسخ العقد بخياره ، هذا .

ثم إنّ في اشتراط عدم الفسخ كلاماً آخر ، وهو أنه لا إشكال في صحة اشتراط عدم فسخ عقد آخر في ضمن معاملة كما إذا اشترط في ضمن البيع أن لا يفسخ عقد الهبة المجانية الصادرة منهما سابقاً ، وأمّا إذا اشترط عدم فسخ هذا العقد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الصفحة 24 .

ــ[102]ــ

الذي يريدان إنشاءه فالمعروف المشهور(1) أنّه صحيح ويجب على المشترط عليه ترك الفسخ خارجاً وإنّما اختلفوا في نفوذ فسخه فيما لو خالف الشرط وفسخ العقد أو لا ، وأمّا أصل صحّته فكأنّه ممّا لا كلام فيه عندهم ، إلاّ أنّ لنا مناقشة في صحّة هذا الشرط ذكرناها في تعليقتنا على باب المضاربة من العروة(2) وملخّصه : أنّ اشتراط عدم فسخ المعاملة التي يقصدانها غير صحيح ، ويظهر وجهه بالتأمّل في معنى الاشتراط في العقد فنقول : الشرط بمعنى الربط فربما لا يكون بين المعاملة والشرط ربط أصلا وإنّما يتعاملان بمعاملة ومقارناً لهذه المعاملة والالتزام يلتزم أحدهما بشيء كالخياطة ونحوه من دون أن يكون بين هذه المعاملة وذاك الالتزام ربط أصلا ، بل هناك أمران متقارنان البيع والوعد بالخياطة من دون أن يعلّق أحدهما على الآخر ، وهذه الصورة وإن كانت معقولة إلاّ أنه ممّا لم يلتزم أحد من الأصحاب بوجوب العمل بالشرط فيها لأنه وعد ، فمن يرى وجوب العمل بالوعد فعليه أن يلتزم بذلك في المقام . وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في عدم وجوب مثل هذا الشرط .

واُخرى يرتبط الشرط بالعقد والمعاملة ، وهذا على قسمين : فتارةً يكون أصل المعاملة والبيع مربوطاً بالشرط ومعلّقاً عليه بحيث لا معاملة ولا التزام منه بالبيع والانتقال قبل العمل بالشرط نظير الواجبات المشروطة قبل فعلية موضوعاتها كقوله تعالى (وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا)(3) فيما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل المشهور بطلان هذا الاشتراط كما نقله السيد في العروة في كتاب المضاربة في هذه المسألة فلاحظ ] العروة الوثقى 2 : 429 المسألة 2 ] 3391 [ كتاب المضاربة [ .

(2) المصدر السابق .

(3) آل عمران 3 : 97 .

ــ[103]ــ

إذا فرضنا عدم تحقّق المستطيع في الخارج ، فإنّ الوجوب لا يصير فعليّاً ويبقى على إنشائه ، فيكون أصل الالتزام بالمبادلة بين المالين وفعليته متوقّفاً على عمل المشروط عليه بالشرط ولولاه فلا يكون الالتزام البيعي فعليّاً . وهذه الصورة أيضاً معقولة ولكنّها باطلة إجماعاً ، لأنّ التعليق في العقود يوجب البطلان حتى فيما إذا كان المعلّق عليه متحقّقاً في الخارج لاشتراط التنجيز في صحتها .

واُخرى أصل الالتزام بالمبادلة والبيع لا يتوقف على شيء وإنما يلتزم بالمبادلة من حال العقد بلا شرط ، ولكن التزامه بهذا الالتزام أي إنهاءه وعدم رجوعه عنه وإقامته عليه واستمراره مشروط ومعلّق على عمل المشروط عليه بالشرط بحيث لو لم يعمل المشروط عليه بالشرط فهو لا يُنهي التزامه ولا يُقرّ نفسه عليه ويرجع عنه ، فهناك التزامان التزام بأصل المبادلة والتزام آخر بعدم رجوعه عمّا التزم به ، والأوّل منجّز فلا تعليق في العقد والثاني مشروط ومعلّق على حصول الشرط ، وهو معنى الاشتراط الموجب تخلّفه الخيار ، ولا معنى معقول للشرط غير ذلك ، لما عرفت من أنّ الصور ثلاثة ، والاُوليان منها باطلتان فتبقى الأخيرة .

فإذا عرفت معنى الاشتراط فنقول : إذا باع واشترط الخياطة على المشتري أو عملا آخر ، فمعناه أنّك إذا لم تف بشرطك فأنا أرجع عن التزامي بالبيع ، وكذا فيما إذا شرط عدم فسخ عقد آخر فإنه إذا فسخ الهبة فهذا لا يلتزم بالبيع ، وهذا ظاهر صحيح .

وأمّا إذا اشترط عدم فسخ المشتري هذا العقد الصادر منهما ، فمرجعه إلى إنّك إذا لم تف بعهدك وشرطك وفسخت العقد فأنا لا ألتزم بالبيع والعقد ، وهذا ممّا لا معنى له ، لأنه إذا رجع وفسخ العقد فالعقد ينحل ويرتفع لا محالة سواء التزم البائع أم لم يلتزم ، فما معنى أنّ العقد إذا انحل بفسخك فأنا أفسخ العقد ، إذ العقد قد انفسخ

ــ[104]ــ

بفسخ المشترط عليه وهذا ظاهر ، ولذا ذكرنا أنّ اشتراط عدم الفسخ للمعاملة الصادرة منهما في ضمن تلك المعاملة أمر لا معنى له ولغو فيكون فاسداً ، وتبتني صحة المعاملة على أنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد أو غير مفسد ، ولا بأس بالمراجعة إلى العروة وما علّقناه عليها في المقام ، هذا كلّه في الصورة الثانية .

الصورة الثالثة : أن يشترط إسقاط الخيار وهو شرط إيجاد الفعل كما أنّ الصورة السابقة شرط ترك الفعل وعدم الفسخ ، والظاهر أنّ هذا الاشتراط ممّا لا مانع عنه بوجه ، فيجب على المشترط عليه إسقاط الخيار بعد المعاملة ، فلو تخلّف فللمشروط له فسخ المعاملة والرجوع عن التزامه ، لأنّ عدم إسقاطه الخيار يوجب تزلزل العقد ، والتزلزل ممّا يرغب عنه في حدّ نفسه ، فله أن لا يبقى على التزامه سواء قلنا بنفوذ فسخ المشترط عليه فيما لو تخلّف وأعمل خياره بالفسخ أم لم نقل ، لأنّ عدم نفوذ فسخه حكم شرعي لا ينافي تزلزل العقد بنظر العقلاء ، وهذا أمر مرغوب عنه عند العقلاء والمشروط له ، فيثبت له خيار تخلّف الشرط .

وأمّا أنّه إذا تخلّف وفسخ فهل ينفذ فسخه أو لا فيأتي فيه الوجهان المتقدّمان في الصورة الثانية ، وقد عرفت أنّ الظاهر نفوذ فسخه لعدم تمامية شيء من الوجهين المتقدّمين عن شيخنا الأنصاري وشيخنا الاُستاذ (قدّس سرّهما) .

ثمّ إنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) ذكر استطراداً أنّ اشتراط عدم الفسخ أو عدم الخيار لجميع الصور المتقدّمة إنما يؤثّر على المشهور فيما إذا ذكر في متن العقد وأمّا إذا ذكراه قبله فلا يؤثّر بوجه . وهذه المسألة وإن كان محلّها بحث الشروط إلاّ أنّ شيخنا الأنصاري تعرّض لها تطفّلا في المقام ، وما أفاده من أنّ صدق الشرط على الشروط الابتدائية غير ثابت هو الصحيح ، لأنّ الشرط يستلزم المشروط نظير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 57 .

ــ[105]ــ

غيره من المتضايفين ، ولا يعقل شرط بلا مشروط ، فالشروط الابتدائية خارجة عن الشرط قطعاً وإنّما هي وعد ، وعلى تقدير عدم القطع بخروجها عن الشرط فلا أقل من كونها مشكوكة الدخول فلا يمكن التمسك بعموم « المؤمنون عند شروطهم » لاثبات وجوب العمل على الشروط الابتدائية ، إمّا للقطع بأنّها ليست بشرط وإمّا لأجل الشك في صدق الشرط عليها ، فلا دليل على وجوب الالتزام بالشروط الابتدائية وهو ظاهر .

وقد فصّل شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) بين العوضين وشرائطهما وبين سائر الشرائط الخارجية كاشتراط الخياطة مثلا ، فإنّهما إذا تقاولا وتبانيا على بيع شيء بكذا ثمّ في مقام البيع لم يذكرا شيئاً من العوضين وإنّما اكتفيا على مجرد إنشاء البيع بقوله بعت وقبلت ، فلا ينبغي الاشكال في صحة مثله لأنّهما منويّان مقدّران فهما كالمذكورين وإن كانا محذوفين ، وكذا الحال في اشتراط الأوصاف الثابتة على العوضين بالارتكاز كاشتراط وصف الصحة فيهما واشتراط التسليم والتسلّم واشتراط مساواة قيمته للقيمة السوقية فإنّها ارتكازية وثابتة في المعاملات سواء ذكرت في ضمن العقد أم لم تذكر ، لقيام القرينة العامّة على ثبوتها واشتراطها وهي الارتكاز ، وأمّا سائر الشرائط الخارجية كاشتراط الخياطة ونحوها فلا ينفع ذكرها قبل العقد بوجه فيما إذا لم تذكر في ضمن العقد لعدم اشتراطها حسب الفرض  ، وعدم قيام قرينة خارجية عليها ، ومن ذلك القبيل شرائط العوضين غير الثابتة بالارتكاز كاشتراط الكتابة في العبد أو كون سنّه كذا وغيرها ممّا لا يشترطونها بالارتكاز .

وبالجملة : أنّ الشروط الخارجية محلّ الكلام ، فقد وقع الكلام في أنه إذا ذكرا اشتراط السقوط قبل العقد فهل يسقط خياره بذلك أو يجب عليه إسقاطه أو لا ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 48 .

ــ[106]ــ

ظاهر كلام الشيخ الطوسي (قدّس سرّه)(1) أنّ اشتراط عدم ثبوت الخيار قبل العقد صحيح وهو لازم العمل نظير الشروط الواقعة في ضمن العقد والمعاملة ، وأمّا شيخنا الأنصاري(2) فقد ذهب إلى عدم صحة هذا الاشتراط وأنه لا دليل على لزوم الشروط الابتدائية ، وحاول أن يأوّل كلام الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) ويحمله على ما إذا ذكراه في ضمن العقد ، بدعوى أنّ المراد باشتراط عدم ثبوت الخيار قبل العقد في كلامه هو اشتراط عدم ثبوته قبل تمامية العقد لا قبل الشروع في العقد وعليه فيكون من قبيل الشرط في ضمن العقد ، وذكر أنّ هذا هو المناسب لكلام الشيخ من جهة أنّ بعض أصحاب الشافعي يخالف في صحة هذا الاشتراط في ضمن العقد قبل تمامه بتوهم أنه من إسقاط ما لم يجب ، وكأنّ كلام الشيخ ناظر إلى دفع ذلك  ، وأنه إذا اشترط في ضمن العقد قبل تمامه لا مانع من شمول العمومات له وقال (قدّس سرّه) إنّ ملاحظة عنوان المسألة والتأمّل في كلمات الشيخ يورث القطع بإرادة ذكر الاشتراط في ضمن العقد قبل تمامه ، هذا .

والظاهر أنّ كلام الشيخ ظاهر في إرادة الاشتراط قبل الشروع في العقد كما فهمه المتأخّرون من كلامه وفهمه العلاّمة واستشكل عليه في المختلف(3) على ما حكاه عنه شيخنا الأنصاري بأنّ الشرط إنّما يعتبر حكمه لو وقع في متن العقد . وكيف كان فلا يهمّنا فتوى الشيخ بالصحة أو بالفساد .

والذي ينبغي أن يقال : إنّ ذكر اشتراط عدم ثبوت الخيار أو غيره من الشرائط قبل العقد على قسمين : فتارة ينشئان المعاملة بعد هذا الاشتراط غافلين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلاف 3 : 21 المسألة 28 من كتاب البيوع .

(2) المكاسب 5 : 58 .

(3) المختلف 5 : 63 .

ــ[107]ــ

عن اشتراطهما لنسيان أو غير ذلك من الجهات بحيث لم يوقعا المعاملة على ذلك الاشتراط ، واُخرى يتعاملان ويتعاقدان مبنياً على ذلك الاشتراط وإن لم يذكراه في ضمن العقد .

أمّا الصورة الاُولى : فالظاهر المعروف عدم لزوم الاشتراط وكونه قبل العقد كعدمه لا يترتّب عليه الأثر ، إذ المفروض خلوّ العقد عن الاشتراط كما أنّ المفروض أنّهما أنشئا الملكية على نحو الاطلاق من غير التزام بذلك الشرط فالملكية بحسب مقام الثبوت مطلقة ولم يذكر الاشتراط في مقام الاثبات أيضاً فبأيّ وجه يجب العمل على الشرط بعد ما عرفت من عدم صدق الشرط عليه قطعاً أو الشك في صدقه عليه ، خلافاً للسيد في حاشيته(1) حيث ذهب إلى لزوم الشرط في هذه الصورة أيضاً .

وأمّا الصورة الثانية : فالظاهر صحة الاشتراط ولزومه ، إذ المفروض أنّ الملكية مقيّدة بذلك الشرط بحسب الالتزام في النفس ، وهذا الالتزام في مقام الثبوت في ضمن إنشاء الملكية كاف في صحة الشرط ، لأنه ليس من قبيل البيع والاجارة وغيرهما من المعاملات أو العقود والايقاعات حتى يقال بتقوّمه بالالتزام النفساني وبالابراز في الخارج كما ذكرناه في البيع وقلنا إنّ مجرد الالتزام في النفس لا يصدق عليه البيع ولو مع العلم بأنّ البائع قد التزم بالبيع في نفسه ما لم يبرزه خارجاً بلفظ أو بفعل ، لأنّ الشرط لا دليل على اشتراط الابراز فيه ، وعليه فمجرّد الالتزام في النفس كاف في تحقّق الشرط ويشمله عموم « المؤمنون » وإن لم يذكراه في مقام الاثبات والعقد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (اليزدي) : 12 من مبحث الخيارات .

ــ[108]ــ

وما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) من أنّ القصود والدواعي غير معتبرة في العقود ما لم ينشأ لفظ على طبقها لا يمكن المساعدة عليه ، لأنّ نفس العقود وإن لم تتحقّق بمجرد القصد والداعي بل لابدّ من إنشائها وإبرازها بلفظ أو بفعل ، إلاّ أنّ الشروط يكفي فيها مجرد القصد والالتزام ، ولا دليل على لزوم إنشائها باللفظ أو بغيره .

ثم إنّ هذا كلّه فيما إذا لم يذكر الشرط في ضمن العقد على وجه التفصيل أو الاجمال ، أمّا التفصيل فظاهر ، وأمّا الاجمال فكما إذا تقاولا قبل العقد واشترطا شروطاً ككون العبد كاتباً وكون سنّه كذا مقدار وبقائه عند البائع شهراً ثم أنشأ المعاملة من غير ذكر هذه الشروط تفصيلا بل بالاشارة إليها بقوله على ما ذكر فإنّ لفظ ما الذي هو من المبهمات يكفي في الاشارة إلى الشروط المذكورة ، وإلاّ فلا إشكال في لزوم الشرط كما هو ظاهر .

بقي الكلام في الفرع الذي ذكره العلاّمة (قدّس سرّه)

حكي عن العلاّمة في التذكرة(2) أنّ من جملة موارد عدم جواز اشتراط عدم الخيار في العقد ما إذا نذر المولى أن يعتق عبده إذا باعه ، فإنّ اشتراط عدم الخيار حينئذ في المعاملة يفوّت المنذور الذي هو عتق العبد بعد بيعه ، إذ لو لم يكن له خيار فكيف يسترجعه إلى ملكه حتى يعتقه .

وقد استصوبه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وزاد عليه بأنّ الأقوى في الشرط أيضاً كونه كذلك بمعنى أنه إذا اشترى العبد بشرط أن يعتقه فإنّه لا يتمكّن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 48 .

(2) التذكرة 10 : 289 .

ــ[109]ــ

من بيعه بعد ذلك باشتراط عدم الخيار لأنه ينافي الوفاء بالشرط . وبالجملة أنّ عموم « المؤمنون » الخ إنما يأتي فيما إذا لم يكن في البين حكم شرعي ينافي سقوط الخيار هذا .

وفيما أفاداه مجال للمناقشة صغرى وكبرى ، أمّا بحسب الصغرى ، فلأنه يتمكّن من عتقه بعد البيع بشرط عدم الخيار باشترائه من المشتري أو باستيهابه منه ، أو لأجل الانتقال من المشتري إلى البائع لأنه مورّثه ومشرف على الموت وهكذا ، نعم لابدّ من أن يعلم بتمكّنه من استرجاعه إلى ملكه أو يطمئن بذلك وإلاّ فيدخل تحت تفويت القدرة . وأمّا بحسب الكبرى فلما ذكرناه سابقاً من أنّ الحكم التكليفي الشرعي لا ينافي الحكم الوضعي ، ووجوب الاعتاق لا ينافي صحة اشتراط عدم الخيار في بيع منذور العتق وسقوط الخيار بهذا الاشتراط ، غاية الأمر أنه يحنث بنذره فتجب عليه الكفّارة ويعاقب بهذا الفعل الحرام ، وأمّا عدم صحة الاشتراط فلا .

وتظهر الثمرة فيما إذا باعه بشرط عدم الخيار غافلا عن نذره وناسياً لوجوب عتقه ، فانه لا يعاقب بشيء حينئذ لجهله بالحرام مع صحة الاشتراط وسقوط خياره بذلك ، وقد ذكرنا سابقاً(1) أنّ الحكم الشرعي التكليفي لا ينافي صحة التصرفات وضعاً ، وذلك في الجواب عمّا ذكره شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) من أن النهي عن المسبّب يوجب سلب القدرة الشرعية عليه فراجع .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net