إفتراق أحد المتبايعين عن إكراه 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4877


إكراه أحد المتعاقدين على الافتراق

إذا بنينا على بقاء الخيار عند الاكراه على الافتراق وترك الفسخ ـ على خلاف ما اخترناه ـ فنقول : إنّهما تارةً يتفرّقان على وجه الاختيار فلا ينبغي الاشكال في سقوط الخيار ، واُخرى يكره كلاهما على التفرّق وترك الفسخ فلا ينبغي الاشكال في عدم سقوط الخيار على المشهور ، وثالثة يكره أحدهما على الافتراق وترك الفسخ مع بقاء الآخر على اختياره في البقاء في المجلس والفسخ ورابعة يكره أحدهما على البقاء والمجلس وعلى ترك الفسخ ويبقى الآخر على اختياره في الافتراق والفسخ . والصورتان الأوّلتان واضحتان وإنّما الكلام في الصورتين الأخيرتين .

ولا يخفى أنّ البحث في هذه المسألة يبتني على القول بعدم سقوط الخيار


ــ[136]ــ

بالاكراه على التفرّق وترك الفسخ وإلاّ فإذا بنينا على سقوطه حتى في صورة الاكراه فلا يبقى للبحث في هذه المسألة مجال ، وكيف كان فعلى القول بعدم سقوط الخيار بالاكراه فهل يسقط خيار كل واحد من المختار والمكره في الصورتين أو لا يسقط خيارهما أصلا أو يسقط خيار المختار دون خيار المكره أو يفصّل بين ما إذا كان المختار في المجلس فكلاهما على الخيار وبين ما إذا خرج المختار عن المجلس باختياره فخيار كليهما ساقط ، هذه هي أقوال المسألة .

ومبنى هذه الأقوال هو أنّ الغاية للخيار هل هي تفرّقهما بالاختيار بنحو الاجتماع بأن يكون افتراق كليهما باختيارهما غاية للخيار ، أو أنّ الغاية هي افتراق أحدهما باختياره ، وعلى الأول فهل تفرّقهما باختيارهما غاية لسقوط الخيار على نحو العموم الاستغراقي بأن يكون افتراق كل منهما باختياره مسقطاً لخيار نفسه ، أو أنّ تفرّقهما اُخذ غاية على نحو العموم المجموعي بمعنى أنّ افتراق كليهما عن اختيارهما موجب لسقوط الخيار بحيث لو افترق أحدهما على نحو الاكراه فلا يسقط شيء من خياريهما . وعلى الثاني أعني كون الغاية هي افتراق أحدهما باختياره فهل يشترط في الافتراق المسقط للخيار أن يكون مبرزاً بأمر وجودي أو يكفي فيه مثل عدم الحركة أيضاً .

فعلى المبنى الأول وهو كون الغاية كلا التفرّقين على نحو العموم الاستغراقي يسقط خيار المختار خاصّة ، لأنه تفرّق على نحو الاختيار دون المكره لعدم تفرّقه بنحو الاختيار .

وعلى المبنى الثاني وهو كون الغاية كلا التفرّقين على نحو العموم المجموعي فخيار كليهما ثابت لعدم صدور الافتراق منهما على نحو الاختيار ، إذ المفروض أنّ أحدهما تفرّق على نحو الاكراه .

وعلى المبنى الثالث وهو كون الغاية افتراق أحدهما مع اشتراط كون المبرز

ــ[137]ــ

للافتراق أمراً وجودياً يتوجّه تفصيل العلاّمة في التحرير(1) فلا يسقط خيارهما فيما إذا كان المختار باقياً في المجلس ، وذلك لعدم صدور افتراق اختياري منهما ، أمّا المكره فلأنّ الافتراق منه ليس اختيارياً له ، وأمّا المختار فلأجل أنه لم يبرز الافتراق بأمر وجودي وإنّما سكن وبقي في المجلس وهو ليس أمراً وجودياً كما هو ظاهر . نعم لو خرج المختار عن المجلس فيسقط خيارهما معاً لصدور الافتراق الاختياري المبرز بأمر وجودي .

وعلى المبنى الرابع وهو كون الغاية افتراق أحدهما من دون اشتراط إبرازه بأمر وجودي وكفاية عدم الحركة في تحقّقه ، يسقط خيار المكره والمختار كليهما لصدور الافتراق الاختياري من المختار بسكونه في المجلس باختياره ، هذه هي مباني الأقوال في المسألة .

ولابدّ لتعيين القول الصحيح من ملاحظة الأدلّة الدالّة على أنّ الافتراق غاية للخيار على تقدير صدوره على وجه الاختيار ، فنقول : إنّ مقتضى قوله (عليه السلام) « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » كما عرفت سقوط الخيار بمجرد الافتراق من دون اشتراط الاختيار ، فاطلاقه يقتضي سقوط الخيار على نحو الاطلاق ، فلابدّ من ملاحظة الدليل الذي قيّد إطلاق قوله (عليه السلام) « ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع » بما إذا صدر الافتراق على وجه الاختيار ، فإن كان دليل اشتراط الافتراق بالرضا هو الاجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحقّقة كما في كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) فلازمه الاقتصار في الخروج عن مقتضى الاطلاق بالمقدار المتيقّن وهو صورة الافتراق عنهما على وجه الاكراه ، وفي غير تلك الصورة يتحكّم الاطلاق أي إطلاق قوله (عليه السلام) « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع »

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التحرير 2 : 284 .

ــ[138]ــ

وعليه فلابدّ من الالتزام بسقوط الخيار في المقام مطلقاً لتحقّق الافتراق المسقط بحكم الاطلاق ، وإنّما خرجنا عنه في خصوص ما إذا كان كل واحد منهما مكرهاً على الافتراق ، وفي غير هذه الصورة لابدّ من التمسك بالاطلاق وهو يقتضي سقوط الخيار بمجرد الافتراق .

وإن كان دليل اشتراط الافتراق بالرضا هو الانصراف والتبادر أو صحيحة الفضيل أو حديث رفع الاكراه ، فالظاهر أنه لابدّ من القول حينئذ ببقاء الخيار في كل واحد من المكره والمختار ، وذلك لأنّ الافتراق أمر وحداني سواء قلنا إنه أمر وجودي أو قلنا إنه أمر عدمي وهو عدم الاجتماع ، غاية الأمر أنه من الأعدام والملكات لا من الأعدام الصرفة ، وهذا الأمر الوحداني من الأعراض النسبيّة المتضايفة فيحتاج إلى طرفين كالاُبوّة والبنوّة فإذا قلنا إن زيداً افترق فمعناه أنّ طرفه الذي هو عمرو قد اتّصف أيضاً بالافتراق ، ولا يعقل أن يكون أحد المجتمعين مفترقاً دون الآخر ، لأنّه كالاتّصال والانفصال فإذا انفصل أحدهما فالآخر أيضاً منفصل ، ولا معنى لانفصال أحدهما واتّصال الآخر ، كما لا يعقل أن يكون هذا إبناً لزيد ولا يكون زيد أباً له .

فإذا كان الافتراق أمراً واحداً قائماً بطرفين فنقول : إنّ هذا الأمر الواحد القائم بطرفين قد قيّد بالرضا بحكم الانصراف ، فإذا افترق أحدهما بالاكراه فلم يحصل الافتراق عن رضا الذي هو الغاية للخيار ، فإذا لم يكن أحدهما مفترقاً فالآخر أيضاً ليس مفترقاً ، لأنه أمر واحد قائم بشخصين ، ولا يعقل أن يكون هذا غير مفترق والآخر مفترقاً ، وهذا ظاهر .

وكذا الحال فيما إذا كان المدرك صحيحة الفضيل لأنّها قد قيّدت الافتراق بما إذا كان عن رضاهما ، فإذا كان افتراق أحدهما عن إكراه فلا محالة لم تحصل الغاية للخيار وهي الافتراق عن رضاهما ، فإذا لم يكن أحدهما متّصفاً بالافتراق فالآخر

ــ[139]ــ

أيضاً متّصف بعدم الافتراق .

وكذا فيما إذا كان الدليل لاشتراط الرضا حديث الرفع فإنه قد رفع الافتراق الحاصل من المكره فهو بحكم الحديث ليس مفترقاً فيلزمه أن لا يكون الآخر أيضاً متّصفاً بالافتراق ، لأنه أمر واحد فإذا تحقّق في أحدهما أو انسلب من أحدهما فيتحقّق في الآخر أو ينسلب منه أيضاً وهذا ظاهر ، وعليه فتكون الغاية مجموع افتراقهما عن اختيار ، ولا يمكن أن يقال إنّ مقتضى مقابلة الجمع بالجمع هو أن يكون افتراق كل منهما غاية لسقوط خيار نفسه نظير قوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ)(1) أو (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) بمعنى أنّ كل واحد يمسح برجل نفسه وبرأسه وكل واحد يفي بعقده ، وفي المقام أيضاً كل واحد يسقط خياره بافتراق نفسه والوجه في عدم تأتّي ذلك في المقام هو أنّ الرجل والرأس أو العقد متعدّد لا مانع فيه لتقابل الجمع بالجمع ، وأمّا في المقام فقد عرفت أنّ الافتراق أمر واحد وليس متعدّداً بتعدّد المتعاملين ليكون لكل واحد افتراق بل الافتراق واحد وقائم بشخصين وطرفين فلابدّ وأن يكون هذا الأمر الواحد صادراً من كليهما حتى يكون موجباً لسقوط الخيار ولا وجه للقياس .

وما ذكرناه من أنّ لازم الاعتماد على مثل الانصراف والصحيحة والحديث أن يلتزم بالخيار في كل من المكره والمختار ممّا لا مانع عنه إلاّ ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(3) من أنّ قوله (عليه السلام) « فمشيت خُطاً ليجب البيع حين افترقنا » ظاهر في أنّ الغاية للخيار هي افتراق أحدهما سواء كان الآخر أيضاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

(2) المائدة 5 : 1 .

(3) المكاسب 5 : 76 .

ــ[140]ــ

راضياً بذلك وملتفتاً له أو لا يكون ملتفتاً ولا راضياً ولا شاعراً بافتراقه ، هذا .

ولا يخفى أنّ الرواية غير مانعة عمّا ذكرناه في المقام ، من جهة أنّها حاكية لفعل الامام (عليه السلام) وليس في فعله إطلاق ودلالة على أنّ مجرد الافتراق من أحدهما يوجب سقوط الخيار كان الآخر أيضاً راضياً بذلك أو لا ، هذا أوّلا .

وثانياً : أنّ قوله « حين افترقنا » دليل على أنّ مراده (عليه السلام) وجوب البيع بالخُطى عند افتراقهما ، وعليه فهي كغيرها من الأدلّة الدالّة على أنّ غاية الخيار هو الافتراق مع بيان ما يتحقّق به الافتراق من مشيه خطىً ، وحينئذ فنقيّدها بتلك الأدلّة الدالّة على اشتراط الافتراق بالرضا نظير غيرها من الروايات الدالّة على أنّ الغاية هي الافتراق .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net