شهرة اختصاص الخيار بالمشتري 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5117


الجهة الثالثة : في اختصاص خيار الحيوان بالمشتري وعدمه ، المشهور بين الأصحاب اختصاص خيار الحيوان بالمشتري وأنّ المبيع إذا كان حيواناً فللمشتري خيار ثلاثة أيام وليس للبائع خيار سواء كان الثمن أيضاً حيواناً أم لم يكن ، فإذا فرضنا أنّ الثمن حيوان دون المبيع فلا خيار للمشتري ولا للبائع بوجه .

وعن السيد المرتضى (قدّس سرّه)(1) أنّ الخيار ثابت للبائع أيضاً كالمشتري ولعلّه أول من قال بثبوت الخيار للبائع كما قيل وقد وافقه عليه غيره أيضاً ، وقد ادّعى السيد الاجماع على ذلك أيضاً ، وعن الشهيد في المسالك(2) وغيره في غيره أنّ الخيار إنما يثبت لمن انتقل إليه الحيوان سواء كان بائعاً أو مشترياً ، فإذا فرضنا أنّ الثمن حيوان دون المبيع فالخيار للبائع فقط لأنه الذي انتقل إليه الحيوان ، كما أنه إذا انعكس ينعكس ويثبت الخيار لكليهما فيما إذا كان كل من الثمن والمثمن حيواناً ، هذه هي الأقوال في المسألة ، والوجه في اختلافها هو اختلاف الأخبار الواردة في المقام وهي على ثلاثة طوائف :

الطائفة الاُولى : ولعلّها خمسة روايات(3) دلّت على أنّ الخيار للمشتري ثلاثة أيّام وهي بين ما اشتملت على السؤال عن أنّ الشرط في الحيوان ماذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الانتصار : 433 المسألة 245 .

(2) المسالك 3 : 200 .

(3) راجع الوسائل 18 : 10 / أبواب الخيار ب3 ح1 ، 2 ، 4 ، 5 ، 8 .

ــ[152]ــ

فأجاب (عليه السلام) بأنّ الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري وفي غيره حتى يفترقا ، وبين ما اشتملت على أنّ الشرط في الحيوان نظرة ثلاثة أيام للمشتري بلا سبق سؤال ، وهذه الروايات ظاهرة بل صريحة في اختصاص الخيار بالمشتري وعدم ثبوته للبائع . والأصرح من الجميع في اختصاص الخيار بالمشتري هو صحيحة علي بن رئاب(1) المحكية عن قرب الاسناد حيث سئل فيها الامام (عليه السلام) عن أنّ الخيار للمشتري أو للبائع أو لكليهما ، فأجاب بأنه لمن اشترى نظرة ثلاثة أيام ، حيث خصّه به دون البائع كما هو ظاهره ، وهذه الأخبار هي مدرك المشهور في اختصاص خيار الحيوان بالمشتري .

الطائفة الثانية : هي صحيحة محمد بن مسلم « المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان ، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا »(2) حيث أثبت خيار الحيوان لكل من البائع والمشتري وقد قارنه بخيار المجلس في ثبوته لهما وسوّى بينهما من تلك الجهة ، فلا فرق بينهما إلاّ من حيث أمد الخيار وأنه في الحيوان ثلاثة أيام وفي غيره إلى أن يفترقا ، ومقتضاها ثبوته للبائع أيضاً كثبوت خيار المجلس له كما ذهب إليه السيد المرتضى وغيره .

الطائفة الثالثة : وهي أيضاً صحيحة اُخرى لمحمد بن مسلم « صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام »(3) وقد روي ذلك بطريق آخر موثّق عن ابن فضال إلاّ أنها قيّدت الصاحب بالمشتري حيث قال « صاحب الحيوان المشتري ـ بصيغة اسم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهي الرواية التاسعة من الباب السابق .

(2) وهي الرواية الثالثة من الباب .

(3) الوسائل 18 : 5 / أبواب الخيار ب1 ح1 .

ــ[153]ــ

الفاعل ـ بالخيار ثلاثة أيام »(1) ومقتضى هذه الصحيحة أنّ الخيار إنما يثبت لمن انتقل إليه الحيوان ، لوضوح أنّ المراد بصاحب الحيوان في الصحيحة ليس هو مالكه قبل المعاملة لظهور المشتق في المتلبّس دون المنقضي عنه التلبّس ، مضافاً إلى صراحة الموثقة في تقييد الصاحب بالمشتري ، فيعلم منه أنّ المراد منه ليس هو الصاحب قبل البيع ، بل المراد هو المالك الفعلي كان هو البائع أو المشتري ، ومن ثم ذهب في المسالك إلى ثبوت الخيار لكل من انتقل إليه الحيوان بائعاً كان أو مشترياً وعليه يمكن فرض ثبوت الخيار للبائع دون المشتري كما إذا كان الثمن حيواناً دون المبيع ، هذا .

ولا يخفى أنّ الطائفة الاُولى بكلا قسميها أعني ما اشتملت على السؤال وما لم تشتمل عليه كما دلّت على ثبوت الخيار للمشتري بمنطوقها دلّت بمفهومها على عدم الخيار للبائع ، وذلك لأنّ الوصف وإن لم يكن له مفهوم إلاّ أنه في غير مقام التحديد وأمّا عند التحديد فلا إشكال في أنّ للوصف مفهوماً ، ونظير ذلك ما ذكرناه في أخبار الكر حيث سئل (عليه السلام) عمّا لا يتنجّس بملاقاة النجس ، فقال (عليه السلام) كرّ من الماء ، ولا إشكال في أنّ مفهومه أنّ غير الكرّ لا يحكم عليه بعدم الانفعال ، وفي المقام أيضاً كذلك لأنه (عليه السلام) في مقام تحديد خيار الحيوان حيث سئل عن أنه لمن فهل هو للبائع أو للمشتري أو لهما ، فأجاب (عليه السلام) بأنه للمشتري . وفي آخر قال : الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري ، فراجع .

وعليه فتعارض الطائفة الثانية الدالّة على ثبوت الخيار للبائع والمشتري لأنّ الطائفة الاُولى تنفي الخيار عن البائع والطائفة الثانية تثبته له ، وتأويل الطائفة الثانية بأنّ المراد ليس ثبوت الخيار للبائع بحياله في مقابل المشتري ، بل المراد ثبوت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 3 / أبواب الخيار ب3 ح2 .

ــ[154]ــ

الخيار بينهما أي بين المجموع وعدم لزوم العقد ويكفي فيه ثبوته للمشتري فقط مندفع بأنّ المراد بالمتبايعين في كل من خياري المجلس والحيوان واحد وقد ذكرا في رواية واحدة ، ولازم ذلك عدم ثبوت الخيار للبائع في خيار المجلس أيضاً ، وبما أنّ المراد بهما هو كل واحد من البائع والمشتري في خيار المجلس فليكن المراد بهما ذلك في خيار الحيوان أيضاً ، وعليه فالطائفتان متعارضتان ، فلو كانت مجرد كثرة إحدى الروايتين المتعارضتين بلحاظ الاُخرى مرجّحة في المتعارضين لحكمنا بتقديم الطائفة الاُولى لكثرتها ولعلّها خمسة روايات وتلك رواية واحدة ، إلاّ أنّا ذكرنا في باب التعادل والترجيح(1) أنّ المراد بالشهرة ليس مجرد كثرة إحدى الروايتين المتعارضتين ، بل المراد بها هو معناها اللغوي أعني المعروف الشائع الثابت ، ولذا استشهد (عليه السلام) في ذيل الرواية بما رواه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(2)من التثليث وأنّ الاُمور ثلاثة أمر بيّن رشده فيتبع وأمر بيّن غيّه فيجتنب حيث جعل (عليه السلام) الرواية المشهورة من البيّن رشده ، وهذا إنما يتحقّق فيما إذا كانت إحدى الروايتين المتعارضتين مقطوعة السند حتى تكون من البيّن رشده ، ومن الظاهر أنّ الطائفة الاُولى ليست بمقطوعة السند فلا يمكن ترجّحها على الثانية لأجل الكثرة والشهرة ، وعليه فالطائفتان من أوضح مصاديق « إذا جاءكم خبران متعارضان » فلابدّ من الرجوع في العلاج بينهما إلى المرجّحات .

وقد ذكرنا في محلّه(3) أنّ أوّل المرجّحات موافقة الكتاب والسنّة ، ولا إشكال في أنّ الطائفة الاُولى موافقة لاطلاق الكتاب والسنّة ، وذلك لأنّ مقتضى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 (موسوعة الإمام الخوئي 48) : 495 .

(2) الوسائل 27 : 157 / أبواب صفات القاضي ب12 ح9 .

(3) مصباح الاُصول 3 (موسوعة الإمام الخوئي 48) : 498 .

ــ[155]ــ

إطلاق قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وجوب الوفاء بكل عقد لكل من المتبايعين وقد خرجنا عن ذلك في خيار الحيوان في المشتري بالقطع الحاصل من تطابق الطوائف الثلاث على ثبوته له ، وأمّا البائع فهو مورد الشك والتردّد ومقتضى الاطلاق لزوم العقد في حقّه ، وكذا إطلاق قوله « فإذا افترقا وجب البيع » في خيار المجلس وغيره من السنّة الدالة على لزوم العقد ، فلا محالة تتقدّم الطائفة الاُولى على الثانية ، ومع جلالة محمد بن مسلم وعظمته تطرح روايته لأجل المعارضة وقواعد العلاج .

وحمل الطائفة الثانية أعني قوله « المتبايعان بالخيار إلى ثلاثة أيام » بقرينة الطائفة الثالثة على صورة كون كل واحد من الثمن والمثمن حيواناً حيث دلّت الطائفة الثالثة على أنّ صاحب الحيوان بالخيار مطلقاً يستلزم انحصار الخيار الثابت لهما بما إذا كان العوضان حيواناً ، وإذن يبقى صورة كون المبيع حيواناً دون الثمن كما هو الغالب أو العكس مسكوتاً عنها مع أنها هي الأولى بالتعرّض ، هذا .

وربما يقال في وجه تقديم الطائفة الاُولى على الثانية أنّ الاُولى مشتملة على التعليل وهو قوله « نظرة ثلاثة أيام » أي لينتظر ثلاثة أيام ، وظهوره في المشتري أقوى من ظهور المتبايعين في إرادة كل واحد منهما فتتقدّم عليه .

وفيه : أنّ المراد بالنظرة المدّة والامهال لا التنظّر الخارجي ، فلا تعليل في شيء من الطائفتين حتى يكون ظهوره أقوى من ظهور المتبايعين . والمتحصّل : أنّ الطائفة الاُولى متقدّمة على الطائفة الثانية من جهة موافقتها للكتاب والسنّة دون الثانية ، هذا .

مضافاً إلى ما ربما يقال : من أنّ الطائفة الثانية المنحصرة في رواية محمّد بن مسلم ممّا أعرض عنها الأصحاب ، وأنّ الطائفة الاُولى مشهورة ومخالفة للعامة وأمّا الطائفة الثالثة أعني ما دلّ على أنّ صاحب الحيوان بالخيار المستفاد من

ــ[156]ــ

صحيحة اُخرى لمحمد بن مسلم فهي وإن كانت بظاهرها تقتضي ثبوت الخيار لكل من انتقل إليه الحيوان إلاّ أنّ الصاحب في موثقة ابن فضال قد قيّد بالمشتري بصيغة الفاعل أو بالمشترى بصيغة المفعول على ما احتمله شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1)وعلى أي حال سواء كان وصفاً للصاحب أم كان وصفاً للحيوان فهو منحصر بالمشتري ولا يشمل البائع ، وحمل المطلق على المقيد وإن كان لا يجري في الأحكام الانحلالية لوضوح أنه إذا ورد الخمر حرام ثم ورد أنّ الخمر المتّخذ من العنب حرام لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الأول بالثاني ، إلاّ أنّ الأخبار لمّا كانت واردة في مقام التحديد وعلمنا أنّ الحد أحدهما فلا محالة يحمل المطلق على المقيّد منهما . هذا على تقدير تمامية الموثقة ، ومع الاغماض عن ذلك فتتعارض الطائفة الثالثة مع الطائفة الاُولى ويدور الأمر بين حمل تقييد الخيار بالمشتري في الطائفة الاُولى على الغالب بأن نقول إنّ الخيار يثبت في حق كل من انتقل إليه الحيوان وإنما قيّد بالمشتري في الطائفة الاُولى من جهة أنّ الغالب في من ينتقل إليه الحيوان هو المشتري ، إذ الغالب أن يكون المبيع حيواناً ، وبين حمل صاحب الحيوان في الطائفة الثالثة على الغالب بأن ندّعي أنّ الخيار يختص بالمشتري وإنّما عبّر عنه بالصاحب في الطائفة الثالثة من جهة أنّ الغالب في صاحب الحيوان هو المشتري ، لأنّ المبيع هو الذي يكون حيواناً غالباً  ، وهذان الاحتمالان متساويان ولا ترجيح لأحدهما على الآخر .

فما عن شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من أنّ الغلبة قد تكون بحيث توجب حمل التقييد على مورد الغالب (وهو تقييد ذي الخيار بالمشتري) ولا توجب حمل الاطلاق عليه أي على الغالب ، ممّا لا محصّل له في المقام ، لما عرفت من أنّ الأخبار في مقام بيان الضابط ، ولا إشكال في أنّ أخذ قيد لا مدخلية له في الضابط لغو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 58 .

ــ[157]ــ

ظاهر  ، فلا يمكن حمل التقييد على الغالب ، بل الاحتمالان متساويان ومع الشك في ثبوت الخيار للبائع مقتضى العمومات لزوم العقد بالاضافة إليه ، هذا .

مضافاً إلى أنّ الطائفة الثالثة لا يمكن أن تعارض الطائفة الاُولى أي تكافئها  ، لتقدّمها عليها من جهة أنّ الطائفة الاُولى في مقام التحديد وإعطاء الضابط فدلالتها على اختصاص الخيار بالمشتري أقوى من دلالة الطائفة الثالثة على ثبوته لكل من انتقل إليه الخيار ، وعليه فما ذهب إليه المشهور من اختصاص خيار الحيوان بالمشتري هو الصحيح .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net