جعل الخيار للأجنبي - اشتراط استئمار الأجنبي 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5000


القول في جعل الخيار للأجنبي

والكلام في ذلك يقع في جهات : الجهة الاُولى : في أصل مشروعية جعل الخيار للأجنبي . والظاهر بل المقطوع به أنّ محل الكلام غير صورة توكيل الأجنبي في فسخ العقد وإمضائه من قبله كما إذا اشترط أحد المتبايعين أن يكون ثالث أجنبي وكيلا من قبله في فسخ العقد وإمضائه ، بأن يكون الفسخ فسخ ذلك المتبايع الموكّل والامضاء إمضاؤه ، وذلك لأن توكيل الأجنبي ممّا لا إشكال في جوازه شرعاً ولا مانع عنه في المقام قطعاً إلاّ أنه يحتاج إلى قبول الأجنبي ، لأنّ الوكالة من العقود وتحتاج إلى إيجاب وقبول ، وقبول أحد المتبايعين غير مربوط بقبول الأجنبي ، فبعد

ــ[202]ــ

إيجاب الوكالة من أحد المتعاملين يتوقف ثبوتها على قبول الأجنبي الذي هو الوكيل  ، وهذا ظاهر .

وإنما الكلام في جعل الخيار للأجنبي لا على أن يكون الأجنبي وكيلا من قبل أحدهما في إعمال الخيار ، بل بأن يجعل الخيار له على نحو الاستقلال نظير خيار نفس البائع أو المشتري ، فكما أنه حق يثبت لهما فكذلك يثبت للأجنبي عند اشتراطه في العقد ، فربما يقال الخيار إنما هو في مقابل الالزام والالتزام ، وهما إنما يثبتان للمتعاملين لأنهما يلتزمان بالعقد وبالخيار يرتفع عنهما اللزوم والالتزام فيصيران غير ملتزمين ، لأنه مقتضى تقابل الخيار الذي هو بمعنى عدم الالتزام للالتزام بتقابل العدم والملكة ، وأمّا الأجنبي فهو غير ملتزم بالعقد من الابتداء فجعل الخيار في حقه أي صيرورته غير ملتزم بالعقد من باب السالبة بانتفاء الموضوع . فبالجملة أنّ الأجنبي أجنبي عن المعاملة والالتزام فلا معنى لجعل الخيار له وعليه ، فيكون اشتراط الخيار للأجنبي مخالفاً للشرع ، لأنّ الثابت إنما هو صحة اشتراط الخيار لأحد المتعاملين أو لكليهما ، وأمّا صحته للأجنبي فهي بعد تحتاج إلى دليل .

ودعوى شمول قوله (عليه السلام) « المؤمنون عند شروطهم »(1) لاشتراط الخيار للأجنبي ، مدفوعة بأنّ قوله « المؤمنون » الخ ليس مشرّعاً للحكم وإنما هو ناظر إلى الالتزام بما ثبت مشروعيته في الشريعة المقدسة ، وأنه إذا اشترط أمراً ثابتاً في الشرع فلابدّ من أن يلتزم به ، وكون اشتراط الخيار للأجنبي مشروعاً أوّل الكلام . مضافاً إلى أنّ شموله للأحكام الوضعية غير معلوم ، لما قوّيناه في محله من اختصاصه بالأحكام التكليفية وأنّ معنى « المؤمنون عند شروطهم » الخ وجوب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21 : 276 / أبواب المهور ب20 ح4 .

ــ[203]ــ

العمل على طبق ما اشترطه نظير قوله : المؤمن عند عدته .

وبما ذكرنا يظهر أنّ ما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) من أنه لا مانع من اشتراط الخيار للأجنبي عقلا ولا شرعاً غير تام ، لأنّ المانع كما أفاده وإن كان مفقوداً إلاّ أنّ الكلام في أصل ثبوت المقتضي لصحة اشتراط الخيار للأجنبي مع أنه أجنبي عن طرفي المعاملة ، وأيّ دليل دلّ على ارتفاع اللزوم بفسخ ذلك الأجنبي مع عمومات أدلة اللزوم ودلالتها على لزوم البيع وعدم انفساخه بفسخ الأجنبي . نعم يثبت ارتفاع عقد المتعاقدين بفسخ الأجنبي في مثل النكاح حيث يثبت فيه للعمّة والخالة الخيار عند تزويج بنت اُختها أو بنت أخيها إلاّ أنه ثبت بدليل وإلاّ فلا وجه لارتفاع معاملة أحد بفسخ شخص أجنبي .

والانصاف أنّ الشبهة قوية والظاهر أنه لا مناص عنها إلاّ بما أشرنا إليه في الأمر المتقدم في معنى جعل الخيار واشتراطه في العقود حيث قلنا إنّ مرجع اشتراط الخيار إلى أن الملكية المنشأة ملكية موقتة ومقيّدة بزمان فسخ من اشترط له الخيار من المتعاقدين ، فإنّ إنشاء الملكية الموقتة والمقيّدة إذا كان أمراً معقولا عند اشتراط الخيار لأحد المتبايعين فلا محالة يكون معقولا عند اشتراط الخيار للأجنبي فيكون معنى جعل الخيار له أنّ الملكية المنشأة مقيّدة وموقتة إلى زمان فسخ ذلك الأجنبي ، وهذه الملكية الموقتة بالفسخ كما أشرنا إليه في الأمر المتقدم أمر عقلائي فتشملها عمومات أدلة البيع نحو (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وغيره .

وهذا لا يقاس بالملكية الموقتة من حيث الزمان كالبيع إلى سنة أو إلى شهرين ، فإنّ العرف يرون البيع متقوّماً بالدوام من حيث الزمان فلا تشمل مثله العمومات ، بخلاف المقيّد بالفسخ فإنه أمر دارج عند العقلاء فتشمله أدلّة لزوم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ المكاسب 5 : 124 .

ــ[204]ــ

المعاملة ، وشمول العمومات يكفي في صحة هذا الاشتراط وإن قلنا بعدم شمول «  المؤمنون عند شروطهم » للمقام ، لما أشرنا إليه من اختصاصه بالتكليفي دون الوضعي ، وبما ذكرناه يصح جعل الخيار للأجنبي كما يصح جعله لأحد المتعاملين لأنّ مرجعه إلى إنشاء الملكية المقيّدة بزمان فسخ الأجنبي أو المتعاملين .

الجهة الثانية : هل يحتاج اشتراط جعل الخيار للأجنبي إلى قبول ذلك الأجنبي ، أو أنّ الخيار يثبت له سواء رضي به وقبله أم لم يرض به ولم يقبله ؟ وعلى تقدير الاحتياج إلى القبول وعدم قبول الأجنبي يثبت للمشروط له الخيار لأنه إنما رضي بالعقد مشروطاً بثبوت الخيار للأجنبي ، فإذا لم يثبت له الخيار فللمشروط له الخيار وله فسخ العقد وإجازته من أجل تخلّف شرطه كما هو ظاهر عبارة الوسيلة(1)حيث قال وإن لم يرض كان المبتاع بالخيار ؟

فربما يقال : إنّ الخيار ملك فسخ العقد وإثباته فهو ملكية ، وحصول الملكية لأحد يتوقف على قبوله لا محالة ، لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم فكيف بأنفسهم ، فكيف يمكن أن يجعل الملكية لشخص بلا إذنه وقبوله ومخالفته لسلطنته على نفسه ، وقد استفدنا السلطنة على النفس من مضامين الروايات وفحوى قوله « الناس مسلّطون على أموالهم »(2) وقد ورد ملك النفس أيضاً في الكتاب كقوله تعالى (لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي)(3) الخ . وبالجملة أنّ ثبوت الملكية له يتوقّف على إجازته وقبوله لأنّ ثبوتها له بلا رضاه مخالف لتسلّطه على نفسه ، هذا .

ولا يخفى أنّ الجواز الثابت بالخيار بعينه الجواز الثابت في مثل الهبة ولا فرق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسيلة : 238 .

(2) عوالي اللآلي : 3 : 208 ح49 ، بحار الأنوار 2 : 272 .

(3) المائدة 5 : 25 .

ــ[205]ــ

بينهما بحسب الحقيقة ولا تمايز بينهما إلاّ من جهتين :

الاُولى : أنّ الجواز الثابت بالاشتراط والخيار أمر رفعه بيد المكلّف وله أن يرفعه عند إرادته ، بخلاف الجواز الثابت في أمثال الهبة من العقود الجائزة حيث إنّه لا يرتفع بالرفع ولا يسقط بالاسقاط .

وثانيهما : أنّ الجواز في الهبة لمّا كان لازماً لها وغير منفك عنها برفع المكلّفين فلا جرم كان مختصاً بمن ثبت له ، ولا يصح انتقاله إلى وارثه عند موته لكون الجواز غير منفك عن المورّث ، وهذا بخلاف الجواز في الخيار فانه ينتقل إلى الورثة بالموت كما يصح إسقاطه ، وأمّا بحسب الحقيقة فلا فرق بين الحكمين والجوازين .

فإذا عرفت ذلك فنقول : الملكية في الاُمور الخارجية كملكية الكتاب ونحوها المعبّر عنها بالملكية الاعتبارية أمر يتوقف على أسبابه ، ولا تحصل بدون السبب إلاّ في الارث ، وأمّا في غيره فالتملّك يحتاج إلى سبب حتى في المباحات الأصلية . وأمّا المالكية على النفس والسلطنة عليها فهي ليست من الملكية الاعتبارية ، ومعناها أنّ الإنسان مسلّط على أمواله ونفسه بحيث لا يحجر عليه في تصرفاته الراجعة إلى أمواله أو إلى نفسه ، وأمّا الأحكام العارضة عليه فهي خارجة عن متعلّق سلطانه وليس له السلطنة على أحكامه ، وإنّما ثبت له السلطنة على أمواله ونفسه بالمعنى المتقدّم ، وقد ذكرنا أنّ الجواز الثابت بالخيار بعينه الجواز الثابت في الهبة فهو حكم حقيقة وإن كان له خصوصية من الجهتين المتقدّمتين ، وقد عرفت أنّ معنى الخيار هو ملك فسخ العقد وإبقائه بمعنى أنّ له القدرة على أحدهما لا بمعنى الملكية الاعتبارية .

وعليه فإذا اشترط الخيار للأجنبي وقلنا إنّ مرجعه إلى تقييد الملكية إلى ما قبل زمان الفسخ بحيث لو فسخ ترتفع الملكية ولو لم يفسخ فلا ترتفع لا محالة وفرضنا أنّ العمومات شملته ، فلا محالة يثبت للأجنبي جواز الفسخ وإمضائه ، وهو

ــ[206]ــ

حكم من الأحكام وليس له السلطنة على أحكامه ، وقد عرفت أنّ معنى الخيار أيضاً هو القدرة على الفسخ أو الامضاء ، وثبوت مثل ذلك لا يتوقف على قبوله لأنه حكم ثبت في حقه ولا سلطنة له على أحكامه . فالمتحصّل أنّ القبول ممّا لا حاجة إليه في اشتراط الخيار للأجنبي .

ومن ذلك يظهر أنّ الأجنبي الذي حكمنا بقدرته على فسخ العقد أو إمضائه شرعاً ليس له إسقاط ذلك الخيار ، لأنّ الثابت هو أنّ المتبايعين إذا أسقطا خيارهما أو خيار أحدهما يسقط لتمكّنه من رفع الجواز الثابت في حقه شرعاً ، وأمّا الأجنبي الثابت له الجواز والقدرة على أحدهما فلم يدل دليل على إسقاط الجواز عنه باسقاط نفسه كما لم يدل دليل على انتقاله منه إلى وارثه ، بل الثابت بحسب الدليل أنّ الأجنبي يجوز له رفع العقد وإبقاؤه إذا فسخ ، فتحصل غاية الملكية الموقتة فترتفع بوصول غايتها ، وإلاّ فلا محالة تبقى لعدم حصول غايتها ، وأمّا أزيد من ذلك من سقوطه بالاسقاط وانتقاله إلى ورثته فلا لعدم قيام الدليل عليه .

الجهة الثالثة : هل يتمكّن البائع أو المشتري من رفع اليد عن هذا الخيار الثابت للأجنبي باشتراطهما بعد المعاملة بأن يتراضيا على لزوم المعاملة بعد ما أوقعاها بشرط الخيار للأجنبي ويسقطا هذا الخيار ، أو أنّ الخيار الثابت للأجنبي باشتراطهما مما لا يقبل السقوط باسقاطهما ؟

ذكر السيد (قدّس سرّه)(1) في حاشيته أنّ خيار الأجنبي يسقط باسقاط المشروط له أحدهما كان أو كلاهما ، وذلك لأنه وإن كان حقاً ثابتاً للأجنبي إلاّ أنه من جهة حق المشروط له ، لأنّ خيار الأجنبي حق للمشروط له فكما أنه إذا كان اشترط الخيار لنفسه كان حقاً له فكذلك فيما إذا اشترطه للأجنبي يكون حقاً له

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (اليزدي) : 25 من مبحث الخيارات .

ــ[207]ــ

فله أن يرفع يده عن حقه باسقاطه ، فإذا أسقطه فلا محالة يسقط خيار الأجنبي هذا  .

ولا يخفى أنّ الخيار الثابت للأجنبي بمجرد الاشتراط لم يدل دليل على سقوطه باسقاط نفس ذلك الأجنبي فضلا عن المشروط له ، والعلّة في تحقّقه هو حدوث الاشتراط دون بقائه ، فسواء رفع يده عن اشتراطه أم لم يرفعها يتمكّن الأجنبي من الفسخ والامضاء ، إلاّ أنه لا يتمكّن من إسقاطه لعدم دلالة الدليل على سقوطه باسقاطه كما لم يقم دليل على سقوطه باسقاط المشروط له ، وعليه فالظاهر أنّ إسقاط المشروط له بعد الاشتراط لا يرفع الخيار الثابت للأجنبي بعد شمول العمومات لذلك الملك الموقت الحاصل باشتراط الخيار للأجنبي .

وما أفاده إنما يتم في شروط الأفعال كاشتراط الخياطة ونحوها ، فإنّ معناه كما عرفت سابقاً هو جعل الخيار لنفسه ، وله بعد المعاملة أن يسقط هذا الخيار الثابت له على تقدير عدم الخياطة ، وأمّا في شرط النتيجة كما في المقام فلا ، لأنه بمجرد الاشتراط حصل للأجنبي هذا الخيار ولا حالة انتظارية له كما كان له تلك الحالة في شرط الفعل كالكتابة والخياطة ، لأنّ الخيار إنما يثبت له بعد عدم كتابة المشروط عليه أو عدم خياطته لا بمجرد العقد ، وهذا بخلاف المقام لأنّ الخيار يثبت فيه بمجرد العقد المتضمّن للاشتراط لأنه من شرط النتيجة وهي تتحقّق بمجرد الاشتراط ، فلا يتمكّن المشروط له من إسقاط الخيار الثابت للأجنبي بعد الاشتراط .

الجهة الرابعة : هل يجب على الأجنبي المجعول له الخيار مراعاة المصلحة للجاعل ، ويلاحظ أنّ الأصلح في حقه الفسخ فيختار الفسخ أو الامضاء فيختار الامضاء بحيث إذا اختار غير الأصلح لا يكون نافذاً ، أو أنّ خياره مطلق ولا يشترط فيه مراعاة الأصلح بل له أن يختار ما يشاء ولو كان على خلاف مصلحته ؟

أمّا بحسب مقام الثبوت فتقيّد الخيار بمراعاة المصلحة وعدمه يتبعان كيفية جعل الخيار ، فيمكن أن يشترط خيار الأجنبي على نحو الاطلاق من دون تقييده

ــ[208]ــ

بمراعاة المصلحة ، كما يمكن أن يجعل الخيار له مقيّداً بمراعاة ما هو الأصلح في حق الجاعل ، وكلا الأمرين ممكن وهو تابع للجعل كما عرفت .

وأمّا بحسب مقام الاثبات ففيما إذا كان اشتراط الخيار للأجنبي من أحد الجانبين وأحد المتعاملين لا من كليهما ، فالمتبادر منه أنه إنما جعل الخيار للأجنبي لأجل مراعاة ما هو الأصلح له من الفسخ والامضاء ، كما أنّ الظاهر فيما إذا اشترط كلا المتعاملين الخيار للأجنبي أنّ الخيار المجعول للأجنبي غير مقيّد بمراعاة المصلحة  ، لأنّ الغالب أنّ المعاملة المبنية على المغابنة والمرابحة إذا كانت رابحة للبائع فهي خاسرة للمشتري وإذا كانت رابحة للمشتري فهي خاسرة للبائع .

نعم ، يمكن في بعض الموارد أن يكون البيع مصلحة للبائع والشراء مصلحة للمشتري إلاّ أنه نادر ، فإذا اشترط المتعاقدان كلاهما خيار الأجنبي فالظاهر حسب المتفاهم العرفي أنّهما لا يريدان بذلك أن يختار الأجنبي ما هو الأصلح لهما من الفسخ والامضاء ، لما أشرنا إليه من أنّ المعاملة بحسب الغالب لا تكون مصلحة لكل من البائع والمشتري ، وهذا بخلاف ما إذا كان اشتراط الخيار للأجنبي من قبل أحدهما فإنّ الظاهر منه أنه يريد بجعل الخيار أن يختار الأجنبي ما يراه مصلحة في حقه وإن أمكن عدم إرادة ذلك أيضاً إلاّ أنّ الظاهر هو ما ذكرنا .

الجهة الخامسة : أنّ الخيار ربما يجعل للأجنبي بانفراده وحكمه ما عرفت .

واُخرى يجعل الخيار له ولنفسه ، بأن يكون هناك خيار واحد ويقوم بالجامع بينهما ، وعليه فإذا سبق أحدهما الآخر باعمال الخيار بفسخ العقد أو بامضائه فقد سقط الخيار ، لأنّ المفروض أنه قائم بالجامع بينهما والجامع قد أعمل الخيار بالامضاء أو الفسخ ، والخيار واحد فقد سقط باختيار الفسخ أو الامضاء ، ومعه لا يبقى للمتأخّر منهما الخيار لسقوطه باعمال السابق وذلك ظاهر .

وثالثه يشترط الخيار لنفسه وللأجنبي على نحو الاستقلال بأن يكون لكل

ــ[209]ــ

منهما خيار مستقل ، فهناك خياران فإذا سبق أحدهما الآخر بالفسخ فلا محالة يسقط خيار الآخر أيضاً لانفساخ العقد وارتفاعه بفسخ السابق منهما ، وأمّا إذا سبقه بامضاء العقد فمعناه أني أسقطت حقّي ورفعت اليد عن خياري ، وحينئذ فلا يسقط بذلك خيار الثاني منهما ، لأنّ إسقاط الأول حقه لا يستلزم إسقاط الآخر له فله بعد ذلك أن يعمل خياره بالفسخ أو الامضاء.

ورابعة يشترط الخيار للمجموع منه ومن الأجنبي بأن يثبت لهما بتلك الهيئة المركبة خيار واحد كما ذكرنا ذلك في الخيار المنتقل إلى الورثة وقلنا إنّ الورثة بأجمعهم بمنزلة مورّثهم فلمجموعهم خيار واحد ، وحينئذ إذا اتّفقوا بأجمعهم فأمضوا البيع فلا محالة تنفذ المعاملة ويسقط الخيار ، وإن اتّفقوا ففسخوا فتنفسخ المعاملة وأمّا إذا فسخ بعضهم دون الآخرين أو أمضاه بعضهم بدون بعض فهو لا يوجب سقوط الخيار ، لأنه كما فرضناه قائم بالمجموع والمجموع لم يسقطه ولم يفسخ فلا محالة يبقى على حاله .

فالمتلخّص : أنّ الخيار المجعول للمتعدّد تارةً على نحو جعل خيار واحد قائم بالطبيعي وحينئذ عند سبق أحدهما الآخر بالفسخ أو الامضاء يرتفع الخيار الواحد باعماله ، واُخرى على نحو جعل خيارات مستقلّة لكل ممن اشترط خياره ، وثالثة يجعل الخيار للمجموع المركب وقد عرفت حكمه في خيار المجلس وإنما تعرّضنا له في المقام تبعاً لما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) استطراداً .

الجهة السادسة : حيث تعرّضوا لاشتراط الخيار للأجنبي ، عنونوا اشتراط الخيار على نحو آخر متوسط بين اشتراط الخيار للأجنبي واشتراطه لنفسه  ، وهذا كما إذا اشترط الاستئمار من الأجنبي فيأتمر بأمره ، وهذا كثير الوقوع فترى أنه يشتري

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 122 .

ــ[210]ــ

مبيعاً ويشترط فيه الخيار لنفسه على تقدير عدم رضا والده أو أخيه أو غيرهما
وهذا هو معنى الاستئمار بأن يطلب منه أمره في المعاملة التي أوقعها ، فإن رآها مصلحة فيأمره بالامضاء ، وإن رآها ممّا لا مصلحة فيه فيأمره بفسخها ، ومسألة الاستئمار وإن كانت ذات صور عقلية متعدّدة بحسب التصوّر إلاّ أنّ المتعارف منها اثنتان كما ذكره السيد (قدّس سرّه) في الحاشية(1).

إحداهما : أن يكون الغرض من اشتراط الاستئمار جعل حق وخيار لنفسه في البيع إلاّ أنه لمّا لم يعرف المصلحة والفساد لأنّ البلدة غريبة أو المبيع مما لم يبتل به ولا يعرف حسنه اشترط الاستئمار من أجنبي كالوالد أو الأخ أو غيرهما ، وفي هذه الصورة ليس للأجنبي حق الأمر ولا الاجبار بشيء وإنما الحق للمستأمر بالكسر وأنه الذي يتمكّن من الفسخ والامضاء بعد الاستئمار ، وعليه إذا أراد الفسخ قبل الاستئمار من الأجنبي فلا ينفذ ، إذ لا حق له في الخيار ولا قدرة له قبل الاستئمار نعم له إسقاط حقه وخياره قبل الاستئمار لسلطنته على إسقاط حقه ، ولا محذور فيه إلاّ دعوى أنه من قبيل إسقاط ما لم يجب ، إذ المفروض أنّ الخيار إنما يثبت له بعد الاستئمار لا قبله فاسقاطه قبله إسقاط لما لم يجب ، إلاّ أنها مندفعة بعدم الدليل على عدم جوازه إلاّ الاجماع المعلوم عدم انعقاده في المقام .

كما أنّ الأجنبي إذا أمره بالفسخ أو بالامضاء قبل أن يستأمره لا إشكال في ثبوت الخيار له ، وذلك لأنه وإن كان مشروطاً بالاستئمار إلاّ أنّ المتفاهم العرفي في مثله يقتضي عدم الموضوعية للاستئمار والسؤال ، إذ الظاهر أنهما طريقان إلى أمر الأجنبي وليس لسؤاله منه موضوعية ، وهذا أشبه شيء بالسؤال في آية (فَاسْأَلُوا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (اليزدي) : 25 من مبحث الخيارات .

ــ[211]ــ

أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(1) حيث إنّ أهل الذكر إذا أخبره بالحرمة أو الوجوب قبل أن يسأله الجاهل لا إشكال في وجوب متابعته ، ولا يصح في مثله أن يقال إنّ وجوب العمل بقول أهل الذكر مشروط بالسؤال وهو بعد لم يسأله ، إذ الظاهر أنّ السؤال طريق إلى كشف نظر العالم أو الآمر في المقام ، لأنهما لا يعلمان الغيب حتى يأمرا قبل السؤال وإنما يلتفتان إلى الحال بعد السؤال ، فهو طريق ولا موضوعية له وعليه فإذا أمره الآمر أي الأجنبي قبل استئماره فلا محالة يثبت له الخيار .

ثم إنه إذا استأمره أو لم يستأمره إلاّ أنه أمره بالاجازة والامضاء فليس له حق الفسخ حينئذ ، لأنّ قدرته عليه مشروطة بالاستئمار من الأجنبي والأخذ برأيه ونظره ، ونظره فعلا هو الامضاء دون الفسخ .

وأمّا إذا أمره بالفسخ ابتداءً أو بعد الاستئمار فهل يجب على المستأمِر الفسخ  ؟ الظاهر لا ، وذلك لأنّ المشروط والمعلّق على أمر الأجنبي إنما هو قدرة المستأمر على الفسخ لا وجوب الفسخ كما هو واضح ، والمستأمر بعد أمر الأجنبي يتمكّن من الفسخ والامضاء ، فلا وجه لوجوب الفسخ عليه بعد أمر الأجنبي بالفسخ ، والظاهر أنّ مراد الفقهاء من اشتراط الاستئمار وعدم ثبوت الخيار للمستأمِر قبل الاستئمار وعدم تمكّنه من الفسخ على تقدير أمر الأجنبي له بالامضاء وتمكّنه من الفسخ فيما لو أمره به قبل استئماره وعدم وجوب الفسخ عليه فيما إذا أمره بالفسخ ، كل ذلك إنما هو هذه الصورة أعني جعل حق لنفسه على تقدير أمر الأجنبي ، لأنها المتبادر من اشتراط الاستئمار حسب المتفاهم العرفي وهي التي تقع كثيراً ، وعليه فيرد عليهم النقض بأنّ ذلك من باب تعليق الخيار على أمر مجهول الحصول كقدوم الحاج ونوم زيد ، فكما إذا اشترط الخيار لنفسه على تقدير قدوم الحاج يبطل الاشتراط لكونه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النحل 16 : 43 .

ــ[212]ــ

مجهول المدة والحصول ، فكذلك فيما إذا اشترط الخيار على تقدير أمر الأجنبي فإنه أمر مجهول من حيث المدة والحصول ، وقد ذكروا أنّ تعليق الخيار على أمر مجهول الحصول مبطل ، ولازم ذلك أن يكون اشتراط الاستئمار موجباً للبطلان لأنه من تعليق الخيار على شيء مجهول ، وهذا النقض وارد على الفقهاء ولا مناص لهم عنه إلاّ على ما أشرنا إليه من أنّ الجهالة في الخيار لا توجب الغرر ولا البطلان ، وأنّ حديث نفي الغرر على تقدير تماميته يختص بالبيع ولا يشمل مطلق الغرر .

والمتحصّل من جميع ذلك : أنّ الصورة المرتكزة عند المتعاملين من اشتراط الاستئمار هي هذه الصورة ، وملخّصها أن يشترط المستأمِر لنفسه الخيار معلّقاً على استئمار الأجنبي وأمره ، فالخيار حق للمستأمر معلّقاً على الاستئمار ، وليس للأجنبي حق في البين ولا يمكنه الاجبار بشيء .

الصورة الثانية : أن يشترط الخيار مع حق للطرف عليه كما أنّ له حقاً على طرفه ، وهذا يتصوّر على وجهين :

الأول : أن يشترط أحد المتعاملين على الآخر عدم إعمال خياره إلاّ مع أمر الأجنبي له بأن يثبت له الخيار من الابتداء إلاّ أنّ إعماله مشروط ومعلّق على أمر الأجنبي له ، وعليه فللمستأمر حق وخيار على طرفه كما أنّ له حقاً على المستأمر حيث إنه اشترط على المستأمر عدم إعمال خياره إلاّ على تقدير أمر الأجنبي ، وقد ذكرنا سابقاً أنّ مرجع الاشتراط إلى جعل الخيار لنفسه ، وعليه فيثبت للطرف الخيار ، أي خيار تخلّف الشرط على تقدير إعمال المستأمر خياره قبل الاستئمار هذا  .

ولكن هذه الصورة لا ترجع إلى معنى محصّل بناءً على الوجه المختار في معنى الاشتراط ، لأنّ اشتراط شيء في ضمن المعاملة مرجعه إلى جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم ذلك الشرط ، وعليه فلا معنى لاشتراط عدم إعمال المستأمِر خياره إلاّ

ــ[213]ــ

بعد الاستئمار ، فإنّ مرجعه إلى أنّ الطرف يشترط لنفسه الخيار على تقدير إعمال المستأمر خياره قبل الاستئمار من جهة تخلّف الشرط ، والمستأمِر إذا تخلّف وأعمل خياره قبل أن يستأمر الأجنبي فبما أنّ خياره ثابت من الابتداء فينفذ فسخه وبه ترتفع المعاملة ، إلاّ أنه لمّا تخلّف عن الشرط يثبت للطرف خيار تخلّف الشرط ، مع أنه من اللغو الظاهر إذ لا ثمرة للخيار بعد ارتفاع العقد بفسخ المستأمر وإعماله الخيار قبل الاستئمار ، لارتفاع موضوعه فما معنى الخيار الثابت للطرف .

نعم ، بناءً على مسلك المشهور في معنى الاشتراط وهو كون الاشتراط التزاماً مقارناً للالتزام المعاملي وموضوعاً لوجوب الوفاء تكليفاً ، يترتّب على هذا الاشتراط ثمرة ، وهي أنّ المستأمر لو فسخ قبل حصول شرطه يرتكب أمراً محرّماً إذ يجب عليه أن يفسخ بعد حصول شرطه لا قبله وهو مجرد حكم تكليفي ومخالفة وعصيان له ، إلاّ أنّ فسخه نافذ لأنه صدر من أهله ووقع في محلّه .

نعم ، بناءً على مسلك شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) في أمثال المقام من أنّ حرمة الفسخ تكليفاً توجب سلب قدرة المشروط عليه على الفسخ شرعاً ، لا تترتّب على فسخه قبل حصول شرطه الذي هو الاستئمار ثمرة ولا تنفسخ به المعاملة ، إلاّ أنّ مرجعه إلى الصورة الاُولى وهي تعليق أصل الخيار على الاستئمار من الأجنبي بحيث لا يتمكّن من الفسخ قبله ، فلا تكون هذه الصورة مغايرة للصورة الاُولى كما هو ظاهر .

الثاني : أن يشترط الطرف على المستأمر فسخ العقد بعد أمر الأجنبي له وهذا من دون فرق بين ثبوت الخيار للمستأمر من الابتداء وثبوته له بعد أمر الأجنبي ، ومرجع هذا إلى اشتراط الفعل دون اشتراط النتيجة ، وعليه فإذا حصل المعلّق عليه وفسخ المستأمر فهو وإلاّ فيثبت للطرف الخيار ويتمكن من فسخ العقد وإمضائه ، وهذه الصورة لا إشكال فيها إلاّ أنّ المرتكز عند المتعاملين هو الصورة

ــ[214]ــ

الاُولى كما عرفت ، هذه هي الصور المعقولة لشرط الاستئمار .

ثم إنّ الخلاف والنزاع المتقدم في مسألة جعل الخيار للأجنبي وأنه مشروط بمراعاة الأصلح أو غير مشروط به يأتي في المقام أيضاً فيقال إنّ المعلّق عليه هل هو أمر الأجنبي فيما إذا راعى الأصلح ، أو أنّ المعلّق عليه هو مطلق أمر الأجنبي صدر عن مراعاة المصلحة أو من جهة الاشتهاء النفساني ؟

مقتضى الاطلاق وعدم تقييد أمر الأجنبي بكونه صادراً عن ملاحظة المصلحة هو أنّ المعلّق عليه مطلق أمر الأجنبي ، كما أنّ مقتضى المناسبات المرتكزة عند العرف بين الأحكام وموضوعاتها يقتضي أن يكون المعلّق عليه هو الأمر الصادر من الأجنبي عن مراعاة المصلحة ، لأنّ هذا الاشتراط إنما هو من جهة أنّ المتعامل جاهل بالصلاح والفساد ومن أجل ذلك اشترط أمر الأجنبي ، لأنه عارف بما هو الصلاح والفساد فيكون المعلّق عليه الأمر المبني على مراعاة الأصلح لا مطلق الأمر ولو صدر من مجرد الاشتهاء النفساني ، هذا تمام الكلام في اشتراط الاستئمار وجعل الخيار للأجنبي .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net