تحديد المقدار الذي يتسامح فيه والذي لا يتسامح فيه 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4445


المسألة الثانية

أنّ الأصحاب اشترطوا في ثبوت هذا الخيار أن يكون التفاوت بين القيمتين أزيد مما يتسامح فيه عادة ، وهذا الاشتراط مما لا غبار عليه سيّما على مسلكنا من كون خيار الغبن ثابتاً بالاشتراط الضمني ، لأنهم إنما يشترطون التساوي أو عدم

ــ[316]ــ

الزيادة بما لا يتسامح فيه ، وأمّا المقدار المتسامح فيه عرفاً فالظاهر أنه لا يعد غبناً وزيادة موجبة للخيار ، وهذا على إجماله مما لا خلاف فيه .

وإنما الكلام في تحديد مقداره وأنّ أيّ مقدار مما يتسامح فيه وأي مقدار لا يتسامح فيه ، وقد نقل عن بعض العامة(1) أنّ التفاوت بالثلث مورد للتسامح ولا يثبت به الخيار ، فإذا اشترى ما يسوى ستة بثمانية فلا يثبت له الخيار لأنّ الزيادة بالثلث ، وهذا التحديد مما لا إشكال في سقوطه ، إذ كيف لا تكون الزيادة بثلث الثمن موجبة للغبن ، وقد ذكر شيخنا الأنصاري(2) بل ورجّح حصول الغبن بزيادة الخمس ، هذا .

والظاهر أنه لا يمكن تقدير الغبن بالكسور المتعارفة أعني الثلث والربع والخمس ، وذلك لأنّ الخمس مثلا أو الثلث في بعض الموارد لا يوجب الغبن أي الزيادة بما لا يتسامح فيه لقلّته ، وفي بعض الموارد الاُخر يوجب الزيادة بكثير ، مثلا إذا اشترى ما يسوى بثلاثة أفلس بأربعة فقد اشتراه بزيادة فلس واحد وهو الثلث إلاّ أنه ليس مما يوجب الغبن والخيار لقلّته ، وأمّا إذا اشترى ما يسوى بثلاثة آلاف دينار بأربعة آلاف فقد زاد بثلث الثمن وهو الألف مع أنه من أظهر مصاديق الزيادة التي لا يتسامح فيها ، وكلّما فرضنا العدد أزيد تصير الزيادة في الغبن أوضح فإذا اشترى شيئاً بخمسة عشر ألف دينار وهو يسوى باثنتي عشر ألف دينار فقد زاد ربع القيمة وهو ثلاثة آلاف ، ومن الظاهر أنه مما لا يتسامح فيه بل ربما يكون الواحد في المائة موجباً للزيادة الخارجة عن مورد المسامحة وهذا كما إذا اشترى ملكاً بمليون وعشرة آلاف دينار ثم ظهر أنّ قيمته هو المليون وقد زاد عشرة آلاف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما حُكي عن مالك ، راجع التذكرة 11 : 70 .

(2) المكاسب 5 : 170 .

ــ[317]ــ

ونسبتها إلى مليون نسبة الواحد إلى المائة ، مع أنه من أظهر مصاديق ما لا يتسامح فيه . وبالجملة فلا يمكن تقدير ذلك بالكسور المتعارفة أو الأعشار ، وعليه فلنا ثلاثة مقامات :

فتارةً نقطع ونعلم بأنّ الزائد مما يتسامح فيه فلا غبن فيه . واُخرى نعلم بأنه مما لا يتسامح فيه فيثبت فيه الخيار . وثالثة نشك في أنّ المقدار الزائد هل هو مما يتسامح فيه أو لا يتسامح فيه فهل يحكم في هذه الصورة بالخيار أو أنّ المعاملة لازمة حينئذ ؟ فربما يقال بعدم صحة التمسك في مثل ذلك بعموم قاعدة نفي الضرر ولا بالعمومات المقتضية للزوم ، بدعوى أنّ الشبهة مصداقية ولا ندري أنّ الضرر مما يتسامح فيه حتى لا تشمله القاعدة أو أنه مما لا يتسامح فيه فالقاعدة تشمله .

إلاّ أنّ ذلك مما لا أساس له ، وليست الشبهة مصداقية في المقام ، وإنما الشك في خروج المقدار الزائد عمّا نعلم بخروجه ومن قبيل الشك بين الأقل والأكثر في المخصص ، وذلك لأنّا نعلم بخروج مثل العشرة في الخمسين وأنها ضرر لا يتسامح فيه  ، فهي مما تشمله قاعدة نفي الضرر قطعاً فتكون العشرة خارجة عن الحكم باللزوم ، ولكنا نشك في أنّ الخمسة في الخمسين أيضاً خارجة عن اللزوم أو لا لأجل الشك في أنها مما يتسامح فيه عند العقلاء أو مما لا يتسامح فيه ، فالشك في خروج المقدار الزائد عمّا نعلم بخروجه ومن باب الشك في خروج الأقل أو الأكثر .

وكيف كان ، فليست الشبهة مصداقية لأنّ الشبهة المصداقية إنما تتحقق فيما إذا علمنا بمقدار الخارج وشككنا في مورد أنه من الأفراد الخارجة أو الباقية تحت العام بحيث لا يكون خروج ذلك المشكوك مستلزماً لتخصيص زائد على التخصيص الوارد على العام ، ولكنك خبير بأنّ الشك في المقام من جهة الشك في مقدار الخارج وأنّ المقدار الزائد عمّا نعلم بخروجه أيضاً خارج عن العموم وهو مستلزم لتخصيص زائد على العموم ، أو أنه ليس بخارج عنه فيكون تخصيص العموم منحصراً بالمقدار

ــ[318]ــ

المعلوم دون الزائد ، وبالجملة الشك في المقام من قبيل الشك بين الأقل والأكثر فهل يجوز الرجوع فيه إلى قاعدة نفي الضرر وبها نثبت الخيار ، أو أنّ المرجع هو أصالة اللزوم ؟

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ المرجع حينئذ أصالة ثبوت الخيار لأنّ المفروض أنّ موارد الضرر خارجة عن الحكم باللزوم ، وإنما خرجنا عن هذا العموم فيما إذا كان الضرر مما يتسامح فيه الناس ، وحيث إنّ الضرر متحقق في المقام ولم يعلم أنه مما يتسامح فيه فنتمسك بعموم ما دلّ على الخيار عند الضرر وعدم الحكم باللزوم معه ، إذ لم يثبت أنّ الضرر مما يتسامح فيه حتى يحكم بعدم الخروج عن عمومات اللزوم ، ثم عدل عن ذلك واحتمل الرجوع إلى أصالة اللزوم ، لأنّ المقدار الخارج عن عمومات اللزوم هو الضرر المتفاحش أو الضرر الذي يناقش فيه أي الضرر الكثير لا مطلق الضرر ، ولم يثبت بعد أنّ الضرر كثير ، فما دام لم يثبت المخصص نتمسك بالعموم ، هذا .

والظاهر أنّ الصحيح على مسلكه ومسلك غيره ممن اعتمد في خيار الغبن على قاعدة نفي الضرر هو الاحتمال الأول دون الاحتمال الثاني الذي عدل إليه والوجه في ذلك : أنّ الخارج عن عمومات اللزوم مطلق الضرر أعم من المتفاحش وغيره ولم تقيّد أدلّة نفي الضرر بالضرر الكثير ، وإنما لم نقل بالخيار فيما إذا كان الضرر مما يتسامح فيه العقلاء ويقدمون عليه من أجل أنّ شمول قاعدة نفي الضرر له على خلاف الامتنان حيث إنهم قد أقدموا على ذلك الضرر فالحكم بارتفاعه مما لا امتنان فيه ، إلاّ أنّ ذلك تخصيص ثان لبّي وارد على المخصص ، فكما أنّ أدلّة نفي الضرر خصّصت اللزوم بموارد عدم الضرر كذلك خصّصنا هذا المخصص بموارد عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 170 .

ــ[319]ــ

إقدام العقلاء على ضرر أنفسهم من جهة قلّته ، فإذا شككنا في مورد في أنّ الضرر هل هو ممّا يقدم عليه العقلاء أو لا ، فلا محالة يكون المخصص الوارد على المخصص الأول مشكوكاً ومع الشك في المخصص الثاني يكون عموم المخصص الأول محكّماً ومعه لا يمكن الرجوع إلى عموم العام ، إذ الشك إنما هو في تخصيص عموم المخصص الأول فإذا لم يثبت تخصيصه فنتمسك بعمومه أي بعموم المخصص الأول لا محالة ونحكم بالخيار وعدم اللزوم . وكيف كان فليس الخارج عن عمومات اللزوم خصوص الضرر المتفاحش وإنما خرج عنه مطلق الضرر وبما أنه متحقق في المقام فنتمسك بعموم المخصص لا محالة ، هذا كلّه بناءً على مسلكهم .

وأمّا بناءً على ما سلكناه من أنّ المدرك في خيار الغبن هو الاشتراط الضمني أعني اشتراط التساوي وعدم الزيادة عن القيمة السوقية من طرف المشتري واشتراط عدم النقيصة من طرف البائع ، فالظاهر أنّ المرجع هو عمومات اللزوم وذلك لأنّ الاطلاق في مقام الاثبات والكلام يكشف عن الاطلاق وعدم التقييد في مقام الثبوت والاعتبار النفساني .

وتوضيحه : أنّ المعاملة في مقام الاثبات مطلقة وليست مقيّدة باشتراط التساوي باللفظ وهذا ظاهر ، فنستكشف أنّ المعاملة بحسب الواقع ومقام الثبوت مطلقة وغير مقيّدة بعدم زيادة مثل الخمسة في الخمسين وغيرها مما نشك في كونه مما يتسامح فيه ، والاعتماد على القرينة المقامية والارتكاز إنما يتم بالاضافة إلى اشتراط عدم الزيادة بمقدار لا يتسامح فيه ، وأمّا عدم اشتراط الزيادة بمقدار يشك في أنه مما يتسامح فيه فلا ، لعدم صلاحية الارتكاز للقرينية على اشتراط مثله أي مثل ما يشك في أنه مما يتسامح فيه ، ولا يسوغ له الاعتماد في تقييد اعتباره النفساني على ما لا صلاحية له للقرينية والتقييد ، نعم له صلاحية القرينية والتقييد بالاضافة إلى ما لا يتسامح فيه . إذن فالمعاملة بالاضافة إلى ما نشك في أنه مما يتسامح فيه مطلقة في مقام

ــ[320]ــ

الاثبات فنتمسك بالاطلاق في الكلام وبه نستكشف أنّ اعتباره النفساني أيضاً مطلق وغير مقيّد بعدم الزيادة بما يشك في كونه مما يتسامح فيه ، إذ لو كان اعتباره مقيّداً بذلك لكان عليه البيان ونصب القرينة على ذلك ، وحيث لم ينصب قرينة عليه فيعلم أنّ اعتباره مطلق ، وعليه فيحكم عليه باللزوم وعدم الخيار ، وهذا من موارد الفرق والثمرة بين مسلكنا ومسلك الشيخ (قدّس سرّه) .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net