3 ـ تصرّف المغبون فيما انتقل إليه 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4149


الثالث من المسقطات : تصرف المغبون فيما انتقل إليه .

وقد ذكروا أنه من المسقطات فيما إذا كان بعد العلم بالغبن ، وأمّا قبل العلم به فلا يكون التصرف مسقطاً للخيار ، على خلاف خياري التدليس والعيب حيث إنّ التصرف فيهما مطلقاً مسقط لهما كان قبل العلم أم بعده ، وعليه فيقع الكلام في وجه التفصيل في هذا الخيار بين كون التصرف قبل العلم بالغبن وكونه بعده فنقول : إن أرادوا من ذلك أن التصرف بعد العلم بالغبن كاشف عن رضاه بالعقد وطريق إلى التزامه به الراجع إلى إسقاطه الخيار ، وهذا بخلاف ما إذا كان التصرف قبل العلم به فإنه لا كاشفية له عن الرضا ولا يرجع إلى إسقاط الخيار ، فهذا التفصيل متين وذلك لما عرفت من أنّ إسقاط الخيار من أحد المسقطات ولا يفرق في الاسقاط بين اللفظي منه وغيره ، فكما أنّ اللفظ يكفي في إسقاط الخيار فكذلك الفعل يكشف عن رضاه بالعقد وإسقاطه الخيار وهذا ظاهر ، إلاّ أنّ ذلك يختص بالتصرفات التي لها ظهور نوعي في إسقاط الخيار كما إذا تصرف فيه بداعي إسقاطه .

وأمّا إذا أراد التصرف فيه من غير إرادة إسقاط خياره بل بانياً على ردّه بعد ذلك التصرف كما إذا كان المبيع لحافاً وكان الهواء في غاية البرودة فأراد الانتفاع به ليلا ثم يردّه إلى مالكه نهاراً ، أو ركب الدابة في طريق ردّها إلى مالكها ، فإنّ

ــ[348]ــ

التصرف في هذه المقامات لا يكشف عن إسقاط الخيار ولا عن رضا المتصرف بالعقد ، فلا يكون موجباً لسقوط الخيار حينئذ ولو كان بعد العلم بالغبن ، كما أنّ التصرف قبل العلم بالغبن يمكن أن يكون مسقطاً له ، وذلك لما ذكرناه في الاسقاط من أنّ إسقاط الخيار قبل العلم بثبوته على وجه التعليق والتقدير يوجب سقوطه وعليه فإذا تصرف في المبيع بانياً على الالتزام بالعقد على تقدير ثبوت الغبن له فلا محالة يكون ذلك كاشفاً عن رضاه بالعقد وإسقاطه الخيار على وجه التعليق .

فالمتحصّل من جميع ذلك : أنه لا موضوعية لما قبل العلم وبعده بأن يكون نفس عنوان التصرف قبل العلم غير موجب للسقوط ويكون عنوان التصرف بعد العلم موجباً له ، بل هما طريقان بحسب العادة إلى الرضا والاسقاط وعدمهما ، فلذا ذكرنا أنه في موارد عدم الطريقية والكشف عن الاسقاط والرضا لا وجه لسقوط الخيار بمجرد كون التصرف بعد العلم ، أو عدم سقوطه لأجل أنّ التصرف قبل العلم ولم يرد دليل على أنّ التصرف بعد العلم بما هو هو موجب لسقوط الخيار كما ورد ذلك في خيار العيب وأنّ التصرف في المعيوب يسقط الخيار وتنتهي النوبة إلى الأرش كان ذلك قبل العلم أم بعده . نعم ما ذكروه في خيار التدليس من سقوطه بالتصرف مطلقاً لا دليل عليه ، لما مر من أنّ عنوان التصرف لم يدل دليل على كونه موجباً لسقوط الخيار فلا موضوعية له في ذلك ، ولا يوجب السقوط إلاّ فيما إذا رجع إلى الاسقاط وكان كاشفاً نوعياً عن رضا المتصرف بالعقد .

والوجه فيما ذكرناه : أنّ المدرك في خيار الغبن إما هو قاعدة لا ضرر كما تمسك بها شيخنا الأنصاري(1) وجماعة ، ومن الظاهر أنّ مقتضاها ثبوت الخيار للمغبون قبل التصرف وبعده ، فإنّ تصرفه فيه لا يرفع الضرر فلا يكون العقد لازماً عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 161 .

ــ[349]ــ

لأنّ الحكم بلزومه ضرري ، ولازم ذلك أن لا يوجب التصرف سقوط الخيار بناءً على أنّ مدركه قاعدة نفي الضرر ، نعم لو أقدم على المعاملة مع العلم بالغبن لا تشمله تلك القاعدة ، لأنها على خلاف الامتنان حينئذ ، إذ المفروض أنه بنفسه أقدم على ضرره فالحكم برفعه على خلاف الامتنان ، وأمّا في غير صورة الاقدام فقد عرفت أنه لا مانع من شمول القاعدة لما بعد التصرف ومقتضاها عدم لزوم المعاملة بذاك التصرف . وبالجملة في غير موارد الاقدام على الضرر من الابتداء كما إذا أقدم على المعاملة مع العلم بالغبن أو بحسب الاستدامة كما إذا تصرف في المبيع بقصد إسقاط خياره ، لا مانع من شمول حديث نفي الضرر ، تصرف فيما انتقل إليه أم لم يتصرف فيه .

وإمّا مدركه ما ذكرناه من الاشتراط الضمني أعني اشتراط تساوي القيمتين  ، وهذا أيضاً غير قاصر الشمول لما بعد التصرف ، وذلك لأنّ تخلّف الاشتراط الضمني يوجب الخيار سواء تصرف معه فيما انتقل إليه أم لم يتصرف فيه ولازمه عدم سقوط الخيار بمجرد التصرف في المال ، والفرق بين ما ذكرناه وسابقه بعد شمول كل واحد منهما لما بعد التصرف ، أنّ الخيار في الأول مجعول شرعي وفي الثاني مجعول من قبل المتبايعين حسب اشتراطهما الضمني .

وبالجملة : أنه لا وجه لرفع اليد عن الخيار المجعول شرعاً أو عند المتبايعين بمجرد التصرف ، اللهم إلاّ أن يدلّ دليل على أنّ التصرف مسقط للخيار كما دلّ في خيار الحيوان وهو مفقود ، ومع فقده لا يمكن رفع اليد عن المجعول .

نعم ، لو اعتمدنا في المقام على الاجماع وقلنا إنه المدرك في خيار الغبن فالمقدار المتيقّن منه هو الخيار قبل التصرف وأمّا بعد التصرف فيه فلا إجماع على الخيار وعدم لزوم العقد ، وحينئذ فيقع الكلام في جريان استصحاب الخيار الثابت بالاجماع قبل التصرف فيما إذا شككنا في بقائه بعد التصرف فيه وعدمه ، وأنّ الشك

ــ[350]ــ

حينئذ من قبيل الشك في الرفع أو أنه من الشك في الدفع .

وتوضيح ذلك : أنّ التصرف وعدمه هل هما من العناوين المقوّمة لموضوع الخيار وعدمه نظير عنوان المسافر والحاضر والاجتهاد والعدالة ، أو أنهما من قبيل الحالات الطارئة على موضوع الخيار ، فربما يتوهم أنّ التصرف وعدمه من العناوين المقوّمة نظير عنوان المسافر والحاضر فانهما وإن كانا متحدين في الواقع لا محالة ، لأن المسافر هو ذلك الشخص قبل ساعة كما أنّ الحاضر هو ذلك الشخص بعد ساعة ، والأحكام أيضاً مترتبة على نفس ذلك الشخص كوجوب القصر أو التمام ، إلاّ أنه مع ذلك إذا اُلقي خطاب يجب القصر على المسافر إلى العرف ، فلا محالة يستفاد منه أنّ لعنوان المسافر مدخلية في وجوب القصر كما أنّ لعنوان الحاضر دخالة في وجوب التمام ، وكذلك فيما إذا قيل قلّد المجتهد أو صلّ خلف العادل ، فإنّ ظاهره أنّ عنوان المجتهد أو العادل تمام الموضوع وله دخل في وجوب التقليد والائتمام ، فإنّ الائتمام أو التقليد وإن كان على ذات المجتهد والعادل إلاّ أنّ لذلك العنوان أعني عنواني الاجتهاد والتقليد مدخلية في جوازهما .

وعدم التصرف أيضاً من هذا القبيل فإنّ الخيار مترتّب على المعاملة الغبنية التي لم يتصرف المغبون فيها فيما انتقل إليه ، فلعدم التصرف دخالة في تحقق الخيار وعليه فلا يمكن جريان استصحاب الخيار في المقام بعد تصرف المغبون فإنه حينئذ يشبه القياس ويكون من قبيل إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر ، لارتفاع موضوع الحكم بواسطة التصرف ، كما لا يمكن استصحاب وجوب القصر في من كان مسافراً ثم حضر قبل خروج وقت الصلاة ، أو استصحاب وجوب التمام في صورة العكس لارتفاع موضوع السفر والحضر في المسألتين . وكذا في من زال اجتهاده أو عدالته فإنه لا يمكن في مثله استصحاب جواز تقليده أو ائتمامه لارتفاع موضوعيهما نعم لو قلنا بأنّ عدم التصرف من قبيل الحالات لا المقوّمات لم يكن ذلك مانعاً عن

ــ[351]ــ

جريان استصحاب الخيار في المقام ، ولعلّ هذا هو مراد شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من قوله : إلاّ أن يقال إنّ الشك في الرفع لا الدفع فيستصحب فتأمّل(1) كما جزم به شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) هذا .

والظاهر أنّ عدم التصرف والتصرف ليسا من مقوّمات موضوع الخيار وإنما هما من حالاته ، وذلك لأنّ تمام الموضوع للخيار هو الغبن ولا مدخلية في ثبوته لشيء آخر أبداً ، وعليه فلا مانع من استصحاب الخيار بعد التصرف فيما إذا شككنا في بقائه وارتفاعه فيما إذا كان المدرك فيه هو الاجماع بناءً على ما ذكرناه في محله(3)من أنّ الاستصحاب كما يجري فيما ثبت بالأدلة اللفظية كذلك يجري فيما ثبت بالدليل اللبّي وهو الاجماع .

اللهمّ إلاّ أن يقال بما ذكرناه في محله(4) من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلّية وحينئذ فلا يجري استصحاب بقاء الخيار بعد التصرف ، وعليه فلابدّ من الرجوع إلى دليل آخر ومقتضى ذلك الدليل هو اللزوم في المقام ، وذلك لأنّ الاطلاقات والعمومات الواردة في أبواب المعاملات تقتضي اللزوم مطلقاً ، وقد خرجت عنها المعاملة الغبنية التي لم يتصرف المغبون فيها فيما انتقل إليه ، فإنّ حكمها الجواز ، فإذا تصرف فيه المغبون فمقتضى تلك العمومات هو اللزوم وعدم جواز الفسخ بعد التصرف فيما إذا كان مدرك الخيار هو الاجماع .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 185 .

(2) منية الطالب 3 : 135 .

(3) مصباح الاُصول 3 (موسوعة الإمام الخوئي 48) : 36 .

(4) مصباح الاُصول 3 (موسوعة الإمام الخوئي 48) : 42 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net