ذكر اُمور قيل باعتبارها في خيار التأخير \ 1 ـ عدم ثبوت خيار لهما أو لأحدهما 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الرابع : الخيارات-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4963


ــ[28]ــ

أحدهما : أنّ ظاهر الروايات الدالّة على خيار التأخير أنّ عدم القبض والاقباض إنّما يوجب خيار التأخير فيما إذا لم يكن عن حقّ كما إذا لم يقبض المشتري الثمن عداوناً ومماطلة ولأجله لم يقبضه البائع المثمن ، وأمّا إذا كان تأخير المشتري على وجه الحق ولم يكن من باب المماطلة فهو لا يوجب الخيار للبائع ، إذ الأخبار منصرفة عن صورة تأخير المشتري عن حق ، وظاهرها ما ذكرناه من كون عدم القبض لا على وجه الحق ، كما أنّ ظاهرها كون عدم إقباض البائع لعدم قبض الثمن لا من جهة ثبوت حق له في عدم الاقباض ولو مع قبض الثمن .

وثانيهما : أنّ البيع الخياري لا يجب فيه تسليم المثمن على البائع ولا تسليم الثمن على المشتري ، لأنّه ممّا لا إلزام فيه على الوفاء حتّى أنّه إذا سلّم أحدهما ماله إلى الآخر فلا يجب عليه تسليم مقابله إليه لخيارية العقد وعدم وجوب الوفاء فيه  .

فإذا ضممنا أحد هذين الأمرين إلى الآخر ينتج أنّ عدم تسليم المشتري الثمن إلى البائع إنّما هو عن حق لعدم وجوب التسليم عليه حسب الفرض ، كما أنّ عدم إقباض البائع المثمن من جهة ثبوت حق له في ذلك لعدم وجوب التسليم عليه  ، وليس عدم إقباضه مستنداً إلى عدم قبض الثمن ، وقد فرضنا أنّ الأخبار إنّما تدل على ثبوت الخيار فيما إذا لم يكن عدم مجيء المشتري بالثمن عن حق وكان عدم إقباض البائع من جهة عدم قبضه الثمن ، وكلا الأمرين منتفيان في المقام ، إذ المفروض أنّ عدم مجيء المشتري عن حق كما أنّ عدم إقباض البائع مستند إلى حقّه لا إلى عدم قبضه الثمن ، فلازم هذين الأمرين اعتبار عدم ثبوت الخيار لهما أو لأحدهما في ثبوت خيار التأخير ، هذا .

وشيخنا الأنصاري بعد إيهام ردّ كلتا المقدّمتين بقوله : وفيه بعد تسليم الحكم في الخيار وتسليم انصراف الأخبار الخ قد أورد عليه بنقضين :

أحدهما : أنّ لازم هاتين المقدّمتين كون مبدأ التأخير في هذا الخيار بعد

ــ[29]ــ

انقضاء خيار المجلس وبعد الافتراق لأنه ثابت في جميع البيوع أو أغلبها ، والمفروض أنّهما في زمان الخيار لا يلتزمان بالتسليم ، فيكون عدم إقباض كل واحد منهما في زمان خيار المجلس مستنداً إلى حقهما فلا يثبت حينئذ خيار التأخير لعدم حصول شرطه ، فلابدّ من اعتبار التأخير ثلاثة أيام بعد انقضاء المجلس حتّى لا يكون عدم الاقباض مستنداً إلى حقّهما أو أحدهما ، مع أنّ ظهور الروايات بل صراحتها تقتضي الحكم بثبوت هذا الخيار واعتبار ثلاثة أيام من حين البيع لا من حين الافتراق .

وثانيهما : أنّ لازم هذين الأمرين عدم ثبوت هذا الخيار في الحيوان ، لأنّ المشتري فيه على الخيار إلى ثلاثة أيّام ، فعدم تسليمه الثمن حينئذ مستند إلى حقّه والمفروض اشتراط عدم الخيار لهما أو لأحدهما في ثبوت هذا الخيار ، وحيث إنّ المشتري له الخيار في بيع الحيوان فلا يثبت فيه خيار التأخير مع أنّهم متّفقون على ثبوت خيار التأخير في جميع أفراد البيع ولم يخالفهم في ذلك إلاّ الصدوق (رحمه الله)(1) حيث ذهب إلى كون الخيار في خصوص الجارية بعد شهر لا بعد ثلاثة أيام من جهة وروده في بعض الأخبار كما ستأتي الاشارة إليه إن شاء الله تعالى .

ودعوى أنّ خيار التأخير إنّما يثبت بعد انقضاء خيار الحيوان فيحسب ثلاثة أيام بعد انقضاء خيار الحيوان ، فإذا لم يجئ بالثمن فيها فيثبت للبائع الخيار ، مدفوعة بأنه على خلاف ظهور الأخبار ، لأنّها كالصريح في أنّ مبدأ الثلاثة في ثبوت خيار التأخير هو زمان وقوع البيع لا زمان انقضاء خيار الحيوان .

لا يقال : إنّ لازم عدم جريان الخيار في بيع الحيوان عدم جريانه في كل بيع يثبت فيه خيار المجلس ، لأنّ ظهور الأخبار في أنّ مبدأه هو حين البيع لا زمان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المقنع : 365 .

ــ[30]ــ

انقضاء الخيار فلماذا التزمتم بثبوته بعد انقضاء خيار المجلس ولم تلتزموا بثبوته بعد انقضاء زمان خيار الحيوان ، فما وجه الفرق بينهما .

لأنّه يقال : إنّ أغلب المعاملات والبيوع لولا جميعها مشتمل على خيار المجلس لا محالة إلاّ فيما إذا إذا أسقطاه وهو نادر ، ولازم عدم جريان خيار التأخير فيما يثبت فيه خيار المجلس إلغاء خيار التأخير في أغلب البيوع أو جميعها وهو يستلزم لغوية الأخبار الدالّة على ثبوته أي خيار التأخير وبقاءها بلا مورد ، وهذا بخلاف الالتزام بعدم جريانه في بيع الحيوان ولعلّه ظاهر ، هذا .

وشيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) ذهب إلى تمامية المقدّمتين المتقدّمتين والتزم بعدم ثبوت خيار التأخير فيما إذا ثبت لهما أو لأحدهما الخيار ، وأفاد أنّ ما ذكره العلاّمة في التحرير وابن إدريس في سرائره هو الصحيح .

أمّا المقدّمة الاُولى : فلأنّ صراحة الأخبار وانصرافها عمّا إذا كان تأخير المشتري مستنداً إلى حقّه ممّا لا يقبل الانكار ، هذا . قلت : بل الشيخ (قدّس الله سرّه) اعترف بذلك في الشرط الثالث من شروط خيار التأخير قبل صحيفة حيث استدلّ على عدم ثبوت الخيار فيما إذا اشترط المشتري التأخير على البائع بمدّة : بأنّ الروايات منصرفة عن صورة كون التأخير مستنداً إلى حقّ المشتري ، ومعه كيف يمكنه الانكار في المقام بقوله (قدّس سرّه) وفيه بعد تسليم الحكم الخ لأنّه يوهم الانكار وإلاّ لما يمكنه إثبات الشرط الثالث بالانصراف ، وهذه المقدّمة كما أفاده ممّا لا كلام فيه وإنّما المهم هو ما أفاده في إثبات المقدّمة الثانية .

وأمّا المقدّمة الثانية : فلأنّ العقد إذا لم يكن بنفسه واجب الوفاء ولم يلزم البائع أو المشتري به فلا محالة تكون آثاره أيضاً غير لازمة الوفاء ، ومن هنا قلنا إنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 183 .

ــ[31]ــ

الشرط في العقد الخياري بالعرض أو بالذات لا يجب الوفاء به سواء كان شرطاً صريحاً أو ضمنياً كتسليم الثمن والمثمن ، وعليه فحيث إنّ العقد خياري في المقام فلا يجب عليهما الوفاء به ولا يجب عليهما التسليم والتسلّم الثابتان بالاشتراط الضمني ولا غيرهما من لوازم العقد وآثاره ، وعليه فالمقدّمتان تامّتان ولازمهما عدم ثبوت خيار التأخير فيما إذا ثبت لهما أو لأحدهما الخيار ، لأنّ التأخير حينئذ مستند إلى حق المشتري كما أنّ عدم إقباض البائع مستند إلى حقه في التأخير لا إلى عدم قبضه الثمن .

ثم أفاد (قدّس الله نفسه) أنّ الشيخ (قدّس سرّه) وإن أنكر عدم وجوب التسليم والتسلّم في المقام إلاّ أنه (قدّس سرّه) اعترف به في أحكام القبض في الجواب عمّا أورده المحقّق الأردبيلي على مقالة المشهور من أنّ المشتري إذا لم يدفع الثمن إلى البائع فيجوز له عدم إقباض المبيع .

فأورد عليه الأردبيلي (قدّس سرّه) بأنّ معصية أحد وظلمه وهو المشتري حيث عصى بعدم دفع الثمن إلى البائع كيف تكون سبباً ومرخّصاً في معصية الآخر وظلمه ، وكيف يجوز للبائع عدم إقباض المبيع مع أنّه واجب عليه ، هذا .

فأجاب عن ذلك شيخنا الأنصاري بأنّ عدم دفع البائع ليس معصية وظلماً بل من جهة حقّه الثابت بالاشتراط الضمني حيث اشترط كل منهما على الآخر عدم تسليمه ملك الآخر إلاّ فيما إذا سلّمه الآخر ملكه وتخلّفه يوجب الخيار ، ونتيجة ذلك أنّ التسليم والتسلّم غير واجبين في زمان الخيار .

وأمّا نقضه (قدّس سرّه) بخيار المجلس والحيوان فيندفع بأنّ ظاهر الروايات هو عدم كون المتبايعين ذوي خيار في زمان مقارن لخيار التأخير وهو بعد انقضاء ثلاثة أيام من صدور البيع بآن ، لأنه زمان ثبوت خيار التأخير ، فكون أحدهما أو كلاهما ذا خيار في هذا الزمان يوجب أن يكون التأخير مستنداً إلى حقّهما

ــ[32]ــ

وخيارهما ، وأمّا الخيار قبل انقضاء ثلاثة أيام كخياري المجلس والحيوان أو بعد ثلاثة أيام بمدة كالخيار بعد شهر من ثلاثة أيام فهما لا ينافيان خيار التأخير ولا يمنعان عن كون تأخيره عن غير حق في زمان خيار التأخير لاختلاف زمانهما والذي يوجب استناد التأخير إلى حقهما هو خيارهما مقارناً لانقضاء ثلاثة أيام الذي هو ظرف لخيار التأخير ، فإنّ تأخيره حينئذ مستند إلى حقه وخياره ، وعليه فالنقض بخياري المجلس والحيوان غير وارد لعدم كونهما مقارناً لانقضاء ثلاثة أيام وإنما هي قبل انقضائها ، فلا يكونان منافيين لخيار التأخير ، نعم لو امتدّ مجلس البيع إلى ثلاثة أيام وما بعدها يكون منافياً لخيار التأخير إذ لا يجب عليه التسليم حينئذ ويكون تأخيره عن حق ، ومعه لا يثبت خيار التأخير ، هذه خلاصة ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) في المقام .

ولنا في جملة ما أفاده نظرات وتأمّلات : منها ما أفاده أخيراً من أنّ الشيخ (قدّس سرّه) سلّم عدم وجوب التسليم والتسلّم في زمان الخيار حيث أجاب عن مناقشة الأردبيلي (قدّس سرّه) في أحكام القبض بأنّ عدم تسليم المشتري ليس بظلم بل من جهة الاشتراط الضمني حيث شرط كل واحد منهما على الآخر التسليم عند تسليم الآخر وتمكينه منه ، وهذا الاشتراط يوجب الخيار عند تخلّفه ، وحيث إنّ البائع لم يسلّم المبيع إلى المشتري فله أن لا يسلّم الثمن إليه ، ومعنى ذلك أنّهما في زمان الخيار غير محكومين بوجوب التسليم والتسلّم .

ولا يخفى عليك أنّ البابين مختلفان وأحدهما أجنبي عن الآخر ، وذلك لأنّ عدم وجوب التسليم والتسلّم على المتبائعين عند اشتراطهما ليس من جهة الخيار بل من جهة الاشتراط ، فإنّ الفرض أنّ كل واحد منهما اشترط على الآخر التسليم عند تسليمه ، فإذا لم يحصل التسليم منه فلا يجب التسليم عليه حسب الاشتراط ، كان العقد لازماً أم كان جائزاً ، فليس عدم وجوب التسليم مستنداً إلى الخيار كما

ــ[33]ــ

عرفت  ، وأمّا في المقام فالمدّعى أنّ من آثار الخيار عدم وجوب التسليم والتسلّم من جهة أنّ العقد إذا لم يكن بنفسه لازم الوفاء فلا يكون آثاره أيضاً واجب الوفاء حتى فيما إذا سلّم أحدهما إلى الآخر فإنه لا يجب على الآخر ردّ ماله إليه لأنّ العقد خياري وليس لازم الوفاء ، مع أنّ عدم وجوب التسليم لو كان من جهة الاشتراط لوجب على الآخر التسليم لحصول شرطه.

وكيف كان فالبابان مختلفان ، ولا ينافي القول بعدم وجوب التسليم من جهة الاشتراط القول بأنّ الخيار لا يترتّب عليه عدم وجوب التسليم والتسلّم لتعدّد المسألتين ، وقد عرفت أنّ عدم وجوب التسليم في أحكام القبض من جهة الاشتراط وعدم حصول شرطه لا من جهة الخيار ، فكلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في المقام غير مناقض لما أفاده في أحكام القبض لتعدّدهما كما مرّ .

ومنها : ما أفاده في المقدّمة الاُولى من أنّ ظاهر الروايات هو عدم المجيء بالثمن لا عن حق ، وأمّا إذا كان تأخيره عن حق له فلا يكون مشمولا للأخبار وأنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي أن لا يكون التأخير عن حق بعد ثلاثة أيام بآن لأنه ظرف ثبوت خيار التأخير ، وعدم المجيء إن كان في ذلك الوقت عن غير حق فيثبت خيار التأخير له ، وإن كان عن حقّ فلا يثبت ، وأمّا تأخيره قبل انقضاء ثلاثة أيام أو بعدها بمدة فكونه عن حق أو عن غير حق لا يمنع عن خيار التأخير لأنّ ظرفه هو بعد الثلاثة بآن لا قبلها ولا بعدها بمدة ، وعليه فخياري المجلس والحيوان لا ينافيان خيار التأخير لأنّ ظرفهما قبل انقضاء الثلاثة وهما يوجبان الحق في التأخير قبل انقضائها ولا يشملان ما بعد الثلاثة بآن الذي هو ظرف ثبوت هذا الخيار ، وقد عرفت أنّ كون التأخير عن حق أو عن غير حق قبل انقضاء الثلاثة ممّا لا أثر له ، بل اللازم أن لا يكون التأخير في ظرف ثبوت خيار التأخير عن حق ، وعليه فخياري المجلس والحيوان لا ينافيان خيار التأخير ، هذا .

ــ[34]ــ

وما أفاده من أنّ ظاهر الأخبار عدم كون التأخير عن حق فممّا لا غبار عليه بل قد عرفت أنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) اعترف بانصراف الأخبار عمّا إذا كان التأخير عن حق في الشرط الثالث ، فعدم شمول الأخبار لما إذا كان التأخير عن حق للمشتري ممّا لا مناص عن الالتزام به . إلاّ أنّ ما أفاده من أنّ المناسبة بين الحكم والموضوع تقتضي أن لا يكون التأخير عن حق بعد انقضاء ثلاثة أيام بآن فهو مما لا مقتضي له ، لأنّ ظاهر الروايات هو أن لا يكون عدم المجيء بالثمن في ثلاثة أيام عن حق لا عدم كونه عن حق بعد انقضائها ، بل ظاهر أنه إذا لم يأت به في الثلاثة يثبت للبائع الخيار وإن أتى به بآن بعد انقضائها ، فمنه يظهر أنّ التأخير لابدّ وأن لا يكون عن حق أو يكون كذلك في ثلاثة أيام من زمان البيع لا التأخير بعد انقضائها ، لأنّ الموضوع لخيار التأخير هو التأخير في الثلاثة لا بعدها وهو الذي يشترط فيه أن لا يكون عن حق دون التأخير بعدها ، وكيف كان فالمشتري إنما اُمهل في التأخير في الثلاثة لا بعد انقضائها ، وعليه فثبوت خياري المجلس والحيوان في ثلاثة أيام يمنع عن هذا الخيار ، لأنّهما يوجبان الحق في التأخير في ثلاثة أيام ، مع أنّ الموضوع لخيار التأخير هو التأخير في الثلاثة لا عن حق ، فما أورده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من أنّ لازم هذا الكلام عدم ثبوت هذا الخيار في الحيوان ممّا لا مناص عن الالتزام به .

ومنها : ما أفاده في المقدّمة الثانية من أنّ الخيار يوجب عدم التسليم والتسلّم وأنّ من آثاره عدم وجوبهما بدعوى أنّ العقد إذا لم يجب الوفاء به بنفسه فلا تكون آثاره أيضاً لازمة الوفاء ، ولذا تكون الشروط الضمنية والصريحة في البيع الخياري غير واجبة العمل ، فإنّ ما أفاده (قدّس سرّه) مبني على أن يكون المدرك

ــ[35]ــ

للزوم العقد هو قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) واستفادة الوجوب التكليفي منه بمعنى أنّ العقد يجب الوفاء به شرعاً ، ومعنى وجوب الوفاء هو وجوب ترتيب آثاره عليه ، فإذا خصّص ذلك في مورد يكون البيع خيارياً وقلنا بعدم وجوب الوفاء به حينئذ فلازمه قهراً عدم وجوب ترتيب آثاره عليه ، لأنّه معنى عدم وجوب الوفاء شرعاً فلا يجب التسليم والتسلّم حينئذ .

إلاّ أنّ ذلك ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، لما عرفت في محلّه من أنّ وجوب التسليم والتسلّم وغيرهما من الآثار ليست من آثار اللزوم بل هي من آثار الملكية  ، لأنّ ملك الغير يحرم التصرّف فيه أو يجب ردّه إلى مالكه وهكذا ، وهذه الآية المباركة في مقام الارشاد إلى لزوم العقود لعدم إمكان الحكم بوجوب الوفاء مولوياً ، إذ الوفاء بمعنى الانهاء ولا يصح أن يتعلّق به حكم مولوي كما مرّ في محلّه كما أنّ معنى الخيار هو ملك فسخ العقد وإمضائه ، فمن له الخيار يتمكّن من فسخ العقد وإرجاع المال إلى ملكه ، وليس معناه عدم وجوب التسليم والتسلّم لما عرفت من أنه ليس من آثار اللزوم حتّى يرتفع بارتفاعه ويثبت عدم وجوب التسليم عند الخيار ، وإنّما هو من آثار الملكية فإذا كان المبيع ملك المشتري فيجب على البائع ردّه إليه كما أنّ المشتري يجب أن يردّ الثمن إلى البائع كان لهما الخيار أم لم يكن ، نعم لو كان لأحدهما أو لكليهما خيار فيتمكّن من فسخ العقد وارجاع الملك إلى نفسه وأمّا قبل ذلك فليس له أن يتصرف في ملك الآخر لحرمته ، وقوله (عليه السلام) « لا يحل ما امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه »(2) وقوله تعالى : (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 1 .

(2) الوسائل 5 : 120 / أبواب مكان المصلّي ب3 ح1 (باختلاف يسير) .

ــ[36]ــ

بِالْبَاطِلِ)(1) وغيرهما ممّا دلّ على حرمة التصرف في مال الآخر ، وكيف كان فالخيار لا يستلزم ولا يترتّب عليه عدم وجوب التسليم لأنّه تصرف في مال الغير وهو حرام ، وإنما يترتّب عليه جواز التصرف فيه برفع موضوعه وارجاعه إلى ملك نفسه .

فالمتحصّل : أنّ الخيار لا يترتّب عليه عدم وجوب التسليم اللهم إلاّ أن يشترطا ذلك في ضمن العقد وهو أمر آخر تكلّمنا فيه في الشرط الثالث ، وعليه فلا مانع من أن يكون لكليهما أو أحدهما خيار فإنّه لا يوجب أن يكون تأخيره عن حق ، ومعه لا مانع من خيار التأخير ، فلا يكون الخيار مانعاً عن ثبوت خيار التأخير ، هذا .

نعم ربما يتوهّم عدم إمكان اجتماع خيارين أو أزيد كما مرّ ذلك في خيار المجلس ، أو يتوهم أنّ الغرض من خيار البائع في المقام هو عدم تضرّره ، فإذا ثبت له الخيار من ناحية اُخرى وتمكّن من دفع ضرره فلا يحكم عليه بخيار التأخير لعدم تضرّره ، وهذا القائل لا يرى خيار المشتري مانعاً عن ثبوت خيار التأخير للبائع وإنّما يرى خيار البائع مانعاً عن ثبوته .

وقد استند فيما ذهب إليه بوجهين : أحدهما ما تقدّمت الاشارة إليه من أنّ الغرض من جعل خيار التأخير للبائع عدم تضرّره بالتأخير بعد الثلاثة ، وإذا فرضنا أنّ له خياراً من ناحية اُخرى بحيث يتمكّن من فسخ المعاملة ولا يتضرّر بالتأخير فتنتفي علّة خيار التأخير لا محالة وهي تضرّر البائع ، وإذا انتفت العلّة فينتفي المعلول لا محالة فلا يثبت له الخيار ، هذا .

وظاهر كلام المستدل أنه يشترط عدم الخيار للبائع بعد ثلاثة أيام ، وأنه إذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 29 .

ــ[37]ــ

كان له خيار بعد الثلاثة فلا يتضرّر بالتأخير بعد الثلاثة ، لا أنّه يشترط عدم الخيار له في ثلاثة أيام ، لأنّ عدم تضرّره بالتأخير فيها لا يمنع عن تضرّره بالتأخير بعد الثلاثة ، والموضوع لخيار التأخير هو التأخير بعد الثلاثة لا إلى الثلاثة ، وهذا أي التضرّر بالتأخير بعد ثلاثة أيام ينتفي فيما إذا كان له خيار آخر بعد الثلاثة كخيار العيب أو الغبن ونحوهما .

وعليه فلا يرد على هذا الاستدلال ما أورده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من أنّ الضرر بالتأخير بعد الثلاثة لا ينتفي بالخيار في الثلاثة ، وذلك لأنّ غرض المستدل أنّ الخيار بعد الثلاثة الذي يمنع عن تضرّره بعد الثلاثة يمنع عن ثبوت خيار التأخير ، وما أورده (قدّس سرّه) عليه مبني على فهم معنى آخر من كلام المستدل وهو إرادة الخيار في الثلاثة ، وقد عرفت أنّ ظاهر كلام المستدل هو الخيار بعد الثلاثة ، فكلام المستدل متين من هذه الجهة إلاّ أنّه مبني على أن يكون المدرك لثبوت خيار التأخير هو الضرر ، وأمّا إذا قلنا بعدم تمامية الاستدلال بالضرر وأنّ المدرك هو الأخبار فلا وجه لهذا الكلام ، لأنّ المناط في ثبوت هذا الخيار حينئذ هو تأخير المشتري ثلاثة أيام سواء تضرّر بذلك البائع أم لم يتضرّر ولو مع البناء على أنّ الحكمة في دلالة الروايات على ثبوت خيار التأخير هو الضرر ، إلاّ أنه ليس علّة وموضوعاً لذلك في الأخبار كما هو ظاهر .

وثانيهما : أنّ ظاهر الأخبار أنّ البيع لازم في الثلاثة وإنما يصير جائزاً فيما إذا أخّر المشتري بعد ثلاثة أيام حيث قال (عليه السلام) « فإن جاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام فهو وإلاّ فلا بيع له »(1) وهذا إنما يتحقّق فيما إذا لم يثبت له خيار في ثلاثة أيام وإلاّ فيكون البيع جائزاً في الثلاثة ، مع أنّ الأخبار دلّت على ثبوت خيار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 21 / أبواب الخيار ب9 ح1 (باختلاف يسير) .

ــ[38]ــ

التأخير فيما إذا كان البيع لازماً في الثلاثة فتختصّ بما إذا لم يكن له خيار في ثلاثة أيام .

فإن قلت : إنّ الأخبار إنّما دلّت على لزوم البيع في ثلاثة أيام من ناحية خيار التأخير بمعنى أنه لا خيار تأخير له في الثلاثة ، وهذا لا يمنع عن عدم لزومه من سائر الجهات .

قلت : لا يعقل أنّ يتقيّد المسبّب بسببه ، ولا معنى لأن يقال إنّ التأخير بعد الثلاثة يوجب الخيار المقيّد بالتأخير وأنّ الخيار المقيّد بالتأخير منفي في الثلاثة ، لأنّ الظاهر أنّ التأخير سبب للخيار المطلق لا المقيّد بالتأخير . وبعبارة اُخرى أنّ السببية والمسبّبية تنتزعان من الذاتين ، وهذه الذات سبب لتلك الذات لا أنّها سبب للذات المتقيّدة والمتّصف بالمسبّبية ، لأنّهما عنوانان منتزعان من سببية أحدهما للآخر ، فالمسبّب طبيعي الخيار وهو ثابت بعد الثلاثة ومنفي في الثلاثة ، فلو فرضنا أنّ البيع خياري في الثلاثة أيضاً فلا يكون طبيعي الخيار منفياً ، فيكون هذه الصورة خارجة عن الأخبار .

والجواب عن ذلك : أنّ الظاهر وإن كان كما ذكره المستدل وأنّ التأخير سبب لطبيعي الخيار ، إلاّ أنّ جعل السببية للتأخير بالاضافة إلى طبيعي الخيار بعد الثلاثة ونفي سببيته لطبيعي الخيار في الثلاثة لا ينافي سببية شيء آخر له حينئذ ، ولا مانع من أن يثبت هناك خيار بسبب آخر ، وأيّ تناف بينه وبين عدم سببية التأخير لطبيعي الخيار في الثلاثة ، وهذا نظير خيار الحيوان وغيره ممّا دلّ على ثبوت الخيار للمتبائعين بسبب من الأسباب ، فإنه لا ينافي ثبوته بسبب آخر أيضاً وهو ظاهر ومن هنا اعترف المستدل بعدم كون خيار المجلس مانعاً عن ثبوت خيار التأخير مع أنّ المجلس ربما يطول ويمتد إلى ساعة أو ثلاث ساعات.

وكيف كان ، فالروايات اشتملت على عقد إيجابي وهو سببية التأخير

ــ[39]ــ

لطبيعي الخيار بعد الثلاثة ، وعلى عقد سلبي وهو عدم سببية التأخير لطبيعي الخيار في الثلاثة ، ولا دلالة فيها على عدم ثبوت الخيار بسبب آخر بوجه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net