هل يجوز إجبار المشروط عليه بالقيام بالشرط ؟ 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4250


وذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ للمشروط له إجبار المشروط عليه من جهة أنه التزم بالعمل له فله إجباره من جهة التزامه بالعمل للمشروط له وهذا لا من جهة جواز الأمر بالمعروف بل من جهة ثبوت حق له عليه بالتزام المشروط عليه بالشرط حيث إنه التزمه له فله المطالبة بذلك .

وما أفاده متين ، ويؤيّده ما في بعض الأخبار من قوله (عليه السلام) « فليتم للمرأة شرطها »(2) حيث عبّر باللام وقال للمرأة الظاهر في كونه حقّاً لها ، وعليه فللمشتري أو البائع أن يطالب المشروط عليه بشرطه . مضافاً إلى السيرة العقلائية فإنّ العقلاء يرونه حقّاً على المشروط عليه ويطالبون به في المحاكم العرفية ، أضف إلى ذلك كلّه أنه ممّا يقبل الاسقاط وهذا يؤيّد كونه حقّاً كما سيأتي .

ثم إنه (قدّس سرّه) استدلّ على ذلك بوجه آخر وملخّصه : أنّ الشرط ملك للمشروط له وله أن يطالب بمملوكه ، وأنّ الشرط كأحد العوضين فكما أنّ أجزاء العوضين لابدّ من تسليمها إلى مالكها وكذا الشرط لأنه كالجزء لابدّ من تسليمه إلى مالكه .

وهذا ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لما قدّمنا من أنّ الشرط لا يوجب اشتغال ذمّة المشروط عليه بالشرط على نحو لو مات اُخرج من تركته كما في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 70 .

(2) الوسائل 21 : 300 / أبواب المهور ب40 ح4 وفيه « فليفِ لها به » .

ــ[86]ــ

العوضين فإنه لم يثبت كون الشرط كذلك ، نعم يجب عليه الوفاء بما اشترطه على نفسه وهو حق ثابت للمشروط له ، وأمّا الملكية فلا كما لا يخفى .

والمتحصّل : أنّ المشروط له يتمكّن من مطالبة المشروط عليه بالشرط وإجباره عليه لأنه حقّه حسب التزامه . مضافاً إلى دلالة الرواية المتقدّمة وثبوت السيرة العقلائية . وأقوى من الكل أنّ له إسقاطه وهو يؤيّد كون وجوب الوفاء حقياً لأنه القابل للاسقاط ، وإن أمكن أن يقال إنّ الحكم الشرعي أيضاً يعقل أن يرتفع باسقاطه من جهة احتمال أنه كان مشروطاً بعدم رفع يد المشروط له عنه وهذا أمر ممكن بحسب مقام الثبوت إلاّ أنه يحتاج إلى دليل ، هذا .

وأمّا ما عن جامع المقاصد(1) من أنّ المشروط له لا يتمكّن من إجباره بالوفاء لأنه على الخيار فإن لم يرض بالعقد بلا هذا الشرط فليفسخ المعاملة وحيث إنه يتمكّن من الخيار فلا يسوغ له الإجبار ، فهو كما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) ضعيف ، لا لما أفاده هو (قدّس سرّه) من أنّ الخيار في مرتبة متأخّرة عن الإجبار وأنّه إذا لم يتمكّن من دفع ضرره باجباره تصل النوبة إلى الخيار ، وذلك لما سيأتي من أنّ الخيار في عرض الإجبار لا في طوله .

بل الوجه في ضعف ما ادّعاه جامع المقاصد هو أنّ تحقيق هذا الكلام مبني على ملاحظة أنّ للمشروط له حق المطالبة بالشرط أو لا ، فإن لم يكن له حق المطالبة لأنه مجرد حكم تكليفي محض كما مرّ عن بعضهم فمن الواضح أنه لا يتمكّن من إجباره بالوفاء كما في النذر ، ولكنه لا من جهة المانع وهو ثبوت الخيار له بل من جهة قصور المقتضي وعدمه ، إذ مع عدم الحق لا مقتضي للمطالبة ، وإن كان له حقّ المطالبة بالشرط فأيّ مانع من إجباره حينئذ ولو مع تمكّنه من الفسخ ، إذ لعلّ فسخه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع المقاصد 4 : 422 .

ــ[87]ــ

ليس بنفعه لارتفاع القيمة مثلا ، فكونه متمكّناً من الفسخ لا يكون مانعاً عن الإجبار لأنه متفرّع على ثبوت حقّه كما عرفت فما أفاده ساقط . مضافاً إلى السيرة المستمرّة عند العقلاء لأنهم يطالبون بحقوقهم في المحاكمات العرفية من دون توقّف ذلك على عدم الخيار .

ثم إنّ في المقام إشكالا آخر أشار إليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بقوله وقد يتوهّم(1) وحاصل هذا التوهّم أنّ الشرط هو وفاء المشروط عليه بالشرط باختياره ، إذ الفعل الصادر بلا اختياره مع الاكراه ممّا لا يمكن تعلّق الالتزام به لأنه خارج عن قدرته ، فإذا اُجبر على الفعل فأتى به عن كره وإجبار فهو لا يكون وفاء بالشرط .

والجواب عن ذلك : ما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من أنّ الشرط ولو كان هو العمل الصادر عن اختيار إلاّ أنه لا ينافيه إتيان العمل عن إكراه ، لأنّ الفعل الصادر عن المكره صادر باختياره ، غاية الأمر مع الاكراه فيكون ذلك مصداقاً للشرط ومصداقاً للواجب فيما إذا تعلّق به الوجوب ، نعم لو صدر الفعل منه بلا اختياره كما في الاضطرار يمكن أن يقال إنه ليس مصداقاً للشرط .

وبالجملة : أنّ الفعل الاختياري يذكر في مقابل أمرين : أحدهما الفعل الصادر عن الاكراه والآخر الفعل الصادر لا عن الاختيار كالاضطرار ، ولعلّ هذا صار سبباً للاشتباه ، مع أنّ العمل الصادر عن الاكراه صادر عن الاختيار لا أنه فعل غير اختياري ، نعم لو لم يكن الاكراه بحقّ لقلنا بعدم ترتّب الأثر عليه بحديث رفع الاكراه لا لأنّه غير اختياري ، وأمّا إذا كان الاكراه بحق فهو عمل صادر بالاختيار فيكون مصداقاً للشرط والواجب في موارد الوجوب ، نعم لو اشترطا خصوص

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 70 .

ــ[88]ــ

الوفاء الصادر لا عن كره ولا من إجبار لا يقع الفعل الصادر عنه بالاجبار متعلّقاً للوجوب ولا مصداقاً للشرط ، هذا كلّه مع الإغماض عمّا ذكرناه في اشتراط الوجوب بالقدرة حيث قلنا إنّ الوجوب لا يتعلّق بغير المقدور .

وأمّا إذا كان العمل مقدوراً تارةً وغير مقدور اُخرى فلا مانع من إيجاب الجامع بين المقدور وغير المقدور ، لأنّ الجامع بينهما مقدور ، وكذلك نقول في المقام : إنّ الالتزام بالعمل غير الاختياري وإن كان غير معقول إلاّ أنّ العمل إذا صدر عن الاختيار تارةً وعن غير الاختيار اُخرى فالجامع بين الاختياري وغيره لا مانع من التزامه ولكنّا لو لم نقل بذلك فالجواب ما عرفته آنفاً .

قد عرفت أنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) تعرّض في المقام لعدّة اُمور : منها أنّ الوفاء بالشرط واجب على المشروط عليه وجوباً تكليفياً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net