الكلام في فساد العقد بفساد شرطه - ما استدلّ به على فساد العقد بفساد شرطه 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5546


فالبحث متمحّض في الشرط الفاسد الذي لا يدلّ دليل على بطلان العقد معه ولا يوجب فقد شرط من شروط صحة العقد تكويناً ، فالكلام يقع في أنه هل يوجب سراية الفساد إلى المشروط أو لا ؟ وهذا كما إذا اشترط في ضمن عقد أن يشرب الخمر أو يكذب أو يترك واجباً ، فهل فساد الشرط في المثالين يوجب فساد العقد أو لا ؟

الصحيح أنّ الشرط الفاسد لا يوجب فساد المشروط أبداً وفاقاً للمحقّقين


ــ[112]ــ

من المتأخرين كالعلاّمة(1) والشهيدين(2) والمحقّق الثاني(3) خلافاً لبعض المتقدّمين كالشيخ(4) ومن تبعه ، والوجه في ذلك أنّ الشرط غير راجع إلى تعليق أصل المعاملة بوجوده وإلاّ لكانت المعاملة باطلة في نفسها كان شرطها فاسداً أم لم يكن لأنّ التعليق في العقد يوجب البطلان ، بل الشرط الذي بمعنى الربط يربط شيئين آخرين في كل معاملة فإنه يستلزم تعليق أصل المعاملة بالتزام الطرف بالشرط في شرط الأفعال الاختيارية ، ومنه يظهر حال شرط النتيجة أيضاً بحيث لولا التزامه به فعلا فلا بيع بينهما أصلا ، ومثل هذا التعليق لا يوجب البطلان لأنه تعليق بأمر حاصل بالفعل وهما يعلمان بوجوده ، فالمعاملة تتحقّق بتحقّق التزام المشروط عليه بالشرط كما يستلزم تعليق التزام البائع مثلا ببيعه على إيجاد المشروط عليه الشرط خارجاً ، بل ربما يصرّح بأنّك إن لم تأت بكذا فلا ألتزم بالمعاملة ، وهذا التعليق يوجب الخيار على تقدير عدم إيجاد المشروط عليه ما وجب في حقّه .

وعليه فإذا باعه شيئاً بشرط أن يرتكب محرّماً أو يترك واجباً فقد علّق أصل بيعه على التزام المشروط عليه بذلك المحرّم كما علّق التزامه به بإيجاده ذلك المحرّم في الخارج ، فإذا التزم المشروط عليه بذلك المحرّم عصياناً أو غفلة عن أنه حرام أو جهلا بالموضوع كما إذا اشترط عليه شرب مائع مخصوص والتزم بشربه ثم ظهر أنه خمر فلا محالة تكون المعاملة صحيحة لحصول ما علّقت عليه وهو التزام الطرف بالحرام ، وشرط الالتزام بالحرام في المعاملة ليس شرطاً مخالفاً للكتاب ولا للسنّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تحرير الأحكام 2 : 353 .

(2) راجع الدروس 3 : 214 ، المسالك 3 : 273 .

(3) جامع المقاصد 4 : 431 .

(4) المبسوط 2 : 148 ـ 149 .

ــ[113]ــ

فلا حرمة فيه وهو شرط سائغ ، وحيث إنه حاصل بالفعل فالمعاملة متحقّقة ويشملها العمومات لا محالة ، فلا يكون فساد الشرط المذكور شرعاً موجباً لبطلان المعاملة لأنها لم يعلّق على وجود الشرط في الخارج حتى ينتفي بانتفائه وإنما علّقت على التزام المشروط عليه بالشرط ، والمفروض أنّ الالتزام به حاصل فالمعاملة متحقّقة ولا وجه لبطلانها .

إلى هنا تحصّل أنّ المقتضي لصحّة المعاملة موجود فلابدّ من ملاحظة أنه هل هناك مانع عن صحتها أو لا مانع عنها أيضاً .

تتميم : قد عرفت أنّ الشرط إذا أوجب فقد شرط من شروط العقد تكويناً فلا محالة يوجب فساد العقد إلاّ أنه خارج عن محل الكلام كما عرفت أمثلته ، ومن ذلك ما إذا شرط أمراً مخالفاً لمقتضى العقد كما إذا شرط عدم التملّك في البيع فإنّ هذا الشرط يوجب عدم قصده البيع لا محالة ، والبيع لا مع القصد باطل لانتفاء شرطه وهو القصد ، وهذا أيضاً خارج عن محل الكلام .

وذكر شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) أنه إذا باع شيئاً واشترط عليه أن يصرفه في أمر حرام كما إذا باعه العنب واشترط عليه أن يصرفه في الخمر يكون ذلك الشرط موجباً لفقد شرط صحة البيع وبه نخرج عن محل الكلام ، والوجه في ذلك أنّ المبيع حينئذ ممّا لا منفعة محلّلة مقصودة فيه فيفسد بيعه لأنّ الانتفاع منه بجعله خمراً قد حرّمه الشارع وألغاه ، والانتفاع به في غيره من الاُمور المحلّلة ممّا اشترط البائع عدمه على المشتري ، وعليه فلا منفعة محلّلة مقصودة للمال فيفسد بيعه  ، ونظيره ما إذا باعه شيئاً واشترط عليه أن يقامر به وتقريبه ظاهر ، هذا .

ولكن الأمر ليس كذلك ، لأنّ الاشتراط المذكور إن كان ممضى شرعاً كما إذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 271 .

ــ[114]ــ

أمضاه الشارع وأنفذه فهو يدلّ على جواز صرفه في المورد المذكور لأنه ممّا أمضاه الشارع أي ألزمه على أن يصرفه فيه وهو من المنافع المقصودة المحلّلة بالامضاء وإن لم يتعلّق عليه الامضاء شرعاً فهو ساقط ولا اعتبار به بمعنى أنّ المشتري له أن يصرفه في غير مورد الاشتراط ، لأنّ شرط عدم صرفه في غير مورد الشرط وقع فاسداً ، وعلى كل حال لا يستلزم هذا الشرط فقد شرط من شروط صحّة البيع فهذا الاشتراط داخل في محل الكلام نظير غيره من الشروط الفاسدة . نعم كبرى المسألة كما عرفتها تامّة لأنّ كل شرط استلزم فقد شرط من شروط صحة البيع فهو يفسد العقد ويخرج عن محل الكلام وإن كان تطبيقها على المثال المذكور غير تامّ ، فالبحث متمحّض في الشرط الفاسد في نفسه من دون أن يستلزم فقد شرط في أصل المعاملة كما عرفت ، فلنرجع إلى ما كنّا بصدده .

ثم إنّ الوجوه التي استدلّ بها على فساد العقد بفساد شرطه ثلاثة :

الأول : أنّ للشرط قسطاً من الثمن لا محالة ، فإذا صح الاشتراط فلا إشكال لوقوع مجموع الثمن في مقابل مجموع المثمن وهما معلومان ، وأمّا إذا فسد الشرط ولم يمض شرعاً فقهراً لا ينتقل إلى البائع مثلا ما يقع في مقابل الشرط لا محالة ، وحيث إنّ ما يقابله مجهول فيستلزم ذلك الجهل بالثمن الواقع في مقابل ذات المبيع فتبطل المعاملة .

والجواب عن ذلك ـ مضافاً إلى النقض بالشرط الفاسد في النكاح كما نقضه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) ـ أنّ الثمن لا يقع في مقابل الشرط أبداً صحيحاً كان الشرط أم فاسداً ، وإنما يقع المال في مقابل ذات المبيع ، نعم الشروط ممّا يوجب زيادة القيمة لا أنها تقع في مقابل المال ومن هنا قلنا إنّ الشرط إذا تعذّر ثبت للمشروط له الخيار فقط وليس له مطالبة المشروط عليه بما يقابل الشرط من الثمن وليس هذا إلاّ من جهة أنّ الشرط قيد خارجي يوجب زيادة القيمة ولا يقع بازائه

ــ[115]ــ

شيء من المال ، هذا أوّلا .

وثانياً : أنّ ما يقابل الشرط من الثمن فيما إذا قلنا بمقابلته بالمال ليس أمراً مجهولا بل حاله حال الوصف في أنّ للموصوف بالوصف قيمة ولفاقده قيمة اُخرى وكذا شراء الثوب بشرط الخياطة له قيمة وشرائه بدونها له قيمة اُخرى معلومة عند الناس ولا جهالة فيما يخصّه من الثمن ، وهذا ظاهر .

وثالثاً : بعد الغضّ عمّا تقدّم ، أنّ المعتبر من العلم بمقدار الثمن والمثمن هو العلم بمقدار مجموعهما ولا يعتبر العلم بقيمة كل جزء جزء من المبيع ، بل العلم بقيمة مجموع المال كاف في صحته ، وليكن حال الشرط كالجزء فكما إذا باع مال نفسه ومال غيره بثمن واحد صفقة واحدة ثم ظهر أنّ نصفه للغير لا يكون المعاملة الواقعة على مال نفسه باطلة مع عدم العلم بما يقع في مقابله من الثمن فكذلك المقام ، أو إذا باع خمراً وخلا بقيمة أو شاة وخنزيراً يقع المعاملة في الخل والشاة صحيحة بما يخصّهما من الثمن مع عدم معرفتهما بما يخصّهما من المال ، فكذا نقول فيما نحن فيه إنّ العلم بقيمة مجموع المبيع والشرط يكفي في صحة المعاملة ولا يشترط في صحتها معرفة ما يخص المبيع من الثمن ، فهذا الوجه ساقط .

الوجه الثاني الذي هو المهم في المقام : هو أنّ التراضي المعتبر في المعاملات معلّق على المعاملة مع الاشتراط ولا يرضى البائع بالمعاملة المجرّدة عن الشرط  ، فإنّ المقيّد ينتفي بانتفاء قيده ، فيكون العقد الواقع على ذات المبيع من التجارة لا عن تراض وهو باطل لقوله عزّ من قائل (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض)(1).

والجواب عن ذلك يظهر ممّا أشرنا إليه سابقاً وحاصله : أنّ الرضا المعاملي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 29 .

ــ[116]ــ

عند الانشاء لم يعلّق على وجود الشرط في الخارج وإلاّ لكانت المعاملة باطلة لأنه من التعليق المبطل ، أو لو فرضنا صحة التعليق أيضاً تكون المعاملة باطلة فيما نحن فيه لعدم حصول ما علّق عليه على الفرض والمعلّق ينتفي عند عدم المعلّق عليه لا محالة
وهذا من غير فرق بين الشروط الصحيحة والفاسدة ، ولازمه بطلان العقود والايقاعات عند الاشتراط مطلقاً لأنه تعليق أو عند عدم حصول المعلّق عليه إذا قلنا بصحة التعليق مثلا ، وحيث إنّ العقود والايقاعات لا تبطل عند اشتراط شيء في ضمنها أو عند عدم حصول شرطها فنستكشف من ذلك أنّ الرضا المعاملي لم يعلّق على وجود الشرط في الخارج وإنّما علّق على الالتزام بإيجاد الشرط في الخارج  ، والالتزام بإيجاده لمّا كان حاصلا عند المعاملة وهما يعلمان بوجوده فلا يكون التعليق على مثله مبطلا ، ومن الظاهر أنّ الالتزام بإيجاد الشرط في المقام حاصل لأنه التزم به على الفرض فتكون المعاملة تامّة ومتحقّقة ، وكون ذلك أمراً محرّماً لم يمضه الشارع مطلب آخر غير مربوط بحصول المعلّق عليه للمعاملة كما هو ظاهر .

نعم ربما يكون البائع بحيث لو كان عالماً بحرمة ذلك الشرط أو كان عالماً بعدم إمضاء الشارع له لما أقدم على المعاملة وإنما أقدم عليها باحتمال أنّ الشارع يمضي الشرط المحرّم في المعاملة تقصيراً أو قصوراً ، إلاّ أنّ ذلك من باب تخلّف الدواعي وهو لا يستلزم البطلان وإلاّ للزم بطلان المعاملة فيما إذا كان البائع بحيث لو علم بترقّي قيمة المبيع لم يبعه أو لو علم بأنّ المشتري لا يعمل بشرطه أو لا يدفع إليه ثمنه لم يقدم على المعاملة مع إنّ المعاملة في الأمثلة صحيحة غاية الأمر ثبوت الخيار له في بعض الفروض كعدم دفعه الثمن أو عدم وفائه بالشرط وهكذا ، والوجه في ذلك أنّ تخلّف الدواعي لا ربط له بالرضا المعاملي أبداً ، فالرضا موجود لتحقّق ما علّق عليه وهو الالتزام ويشمله عموم (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وغيره من العمومات ، ومعه لا وجه

ــ[117]ــ

للبطلان .

وممّا ذكرنا يظهر الفرق بين الصور النوعية العرفية وبين شرط الفعل أو الوصف أو غيرهما ممّا لا يرجع إلى المثمن أو الثمن ، لأنّ اختلاف الصورة النوعية العرفية وتخلّفها يوجب بطلان المعاملة ، والتعليق على مثلها صحيح لأنه تعليق على الموضوع ، فإذا باعه عبداً فظهر جارية فالمعاملة باطلة عند العرف لأنّ معنى بعتك هذا العبد أنّي بعتك هذا الموجود على أنه عبد ومشروطاً بأنه كذلك فإذا ظهر جارية فالمعلّق عليه لم يتحقّق في المعاملة فهي باطلة ، إذ العرف يرى كلا من الجارية والعبد ذاتين متباينتين وأحدهما غير الآخر ، نعم هما بحسب النظر الفلسفي واحد حقيقة واختلافهما اختلاف في وصف عرضي غير ذاتي ، إلاّ أنّ المدار في الصحة والبطلان هو تخلّف الصور النوعية العرفية دون الفلسفية ، وهذا بخلاف اشتراط غير الصور النوعية لأنّ تخلّفه لا يوجب البطلان والمعاملة لا تعلّق عليه وإلاّ بطلت من رأسها كما هو ظاهر .

الوجه الثالث : الأخبار المسمّاة بأخبار العينة .

وقد تقدّم الجواب عنها آنفاً وسابقاً(1) وحاصل الجواب : أنّ مورد دلالة الدليل على فساد المعاملة عند فساد شرطها خارج عن محل الكلام ، لأنّ الشرط فيها غير فاسد في نفسه ، إذ البيع من البائع ليس أمراً مخالفاً للكتاب والسنّة فلو سلّمنا دخوله في محل الكلام فهو نصّ ورد في خصوص البيع نسيئة مشروطاً ببيع المشتري له ثانياً نقداً ، فنلتزم ببطلان هذا الشرط وإفساده العقد في مورده أعني خصوص بيع النسيئة ، فمن أحد شرائط صحتها أن لا يشترط فيها بيعه من البائع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الصفحة 67 .

ــ[118]ــ

ثانياً ولو مع كون هذا الشرط في نفسه صحيحاً فهو باطل للنص أو لأنه دوري على ما ذكره العلاّمة (قدّس سرّه) فهذه الروايات خارجة عن محل الكلام .

وأمّا رواية عبدالملك(1) الواردة في حكم من يشتري شيئاً ويشترط على البائع أن تكون خسارة المشتري على بائع المال فقال (عليه السلام) « لا ينبغي » فهي أيضاً لا تدلّ على فساد العقد عند فساد شرطه لأنّ قوله « لا ينبغي » لم يعلم أنه راجع إلى أصل هذه المعاملة والبيع أي البيع المذكور ممّا لا ينبغي ، أو أنّ هذا الاشتراط لا ينبغي ، فعلى الثاني يخرج عن محل الكلام لأنه نهي ورد على الشرط ابتداء وساكتة عن بطلان البيع وهو ظاهر ، وعلى الأول تكون دالّة على بطلان العقد بفساد شرطه ، ولكن الرواية لا دلالة لها على أحدهما فهي مجملة لا دلالة فيها على المطلب ، هذا أوّلا .

وثانياً : أنّ قوله « لا ينبغي » لا يقتضي الفساد وإنما يفيد الكراهة ولا ربط لها بالفساد ، فهب أنّ المعاملة مع الشرط المذكور مكروهة وكلامنا في الصحة والفساد .

وثالثاً : هب أنّ قوله (عليه السلام) « لا ينبغي » نصّ في الفساد والتحريم إلاّ أنه لا يقتضي الحكم بفساد العقد عند فساد شرطه مطلقاً ، لأنه نص ورد في مورد خاص وهو البيع بشرط كون خسارة المشتري على البائع ولا نتعدّى عنه إلى غيره .

ورابعاً : أنّ دلالة الرواية على فساد العقد بفساد شرطه مطلقاً أو في موردها يتوقّف على أن يكون المراد من كون خسارة المشتري على البائع ضمان البائع لما يخسره المشتري في بيعه المبيع فإنه أمر على خلاف الكتاب والسنّة ، إذ لا وجه لخسارة أحد وكون الآخر ضامناً لخسارته شرعاً ، وأمّا إذا كان المراد من الاشتراط المذكور شرط جبران خسارة المشتري بمال البائع بأن يكون الشرط شرط فعل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 95 / أبواب أحكام العقود ب35 ح1 .

ــ[119]ــ

وهو أن يعطي البائع مقداراً من ماله للمشتري إذا خسر ، فالرواية تكون خارجة عمّا نحن فيه ، لأنّ الشرط المذكور حينئذ شرط سائغ مباح لا فساد فيه أبداً حتى يستلزم فساد العقد أيضاً كما ذكرناه سابقاً ، فتكون الرواية أجنبية عن المقام ومعتبرة في خصوص موردها .

إلى هنا تحصّل : أنّ العقد لا يفسد عند فساد شرطه ولا وجه لفساد العقد أبداً  ، مع اقتضاء العمومات صحته لأنه بيع وعقد وهو صحيح على طبق القاعدة .

وتعضد القاعدة جملة من الأخبار الواردة في صحة العقد عند فساد شرطه فمنها : ما عن المشايخ الثلاثة في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «  أنه ذكر أنّ بريدة كانت عند زوج لها وهي مملوكة فاشترتها عائشة فأعتقتها فخيّرها رسول الله فقال : إن شاءت قعدت عند زوجها وإن شاءت فارقته وكان مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة أنّ لهم ولاءها فقال (صلّى الله عليه وآله) الولاء لمن أعتق »(1) حيث منع (صلّى الله عليه وآله) عن الشرط لفساده ولم يمنع عن أصل البيع المشروط به .

ومنها : مرسلة جميل عن أحدهما « في الرجل يشتري الجارية ويشترط لأهلها أن لا يبيع ولا يهب ولا يورث ، قال : يفي بذلك إذا اشترط لهم إلاّ الميراث  »(2) وهذه الرواية أيضاً دلّت على منعه (عليه السلام) عن شرط عدم الارث مع تصحيحه العقد وسائر الشروط .

وهذه الأخبار وغيرها من الأخبار أيضاً تقتضي صحة العقد عند فساد شرطه وقد عرفت أنّ الصحة هي المطابقة للقاعدة بحيث لم نكن نحتاج معها إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21 : 161 / أبواب نكاح العبيد والاماء ب52 ح2 .

(2) الوسائل 21 : 300 / أبواب المهور ب40 ح3 .

ــ[120]ــ

الأخبار ، ولولا هذه الأخبار أيضاً كنّا نحكم بصحة العقد وعدم سراية الفساد من الشرط إليه ، هذا .

ثم إنه ربما يستدلّ على ما ذكرناه من عدم سراية الفساد من الشرط الفاسد إلى العقد : بأنّ فساد العقد من جهة فساد شرطه أمر مستحيل في مقام الثبوت والوجه فيه : أنّ صحة الشرط بمعنى وجوب الوفاء به متوقّفة على صحة العقد ، إذ وجوب الوفاء بالشرط تابع لوجوب الوفاء بالعقد بمعنى أنه إنما يكون واجب الوفاء فيما إذا وقع في ضمن عقد صحيح ، وهذا التوقّف ظاهر ولذا قلنا إنّ الشرط غير المذكور في ضمن العقد شرط ابتدائي لا يجب الوفاء به ، وعلى ذلك إذا كان صحة العقد أيضاً متوقّفة على صحة الشرط كما هو معنى كون العقد فاسداً بفساد شرطه لدار ، وهذا ظاهر .

وذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ في هذا الاستدلال ما لا يخفى ، وهو كما أفاده (قدّس سرّه) فإنّ وجوب الوفاء بالشرط وإن كان متوقّفاً على صحة العقد كما عرفت إلاّ أنّ صحة العقد لا تتوقّف على وجوب الوفاء بالشرط بل يتوقّف على ملزوم وجوب الوفاء بالشرط ، وملزومه أن لا يكون فاسداً أي أن لا يكون منافياً لمقتضى العقد ولا يكون مخالفاً للكتاب والسنّة وهكذا ، فما يتوقّف صحة العقد عليه أمر عدمي وهو غير ما يتوقّف على صحة العقد فلا دور ، ولأجل فساد هذا الاستدلال لم يتعرّض شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) للجواب عنه ، هذا تمام الكلام في بيان صحة العقد عند فساد شرطه .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 100 .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net