أدلّة إرث الخيار - تبعية إرث الخيار لارث المال 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4782


ــ[128]ــ

الكلام في أحكام الخيار

ذكروا أنّ الخيار يورث كما يورث الأموال لأنه من الحقوق . واستدلّوا عليه ـ  مضافاً إلى الاجماع المحقّق من الكل حتى من العامة ، ولم يخالف في ذلك إلاّ الشافعي في خصوص خيار المجلس(1) ولعلّه من جهة أنه يرى الموت افتراقاً فعدم إرث الخيار من جهة ارتفاعه بالافتراق لا أنّ الخيار لا يورث ـ بعمومات أدلّة الارث من قوله (عليه السلام) « ما تركه الميت فلوارثه »(2) والخيار ممّا تركه الميّت فينتقل إلى وارثه .

مضافاً إلى تصريح النبوي بأنّ ما تركه الميت من حقّ فلوارثه(3) وقد عرفت أنّ الخيار من جملة الحقوق القابلة للانتقال ، هذا.

ولا يخفى أنه إن كان في المسألة إجماع كما ادّعي فلا محيص من الالتزام بارث الخيار على إشكال في تحقّقه ، وأمّا إذا لم يثبت الاجماع التعبّدي في المقام فللمناقشة في إرث الخيار مجال واسع ، وذلك لأنّ الخيار وإن كان من جملة الحقوق بمعنى أنّ أمر رفعه أو وضعه بيد المكلّف على ما استفدناه من الأخبار وغيرها وذكرناه في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه في التذكرة 11 : 175 / المسألة 344 أحكام الخيار .

(2) ورد مضمونه في الوسائل 26 : 251 من ترك مالا فللوارث .

(3) ] لم نعثر عليه في المجاميع الأحاديثية ، نعم أورده الفقهاء في كتبهم كالمسالك 12 : 341 [ .

ــ[129]ــ

تضاعيف أبحاث الخيارات ولا نعني بالحق إلاّ هذا ، لأنّ الحق ليس إلاّ عبارة عن الحكم الشرعي ولكن أمر رفعه أو وضعه بيد المكلّف ، مثلا الجواز في مثل الهبة حكم شرعي ولكن اختيار رفعه أو وضعه غير موكول إلى المكلّفين فلو وهب زيداً ماله وأراد أن يكون ذلك على وجه اللزوم لما يتمكّن منه لأنها جائزة بحكم الشارع ولا يتبدّل بوجه ، ويقابله اللزوم في النكاح لأنه أيضاً حكم شرعي لم يجعل أمر وضعه أو رفعه بيد المكلّف ، لأنّ ارتفاع النكاح موقوف على خصوص الطلاق أو الموت أو الكفر ولا يرتفع لزومه بغيرها ولو مع رضا الزوجين بالارتفاع ، وهذا بخلاف البيع فإنه لمّا صار لازماً بمضي خيار المجلس مثلا للمتبايعين أن يرفعا ذلك اللزوم برضاهما ويعبّر عنه بالتقايل ، لأنّ الاقالة ليست بيعاً جديداً ولذا يتحقّق الاقالة مع تلف العوضين أيضاً ، وإنما هي حل للشدّ وفكّ للالتزام ، لأنّ البيع بحسب الاعتبار شدّ أحد الالتزام بالالتزام الآخر ، والاقالة حل بعد الشد وفكّ بعد العقد ، ونظيره ما إذا كان رفع ذلك الالتزام من طرف واحد ويعبّر عنه بالفسخ ولو على خلاف رضا الطرف الآخر لأنه حل للالتزام بعد شدّه ، وكيف كان فكون الخيار حقاً أي مما أمر رفعه ووضعه بيد المكلّف ممّا لا إشكال فيه .

إلاّ أنّ هذا المقدار لا يكفي في إرثه إذ يعتبر أن يكون الموروث مما له بقاء بعد موت الميت حتى يصدق عليه عنوان ما تركه الميت ، لأنّ المراد بما ترك ليس إلاّ ما كان له بقاء بعد موت المورّث ، وهذا المعنى في الأموال مشاهد محسوس كالفرش والكتب والحيوانات لأنها باقية بعد موت الميت فيصدق عليها أنها ممّا تركه الميت وهذا نظير ما إذا كان عند المسافر أموال كثيرة لا يتمكّن من حملها فيبقيها في طريق ويذهب بنفسه إذ يقال حينئذ إنه ترك أمواله وغاية الأمر أنه تركه للانتقال من دار إلى دار أو من منزل إلى منزل وتركه الميت للانتقال من عالم إلى عالم ، وبالجملة لابدّ من أن لا يكون الموروث ممّا يمضي بمضي الميت كما عرفته في الأموال ، وكذلك الحال

ــ[130]ــ

في بعض الحقوق كحق التحجير فإنه إذا حجر أرضاً فمات بعد ذلك فيقال إنه ترك حقّه باعتبار تعلّقه على الأرض ، فإنّ هذا الحق ممّا له بقاء عند العقلاء والشرع لبقاء متعلّقه ، وأمّا حقّ الخيار فهو ليس كذلك وذلك لأنّ معنى الاشتراط كما عرفته ليس إلاّ تعليق التزام بالتزام ، وإذا فتّشنا عن حقيقة ذلك رأينا أنه تقييد للملكية بالفسخ وأنه لا يلتزم بالملكية الدائمة بل يلتزم بها إلى أن يفسخها كما إذا جعل الخيار لنفسه من الابتداء إلى ثلاثة أيام لأنّ معناه أنه لا يلتزم بالملكية إلى ثلاثة أيام بل لو أراد أن يفسخها يتمكّن منه .

ومن الظاهر أنّ الملكية الموقّتة بالفسخ ترتفع بالفسخ لا محالة لحصول ما علّق ارتفاعها عليه ، ولكن ما علّق عليه ارتفاع الملكية هو فسخ نفسه فإذا مات ولم يفسخ فلا يعقل أن يتحقّق فسخه بعد ذلك ، وفسخ الوارث أجنبي عن فسخ نفس العاقد المعلّق عليه ارتفاع الملكية ، وتنزيل فسخ الوارث منزلة فسخ المورّث يحتاج إلى دليل وجعل وهو مفقود ، وعليه فلا يكون حق الخيار ممّا له بقاء بعد موت المورّث وإنما هو ممّا يمضي بمضي نفسه ، فالتمسّك بأدلّة الارث غير نافع في المقام لعدم صدق عنوان ما ترك في الخيار ، وبناء على ذلك لا وجه للالتزام بإرث الخيار ، اللهمّ إلاّ من جهة قيام الاجماع على إرثه فإنّ الظاهر أنّ أحداً لم يخالف في تلك المسألة حتى من العامة كما تقدّم فهو إجماع الكل على إرث الخيار ، من أجل ذلك لابدّ من أن نلتزم بإرث الخيار في الموارد المعلومة ، وأمّا إذا شككنا في مورد فلا يمكننا التمسّك بالاجماع فيه ونحكم فيه بعدم إرث الخيار لا محالة ، هذا .

وربما يقال كما أشار إليه شيخنا الأنصاري(1) بجريان الاستصحاب في المقام لأنه يقتضي بقاء الحق بعد موت المورّث للعلم بحدوثه حال حياته وقد عرفت أنّا لا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 110 .

ــ[131]ــ

نعني من عنوان ما تركه الميت إلاّ كونه باقياً بعد موت المورّث ، وإذا ثبت ذلك بالاستصحاب فنحكم بارثه لأنه ممّا تركه الميت .

وفي هذا الاستصحاب ما لا يخفى ، أمّا أولا : فلأجل أنّ الشبهة حكمية في المقام ولا ندري أنّ الحق المجعول للمورّث كان ممتداً إلى مماته أو أنه باق بعد موته ويكون استصحاب بقائه بعد الموت معارضاً باستصحاب عدم جعل الشارع للخيار بعد الموت لأنه في الحقيقة شك في أصل جعله ، هذا .

وأمّا ثانياً : لو أغمضنا عن ذلك وقلنا بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلّية أيضاً كما عليه المشهور فلا يجري في المقام لعدم إحراز بقاء الموضوع حينئذ  ، بمعنى أنا لا ندري أنّ الخيار كان مجعولا على خصوص المورّث أو الأعم منه ومن وارثه ، فلا ندري أنّ عدم الحكم ببقاء حق الخيار من نقض اليقين بالشك أو أنه من نقض اليقين باليقين ، فتكون الشبهة مصداقية ولا يمكن إجراء الاستصحاب فيها  .

الكلام في أنّ إرث الخيار ليس تابعاً لإرث المال

إذا كان الوارث ممنوعاً عن الارث من جهة المانع كالكفر فيما إذا كان المورّث مسلماً والقتل للمورّث والرقّية المانعة عن إرث الوارث مع وجود المقتضي للارث فلا محالة يكون ممنوعاً عن الخيار أيضاً . وبعبارة اُخرى إذا كان الوارث مقروناً بمانع يمنعه عن إرث المال مع وجود المقتضي للارث فلا محالة يكون ذلك مانعاً عن إرث الخيار أيضاً .

وأمّا إذا كان الوارث محروماً عن إرث المال لأجل تعبّد شرعي لا من جهة موانع الارث نظير الزوجة المحرومة عن إرث العقار أو غير الولد الأكبر بالنسبة إلى الحبوة فهل يكون ذلك أيضاً مانعاً عن إرث الخيار المتعلّق بذلك المال أو أنه لا يمنع

ــ[132]ــ

عن الخيار ؟ فيه وجوه وأقوال .

الارث مطلقاً ، وعدم الارث كذلك وإن ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنه لم يقف على من جزم بعدم الارث مطلقاً إلاّ أنّ المستشكل في الارث مطلقاً موجود . والتفصيل بين كون ما يحرم عنه الوارث ونفرضه الزوجة منتقلا إلى الميت كما إذا اشترى الميت عقاراً وجعل لنفسه الخيار ثم مات وكونه منتقلا عنه كما إذا باع العقار مع الخيار ثم مات ، بالالتزام بالارث أي إرث الزوجة في الأول دون الثاني . وهناك تفصيل آخر معاكس للتفصيل المتقدّم وهو القول بالارث فيما إذا كان المال المحروم عنه الوارث منتقلا عن الميت ، وعدم الارث فيما إذا كان منتقلا إلى الميت .

والوجه في التفصيل الأول : أنّ الثمن المنتقل إلى البائع ملك متزلزل للبائع وإذا فسخ العقد ينتقل الثمن إلى الميت فيرث منه كل من الزوجة وغيرها ، وهذا بخلاف ما إذا كان العقار منتقلا عن الميت لأنّ الزوجة لا ترث منه فيما إذا فسخ العقد ورجع المبيع إلى ملك الميت فلا خيار لها ، لأنّ الخيار حق لصاحبه فيما انتقل عنه يوجب سلطنته على ما انتقل عنه بارجاعه إلى ملكه والمفروض أنّ الزوجة ليست لها علاقة ولا سلطنة على العقار فيما إذا انتقل عن الميت .

وأمّا التفصيل الثاني فوجهه : أنّ ما انتقل إلى الميت حيث إنه ممّا لا يحرم عنه الزوجة وأنها ترث منه فلها أن يرجعه إلى ملك مالكه الأول ، وهذا بخلاف ما إذا كان المنتقل إلى الميت مما لا ترث منه الزوجة فإنها لا سلطنة لها عليه حينئذ ، ولا يتمكّن من إرجاعه إلى مالكه الأول ، والخيار سلطنة لارجاع ما انتقل عنه بعد تسلّطه على ما وصل بازائه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 112 .

ــ[133]ــ

والصحيح من هذه الأقوال هو القول بعدم الارث مطلقاً ، والوجه في ذلك ما ذكرناه سابقاً من أنّ إرث الخيار ليس على طبق القاعدة فإنها تقتضي اختصاص الخيار بخصوص المورّث ، لأنّ فسخه هو الذي قيّد به الالتزام المعاملي لا مطلق الفسخ ، وإنّما ثبت بالاجماع على خلاف القاعدة والمتيقّن منه هو صورة كون ذي الخيار وارثاً للمال ، ولا إجماع محقّق في إرث الزوجة من الخيار المبحوث عنه لأنه محل الخلاف والأقوال كما نقلناها آنفاً ، فلا وجه لارث الزوجة من الخيار في المقام أصلا.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net