فروع في المقام 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7095


ــ[194]ــ

   [ 231 ] مسألة 3 : إذا وقع بعر الفأر في الدهن أو الدبس الجامدين يكفي إلقاؤه وإلقاء ما حوله ، ولا يجب الاجتناب عن البقية ، وكذا إذا مشى الكلب على الطين ، فانه لا يحكم بنجاسة غير موضع رجله إلاّ إذا كان وحلا (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) قد تقدّم منه (قدس سره) ومنّا اعتبار السراية في الحكم بنجاسة ملاقي النجس أو المتنجِّس ، وذكرنا أنه لا بد فيه من وجود الرطوبة المسرية في كليهما أو في أحدهما وأما الرطوبة المعدودة من الأعراض بالنظر العرفي فهي غير كافية في الحكم المذكور أبداً ، كما ذكرنا أن تنجس جزء من أجزاء غير المائعات لا يوجب سراية النجاسة إلى أجزائها الاُخر ولو مع الرطوبة المسرية . وإنما أعاده الماتن في المقام نظراً إلى النصوص الواردة في بعض الفروع ، وقد وردت فيما بأيدينا من المسألة عدّة نصوص ربما تبلغ ثلاث عشرة رواية ، وقد فصّل في بعضها بين الذوبان والجمود كما في حسنة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه فان كان جامداً  فألقها وما يليها وكل ما بقي وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به والزيت مثل ذلك»(1) وفي بعضها التفصيل بين الزيت وغيره من السمن والعسل كما في رواية إسماعيل بن عبدالخـالق عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سأله سعيد الأعرج السمّان وأنا حاضر عن الزيت والسمن والعسل تقع فيه الفأرة فتموت كيف يصنع به ؟ قال : أما الزيت فلا تبعه إلاّ لمن تبين له فيبتاع للسراج ، وأما الأكل فلا ، وأما السمن فان كان ذائباً فهو كذلك وإن كان جامداً والفأرة في أعلاه فيؤخذ ما تحتها وما حولها ثم لا بأس به ، والعسل كذلك إن كان جامداً» (2) .

   والسر في تفصيلها بين الزيت وغيره أن الزيت كالماء ينصرف عند إطلاقه إلى معناه الحقيقي وهو خصوص الزيت المتخذ من الزيتون ، وإنما يحمل على غيره فيما إذا قيد بقيد كما إذا قيل زيت اللوز أو زيت الجوز وهكذا ، كما هو الحال في الماء بعينه فانه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 24 : 194 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 2 ، وكذا في 17 : 97 / أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 1 .

(2) الوسائل 17 : 98 / أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 5 .

ــ[195]ــ

ينصرف إلى إرادة الماء المـطلق إلاّ أن يقيد بقيد كماء الرمّان أو البطيخ ونحوهما . والزيت المستحصل من الزيتون لا ينجمد في الصيف والشتاء وإن كان يرق في الصيف أكثر منه في الشتاء ، ومن هنا دلّت الرواية على نجاسته بموت الفأرة فيه من غير تفصيل ، وفصّلت في السمن والعسل بين ذوبانهما وعدمه .

   وفي ثالث التفصيل بين الصيف والشتاء كما في صحيحة الحلبي ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الفأرة والدابة تقع في الطعام والشراب فتموت فيه ، فقال : إن كان سمناً أو عسلاً أو زيتاً فانه ربما يكون بعض هذا ، فان كان الشتاء فانزع ما حوله وكله وإن كان الصيف فارفعه حتى تسرج به ، وإن كان برداً فاطرح الذي كان عليه ولا تترك طعامك من أجل دابّة ماتت عليه»(1) وقد أسـندها شـيخنا الأنصاري (قدس سره) إلى سعيد الأعرج(2) وهو اشتباه من قلمه الشريف كما نبهنا عليه في بحث المكاسب (3) . والمراد بالصيف والشتاء فيها إنما هو التفصيل بين الذوبان والانجماد وذلك للقرينة الخارجية والداخلية : أما الخارجية فهي ظهور أن المائعات تنجمد في الشتاء كما تذوب في الصيف ، وأما القرينة الداخلية فهي قوله (عليه السلام) : «فانزع ما حوله» لوضوح أن النزع لا يمكن إلاّ فيما له صلابة وانجماد فمن ذلك يظهر أن مراده (عليه السلام) هو التفصيل بين الذوبان والانجماد . وأما ما في ذيلها أعني قوله (عليه السلام): «وإن كان برداً فاطرح الذي كان عليه» فلعله تأكيد لما أمر به في صدرها بقوله (عليه السلام): «فان كان الشتاء فانزع ما حوله» ويبعّده أنه تكرار في الكلام وهو من الاسـتهجان بمكان . والصحيح ـ كما في بعض النسخ ـ هو الثرد بمعنى القطعات المبللة من الخبز بماء القدر أو غيره ، فهذه الجملة حينئذ من متفرعات ما ذكره في صدرها بقوله (عليه السلام) : «فان كان الشتاء فانزع ما حوله» وذلك لأنّ تنجس قطعة من القطعات المبللة بالمرق مثلاً لا يوجب تنجس الجميـع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 24 : 195 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 3 .

(2) المكاسب : 1 : 66  .

(3) مصباح الفقاهة 1 : 146 .

ــ[196]ــ

والمناط في الجمود والميعان أنه لو اُخِذَ منه شيء فان بقي مكانه خالياً حين الأخذ وإن امتلأ بعد ذلك فهو جامد ، وإن لم يبق خالياً أصلاً فهو مائع (1) .

   [ 232 ] مسألة 4 : إذا لاقت النجاسة جزءاً من البدن المتعرق لا يسري (2) إلى سائر أجزائه إلاّ مع جريان العرق .

   [ 233 ] مسألة 5 : إذا وضع إبريق مملوء ماء على الأرض النجسة وكان في أسفله ثقب يخرج منه الماء ، فان كان لا يقف تحته بل ينفذ في الأرض أو يجري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لخروجه من الميعان إلى الانجماد بالقاء القطعات فيه، بل إنما يؤخذ عنه تلك القطعة المتنجسة بخصوصها ويؤكل الباقي .

   وكيف كان ، فقد دلتنا هذه الأخبار على أن المائع إذا جمد ووقع فيه شيء من النجاسات أو المتنجسات فيؤخذ منه ما حول النجس دون بقية أجزائه، وكذلك الحال في الجوامد بالأصالة كالأرض الرطبة إذا مشى عليها الكلب مثلاً فانه لا ينجس منه إلاّ خصـوص موضع المـلاقاة وهو موضع قدم الكلب لا جميعه ولو مع الرطوبة المسرية ، اللّهمّ إلاّ أن يدخل في المائعات كما إذا كان وحلاً فانّ وقوع النجاسة فيه يوجب تنجس الجميع كما هو الحال في جميع المائعات على ما قدّمناه سابقاً لدلالة الأخبار ، بل لولاها أيضاً  كنّا نلتزم به لأنه المرتكز العرفي في أذهاننا .

   (1) ليس المراد بالجامد ما بلغت صلابته صلابة الحجر لأنه لا يتّفق في العسل والسمن المذكورين في الروايات ، بل المراد به ـ  كما هو المتفاهم العرفي عند إطلاقه  ـ هو ما لا يسري أجزاؤه ولا تميل إلى المكان الخالي منه بسرعة بأخذ مقدار من أجزائه وإن مالت إليه وتساوت سطوحه شيئاً فشيئاً ، ويقابله المائع وهو الذي إذا اُخذ منه شيء مالت أجزاؤه إلى المكان الخالي منه بسرعة .

   (2) لما تقدّم من أن الجوامد لا تسري نجاسة جزء منها إلى جميع أجزائها ولو مع الرطوبة المسرية ، اللّهمّ إلاّ أن يسيل العرق من الموضع المتنجس ، لأنه يوجب نجاسة كل ما أصابه .

ــ[197]ــ

عليها فلا يتنجّس ما في الابريق من الماء (1) ، وإن وقف الماء بحيث يصدق اتحاده مع ما في الابريق بسبب الثقب تنجّس ((1)) وهكذا الكوز والكأس والحب ونحوها .

   [ 234 ] مسألة 6 : إذا خرج من أنفه نخاعة غليظة وكان عليها نقطة من الدم لم يحكم بنجاسة ما عدا محله من سائر أجزائها ، فاذا شك في ملاقاة تلك النقطة لظاهر الأنف لا يجب غسله ، وكذا الحال في البلغم الخارج من الحلق (2) .

   [ 235 ] مسألة 7 : الثوب أو الفرش الملطّخ بالتراب النجس يكفيه نفضه ولا يجب غسله ، ولا يضر احتمال بقاء شيء منه بعد العلم بزوال القدر المتيقن (3) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لما مر من أن القوة والدفع يوجبان تعدد الماء عرفاً ، فإذا كان الماء الخارج من الثقب جارياً على وجه الأرض أو نافذاً فيها ـ  كما في الأراضي الرخوة أو الرملية ـ فيكون خروجه من الثقب بقوّة ودفع مانعاً عن سراية النجاسة من الماء الخارج إلى داخل الكوز أو الابريق ، لأنهما ماءان متعدِّدان بالنظر العرفي ونجاسة أحدهما غير مستلزمة لنجاسة الآخر . وأما إذا لم يكن الماء الخارج جارياً على وجه الأرض ولا نافذاً فيها بل كان مجتمعاً حول الابريق أو الكوز ، فلا مناص من الحكم بتنجس الماء الموجود فيهما وذلك لسقوط الماء الخارج حينئذ من القوة والدفع ، وحيث إن الماءين متحدان لاتصالهما بالثقب فتسري نجاسة أحدهما إلى الآخر لا محالة . ولعل ما ذكرناه هو مراد الماتن (قدس سره) من قوله : «وإن وقف الماء» . وذلك لوضوح أن وقوف الماء الخارج من الكوز أو الابريق في مكان آخر بعيد عنهما غير مستلزم لتنجس الماء في داخلهما ، لأنّ الماء الخارج لا يسقط بذلك عن القوة والدفع .

   (2) لما بيّناه في المسائل المتقدِّمة فليراجع .

   (3) قد أسبقنا أن من شرائط تنجس ملاقي النجس أن تكون فيهما أو في أحدهما رطوبة مسرية ، وعلى هذا إذا أصابت الفرش أو الثوب أجزاء ترابية متنجسة أو أجزاء العذرة اليابسة ولم تكن في شيء من المتلاقيين رطوبة مسرية لم يحكم بنجاسة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم أنّ العبرة في الانفعال وعدمه بالدفع وعدمه .

ــ[198]ــ

الملاقي كالثوب والفرش ونحوهما فلا يجب غسله . نعم ، لا بد من نفضه وإخراج الأجزاء النجسة أو المتنجسة الموجودة فيه . وهذا الذي أفاده (قدس سره) مضافاً إلى أنه مقتضى القاعدة ـ على ما طبقناها آنفاً ـ مما دلّ عليه النص الصحيح ، فروى علي ابن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه السلام) «عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفي عليه من العذرة فيصيب ثوبه ورأسه ، يصلي فيه قبل أن يغسله ؟ قال : نعم ينفضه ويصلي فلا بأس» (1) .

   هذا وينبغي أن ننبِّه على أمرين : أحدهما : أنه لو قلنا بجواز حمل النجس في الصلاة لقلنا بجواز الصلاة في الثوب المتلطخ بأجزاء العذرة اليابسة من غير حاجة إلى نفضه ـ  لو لا الصحيحة المتقدِّمة  ـ لأن الثوب غير متنجس على الفرض وإنما هو حامل للأجزاء النجسة ، وقد بيّنا أن حمل النجس غير مانع عن الصلاة إلاّ أن الصحيحة دلتنا على عدم جواز الصلاة في مثله وأن حمل النجس بتلك الكيفية مانع عنها ـ  وكأنه من الصلاة في النجس  ـ ولا مناص من الأخذ بظاهرها وهو اعتبار النفض في الصلاة في مثل الثوب المتلطخ بأجزاء العذرة ونحوها ومانعية حمل النجس في الصلاة ، إلاّ أنه لا بدّ من الاقتصار في ذلك على موردها وهو حمل النجس بالكيفية الواردة في الصحيحة .

   وثانيهما : أن الشك في بقاء الأجزاء النجسة أو المتنجسة في الثوب مثلاً بعد نفضه يتصوّر على وجهين : أحدهما : أن يشك في مقدار الأجزاء النجسة أو المتنجسة الطارئة عليه ، وهل هي المقدار الخارج منه بنفضه أو أنها أكثر من المقدار الخارج وبقي مقدار منها في الثوب ، ففي هذه الصورة لا يمكن الرجوع إلى استصحاب بقائها لأن الزائد مشكوك التحقّق من الابتداء فيكون الاستصحاب معه من القسم الثالث من الكلي وقد برهنا في محله على عدم جريان الاستصحاب فيه . وثانيهما : ما إذا علمنا بطرو مقدار معيّن من الأجزاء النجسة على الثوب ـ  ونفرضه مثقالين مثلاً  ـ وبعد نفضه نشك في خروج ذلك المقدار المعلوم العروض وعدمه للشك في أن الخارج بمقدار مثقالين أو أقل ، وهل يجري استصحاب بقاء المقدار المعلوم من الأجزاء النجسـة أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 443 / أبواب النجاسات ب 26 ح 12 .

ــ[199]ــ

   [ 236 ] مسألة 8 : لا يكفي مجرد الميعان في التنجس ، بل يعتبر أن يكون مما يقبل التأثر وبعبارة اُخرى يعتبر وجود الرطوبة في أحد المتلاقـيين ، فالزئبق إذا وُضِعَ في ظرف نجس لا رطوبة له لا يتنجّس وإن كان مائعاً ، وكذا إذا اُذيب الذهب أو غيره من الفلزات في بوتقة نجسة أو صب بعد الذوب في ظرف نجس لا يتنجّس إلاّ مع رطوبة الظرف أو وصول رطوبة نجسة إليه من الخارج (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المتنجِّسة في الثوب ؟

   فيه تفصـيل وذلك لأن الأثر المترتب على وجود تلك الأجزاء في الثوب مثلاً أمران : أحدهما : الحكم بنجاسة ملاقي الثوب ونحوه إذا كان رطباً كاليد الرطبة أو الماء القليل كما إذا ألقينا الثوب في حبّ من الماء . وثانيهما : بطلان الصلاة فيه لأنه حامل للنجس وحمله بتلك الكيفـية مبطل لها . أما بالاضـافة إلى الأمر الأوّل فلا يمكـن استصحاب بقاء الأجزاء النجسة في الثوب لأجل الحكم بنجاسة ملاقيه الرطب وذلك لأن المقدار المتيقن إنما هو ملاقاة الثوب للماء مثلاً ، وهي غير موجبة للحكم بنجاسة الماء لعدم نجاسة الثوب على الفرض ، وإنما الموجب للحكم بنجاسة الماء هو ملاقاة الأجزاء النجسة الطارئة على الثوب ، إلاّ أن استصحاب بقائها لا يثبت أنها لاقت الماء إلاّ على القول بالأصل المثبت ، فالاستصحاب بالاضافة إلى هذا الأثر غير جار سواء أدرجناه تحت القسم الثالث من الكلي أم تحت غيره . وأما بالاضافة إلى الأثر الثاني فلا مانع من استصحاب بقاء الأجزاء النجسة في الثوب لأن المفروض ان الثوب الحامل للنجاسة ـ  بتلك الكيفية  ـ محكوم ببطلان الصلاة فيه ، فاذا شككنا في بقائه على وصفه يجري استصحاب بقائه على الأوصاف السابقة وبه يحكم ببطلان الصلاة الواقعة فيه .

   (1) قد عرفت أن المائع إذا لاقى نجساً يحكم بنجاسـته لأنه مرطـوب برطـوبة مسرية ، ومعها لا حاجة إلى اعتبار رطوبة النجس في نجاسة ملاقيه إلاّ أن هذا يختص بالمائع الرطب ، وأما المائع الجاف الذي لا يؤثر في ملاقيه كما لا يتأثر منه كالزئبق ونحوه فملاقاته النجس أو المتنجس اليابس لا يقتضي نجاسته وإن كان مائعاً ، كما إذا وضعناه على ظرف يابس متنجس فانه لا يتأثر بذلك ولا ينتقل شيء من أجزائه إلى




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net