ثبوت القتل بأمور \ الأوّل : الإقرار 

الكتاب : مباني تكملة منهاج الصالحين - الجزء الثاني : القصاص   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4274


   (مسألة 95) : يثبت القتل بأُمور :

   الأوّل :  الإقرار ، وتكفي فيه مرّة واحدة (3) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
   (3) على المشهور شهرة عظيمة، خلافاً لجماعة، منهم: الشيخ وابنا إدريس والبرّاج والطبرسي(1).

   ويدلّ على المشهور ـ مضافاً إلى إطلاق أدلّة الإقرار ـ خصوص صحيحة الفضيل ، قال : سمعت أبا

عبدالله (عليه السلام) يقول : «من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ من حدود الله مرّة واحدة ، حرّاً كان

أو عبداً ، أو حرّة كانت أو أمة ، فعلى الإمام أن يقيم الحدّ عليه» ـ إلى أن قال : ـ فقال له بعض

أصحابنا : يا أبا عبدالله ، فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرّة واحدة على نفسه اُقيم عليه

الحدّ فيها ؟ ـ إلى أن قال : ـ «وإذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتّى يحضر أولياء المقتول فيطالبوا بدم

صاحبهم»(2) .

   وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل قتل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الشيخ في النهاية : 742 ، ابن إدريس في السرائر 3 : 341 ، وحكاه عن الطبرسي وابن البراج

في الجواهر 42 : 204 .

(2) الوسائل 28 : 56 /  أبواب مقدمات الحدود ب 32 ح 1 .

ــ[110]ــ

ويعتبر في المقرّ: البلوغ، وكمال العقل ، والاختيار(1) ، والحرّيّة على تفصيل(2)، فإذا أقرّ بالقتل

العمدي ثبت القود ،

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــ

فحمل إلى الوالي ـ إلى أن قال : ـ حتّى أتاهم رجل ، فأقرّ عند الوالي أ نّه قتل صاحبهم عمداً، وأنّ

هذا الرجل الذي شهد عليه الشهود بريء من قتل صاحبه ، فلا تقتلوه به ، وخذوني بدمه ، قال :

«فقال أبو جعفر (عليه السلام) : إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه فليقتلوه»

الحديث(1) .

   ويؤيّد ذلك بمرفوعة عليّ بن إبراهيم ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال :

اُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل وجد في خربة وبيده سكّين ملطّخ بالدم ، وإذا رجل مذبوح

يتشحّط في دمه ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : ما تقول؟ قال: أنا قتلته، قال: اذهبوا به فأقيدوه

به» الحديث(2) .

   ورواها الصدوق (قدس سره) باختلاف يسير مرسلةً عن أبي جعفر (عليه السلام)، ولكن صاحب

الوسائل (قدس سره) نسبها إلى رواية الصدوق (قدس سره) باسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه

السلام) ، ولعلّه من سهو القلم .

   وأمّا ما ذهب إليه الشيخ وهؤلاء الجماعة من اعتبار الإقرار مرّتين ، فليس له وجه ظاهر . وما استدلّ

عليه ـ من أنّ فيه احتياطاً للدماء ، وليس القتل بأدون من السرقة ـ واضح الضعف ، كيف؟! ولو تمّ

ذلك فلا بدّ من اعتبار الإقرار أربع مرّات ، لأنّ القتل ليس بأدون من الزنا .

   (1) لأنّ القلم مرفوع عن الصبي والمجنون والمكرَه .

   (2) بيان ذلك : هو أنّ المولى لا يخلو من أن يصدّق عبده في إقراره مالاً كان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 144 /  أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب 5 ح 1 .

(2)  الوسائل 29 : 142 /  أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب4 ح1، الفقيه 3 : 14 / 37.

ــ[111]ــ

أو حدّاً أو جنايةً ، أو لا يصدّقه في ذلك .

   فعلى الأوّل : يقبل إقراره من دون خلاف بين الأصحاب، لأنّ الحقّ لايعدوهما، والمنع إنّما كان لحقّ

السيّد ، وقد انتفى على الفرض .

   وعلى الثاني : لا يقبل إقراره في حقّ السيّد بلا خلاف، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد

من الأصحاب ، بلا فرق بين المال والجناية .

   وأمّا بالنسبة إلى العبد نفسه فلا مانع من شمول أدلّة نفوذ الإقرار له . وعليه ، فإن كان إقراره بمال

فعليه أداؤه بعد العتق ، وإن كان بجناية : فإن كان أثرها القصاص ـ كما إذا كانت عمديّة ـ اقتصّ

منه ، وإلاّ اُخذت منه الدية .

   وتؤيّد عدم نفوذ إقراره في حقّ السيّد بدون إذنه وتصديقه : صحيحة الفضيل ابن يسار ، قال :

سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «إذا أقرّ المملوك على نفسه بالسرقة لم يقطع ، وإن شهد عليه

شاهدان قطع»(1) .

   ورواية أبي محمّد الوابشي ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قوم ادّعوا على عبد جناية

تحيط برقبته ، فأقرّ العبد بها «قال : لا يجوز إقرار العبد على سيِّده ، فإن أقاموا البيّنة على ما ادّعوا على

العبد اُخذ بها العبد ، أو يفتديه مولاه»(2) .

   لكنّها ضعيفة سنداً بأبي محمّد الوابشي .

   بقي هنا شيء : وهو أ نّه قد ورد في صحيحة الفضيل المتقدّمة في صدر المسألة نفوذ إقرار العبد على

نفسه ، وأ نّه يؤخذ به كالحرّ ، وأنّ الزاني المحصن لا يرجم بإقراره ما لم يشهد أربعة شهود، وكلا

الحكمين مخالف للإجماع القطعي والروايات المعتبرة ، فلا بدّ من طرحها وردّ علمها إلى أهله .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 305 /  أبواب حد السرقة ب 35 ح 1 .

(2) الوسائل 29 : 161 /  أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب 13 ح 1 .

ــ[112]ــ

وإذا أقرّ بالقتل الخطائي ثبتت الدية في ماله لا على العاقلة (1) ، وأمّا المحجور عليه لفلس أو سفه فيقبل

إقراره بالقتل عمداً فيثبت عليه القود. وإذا أقرّ المفلس بالقتل الخطائي ثبتت الدية في ذمّته(2) ولكن

وليّ المقتول لا يشارك الغرماء إذا لم يصدّقوه (3) .

   (مسألة 96) : لو أقرّ أحد بقتل شخص عمداً ، وأقرّ آخر بقتله خطأً ، تخيّر وليّ المقتول في تصديق أ

يّهما شاء ، فإذا صدّق واحداً منهما فليس له على الآخر سبيل (4) .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــ

   (1) تدلّ على ذلك صحيحة زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام) «قال : لاتعقل العاقلة إلاّ ما

قامت عليه البيّنة. قال: وأتاه رجل فاعترف عنده، فجعله في ماله خاصّة، ولم يجعل على العاقلة

شيئاً»(1).

   (2) وذلك لأنّ حجره إنّما هو في التصرّف في أمواله ، ولا يكون محجوراً في إقراره ، فيشمله إطلاق

أدلّة نفوذه .

   (3) والوجه في ذلك : هو أ نّه إقرار في حقّ الغير ، ولا دليل على اعتباره .

   (4) واستدلّ على ذلك بالإجماع ، كما عن الانتصار(2) .

   وبرواية الحسن بن صالح ، كما في الكافي والتهذيب ، ورواية الحسن بن حيّ كما في الفقيه، وهما

واحد ، وهو الحسن بن صالح بن حيّ ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل وجد مقتولاً ،

فجاء رجلان إلى وليّه ، فقال أحدهما : أنا قتلته عمداً ، وقال الآخر : أنا قتلته خطأً «فقال : إن هو أخذ

صاحب العمد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 398 /  أبواب العاقلة ب 9 ح 1 .

(2) الانتصار : 543 .

ــ[113]ــ

   (مسألة 97) : لو أقرّ أحد بقتل شخص عمداً ، وأقرّ آخر أ نّه هو الذي قتله ، ورجع الأوّل عن

إقراره ، فالمشهور أ نّه يدرأ عنهما القصاص والدية ، وتؤخذ الدية من بيت مال المسلمين .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــ

فليس له على صاحب الخطأ سبيل ، وإن أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل

شيء»(1) .

   وفيه : أنّ الاجماع منقول ، وهو ليس بحجّة كما حقّقناه في الاُصول(2) ، ولا سيّما من مثل السيّد

المرتضى (قدس سره) الذي يدّعي الإجماع على أساس أنّ ما يدّعيه مقتضى أصل أو أمارة .

   وأمّا الرواية : فضعيفة سنداً، فإنّ الحسن بن صالح زيدي بتري متروك العمل بما يختصّ بروايته على ما

ذكره الشيخ (قدس سره)(3) .

   ودعوى أنّ الراوي عنه هو الحسن بن محبوب ، وهو من أصحاب الإجماع ، وهو لا يروي إلاّ عن

ثقة .

   مدفوعة بعدم ثبوت ذلك على ما فصّلناه في معجم رجال الحديث(4) .

   كما أنّ ما ذكره الوحيد من أنّ ابن الوليد لم يستثن من روايات محمّد بن أحمد بن يحيى في نوادر

الحكمة الحسن بن صالح ، وهذا دليل على أنّ ابن الوليد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 141 /  أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب 3 ح 1 ، الكافي 7 : 289 / 1 ،

التهذيب 10 : 172 / 677 ، الفقيه 4 : 78 / 244 .

(2) مصباح الاُصول 2 : 134 ـ 138 .

(3) التهذيب 1 : 408 / 1282 .

(4) لاحظ معجم رجال الحديث 6 : 96 ـ 114 / 3079 .

ــ[114]ــ

وفيه إشكال ، بل منع ، فالظاهر أنّ حكمهما حكم المسألة السابقة (1) . وأمّا إذا لم يرجع الأوّل عن

إقراره

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــ

قد اعتمد عليه(1) .

   مندفع أوّلاً : بعدم ثبوت هذه الكبرى .

   وثانياً : بأنّ محمّد بن أحمد بن يحيى لم يرو عنه في كتاب النوادر ، وإنّما روى عن الحسن بن صالح بن

محمّد الهمداني ، وهو رجل آخر، وكيف يمكن أن يروي محمّد بن أحمد بن يحيى عن الحسن بن صالح بن

حيّ الذي هو من أصحاب الباقر (عليه السلام) وأدرك الصادق (عليه السلام) ؟!

   والصحيح في وجه التخيير أن يقال : إنّ كلاًّ من الإقرارين وإن كان حجّة على المقرّ نفسه إلاّ أ نّه

ليس لوليّ المقتول الأخذ بكليهما معاً ، للعلم الإجمالي بمخالفة أحدهما للواقع .

   نعم، له الأخذ بإقرار أحدهما بمقتضى بناء العقلاء على جواز أخذ المقرّ بإقراره حتّى في أمثال المقام،

فإذا رجع إلى المقرّ بالقتل خطأً وأخذ منه الدية فليس له الرجوع إلى المقرّ بالقتل عمداً والاقتصاص منه.

وإذا رجع إلى المقرّ بالقتل عمداً واقتصّ منه فليس لورثته مطالبة الآخر بنصف الدية، لأنّه بمقتضى إقراره

قد اعترف ببراءة الآخر من القتل. وتدلّ على ذلك صحيحة زرارة الآتية في المسألة (108) .

   (1) استدلّ للمشهور برواية عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبدالله (

عليه السلام) «قال : اُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منتهى المقال 2 : 398 / 740 ، معجم رجال الحديث 5 : 351 / 2880 .

ــ[115]ــ

وجد في خربة ، وبيده سكين ملطّخ بالدم ، وإذا رجل مذبوح يتشحّط في دمه ، فقال له أمير المؤمنين

(عليه السلام) : ما تقول ؟ قال: أنا قتلته ، قال : اذهبوا به فأقيدوه به ، فلمّا ذهبوا به أقبل رجل

مسرع ـ إلى أن قال : ـ فقال : أنا قتلته ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) للأوّل : ما حملك على

إقرارك على نفسك ؟ فقال: وما كنت أستطيع أن أقول وقد شهد عليّ أمثال هؤلاء الرجال وأخذوني ،

وبيدي سكين ملطّخ بالدم ـ إلى أن قال : ـ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : خذوا هذين فاذهبوا

بهما إلى الحسن ـ إلى أن قال: ـ فقال الحسن (عليه السلام) : قولوا لأمير المؤمنين (عليه السلام) : إن

كان هذا ذبح ذاك فقد أحيى هذا ـ إلى أن قال : ـ يخلّى عنهما ، وتخرج دية المذبوح من بيت

المال»(1) .

   ورواها الصدوق (قدس سره) مرسلة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، وقد نسبها صاحب الوسائل إلى

رواية الصدوق (قدس سره) باسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) .

   والأمر ليس كذلك . وعليه ، فالرواية ضعيفة سنداً ، فلا يمكن الاعتماد عليها .

   ودعوى الانجبار بعمل المشهور لا أصل لها كما حقّقناه في محلّه .

   والصحيح أنّ حكم هذه المسألة حكم سابقتها ، نظراً إلى أ نّه لا أثر لرجوع المقرّ عن إقراره ، فإذن

النتيجة هي التخيير ، كما قوّاه الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك(2) ، ونسبه في الجواهر إلى أبي

العباس(3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 142 /  أبواب دعوى القتل ب 4 ح 1 ، الفقيه 3 : 14 / 37 .

(2) المسالك 2 : 372 (حجري) .

(3) الجواهر 42 : 207 .

ــ[116]ــ

تخيّر الولي في تصديق أ يّهما شاء ، بلا خلاف ظاهر (1) .
ـــــ

   (1) ظهر وجهه ممّا تقدّم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net