الأوّل : الشعر \ الثاني : العينان 

الكتاب : مباني تكملة منهاج الصالحين - الجزء الثاني : القصاص   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4017


ــ[332]ــ

   الأوّل :  الشعر

   ففي اللحية إذا حلقت فإن نبتت ففيه ثلث الدية(1)، وإن لم تنبت ففيه الدية

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فإنّها وإن وردت في مورد له دية مقدّرة إلاّ أنّها بمقتضى التعليل تدلّ على أنّ حقّ المسلم لا يذهب هدراً حتّى فيما لايكون فيه مقدّر شرعاً ، فلو لم يعيّن الحاكم غرامته بمقتضى شهادة ذوي عدل من المسلمين لذهب حقّ المسلم هدراً .

   (1) وفاقاً لأبي علي والصدوق والشيخ(1) .

   وتدلّ على ذلك معتبرة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: قضى أميرالمؤمنين(عليه السلام) في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة، فإذا نبتت فثلث الدية»(2) ، ومثلها رواية مسمع(3).

   لكن خالف في ذلك جماعة ، منهم : المحقّق في الشرائع والفاضل والشهيدان ، فاختاروا الأرش(4)، وذلك من جهة المناقشة في الرواية سنداً، فإنّ رواية مسمع واضحة الضعف ، وفي سند رواية السكوني الحسين بن يزيد النوفلي ، ولم يثبت توثيقه ، ولا جابر لضعف الرواية .

   وفيه : أنّ الحسين بن يزيد النوفلي ثقة على الأظهر ، فالرواية إذن معتبرة ، فيتعيّن العمل بها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه في الجواهر عن أبي علي 43 : 171 ، المقنع : 526 ، النهاية : 768 .

(2) الفقيه 4 : 112 / 381 .

(3) الوسائل 29 : 341 /  أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح 1 .

(4) الشرائع 4 : 269 ، القواعد 3 : 670 ، اللمعة 10 : 199 ، الروضة البهية 10 : 199 .

ــ[333]ــ

الدية كاملة (1) ، وفي شعر الرأس إذا ذهب فإن لم ينبت ففيه الدية كاملة (2) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) على المشهور كما في المسالك(1) ، بل عن ظاهر قصاص المبسوط وصريح قصاص الخلاف الإجماع على ذلك(2)، وحكي الإجماع عليه عن الغنية أيضاً (3)، وتدلّ على ذلك معتبرة السكوني المتقدّمة ، وتؤيّد ذلك رواية مسمع السابقة .

   ولكن عن المفيد والصدوق في موضع من المقنع : أنّ ديتها إذا لم تنبت مائة دينار(4) .

   وفيه : أ نّه لا مستند له أبداً .

   (2) على المشهور شهرة عظيمة ، وفي الجواهر : لم أجد فيه خلافاً يعتدّ به(5) ، بل عن ظاهر المبسوط دعوى الإجماع عليه(6) .

   وتدلّ على ذلك صحيحة سليمان بن خالد ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل صبّ ماءً حارّاً على رأس رجل فامتعط شعره فلا ينبت أبداً «قال : عليه الدية»(7) ، والرواية مطابقة لما في الفقيه ، وقريب منها مرسلة عليّ ابن خالد (حديد) (8) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المسالك 2 : 394 (حجري) .

(2) المبسوط 7 : 153 ، الخلاف 5 : 211 / 91 .

(3) الغنية 2 : 416 .

(4) حكاه في الجواهر 43 : 173 ، راجع المقنعة : 756 والمقنع : 530 .

(5) الجواهر 43 : 169 .

(6) المبسوط 7 : 153 .

(7) الفقيه 4 : 111 / 379 .

(8) الوسائل 29 : 341 /  أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح 2 .

ــ[334]ــ

وإن نبت ففيه الحكومة (1) ، وفي شعر المرأة إذا حلق فإن نبت ففيه مهر

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وتؤيّد ذلك رواية سلمة بن تمّام، قال: أهرق رجل قدراً فيها مرق على رأس رجل فذهب شعره فاختصموا في ذلك إلى علي (عليه السلام) فأجّله سنة، فجاء     فلم ينبت شعره ، فقضى عليه بالدية(1) .

   ولكنّ الشهيد (قدس سره) في المسالك استشكل في ذلك ، نظراً إلى أنّ الصحيحة مرويّة في التهذيب هكذا: قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل دخل الحمام فصبّ عليه ماءً حارّاً فامتعط شعر رأسه ولحيته فلا ينبت أبداً «قال: عليه الدية»(2) ، وهي لا تدلّ على ثبوت تمام الدية في شعر الرأس خاصّة، وإنّما تدلّ على ثبوته في شعر الرأس واللحية معاً (3) .

   وفيه: أنّ الظاهر منها ـ بقرينة ما تقدّم من ثبوت الدية كاملة في اللحية فحسب إذا لم تنبت ـ إرادة ¸ أو · من ¸ الواو · ، وتؤكّد ذلك رواية الصدوق المتقدّمة ، فإنّها خالية عن ذكر كلمة اللحية .

   وأمّا ما عن المفيد والصدوق من أنّ الدية مائة دينار في مفروض المسألة ، فلا نعلم له أيّ مستند .

   (1) وفاقاً لجماعة كثيرة ، منهم : الشيخ في النهاية وابن حمزة والفاضل والشهيدان(4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 342 /  أبواب ديات الأعضاء ب 37 ح 3 .

(2) التهذيب 10 : 250 / 992 .   

(3) المسالك 2 : 394 (حجري) .

(4) النهاية : 764 ، الوسيلة : 444 ، الارشاد 2 : 236 ، الروضة البهية 10 : 199 .

ــ[335]ــ

نسائها ، وإن لم ينبت ففيه الدية كاملة (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والوجه في ذلك: هو ما تقدّم من أنّ كل مورد لا مقدّر فيه للدية شرعاً فالمرجع فيه هو الحكومة(1).

   (1) على المشهور شهرة عظيمة ، بل في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه إلاّ من الإسكافي(2) .

   واستدلّ على ذلك بما رواه الشيخ ومحمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن سليمان ، عن عبدالله بن سنان، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخبرني عن القوّاد ما حدّه؟ «قال: لا حدّ على القوّاد ، أليس إنّما يعطى الأجر على أن يقود ؟ » قلت : جعلت فداك ، إنّما يجمع بين الذكر والاُنثى حراماً «قال : ذاك المؤلّف بين الذكر والاُنثى حراماً» فقلت : هو ذاك جعلت فداك ـ إلى أن قال: ـ فما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها ؟ «قال: يضرب ضرباً وجيعاً ويحبس في سجن المسلمين حتّى يستبرأ شعرها ، فإن نبت أخذ منه مهر نسائها ، وإن لم ينبت أخذ منه الدية كاملة» الحديث(3) .

   وروى الصدوق بسنده عن إبراهيم بن هاشم، عن صالح بن سندي، عن محمّد بن سليمان المصري، عن عبدالله بن سنان، صدر هذه الرواية إلى قوله : «بين الذكر والاُنثى حراماً»(4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في 260 و 328 .

(2) الجواهر 43 : 174 .

(3) الوسائل 28 : 171 /  أبواب حد السحق والقيادة ب 5 ح 1 ، الوسائل 29 : 334 /  أبواب ديات الأعضاء ب 30 ح 1 ، التهذيب 10 : 64 / 235 ، الكافي 7 : 261 / 10 .

(4) الفقيه 4 : 34 / 100 .

ــ[336]ــ

   ثمّ إنّ الرواية ضعيفة بمحمّد بن سليمان ، فإنّ الظاهر من محمّد بن سليمان ـ المطلق ـ الموجود في رواية الشيخ ومحمّد بن يعقوب هو محمّد بن سليمان الموجود في رواية الصدوق ، حيث إنّه الديلمي المعروف والمشهور وهو ضعيف ، ولو فرض أ نّه غيره فهو مجهول .

   هذا، وقد روى الشيخ في باب ديات الأعضاء والجوارح من التهذيب بسنده الصحيح عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن سليمان المنقري، عن عبدالله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): جعلت فداك، ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها؟ «قال: يضرب ضرباً وجيعاً ويحبس في سجن المسلمين حتّى يستبرأ شعرها ، فإن نبت اُخذ منه مهر نسائها ، وإن لم ينبت أخذ منه الدية كاملة» الحديث(1) .

   وسليمان المنقري هو سليمان بن داود المنقري ، وهو ثقة ، فالرواية صحيحة ولا مانع من أن يكون الراوي عن عبدالله بن سنان اثنين .

   فالنتيجة :  أنّ ما هو المشهور بين الأصحاب هو الصحيح .

   ثمّ إنّ صاحب الوسائل روى هذه الرواية عن محمّد بن سليمان المنقري ، وهو اشتباه وسهو من قلمه الشريف ، فإنّ محمّد بن سليمان المنقري لا وجود له في كتب الرجال ، والرواية إنّما هي من سليمان المنقري ، كما أ نّه سها (قدس سره) في إسناد هذه الرواية إلى الصدوق أيضاً ، فإنّك قد عرفت أنّ الشيخ الصدوق روى صدر هذه الرواية فقط دون هذا الذيل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 334 / أبواب ديات الأعضاء ب30 ح1، التهذيب 10: 262/ 1036 .

ــ[337]ــ

وفي شعر الحاجب إذا ذهب كلّه فديته نصف دية العين : مائتان وخمسون ديناراً ، وإذا ذهب بعضه فعلى حساب ذلك (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وفاقاً للأكثر، بل المشهور، بل عن ظاهر قصاص المبسوط وصريح السرائر الإجماع عليه(1).

   وتدلّ على ذلك ما في معتبرة ظريف من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : «إن اُصيب الحاجب فذهب شعره كلّه فديته نصف دية العين : مائتا دينار وخمسون ديناراً ، فما اُصيب منه فعلى حساب ذلك» الحديث(2) .

   وناقش الشهيد الثاني في المسالك في مستند الحكم(3) .

   وفيه : أنّ المناقشة في غير محلّها ، فإنّ مستندها الرواية المعتبرة التي رواها محمّد بن يعقوب والشيخ بسندهما الصحيح ، فلا مجال للمناقشة في سندها أصلاً .

   نعم، رويت هذه الرواية بعدّة طرق عن أبي عبدالله (عليه السلام) كلّها ضعيفة .

   وهنا قول آخر ـ وهو ما اختاره صاحب الغنية والإصباح(4) ـ من أنّ في ذهاب شعر الحاجبين الدية كاملة ، وفي كلّ واحد منهما نصف الدية . بل ادّعي في الغنية الإجماع عليه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه في الجواهر 43 : 175 ولاحظ المبسوط 7 : 153 وراجع السرائر 3 : 378 .

(2) الوسائل 29 : 289 /  أبواب ديات الأعضاء ب 2 ح 3 .

(3) المسالك 2 : 394 (حجري) .

(4) الغنية 2 : 417 ، الإصباح : 504 .

ــ[338]ــ

   الثاني :  العينان

   وفيهما الدية كاملة (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولعلّ مستند ذلك ما دلّ على أنّ فيما كان في الجسد اثنان ففيه الدية ، وفي كلّ واحد نصفها .

   وفيه أوّلاً : أ نّه منصرف عن شمول مثل الحاجبين ، فإنّ الظاهر منه هو الأعضاء الحقيقية .

   وثانياً : أ نّه على فرض شموله له يقيّد إطلاقه بغير ذلك من جهة المعتبرة المتقدّمة .

   (1) بلا خلاف ولا إشكال بين الأصحاب ، بل عن الشيخ وابن زهرة : عدم الخلاف فيه بين غيرنا أيضاً (1) ، وفي المسالك دعوى إجماع المسلمين عليه(2) .

   وتدلّ على ذلك عدّة روايات :

   منها: صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية مثل اليدين والعينين» قال: قلت: رجل فُقِئت عينه؟ «قال: نصف الدية» الحديث(3).

   ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام): في الرجل يكسر ظهره «قال: فيه الدية كاملة، وفي العينين الدية، وفي إحداهما نصف الدية» الحديث(4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 7 : 127 ، الغنية 2 : 416 .

(2) المسالك 2 : 394 (حجري) .

(3) الوسائل 29 : 283 /  أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 1 .

(4) الوسائل 29 : 284 /  أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 4 .

ــ[339]ــ

وفي كلّ منهما نصف الدية(1). ولافرق في ذلك بين العين الصحيحة والعمشاء والحولاء والجاحظة(2). والمشهور أنّ في الأجفان الأربعة الدية الكاملة وفيه إشكال ، والأقرب العدم(3) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) من دون خلاف بين فقهائنا ، بل بين غيرنا أيضاً كما عن الشيخ وابن زهرة (1) ، بل عن الشهيد الثاني في المسالك أنّ عليه إجماع المسلمين(2) .

   وتدلّ على ذلك عدّة روايات ، منها : الصحيحتان المتقدّمتان .

   ومنها : معتبرة سماعة، قال: سألته عن اليد «قال : نصف الدية ـ إلى أن قال: ـ والعين الواحدة نصف الدية» الحديث (3) .

   (2) وذلك لإطلاق الأدلّة وعدم ما يصلح لتقييده .

   خلافاً لما عن الوسيلة ، فجعل دية العمشاء ثلث دية النفس(4) .

   ولكن لم نعرف له دليلاً صالحاً لتقييد إطلاق ما تقدّم من النصوص .

   (3) وجه الإشكال : هو أنّ المشهور وإن ذهبوا إلى ذلك ، بل ادّعي عليه الإجماع واستندوا في ذلك إلى صحيحة عبدالله بن سنان المتقدّمة ، وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية» الحديث(5) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 7 : 127 ، الغنية 2 : 416 .

(2) المسالك 2 : 394 (حجري) .

(3) الوسائل 29 : 286 /  أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 10 .

(4) الوسيلة : 446 .

(5) الوسائل 29 : 287 /  أبواب ديات الأعضاء ب 1 ح 12 .

ــ[340]ــ

بل أنّ في الجفن الأعلى ثلث دية العين ، وهو مائة وستّة وستّون ديناراً وثلثا دينار ، وفي الجفن الأسفل نصف دية العين ، وهو مائتان وخمسون ديناراً (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   إلاّ أنّ شمولها لمثل الأجفان لا يخلو عن إشكال ، بل الظاهر عدم الشمول وانصرافها عن ذلك، ولذا ناقش في دلالتهما على ذلك الشهيد الثاني في المسالك(1) ونفاها كاشف اللثام صريحاً (2) ، فإن تمّ إجماعٌ في المسألة فهو ، ولكنّه غير تامّ ، فالأقرب ما ذكرناه .

   (1) هذا هو المعروف والمشهور بين الأصحاب .

   وهنا قولان آخران :

   أحدهما :  أنّ في كلّ جفن ربع الدية ، واختار هذا القول جماعة ، منهم : الشيخ في المبسوط والفاضل في جملة من كتبه وولده والشهيدان وأبو العبّاس(3) .

   وثانيهما :  أنّ في الجفن الأعلى ثلثي دية العين وفي الأسفل ثلثها ، واختار هذا القول الشيخ (قدس سره) في الخلاف وحكي عن السرائر أيضاً (4) .

   والصحيح هو القول الأوّل ، وتدلّ عليه معـتبرة ظريف ، قال : أفتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فكتب الناس فتياه وكتب به أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى اُمرائه ورؤوس أجناده ، فممّا كان فيه : «إن اُصيب شفر العين الأعلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المسالك 2 : 394 (حجري) .

(2) كشف اللثام 2 : 499 (حجري) .

(3) المبسوط 7 : 130 ، القواعد 3 : 671 والتبصرة : 211 ، إيضاح الفوائد 4 : 688 ، الروضة البهية 10 : 202 ، لاحظ المهذب البارع 5 : 307 ـ 309 .

(4) الخلاف 5 : 236 / 24 ، حكاه عن السرائر في الجواهر 43 : 182 ، وراجع السرائر 3 : 378 .

 
 

ــ[341]ــ

وأمّا الأهداب فلا تقدير فيها شرعاً ، كما أ نّه ليس فيها شيء إذا انضمّت مع الأجفان ، وفيها الحكومة إذا انفردت (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فشتر فديته ثلث دية العين مائة دينار وستّة وستّون ديناراً وثلثا دينار ، وإن اُصيب شفر العين الأسفل فشتر فديته نصف دية العين مائتا دينار وخمسون ديناراً» الحديث(1) .

   فهذه المعتبرة وإن كان موردها شتر الجفن إلاّ أ نّه لا خصوصية له، بل الظاهر شمولها لصورة قطعه أيضاً ، بل يمكن دلالتها عليه بالأولويّة القطعية .

   وأمّا القولان الآخران فلا دليل عليهما أصلاً :

   أمّا الأوّل :  فإنّه وإن استند فيه إلى صحيحتي عبدالله بن سنان وهشام بن سالم المتقدّمتين، بتقريب: أنّ كلّ جفنين بمنزلة عضو واحد فيكونان كالعين الواحدة، إلاّ أ نّك قد عرفت المناقشة في دلالتهما على مثل ذلك، وأنّ الظاهر عدم شمولهما له .

   وأمّا الثاني: فلا دليل عليه أصلاً ما عدا دعوى الشيخ إجماع الفرقة وأخبارهم .

   وفيه : أ نّه لا إجماع في المسألة ، لما عرفت من أنّ المشهور هو القول الأوّل ، وقد اختار القول الثاني جماعة ، ولم يرد ولا خبر واحد في المسألة فضلاً عن الأخبار كما اعترف بذلك غير واحد ، منهم صاحب الجواهر (قدس سره) (2) .

   (1) لما تقدّم من ثبوت الأرش في كلّ ما لا تقدير له شرعاً (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 289 /  أبواب ديات الأعضاء ب 2 ح 3 .

(2) الجواهر 43 : 182 .

(3) في ص 261 و 330 .

ــ[342]ــ

   (مسألة 280) : لو قلعت الأجفان مع العينين لم تتداخل ديتاهما (1) .

   (مسألة 281) : إذا قلع العين الصحيحة من الأعور ففيه الدية كاملة (2) ، والمشهور قيّدوا ذلك بما إذا كان العور خلقة أو بآفة سماويّة ، وأمّا إذا كان بجناية فعليه نصف الدية ، وفيه إشكال ، والأقرب عدم الفرق(3) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لأنّ التداخل يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه في المقام ، فمقتضى الأصل عدمه .

   (2) بلا خلاف بين الأصحاب ، بل في كلمات غير واحد دعوى الإجماع على ذلك .

   وتدلّ عليه صحيحة محمّد بن قيس، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أعور اُصيبت عينه الصحيحة ففُقِئت أن تفقأ إحدى عيني صاحبه ويعقل له نصف الدية ، وإن شاء أخذ دية كاملة ويُعفا عن عين صاحبه»(1) .

   ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : في عين الأعور الدية كاملة»(2) .

   (3) وجه الإشكال : هو أ نّه لا دليل لهم ما عدا دعوى الإجماع في المسألة ، فإن تمّ إجماع فهو ، ولكنّه غير تامّ لعدم حصول الاطمئنان بقول المعصوم (عليه السلام) . فإذن لا بدّ من الأخذ باطلاق الصحيحتين المتقدّمتين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 331 /  أبواب ديات الأعضاء ب 27 ح 2 .

(2) الوسائل 29 : 330 /  أبواب ديات الأعضاء ب 27 ح 1 .

ــ[343]ــ

كما أ نّه لا فرق فيما إذا كان العور بالجناية بين ما إذا أخذ الأعور ديتها من الجاني وما إذا لم يأخذها (1) ، وفي خسف العين العوراء ثلث الدية (2) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فالنتيجة :  أنّ الأظهر ما ذكرناه .

   (1) وذلك لإطلاق الأدلّة وعدم ما يصلح أن يكون مقيّداً له .

   (2) وفاقاً للمشهور .

   وتدلّ عليه صحيحة بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «في لسان الأخرس وعين الأعمى وذكر الخصي واُنثييه ثلث الدية»(1) .

   وهنا روايتان اُخريان :

   إحداهما : رواية عبدالله بن أبي جعفر عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في العين العوراء تكون قائمة فتخسف «فقال: قضى فيها عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) نصف الدية في العين الصحيحة»(2) .

   وثانيتهما : رواية عبدالله بن سليمان عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في رجل فقأ عين رجل ذاهبة وهي قائمة «قال : عليه ربع دية العين»(3) .

   ولكنّ الروايتين ـ بما أ نّهما ضعيفتان ، حيث إنّ في سندهما أبا جميلة مفضّل ابن صالح وهو ضعيف ، وعبدالله بن سليمان وهو مجهول ـ لا يمكن الاستدلال بهما على حكم شرعي أصلاً . فالصحيح ما ذكرناه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 336 /  أبواب ديات الأعضاء ب 31 ح 1 .

(2) الوسائل 29 : 333 /  أبواب ديات الأعضاء ب 29 ح 1 .

(3) الوسائل 29 : 334 /  أبواب ديات الأعضاء ب 29 ح 2 .

ــ[344]ــ

من دون فرق في ذلك بين كونه أصليّاً أو عارضيّاً (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سأله بعض آل زرارة عن رجل قطع لسان رجل أخرس «فقال : إن كان ولدته اُمّه وهو أخرس فعليه ثلث الدية، وإن كان لسانه ذهب به وجع أو آفة بعد ما كان يتكلّم فإنّ على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه . قال : وكذلك القضاء في العينين والجوارح . قال : وهكذا وجدناه في كتاب علي (عليه السلام) »(1) .

   فلا بدّ من حمل العينين فيها على الاستغراق بقرينة صحيحة بريد المتقدّمة ، ويؤكّد ذلك أنّ المراد من الجوارح هو الاستغراق .

   فالنتيجة :  أنّ الأظهر ما ذكرناه .

   (1) وذلك لإطلاق صحيحة بريد المتقدّمة ، وعدم الدليل على تقييده .

   توضيح ذلك : أنّ محمّد بن يعقوب والشيخ رويا صحيحة أبي بصير كما ذكرناه ، ومقتضاها : أ نّه لا فرق في دية قطع لسان الأخرس بين كون الخرس أصليّاً وكونه عارضيّاً ، وقد صرّح بكلّ من الشقّين لأجل التوضيح ، وظاهر الوسائل أنّ الشيخ الصدوق أيضاً رواها كذلك ، ولكنّ الموجود في الفقيه هكذا «فقال : إن كان ولدته اُمّه وهو أخرس فعليه الدية» الحديث(2) .

   وعلى ذلك ، فيختصّ الحكم ـ بكون الدية الثلث ـ بما إذا كان الخرس عرضيّاً . وعليه ، يكون الحكم في العين أيضاً كذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 336 /  أبواب ديات الأعضاء ب 31 ح 2 ، الكافي 7 : 318 / 7 ، التهذيب 10 : 270 / 1063 .

(2) الفقيه 4 : 111 / 376 .

ــ[345]ــ

وكذلك الحال في قطع كلّ عضو مشلول ، فإنّ الدية فيه ثلث دية الصحيح(1).

   (مسألة 282) : لو قلع عين شخص وادّعى أ نّها كانت قائمة لا تبصر ، وادّعى المجنيّ عليه أ نّها كانت صحيحة ، ففيه قولان ، والأظهر أنّ القول قول المجنيّ عليه مع يمينه (2) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولكن هذا مع بعده في نفسه ـ فإنّ الخرس العرضي إن لم تزد ديته على دية الخرس الأصلي فلا موجب لنقصانها عنها ـ لا يمكن القول به ، استناداً إلى ما في الفقيه ، فإنّه لو صحّ يعارضه ما رواه محمّد بن يعقوب والشيخ ، فيبقى إطلاق صحيحة بريد بلا معارض .

   (1) بلا خلاف ظاهر، وتدلّ على ذلك صحيحة أبي بصير المتقدّمة ، بتقريب : أنّ قوله (عليه السلام) في الصحيحة : «وكذلك القضاء في العينين والجوارح» يدلّ على أنّ في قطع كلّ عضو مشلول ـ سواء كان عيناً أو يداً أو رجلاً أو غير ذلك ـ ثلث دية ذلك العضو .

   وتؤيّد ذلك رواية الحكم بن عتيبة ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أصابع اليدين وأصابع الرجلين ، أرأيت ما زاد فيهما على عشرة أصابع أو نقص من عشرة فيها دية ؟ قال : فقال لي : ـ إلى أن قال : ـ «وكلّما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح»(1) .

   (2) خلافاً لجماعة ، بل لعلّه المشهور بين الأصحاب ، منهم: المحقّق في الشرائع(2)، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ القول قول الجاني ، وذلك لأصالة البراءة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 345 /  أبواب ديات الأعضاء ب 39 ح 1 .

(2) الشرائع 4 : 283 .

ــ[346]ــ

وكذلك الحال فيما إذا كان الاختلاف بينهما في سائر الأعضاء من هذه الناحية (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــ

   ولكنّ الصحيح ما ذكرناه ، والوجه في ذلك : هو أنّ أصل البراءة محكوم بأصالة الصحّة الثابتة ببناء العقلاء، ومن هنا قالوا في باب الخيارات: إنّ المشتري لو ادّعى العيب في المبيع فعليه الإثبات ، فإن أثبت فهو ، وإلاّ فالقول قول البائع .

   هذا ، ويمكن أن يقال بجريان أصالة عدم كونها عوراء ، بناءً على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي كما هو الصحيح ، ببيان : أنّ مقتضى الإطلاقات هو أنّ في قلع العين الدية والخارج عنها بدليل هو العين العوراء، فإذا شكّ في اتّصاف العين بهذا الوصف استصحب عدمه، وبضمّه إلى الوجدان يثبت الموضوع لتمام الدية وهو العين التي لم تكن عوراء . ولا يعارضه استصحاب عدم اتّصافها بالإبصار ، لأ نّه لا يثبت العمى وبدونه لا أثر له .

   فالنتيجة :  أ نّه لا معارض لاستصحاب عدم العور وهو حاكم على أصالة البراءة .

   هذا كلّه فيما إذا لم تكن للصحّة حالة سابقة ، وإلاّ فلا إشكال في استصحابها .

   وأمّا لزوم اليمين عليه : فلما دلّ من أنّ اليمين على من ادّعي عليه .

   (1) يظهر وجهه ممّا تقدّم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net