كون الوضع في الحروف عاماً والموضوع له خاصاً \ الانشاء والاخبار 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5034


ــ[91]ــ

وأمّا الكلام في المقام الثاني :

وهو أنّ الموضوع له في الحروف عام أو خاص ، فيتضح ممّا بيّنّاه في المقام الأوّل ، فان نتيجة ذلك أنّ الموضوع له فيها خاص والوضع عام .
أمّا في الطائفة الاُولى، فلأ نّها لم توضع بازاء مفاهيم التضييقات والتحصصات ، لأ نّها من المفاهيم الاسمية الاستقلالية في عالم مفهوميتها ، بل لواقعها وحقيقتها ـ اي ما هو بالحمل الشائع تضييق وتحصص ـ ومفاهيمها ليست بهذا الحمل تضييقاً وإن كان كذلك بالحمل الأوّلي الذاتي. نعم ، لا بدّ من أخذ تلك المفاهيم بعنوان المعرّف والآلة للحاظ أفرادها ومصاديقها إجمالاً حتى يمكن الوضع بازائها .

وبتعبير آخر : أ نّه كما لا يمكن أن يكون وضعها خاصاً كالموضوع له ، لما تقدم (1) من أنّ حصص المعنى الواحد غير متناهية فضلاً عن المعاني الكثيرة ، فلا يمكن تصور كل واحد منها على وجه التفصيل ، كذلك لا يمكن أن يكون الموضوع لها عاماً كالوضع ، فانّه لا يعقل ذلك إلاّ أن توضع لمفاهيم الحصص والتضييقات ، والمفروض أ نّها من المفاهيم الاسمية وليست من المعاني الحرفية في شيء ، ولا جامع مقولي بين أفراد التضـييق وأنحائه لتوضع بازائه ، فلا بدّ حينئذ من أن نلتزم بكون الموضوع له فيها خاصاً والوضع عاماً ، بأن نقول : إن كل واحد من هذه الحروف موضوع لسنخ خاص من التضييق في عالم المعنى ، فكلمة (في) لسنخ من التضييق ، وهو سنخ التضييق الأيني ، وكلمة (على) لسنخ آخر منه ، وهو سنخ التضييق الاستعلائي ، وكلمة (من) لسنخ ثالث منه وهو سنخ التضييق الابتدائي ، وهكذا سائر هذه الحروف .
ومن هنا يظهر أنّ الموضوع له في الهيئات الناقصة كهيئات المشتقات وهيئة

ـــــــــــــــــــــ
(1) في ص 84 .

ــ[92]ــ

الإضافة والتوصيف أيضاً من هذا القبيل ـ يعني أنّ الوضع فيها عام والموضوع له خاص ـ لما عرفت من عدم الفرق بينها وبين هذا القسم من الحروف أصلاً .

وأمّا القسم الثاني منها فأيضاً كذلك ، ضرورة أنّ الحـروف في هـذا القسم لم توضع لمفهوم التمني والترجي والتشـبيه ونحوه ، لأ نّها من المفاهيم الاسمية الاستقلالية .

على أنّ لازمه أن تكون كلمة لعل مرادفاً للفظ الترجي ، وكلمة ليت مرادفاً للفظ التمني وهكذا ، وهو باطل يقيناً ، كما أ نّها لم توضع بازاء مفهوم إبراز هذه المعاني ، فانّه أيضاً من المفاهيم الاسمية ، بل وضعت لما هو بالحمل الشائع إبراز للتمني والترجي والاستفهام ونحو ذلك ، ولا جامع ذاتي بين مصاديق الابراز وأفراده ليكون موضوعاً بازاء ذلك الجامع ، ولأجل ذلك في هذا القسم أيضاً يكون الموضوع له خاصاً والوضع عاماً ، بمعنى أنّ الواضع تصور مفهوماً عاماً كابراز التمني مثلاً فوضع كلمة ليت بازاء أفراده ومصاديقه ، وتعهد بأ نّه متى ما قصد تفهيم التمني يتكلم بكلمة ليت وهكذا . هذا تمام الكلام في تحقيق المعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية وما يشبهها .


الإنشاء والإخبار

قال المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) بعد ما اختار أنّ المعنى الحرفي والاسمي متحدان بالذات والحقيقة ومختلفان باللحاظ الآلي والاستقلالي : لايبعد أن يكون الاختلاف بين الانشاء والخبر أيضاً من هذا القبيل ، بمعنى أنّ طبيعي المعنى الموضـوع له واحد فيهما والاختلاف بينهما إنّما هو في الداعي ، فانّه في

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 12 .

ــ[93]ــ

الانشاء قصد إيجاد المعنى ، وفي الخبر قصد الحكاية عنه ، وكلاهما خارجان عن حريم المعنى .

توضيح ذلك : أنّ الصيغ المشتركة كصيغة : بعت وملكت وقبلت ونحوها ، تستعمل في معنى واحد مادة وهيئة في مقام الإخبار والإنشاء .
أمّا بحسب المادة فظاهر ، لأن معناها الطبيعي اللاّ بشرط وهي تستعمل في ذلك الطبيعي دائماً ، سواء كانت الهيئة الطارئة عليها تستعمل في مقام الاخبار أو الانشاء .

وأمّا بحسب الهيئة ، فلأ نّها تستعمل في نسبة إيجاد المادة إلى المتكلم في كلا المقامين ، غاية الأمر أنّ الداعي في مقام الانشاء إنّما هو إيجادها في الخارج وفي مقام الاخبار الحكاية عنها ، فالاختلاف بينهما في الداعي لا في المستعمل فيه .

وإن شئت قلت : إنّ العلقة الوضـعية في أحدهما غير العلقة الوضعية في الثاني ، فإنّها في الجمل الانشائية تختص بما إذا قصد المتكلم إيجاد المعنى في الخارج ، وفي الجمل الخبرية تختص بما إذا قصد الحكاية عنه (1) .

ـــــــــــــــــــــ
(1) وقد أورد عليه بعض الأعاظم (قدس سره) على ما نسب إليه بعض مقرري بحثه : من أنّ لازم تقوّم الانشاء بقصد الإيجاد وتقوّم الخبر بقصد الحكاية ، أن يكون الكلام الصادر من المتكلم إذا لم يقصد به أحد الأمرين لا إنشاء ولا خبراً . وهذا فاسد لانحصار الكلام الذي يصحّ السكوت عليه فيهما وإن لم يكن قاصداً لأحدهما ، هذا أوّلاً .
وثانياً : لزوم تعلّق القصد بالقصد في مقام الإنشاء والإخبار ، لأ نّهما فعلان اختياريان محتاجان إلى القصد ، والمفروض أنّ هنا قصداً سابقاً عليه مقوّماً لهما فيلزم =

ــ[94]ــ

أقول : ما ذكره (قدس سره) مبني على ما هو المشهور بينهم بل المتسالم عليه ، من أنّ الجمل الخبرية موضوعة لثبوت النسبة في الخارج أو عدم ثبوتها فيه ، فان طابقت النسبة الكلامية النسبة الخارجية فصادقة وإلاّ فكاذبة ، وأنّ الجمل الانشائية موضوعة لايجاد المعنى في الخارج الذي يعبّر عنه بالوجود الانشائي ، كما صرّح (قدس سره) به في عدّة من الموارد (1) وقال : إنّ الوجود الانشائي نحو من الوجود ، ولذا لا تتصف بالصدق أو بالكذب ، فانّه على هذا لا مانع من أن يكون المعنى واحداً في كلتا الجملتين ، وكان الاختلاف بينهما من ناحية الداعي إلى الاستعمال .

أقول : يقع الكلام هنا في مقامين :

المقام الأوّل : في الجملة الخبرية .

والمقام الثاني : في الجملة الانشائية .

أمّا الكلام في المقام الأوّل : فالصحيح هو أنّ الجملة الخبرية موضوعة

ـــــــــــــــــــــ
= تعلّقه به ، وهذا خلاف الوجدان والبرهان . [ نهاية الأفكار 1 : 57 ] .
ولكن لا يمكن المساعدة عليه ، فلأن ما ذكره أوّلاً يرد عليه : أنّ الكلام المفيد الذي يصحّ السكوت عليه لا ينفك عن قصد الحكاية أو الإنشاء كما هو ظاهر .
ويرد على ما ذكره ثانياً : أ نّه مبني على أخذ الإرادة في المعنى الموضوع له والمستعمل فيه ، ولكن الأمر ليس كذلك ، فانّ المعنى الموضوع له على ما هو عليه من الإطلاق والسعة من دون تقييده بقصد الحكاية والإيجاد ، بل هي مأخوذة في العلقة الوضعية بمعنى أ نّها تقيدت في الإنشاء بقصد الإيجاد في مقام الاستعمال ، وبقصد الحكاية في الاخبار .
(1) منها ما في الكفاية : 66 .

ــ[95]ــ

للدلالة على قصد الحكاية والاخبار عن الثبوت أو النفي في الواقع ، ولم توضع للدلالة على ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها عنه ، وذلك لسببين :

السبب الأوّل : أ نّها لا تدل على ثبوت النسبة خارجاً أو على عدم ثبوتها ولو ظنّاً مع قطع النظر عن حال المخبر وعن القرائن الخارجية ، مع أنّ دلالة اللفظ لا تنفك عن مدلوله الوضعي بقانون الوضع ، وإلاّ لم يبق للوضع فائدة ، فإذا فرضنا أنّ الجملة بما هي لا تدل على تحقق النسبة في الواقع ولا كاشفية لها عنه أصلاً حتّى ظناً ، فما معنى كون الهيئة موضوعة لها ، بل يصبح ذلك لغواً فلا يصدر من الواضع الحكيم . نعم ، إنّها وإن كانت عند الإطلاق توجب تصور الثبوت أو النفي في الواقع ، إلاّ أ نّه ليس مدلولاً للهيئة ، فانّ التصور لا يكون مدلولاً للجملة التصديقية بالضرورة . وعلى الجملة : أنّ قانون الوضع والتعهد يقتضي عدم تخلف اللفظ عن الدلالة على معناه الموضوع له في نفسه ، فلو كانت الجملة الخبرية موضوعة للدلالة على النسبة الخارجية لدلّت عليها لا محالة .

السبب الثاني : أنّ الوضع على ما سـلكناه عبارة عن التعهّد والالـتزام النفساني ، ومقتضاه تعهد كل متكلم من أهل أيّ لغة أ نّه متى ما قصد تفهيم معنى خاص أن يتكلم بلفظ مخصوص ، فاللفظ مفهم له ودال على أنّ المتكلم أراد تفهيمه بقانون الوضع ، ومن الواضح أنّ التعهد والالتزام لا يتعلقان إلاّ بالفعل الاختياري ، إذ لا معنى للتعهد بالاضافة إلى أمر غير اختياري ، وبما أنّ ثبوت النسبة أو نفيها في الواقع خارج عن الاختيار فلا يعقل تعلّق الالتزام والتعهّد به ، فالذي يمكن أن يتعلق الالتزام به هو إبراز قصد الحكاية في الاخبار وإبراز أمر نفساني غير قصد الحكاية في الانشاء، لأ نّهما أمران اختياريان داعيان إلى التكلم باللفظ في الجملة الخبرية والانشائية .

إذا عرفت ذلك فنقول : على ضوء هذا البيان قد أصبحت النتيجة أنّ الجملة

ــ[96]ــ

الخبرية لم توضع للدلالة على ثبوت النسبة في الخارج أو نفيها عنه ، بل وضعت لابراز قصد الحكاية والاخبار عن الواقع ونفس الأمر .

وتوضيح ذلك على وجه أبسط : هو أنّ الانسان لمّا كان محتاجاً في تنظيم حياته المادية والمعنوية إلى آلات بها يبرز مقاصده وأغراضه ، والإشارة ونحوها لا تفي بجميع موارد الحاجة في المحسوسات فضلاً عن المعقولات ، فلا مناص من التعهد والمواضعة بجعل ألفاظ خاصة مبرزة لها في موارد الحاجة ، ودالّة على أنّ الداعي إلى إيجاد تلك الألفاظ إرادة تفهيمها .

وعليه ، فالجملة الخبرية بمقتضى تعهد الواضع بأ نّه متى ما قصد الحكاية عن الثبوت أو النفي في الواقع أن يتكلم بها ، تدل على أنّ الداعي إلى إيجادها ذلك ، فتكون بنفسها مصداقاً للحكاية ، وهذه الدلالة لا تنفك عنها حتّى فيما إذا لم يكن المتكلم في مقام التفهيم والافادة في مقام الثبوت والواقع إذا لم ينصب قرينة على الخلاف في مقام الاثبات ، غاية ما في الباب أنّ تكلمه حينئذ يكون على خلاف مقتضى تعهده والتزامه ، وأمّا الدلالة فهي موجودة لا محالة ويكون كلام المتكلم حجّة عليه ببناء العقلاء من جهة التزامه وتعهده .

نعم ، تنتفي هذه الدلالة فيما إذا نصب قرينة على الخلاف ، كما إذا نصب قرينة على أ نّه في مقام الإرشاد أو السخرية أو الاستهزاء أو الهزل ، أو في مقام تعداد الجمل وذكرها من باب المثال ، فانّ الجملة حينئذ لا تدل على قصد الحكاية عن الواقع ، بل تدل على أنّ الداعي إلى إيجادها أمر آخر غير قصد الحكاية .

ويترتب على ما ذكرناه : أنّ الجملة الخبرية من جهة الدلالة الوضعية لا تتصف بالصدق أو الكذب ، فانّها ثابتة على كلا تقديري الصدق والكذب ، فقولنا : زيد عادل ، يدل على أنّ المتكلم في مقام قصد الحكاية عن ثبوت العدالة لزيد ، أمّا أ نّه مطابق للواقع أو غير مطابق فهو أجنبي عن دلالته على

ــ[97]ــ

ذلك بالكلية .

ومن هنا يظهر أ نّه لا فرق بينها وبين الجمل الانشائية في الدلالة الوضعية ، فكما أنّ الجملة الإنشائية لا تتصف بالصدق أو الكذب ، بل إنّها مبرزة لأمر من الاُمور النفسانية ، فكذلك الجملة الخبرية فانّها مبرزة لقصد الحكاية عن الواقع نفياً أو إثباتاً ، حتى فيما إذا علم المخاطب كذب المتكلم في إخباره ، فالجملة الانشائية والإخبارية تشتركان في أصل الإبراز والدلالة على أمر نفساني ، وإنّما الفرق بينهما فيما يتعلق به الابراز، فانّه في الجملة الانشائية أمر نفساني لا تعلق له بالخارج ، ولذا لا يتصف بالصدق أو الكذب ، بل يتصف بالوجود أو العدم ، وفي الجملة الخبرية أمر متعلق بالخارج فان طابقه فصادق وإلاّ فكاذب .

ومن هنا يتّضح أنّ المتصف بالصدق والكذب إنّما هو مدلول الجملة لا نفسها ، واتصاف الجملة بهما إنّما هو بتبع مدلولها وبالعرض والمجاز ، ولذا لو أمكن فرضاً الحـكاية عن شيء بلا دال عليها في الخارج لكانت الحكاية بنفسها متصفة بالصدق أو الكذب لا محالة .
وممّا ذكرنا ظهر أ نّه لا فرق في إبراز الحكاية بين اللفظ وغيره من الاشارة أو الكتابة أو نحوهما ، فان كل ذلك بالإضافة إلى إبراز الحكاية في الخارج على نسق واحد ، كما أ نّه لا فرق في ذلك بين الجملة الاسمية والفعلية .

ثمّ ليعلم أنّ مرادنا من الخارج هو واقع نفس الأمر المقابل للفرض والتقدير أعم من الخارج والذهن ، بل كل وعاء مناسب لثبوت النسبة وعدمها ، فان موارد استعمالات الجملة الخبرية كما عرفت لا تنحصر بالجواهر والأعراض ، بل تعم الواجب والممكن والممتنع والاُمور الاعتبارية على نحو واحد ، هذا تمام الكلام في تحقيق معنى الجملة الخبرية .

وأمّا الكلام في المقام الثاني : فالصحيح هو أنّ الجملة الإنشائية موضوعة

ــ[98]ــ

لابراز أمر نفساني غير قصد الحكاية ولم توضع لايجاد المعنى في الخارج ، والوجه في ذلك : هو أ نّهم لو أرادوا بالإيجاد الإيجاد التكويني كايجاد الجوهر والعرض فبطلانه من الضروريات التي لا تقبل النزاع ، بداهة أنّ الموجودات الخارجية بشتى أشكالها وأنواعها ، ليست ممّا توجد بالإنشاء ، كيف والألفاظ ليست واقعة في سلسلة عللها وأسبابها كي توجد بها .

وإن أرادوا به الإيجاد الاعتباري كايجاد الوجوب والحرمة أو الملكية والزوجية وغير ذلك ، فيردّه : أ نّه يكفي في ذلك نفس الاعتبار النفساني من دون حاجة إلى اللفظ والتكلّم به ، ضرورة أنّ اللفظ في الجملة الإنشـائية لا يكون علّة لإيجاد الأمر الاعتباري ، ولا واقعاً في سلسلة علته، فانّه يتحقق بالاعتبار النفساني ، سواء كان هناك لفظ يتلفظ به أم لم يكن .

نعم ، اللفظ مبرز له في الخارج لا أ نّه موجد له ، فوجوده بيد المعتبر وضعاً ورفعاً ، فله أن يعتبر الوجوب على ذمة أحد وله أن لا يعتبر ، وله أن يعتبر ملكية مال لشخص وله أن لا يعتبر ذلك ، وهكذا .

وأمّا الاعتبارات الشرعية أو العقلائية فهي وإن كانت مترتبة على الجمل الانشائية ، إلاّ أنّ ذلك الترتب إنّما هو فيما إذا قصد المنشئ معاني هذه الجمل بها لا مطلقاً ، والمفروض في المقام أنّ الكلام في تحقيق معانيها ، وفيما يترتب عليه تلك الاعتبارات .

وبتعبير آخر : أنّ الجمل الإنشائية وإن كانت ممّا يتوقف عليها فعليّة تلك الاعتبارات وتحققها خارجاً ، ولكن لا بما أ نّها ألفاظ مخصوصة ، بل من جهة أ نّها استعملت في معانيها .

على أنّ في كل مورد من موارد الانشاء ليس فيه اعتبار من العقلاء أو من الشرع ، فان في موارد انشاء التمني والترجي والاستفهام ونحوها ليس أيّ

ــ[99]ــ

اعتبار من الاعتبارات لا من الشارع ولا من العقـلاء ، حتّى يتوصل بها إلى ترتبه في الخارج .

إذا عرفت ذلك فنقول : قد ظهر ممّا قدّمناه أنّ الجملة الإنشائية ـ بناءً على ما بيّناه من أنّ الوضع عبارة عن التعهد والالتزام النفساني ـ موضوعة لابراز أمر نفساني خاص ، فكل متكلم متعهد بأ نّه متى ما قصد إبراز ذلك يتكلم بالجملة الإنشائية ، مثلاً إذا قصد إبراز اعتبار الملكية يتكلم بصيغة بعت أو ملكت ، وإذا قصد إبراز اعتبار الزوجية يبرزه بقوله : زوّجت أو أنكحت ، وإذا قصد إبراز اعتبار كون المادة على عهدة المخاطب يتكلم بصـيغة إفعل ونحوها ، وهكذا .

ومن هنا قلنا إنّه لا فرق بينها وبين الجملة الخبرية في الدلالة الوضعية والابراز الخارجي، فكما أ نّها مبرزة لاعتبار من الاعتبارات كالملكية والزوجية ونحوهما ، فكذلك تلك مبرزة لقصد الحكاية والاخبار عن الواقع ونفس الأمر .

فتحصّل ممّا ذكرناه : أ نّه لا وجه لما ذكره المحقق صاحب الكـفاية (قدس سره) من أنّ طبيعي المعنى في الإنشاء والاخبار واحد ، وإنّما الاختلاف بينهما من ناحية الداعي إلى الاستعمال ، فانّك عرفت اختلاف المعنى فيهما ، فانّه في الجملة الخبرية شيء وفي الجملة الانشائية شيء آخر .

وممّا يؤكّد ما ذكرناه : أ نّه لو كان معنى الانشاء والاخبار واحداً بالذات والحقيقة، وكان الاختلاف بينهما من ناحية الداعي ، كان اللازم أن يصح استعمال الجملة الاسمية في مقام الطلب كما يصح استعمال الجملة الفعلية فيه ، بأن يقال : المتكلم في الصلاة معيد صلاته ، كما يقال إنّه يعيد صلاته أو إنّه إذا تكلم في صلاته أعاد صلاته، مع أ نّه من أفحش الأغلاط، ضرورة وضوح غلطية استعمال زيد قائم في مقام طلب القيام منه ، فانّه ممّا لم يعهد في أيّ لغة من اللغات .

ــ[100]ــ

نعم ، يصح إنشاء المادة بالجملة الاسمية ، كما في جملة أنت حر في وجه الله أو هند طالق ، ونحو ذلك .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net