إجزاء المأمور به الاضطراري عن المأمور به الاختياري \ 1 ـ زوال العذر في الوقت 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5635


ــ[41]ــ

[ إجزاء المأمور به الاضطراري ]

وأمّا الكلام في المسألة الثانية : وهي أنّ الاتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري هل هو مجز عن الواقع أم لا ، فيقع في مقامين : الأوّل : فيما إذا ارتفع العذر في الوقت . الثاني : فيما إذا ارتفع في خارج الوقت .
أمّا الكلام في المقام الأوّل : فليعلم أنّ محل النزاع في الإجزاء وعدمه في هذا المقام إنّما هو فيما إذا كان المأتي به في أوّل الوقت مأموراً به بالأمر الواقعي الاضطراري ، وذلك كما إذا كان الموضوع للأمر الاضطراري وجود العذر وإن كان غير المستوعب لتمام الوقت ، ففي مثله يقع الكلام في أنّ الاتيان به هل هو مجز عن الواقع أو أ نّه غير مجز . وأمّا إذا كان الموضوع له العذر المستوعب لتمام الوقت فلا مجال للنزاع هنا أصلاً ، وذلك لعدم الأمر حينئذ واقعاً ليقال إنّ امتثاله مجز عن الواقع أم لا ، وذلك كما لو اعتقد المكلف استيعاب العذر في تمام الوقت فصلّى في أوّل الوقت ثمّ انكشف الخلاف وظهر أنّ العذر لم يكن مستوعباً ، ففي مثل ذلك لا أمر واقعاً ولا ظاهراً ليقال إنّ امتثاله مجز عن الواقع أو لا . وأمّا إذا قامت الحجة على الاستيعاب وصلّى في أوّل الوقت ثمّ انكشف الخلاف فهـو داخل في المسألة الثالثة وهي إجزاء الاتـيان بالمأمور به بالأمر الظاهري عن الواقع وعدم إجزائه عنه وخارج عن مسألتنا هذه .
وإن شئت فقل : إنّ محل البحث في هذه المسألة هو ما إذا كان الموضوع للأمر الواقعي الاضطراري وجود العذر في زمان الاتيان بالواجب ، لا العذر المستوعب لجميع الوقت ، وإلاّ فلا يجوز البدار حقيقة ، فان جوازه حينئذ

ــ[42]ــ

مستند إلى أحد أمرين : إمّا إلى القطع باستيعاب العذر ، أو إلى قيام أمارة كالبينة أو نحوها على الاستيعاب ، ومع انكشاف الخلاف في هاتين الصورتين ينكشف أ نّه لا أمر اضطراري واقعاً ليقع البحث في إجزائه عن الواقع وعدمه ، نعم في الصورة الثانية الأمر الظاهري موجود ومن هنا قلنا بدخول هذه الصورة في المسألة الآتية ، هذا من ناحية .
ومن ناحية اُخرى : أنّ محل الكلام في إجزاء الاتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن الواقع وعدمه فيما إذا كان الأمر الاضطراري ناشئاً عن مصلحة الواقع ، وأمّا إذا كان ناشئاً عن مصلحة اُخرى أجنبية عن مصلحة الواقع فهو خارج عن محل الكلام ، وذلك كالأمر في موارد التقية حيث إنّه نشأ من المصلحة الكامنة في نفس الاتقاء وهو حفظ النفس أو العرض أو المال ، ومن الطبيعي أنّ تلك المصلحة أجنبية عن مصلحة الواقع ، وعليه فلا مقتضي للإجزاء فيها من هذه الناحية ، نعم قد قلنا بالإجزاء في تلك الموارد من ناحية اُخرى وهي وجود دليل خاص على ذلك كما ذكرناه في محلّه .
وبعد ذلك نقول : قد ذكر المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) ما هذا لفظه : تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه تارة في بيان ما يمكن أن يقع عليه الأمر الاضطراري من الأنحاء، وبيان ما هو قضية كل منها من الإجزاء وعدمه ، واُخرى في تعيين ما وقع عليه . فاعلم أ نّه يمكن أن يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار كالتكليف الاختياري في حال الاختيار وافياً بتمام المصلحة وكافياً فيما هو المهم والغرض . ويمكن أن لا يكون وافياً به كذلك ، بل يبقى منه شيء أمكن استيفاؤه أو لا يمكن ، وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه أو يكون بمقدار يستحب . ولا يخفى أ نّه إن كان وافياً به يجزي ، فلا يبقى مجال أصلاً للتدارك لا قضاءً ولا إعادةً ، وكذا لو لم يكن وافياً ولكن لا يمكن تداركه ، ولا

ــ[43]ــ

يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة إلاّ لمصلحة كانت فيه ، لما فيه من نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة لولا مراعاة ما هو فيه من الأهم فافهم .
لا يقال : عليه فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار ، لامكان استيفاء الغرض بالقضاء. فانّه يقال: هذا كذلك لولا المزاحمة بمصلحة الوقت. وأمّا تسويغ البدار أو إيجاب الانتظار في الصورة الاُولى فيدور مدار كون العمل بمجرّد الاضطرار مطلقاً ، أو بشرط الانتظار ، أو مع اليأس عن طروء الاختيار ذا مصلحة ووافياً بالغرض . وإن لم يكن وافياً وقد أمكن تدارك الباقي في الوقت ، أو مطلقاً ولو بالقضاء خارج الوقت ، فان كان الباقي ممّا يجب تداركه فلا يجزي، بل لا بدّ من إيجاب الاعادة أو القضاء وإلاّ فيجزي . ولا مانع عن البدار في الصورتين ، غاية الأمر يتخير في الصورة الاُولى بين البدار والاتيان بعملين : العمل الاضطراري في هذا الحال ، والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار ، أو الانتظار والاقتصار باتيان ما هو تكليف المختار . وفي الصورة الثانية يجزي البدار ، ويستحب الاعادة بعد طروء الاختيار . هذا كلّه فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراري من الأنحاء (1) .
ملخص ما أفاده (قدس سره) بحسب مقام الثبوت أربع صور :
الاُولى : أن يكون المأمور به بالأمر الاضطراري الواقعي مشتملاً على تمام مصلحة الواقع .
الثانية : أن يكون مشتملاً على بعضها مع عدم إمكان استيفاء الباقي .
الثالثة : هذه الصورة مع إمكان تدارك الباقي ولكنه ليس بحد يلزم استيفاؤه .
الرابعة : أن يكون الباقي واجب الاستيفاء والتدارك .

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 84 .

ــ[44]ــ

ولنأخذ بالنظر إلى هذه الصور :
أمّا الصورة الاُولى : فلا إشكال في الإجزاء عن الواقع وجواز البدار حقيقة وواقعاً ، لعدم الفرق حينئذ بين الفرد الاضطراري والفرد الاختياري في الوفاء بالملاك والغرض أصلاً .
وأمّا الصورة الثانية : فالصحيح فيها هو القول بالإجزاء، وذلك لعدم إمكان تدارك الباقي من مصلحة الواقع . نعم ، لا يجوز البدار حينئذ ، ولكن لا بدّ من فرض ذلك فيما إذا كان الملاك في المأمور به بالأمر الاضطراري ، وأمّا إذا كان في أمر آخر فهو خارج عن مفروض الكلام ، كما أنّ جواز البدار واقعاً أو عدم جوازه كذلك إنّما هو بالاضافة إلى وفاء المأمور به الاضطراري بملاك الواقع أو عدم وفائه . وأمّا افتراض جوازه بملاك آخر أجنبي عن ملاك الواقع فهو فرض لا صلة له بمحل الكلام . ومن ذلك يظهر أنّ ما فرضه (قدس سره) من وجود مصلحة في نفس البدار ولأجل تلك المصلحة جاز ، في غير محلّه .
وأمّا الصورة الثالثة : فأيضاً لا مناص من القـول بالإجزاء فيها ، وذلك لعدم كون الباقي من الملاك ملزماً ليجب تداركه . هذا كلّه ممّا لا كلام ولا إشكال فيه ، وإنّما الكلام والاشكال في :
الصورة الرابعة : فقد ذكر (قدس سره) أنّ المكلف مخيّر فيها بين البدار في أوّل الوقت والاتيان بعمـلين : العمل الاضطراري في هذا الحال يعني حال الاضطرار ، والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار ، وبين الانتظار والاقتصار باتيان ما هو تكليف المختار .
وغير خفي أنّ ما أفاده (قدس سره) من التخيير في هذه الصورة غير معقول ، وذلك لأ نّه من التخيير بين الأقل والأكثر الاستقلاليين ، وقد حققنا في

ــ[45]ــ

محلّه (1) أنّ التخيير بينهما مستحيل إلاّ إذا رجع إلى التخيير بين المتباينين وتفصيل ذلك هو أنّ مردّ جواز البدار واقعاً إلى أنّ الفرد المضطر إليه مأمور به بالأمر الاضطراري الواقعي حقيقة وواف بتمام مصلحة الواقع ، وإلاّ فلا يجوز البدار كذلك قطعاً . ومردّ التخيير المزبور إلى عدم كون الفرد المضطر إليه مأموراً به كذلك وعدم كونه وافياً بتمام المصلحة ، وذلك لأنّ الشارع إذا لم يكتف بالعمل الناقص في أوّل الوقت وأوجب على المكلف الاتيان بالعمل التام الاخـتياري بعد رفع الاضطرار والعذر ، سواء أكان المكلف آتياً بالعمل الاضطراري الناقص في أوّل الوقت أم لم يأت به ، فبطبيعة الحال لا معنى لايجابه العمل الاضطراري الناقص وإلزام المكلف باتيانه ولو على نحو التخيير ، فانّه بلا ملاك يقتضيه .
وبكلمة اُخرى : أنّ الصورة الاُولى والثانية والثالثة في كلامه (قدس سره) وإن كانت من الصور المعقولة بحسب مقام الثبوت ، إلاّ أنّ الصورة الأخيرة وهي الصورة الرابعة غير معقولة ، إذ بعد فرض أنّ الشارع لم يرفع اليد عن الواقع وأوجب على المكلف الاتيان به على كل من تقديري الاتيان بالعمل الاضطراري الناقص في أوّل الوقت وعدم الاتيان به ، فعندئذ بطبيعة الحال لا معنى لايجابه الفرد الناقص ، حيث إنّه لا يترتّب على وجوبه أثر ، بل لازم ذلك وجوبه على تقدير المبادرة وعدمه على تقدير عدمها . وأيضاً لازم ذلك كونه مصداقاً للواجب على تقدير الاتيان به ، وعدم كونه كذلك على تقدير عدم الاتيان به ، والسر في كل ذلك ما ذكرناه من أنّ التخيير المذكور غير معقول .
فالنتيجة على ضوء ما بيّناه : أنّ الواجب هو الطبيعي الجامع بين المبدأ

ـــــــــــــــــــــ
(1) راجع المجلد الثالث من هذا الكتاب ص 229 .

ــ[46]ــ

والمنتهى ، والمفروض في المسألة هو تمكن المكلف من الاتيان بالطبيعي المزبور في وقته ، من جهة تمكّنه على إيجاد بعض أفراده في الخارج ، ومعه لا مقتضي لإيجاب الشارع الفرد الناقص الذي لا يفي بملاك الواقع .
وإن شئت قلت : إنّ المكلف إذا كان قادراً على الاتيان بالصلاة مع الطهارة المائية مثلاً في الوقت لم تصل النوبة إلى الصلاة مع الطهارة الترابية ، لفرض أنّ الأمر الاضطراري في طول الأمر الاختياري ، ومع تمكن المكلف من امتثال الأمر الاختياري لا موضوع للأمر الاضطراري ، ولازم ذلك عدم جواز البدار هنا واقعاً ، كما أنّ جوازه كذلك ملازم للإجزاء في الوقت وخارجه . فما أفاده (قدس سره) من الجمع بين جواز البدار واقعاً وعدم الإجزاء عن الواقع جمع بين المتناقضين ثبوتاً وهو مستحيل ، فإذن لا تصل النوبة إلى البحث عنه في مقام الإثبات .
ولو تنزّلنا عن ذلك وسلّمنا إمكان الجمع بينهما في مرحلة الثبوت ، يقع الكلام فيه عندئذ في مرحلة الاثبات والدلالة ، يعني هل لأدلّة الأمر الاضطراري إطلاق يتمسّك به في المقام أم لا ؟ ذهب المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) إلى أنّ لها إطلاقاً وإليك نص ما أفاده :
وأمّا ما وقع عليه فظاهر إطلاق دليله مثل قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) وقوله (عليه السلام) «التراب أحد الطهورين» و «يكفيك عشر سنين» هو الإجزاء وعدم وجوب الاعادة أو القضاء ، ولا بدّ في إيجاب الاتيان به ثانياً من دلالة دليل بالخصوص . وبالجملة فالمتّبع هو الاطلاق لو كان ، وإلاّ فالأصل ، وهو يقتضي البراءة من إيجاب الاعادة ، لكونه شكاً في أصل التكليف . وكذا عن إيجاب القضاء بطريق أولى . نعم ، لو دلّ دليله

ــ[47]ــ

على أنّ سببه فوت الواقع ولو لم يكن هو فريضة كان القضاء واجباً عليه لتحقق سببه وإن أتى بالفرض ، لكنّه مجرد الفرض (1) .
نتيجة ما أفاده (قدس سره) هي جواز البدار مع تمكن المكلف من الاتيان بالفعل الاختياري التام وعدم وجوب الاعادة عليه بعد ارتفاع العذر في أثناء الوقت ، وذلك من جهة إطلاق الدليل ، ومع عدمه أصالة البراءة عن وجوبها .
وقد اختار هذا القول في خصوص الطهارة الترابية جماعة منهم السيِّد الطباطبائي (قدس سره) في العروة (2) .
والصحيح في المقام أن يقال : إنّه لا إطلاق لأدلّة مشروعية التيمم بالقياس إلى من يتمكن من الاتيان بالعمل الاختياري في الوقت ، بداهة أنّ وجوب التيمم وظيفة المضطر ولا يكون مثله مضطراً ، لفرض تمكنه من الصلاة مع الطهارة المائية في الوقت ، ومجرد عدم تمكنه منها في جزء منه لا يوجب كونه مكلفاً بالتكليف الاضطراري ما لم يستوعب تمام الوقت .
وقد ذكرنا في بحث الفقه (3) أنّ موضوع وجوب التيمم هو عدم التمكن من استعمال الماء عقلاً أو شرعاً في مجموع الوقت بمقتضى الآية الكريمة وما شاكلها ، فلو افترضنا عدم استيعاب العذر لمجموع الوقت وارتفاعه في الأثناء لم يكن المكلف مأموراً بالتيمم ، لعدم تحقق موضوعه.
وبكلمة اُخرى : أنّ الواجب على المكلف هو طبيعي الصلاة مثلاً على نحو صرف الوجـود كما هو الحال في جميع التكاليف الايجابيـة ، وعليه فطروء

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 85 .
(2) العروة الوثقى 1 : 355 المسألة [ 1141 ] .
(3) شرح العروة 10 : 325 .

ــ[48]ــ

الاضطرار على فرد من ذلك الطبيعي لا يوجب ارتفاع الحكم منه ، وذلك لأنّ ما طرأ عليه الاضطرار ـ وهو الفرد ـ لا حكم له على الفرض ، وما هو متعلق الحكم ـ وهو الطبيعي الجامع ـ لم يطرأ عليه الاضطرار كما هو المفروض ، فإذن لا مقتضي لوجوب التيمم أصلاً . فالنتيجة : أنّ حال الأفراد الطولية كحال الأفراد العرضية من هذه الناحية ، فكما أنّ طروء الاضطرار إلى بعض الأفراد العرضية لا يوجب سقوط التكليف عن الطبيعي الجامع بينها ، فكذلك طروؤه على بعض الأفراد الطولية ، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً .
إلى هنا قد انتهينا إلى هذه النتيجة : أ نّه لا إطلاق لأدلّة الأمر الاضطراري في محل الكلام ، ومن ضوء هذا البيان يظهر أ نّه لا يجوز التمسّك بأصالة البراءة أيضاً ، وذلك لأنّ رفع الاضطرار في أثناء الوقت كما هو المفروض في المقام كاشف عن عدم تعلّق الأمر واقعاً بالفعل الاضطراري ، ليكون الاتيان به مجزئاً عن الواقع ، بل من الأوّل كان متعلقاً بالفعل الاختياري التام ، والمفروض عدم امتثاله ، فإذن لا نشك في وجوب الاتيان به لنتمسك بأصالة البراءة عنه .
وعلى الجملة : فما أتى به المكلف في الخارج من الفعل الاضطراري لا أمر به على الفرض ، وما كان متعلقاً للأمر لم يأت به ، فإذن كيف يشك في وجوب الاعادة . ومن ذلك تبيّن أ نّه لا يجوز البدار هنا واقعاً ، بداهة أنّ جوازه كذلك ملازم للإجزاء ، ومن الطبيعي أنّ الإجزاء لا يمكن إلاّ في فرض وجود الأمر بالفعل الاضطراري واقعاً .
نعم ، قد ثبت جواز البدار في بعض الموارد بدليل خاص مع فرض تمكن المكلف من الفعل الاختياري التام في الوقت .
منها : موارد التقية حيث يجوز البدار فيها واقعاً وإن علم المكلف بارتفاعها في أثناء الوقت وتمكنه من العمل بلا تقيّة ، فيجوز له الوضوء تقيّة مع تمكنه منه

ــ[49]ــ

بدونها في آخر الوقت أو في مكان آخر ، وهكذا . ومن هنا لا تجب الاعادة بعد ارتفاع العذر .
ومنها : ما إذا تيمم المكلف في آخر الوقت وصلّى به صلاتي الظهرين ثمّ دخل وقت المغرب وهو باق على تلك الطهارة ، جاز له أن يصلي به صلاتي المغرب والعشاء واقعاً ، وهكذا .
وقد تحصّل من ذلك : أنّ في كل مورد ثبت جواز البدار واقعاً بدليل خاص نلتزم فيه بالإجزاء ، وفي كل مورد لم يثبت جوازه بدليل كذلك فلا نقول به من جهة الأدلّة العامّة .
فالنتيجة في نهاية المطاف : هي أ نّه لا وجه للقول بالإجزاء في هذه المسألة أصلاً .
ولكن مع ذلك ذهب شـيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) إلى الإجزاء فيها ، بدعوى أنّ المكلف لا يخلو من أن يكون متمكناً من الطهارة المائية في تمام الوقت أو لا يكون كذلك، أو يكون متمكناً منها في بعضه دون بعضه الآخر فعلى الشقّين الأوّلين لا إشكال في التخيير العقلي بين الأفراد الطولية والعرضية. وعلى الأخير ، فبما أنّ ملاك التخيير هو تساوي الأفراد في الغرض فلا يحكم العقل فيه بالتخيير بين الاتيان بالفرد الناقص والاتيان بالفرد التام يقيناً ، ولكن إذا ثبت جواز البدار مع اليأس فيما إذا فرض ارتفاع العذر في الأثناء بعد الاتيان به والامتثال ، فلا يخلو من أن يكون جوازه حكماً ظاهرياً طريقياً أو حكماً واقعياً .

ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1 : 284 .

ــ[50]ــ

وعلى الأوّل : فيبتني القول بالإجزاء على القـول به في المسألة الآتية وهي إجزاء الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري عن الواقع بعد انكشاف الخلاف في الوقت ولا يكون له مساس بمسألتنا هذه .
وعلى الثاني : فلا مناص من الالتزام بالإجزاء، وذلك لقيام الضرورة والاجماع القطعي على عدم وجوب ست صلوات على المكلف في يوم واحد، وهو يكشف كشفاً قطعياً عن أنّ الفعل الناقص في حال الاضطرار ـ ولو مع فرض عدم استيعاب العذر لمجموع الوقت ـ واجد لتمام الملاك ، فيكون في هذا الحال في عرض الأفراد الواجدة واقعاً . وعلى هذا فلا مناص من القول بالإجزاء، ضرورة أنّ الاعادة بعد استيفاء الملاك بتمامه من الامتثال بعد الامتثال .
وفيه أوّلاً : ما عرفت من عدم الدليل على جواز البدار في مفروض المسألة إلاّ في بعض الموارد.
وثانياً : على تقدير تسليم ثبوته ، لا مناص من القول بالإجزاء ، لما عرفت من الملازمة بين جواز البدار واقعاً والإجزاء .
وثالثاً : على تقدير تسليم عدم الملازمة بينهما وأنّ الإجزاء يحتاج إلى دليل، إلاّ أنّ ما أفاده من الدليل على الإجزاء ـ وهو قيام الاجماع والضرورة ـ خاص بخصوص الصلاة ولا يعم غيرها من الواجبات ، ولا دليل آخر على الإجزاء فيها ، حيث قد عرفت أ نّه لا إطلاق لدليل الأمر بالفعل الاضطراري في أمثال الموارد التي يرتفع العذر في أثناء الوقت ليتمسك باطلاقه .
وأمّا الأصل العملي ، فالظاهر أ نّه لا مانع من التمسك بأصالة البراءة عن وجوب الاعادة في المقام ، والسبب في ذلك : هو أنّ جواز البدار في مفروض الكلام وإن لم يكن كاشفاً عن أنّ العمل الناقص واجد لتمام ملاك الواقع كشفاً

ــ[51]ــ

قطعياً ، إلاّ أنّ احتماله موجود ، ومن الطبيعي أنّ مع هذا الاحتمال لا يمكن إحراز تعلق الأمر بالعمل الاختياري التام من الأوّل ، وذلك لأنّ العمل الاضطراري الناقص إن كان واجداً لتمـام ملاكه فلا مقتضي للأمر به، وإلاّ فلا موجب لسقوطه ، وحيث إنّنا لا ندري بوفائه بملاكه وعدم وفائه به ، فبطبيعة الحال لا نحرز وجوبه وتعلق الأمر به ، ومن المعلوم أنّ مثل هذا مورد لأصالة البراءة .
وقد تحصّل من ذلك : أنّ نتيجة أصالة البراءة هي الإجزاء وعدم وجوب الاعادة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net