1 ـ اعتبار الشروط في المرجع بقاءً 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:التقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7675


 تنبيهات

    التنبيه الأول : أن الشرائط المعتبرة في المرجع للتقليد من الاجتهاد والأعلمية والايمان وغيرها هل تعتبر في حجية فتاواه حدوثاً فحسب ولا تعتبر فيها بحسب البقاء ، فلو تبدلت بعد تحققها إلى ما يضادها أو يناقضها لم يكن مانع من البقاء على تقليده كما هو الحال في شرطية الحياة لأنها إنما تعتبر في المجتهد حدوثاً ، ومن هنا لو مات جاز ، بل وجب البقاء على تقليده في بعض الصور ، أو أنها معتبرة حدوثاً وبقاءً بحيث لو تبدل علمه بالجهل أو عدالته بالفسق وهكذا ، لم يجز البقاء على تقليده ؟

   والوجه في هذا التردد أنّا نحتمل أن تكون الفتوى كالرواية ، فكما أن الراوي إذا كان عادلاً أو مورداً للوثوق حين روايته كفى ذلك في حجية رواياته ولا يضرها صيرورته فاسقاً أو مرتداً بعد ذلك ، نحتمل أن تكون حجية الفتوى أيضاً كذلك . وقد سبق أن تكلمنا على ذلك في بعض الشروط ولم نتكلم عليه في بعضها الآخر . وتفصيل الكلام في هذه المسألة يقع في جهات :

   الاُولى : فيما يقتضيه الأصل العملي في المسألة ، وأنه هل يقتضي اعتبار الشروط المذكورة بحسب الحدوث والبقاء أو يقتضي اعتبارها حدوثاً فقط ؟

   الثانية : فيما تقتضيه الأدلة الاجتهادية في نفسها .

   الثالثة : فيما تقتضيه الأدلة بلحاظ القرينة الخارجية .

   أما الجهة الاُولى : فقد يقال : إن مقتضى استصحاب الحجية الثابتة لفتوى المجتهد بحسب الحدوث ، جواز البقاء على تقليده بعد تبدل الشرائط المذكورة إلى ما يضادها أو يناقضها ، للقطع بحجيتها حال استجماعه الشرائط ، فإذا ارتفعت وزالت وشككنا في بقائها على حجيتها وعدمه استصحبنا بقاءها على حجيتها .

ــ[199]ــ

   وفيه : أن هذا الاستصحاب وإن كان جارياً في نفسه لتمامية أركانه ، لما تقدم من أ نّا نحتمل أن تكون الشرائط المذكورة مما يكفي حدوثه في اتصاف الفتوى بالحجية بقاءً كما هو الحال في شرطية الحياة ، فلنا في المقام يقين بالحجية سابقاً ونشك فيها بحسب البقاء فلا مانع من استصحابها بعد زوال الشرائط وارتفاعها وهذا يقتضي عدم اعتبار الشرائط بقاءً . إلاّ أ نّا لا نلتزم بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، ومعه لا  مناص من الحكم باعتبار الشرائط بحسب الحدوث والبقاء وذلك للشك في حجية الفتوى بعد زوال الشرائط ، والشك في الحجية يساوق القطع بعدمها ، إذ مع الشك فيها يقطع بعدم كون الفتوى معذّرة ولا منجّزة لتقوم الحجية بالوصول ، ومع عدم وصولها نقطع بعدمها .

   أما الجهة الثانية : فالانصاف أن الأدلة الاجتهادية المستدل بها على حجية فتوى الفقيه غير قاصرة الشمول لصورة زوال الشرائط وارتفاعها ، وذلك لاطلاقها كما تقدم في شرطية الحياة . فإن مقتضى إطلاق قوله عزّ من قائل : (فلولا نفر ... ) أن إنذار الفقيه بعد استجماعه الشرائط يتصف بالحجية سواء أكان باقياً على تلك الشرائط بعد الانذار أم لم يكن ، وكذا غيره من الأدلة اللفظية فلاحظ .

   وأما السيرة العقلائية فهي أيضاً كذلك ، لأنها جرت على رجوع الجاهل إلى العالم سواء في ذلك أن يكون العالم باقياً على علمه وخبرويته بعد الرجوع أم لم يكن ، مثلاً إذا راجعوا الطبيب وأخذوا منه العلاج والدواء وقد جن بعد ذلك لم يترددوا في جواز العمل على طبق معالجته ، ومعه لا بدّ من الحكم بأن الشرائط إنما تعتبر حدوثاً ولا تعتبر بحسب البقاء .

   نعم ، ادعى شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) الاجماع على أن الشرائط المذكورة كما أنها معتبرة بحسب الحدوث كذلك تعتبر في حجية الفتوى بقاءً (1) .

   وفيه : أنه إجماع منقول لا ينبغي الاعتماد عليه ، ولا سيما مع ذهاب جمع إلى عدم اعتبارها بحسب البقاء ، لوضوح أن مع مخالفة الجماعة لا يبقى أيّ مجال لدعوى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رسالة في الاجتهاد والتقليد : 68 .

ــ[200]ــ

الاجماع على الشرطية بقاءً .

   أما الجهة الثالثة : فالّذي ينبغي أن يقال : إن الشرائط المذكورة معتبرة في المقلّد حدوثاً وبقاءً ، وذلك لأنه مقتضى ما ارتكز في أذهان المتشرعة حسبما استكشفته من مذاق الشارع من عدم رضائه أن يكون المتصدي للزعامة الكبرى للمسلمين مَن به منقصة دينية أو دنيوية يعاب بها عليه وتسقطه عن أنظار العقلاء المراجعين إليه فلا يحتمل أن يرضى بكونه جاهلاً أو منحرفاً عن الشريعة الّتي يدعو الناس إلى سلوكها فضلاً عن أن يكون راضياً بكونه مجنوناً أو كافراً أو غير ذلك من الأوصاف الرذيلة . فلا وجه لمقايسة هذه الشرائط لشرطية الحياة ، لأن ضدها أعني الموت ليس بمنقصة دينية ولا دنيوية ، وإنما هو كمال للنفس وتجرد من هذه النشأة وانتقال إلى نشأة اُخرى أرقى من تلك النشأة بكثير ، ومن هنا اتصف به الأنبياء والأوصياء . وأين هذا من انقلاب العالم جاهلاً أو صيرورة العادل فاسقاً أو مرتداً ، لأن ذلك منقصة غير لائقة بالزعامة الدينية الكبرى كما مرّ .

   إذن فالأدلة الدالة على اعتبار تلك الشرائط حدوثاً هي الأدلة بنفسها على اعتبارها بقاءً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net