فسق تارك التعلم - عمومية محل النزاع لمقدمة الواجب المشروط 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4502


الثالثة : أنّ شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) نقل عن بعض الرسائل العملية لشيخنا العلاّمة الأنصاري (قدس سره) (2) أ نّه حكم فيه بفسق تارك تعلم مسائل الشك والسهو فيما يبتلي به عامة المكلفين ، وقد تعجب (قدس سره) من ذلك ونسب الاشتباه إلى من جمع فتاواه في الرسالة ، وعلّله بأحد اُمور :
الأوّل : أنّ هذا مبني على كون وجوب التعلم وجوباً نفسياً كما اختاره المحقق الأردبيلي (قدس سره) (3) وعليه فلا محالة يكون تاركه فاسقاً . وفيه : أ نّه خلاف مبناه (قدس سره) حيث إنّه لم يلتزم بالوجوب النفسي .
الثاني : أ نّه مبني على حرمة التجري ، وعليه فبطبيعة الحال يكون فاعله فاسقاً ويستحقّ العقاب ، وفيه : أ نّه أيضاً خلاف ما بنى (قدس سره) عليه من عدم حرمة التجري وأنّ قبحه فاعلي لا فعلي ، ومعه لا موجب لكون فاعله فاسقاً ومستحقاً للعقاب .
الثالث : أن يكون مستند ذلك الفرق بين مسائل الشك والسهو وبين غيرها من المسائل ، بدعوى أنّ العادة قد جرت على ابتلاء المكلفين بها لا محالة دون غيرها ، فلأجل ذلك يجب تعلمها ومعرفتها على كل أحد ، ومن الطبيعي أنّ

ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1 : 231 .
(2) صراط النجاة : 175 مسألة 682 .
(3) مجمع الفائدة والبرهان 2 : 110 .

ــ[208]ــ

مخالفة الواجب توجب الفسق . وفيه : أ نّه أبعد هذه الفروض ، لما عرفت من أنّ وجوب التعلم وجوب طريقي فلا توجب مخالفته العقاب ما لم تؤد إلى مخالفة الواقع .
والصحيح أن يقال : إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ تارك التعلم محكوم بالفسق يقوم على أساس أنّ التجري كاشف عن عدم وجود العدالة فيه ، حيث إنّها على مسلكه (قدس سره) عبارة عن وجود ملكة نفسانية تبعث صاحبها على ملازمة التقوى ، يعني الاتيان بالواجبات وترك المحرمات ، ومن الطبيعي أ نّها لا تجتمع مع التجري ـ وهو الاتيان بما يعتقد كونه مبغوضاً وترك ما يعتقد كونه واجباً ـ وهذا لا ينافي عدم استحقاقه العقاب ، فان ملاك الاستحقاق عنده ارتكاب المبغوض الواقعي أو ترك الواجب كذلك وهو غير موجود في التجري. فالنتيجة : أنّ المتجري فاسق وإن لم يستحقّ العقاب فلا ملازمة بين الأمرين . فما جاء به شيخنا العلاّمة الأنصاري (قدس سره) في غاية المتانة والصحة .
الرابعة : أنّ المقدمة التي يبحث عن وجوبها في المسألة لا يفرق فيها بين أن تكون مقدمة لواجب مشروط أو مطلق ، والسبب في ذلك : هو أ نّه بناءً على الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته لا يفرق الحال بين المطلق والمشروط ، غاية الأمر إذا كان الواجب مشروطاً فوجوب مقدمته كذلك ، فانّه في الاطلاق والاشتراط تابع لوجوب ذيها ، بداهة أنّ التفكيك بينهما في الاطلاق والاشتراط ينافي ما افترضناه من الملازمة بين وجوبيهما .
ومن هنا يظهر أ نّه لا وجه لما أفاده صاحب المعالم (قدس سره) (1) من تخصيص محلّ النزاع بمقدمات الواجب المطلق ، وكذا غيره ، ولعلّ مرادهم من

ـــــــــــــــــــــ
(1) معالم الدين : 60 .

ــ[209]ــ

الواجب المطلق هو الواجب بالوجوب الفعلي .
وممّا يدلنا على ذلك : أ نّه لم يكن في الشريعة المقدسة واجب مطلق من جميع الجهات ، بل الواجبات بشتى أنواعها وأشكالها واجبات مشروطة ولا أقل بالشرائط العامّة ، غاية الأمر بعضها مشروط بالاضافة إلى شيء ومطلق بالاضافة إلى آخر ، وبعضها الآخر بالعكس ، مثلاً وجوب الحج مشروط بالاضافة إلى الاستطاعة ومطلق بالاضافة إلى الزوال ، ووجوب الصلاة مثلاً مطلق بالاضافة إلى الاستطاعة ، ومشروط بالاضافة إلى الزوال ، ووجوب الزكاة مشروط بالاضافة إلى بلوغ المال حدّ النصاب ، ومطلق بالاضافة إلى غيره من الجهات وهكذا .
فالنتيجة : أنّ عدم وجود واجب مطلق في الشريعة المقدسة دليل على أنّ مرادهم من الواجب المطلق الواجب الفعلي .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net