الكلام في الفروع التي ذكرها المحقق النائيني في المقام 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثالث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4577


وملخص ما ذكرناه هو أ نّه (قدس سره) طبّق الكبرى الكلّية ـ وهي أنّ ما لا بدل له يقدّم على ما له بدل في مقام المزاحمة ـ على فروع ثلاثة:
الأوّل: أنّ الواجب التخييري إذا زاحم ببعض أفراده الواجب التعييني فيقدّم التعييني عليه وإن كان الواجب التخييري أهم منه، كما إذا كان لشخص عشرة دنانير ودار أمرها بين أن يصرفها في مؤونة من تجب عليه مؤونته وبين أن يصرفها في كفارة شهر رمضان، وحيث إنّ لكفارة شهر رمضان بدلاً وهو صوم شهرين متتابعين أو عتق رقبة مؤمنة، فلا يمكن مزاحمة وجوبها لوجوب المؤونة، فيقدّم صرفها في المؤونة على صرفها في الكفارة، لأنّ وجوب الكفارة لا يقتضي لزوم الاتيان بخصوص فردها المزاحم، وهذا بخلاف وجوب المؤونة، فانّه يقتضي لزوم الاتيان بخصوص ذلك الفرد.
الثاني: ما إذا كان عند المكلف مقدار من الماء لا يكفي للوضوء وتطهير البدن معاً، فعندئذ يدور أمره بين أن يصرفه في الوضوء ويصلي مع البدن المتنجس، وأن يصرفه في تطهير البدن ويصلي مع التيمم، وبما أنّ للوضوء بدلاً

ــ[28]ــ

وهو التيمم فيتعين صرفه في إزالة الخبث عن البدن، لأنّ ما له بدل لا يصلح لأن يزاحم ما لا بدل له.
الثالث: ما إذا دار الأمر بين إدراك تمام الركعات في الوقت مع الطهارة الترابية، وإدراك ركعة واحدة مع الطهارة المائية، وبما أنّ للطهارة المائية بدلاً وهو الطهارة الترابية ولا بدل للوقت، فيتعيّن تقديم الوقت على الطهارة المائية، فيصلي في الوقت مع الطهارة الترابية.
أقول: الكلام فيما ذكره (قدس سره) يقع في مقامين: الأوّل: في أصل الكبرى التي ذكرها (قدس سره). الثاني: في الفروع التي ذكرها وأ نّها هل تكون من صغريات تلك الكبرى أم لا.
أمّا المقام الأوّل: فلا إشكال في أصل ثبوت الكبرى وأنّ ما ليس له بدل يقدّم على ما له بدل فيما إذا دار الأمر بينهما، والوجه فيه ما عرفت من أنّ ما لا اقتضاء له لا يمكن أن يزاحم ما فيه الاقتضاء، وكيف كان فالكبرى مسلّمة.
وأمّا المقام الثاني: فيقع الكلام فيه في موارد: الأوّل: في الفرع الأوّل. الثاني: في الفرع الثاني. الثالث: في الفرع الثالث.
أمّا المورد الأوّل: فقد تبيّن مما قدّمناه أنّ هذا الفرع وما شاكله ليس داخلاً تحت كبرى مسألة التزاحم لتجري عليه أحكامه، وذلك لما عرفت من أنّ التزاحم بين التكليفين الفعليين لا يعقل إلاّ من جهة عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في مقام الامتثال، فلو كان المكلف قادراً عليه فلا مزاحمة بينهما أبداً، والمفروض فيما نحن فيه قدرة المكلف على امتثال الواجب التعييني والتخـييري معاً من دون أيّة مزاحمة، نعم خصوص الفرد المزاحم للواجب التعييني وإن كان غير مقدور للمكلف إلاّ أ نّه ليس بواجب على الفرض، وما

ــ[29]ــ

هو واجب ـ وهو الجامع بينه وبين غيره من الأفراد ـ مقدور له ولو من جهة القدرة على بعض أفراده.
أو فقل: إنّ ما هو مزاحم للواجب التعييني ليس بواجب، وما هو واجب ليس بمزاحم له، ومن هنا قلنا إنّه لا تزاحم بين الواجب الموسّع والمضيّق كالصلاة والازالة مثلاً. والأصل في جميع ذلك هو ما ذكرناه من أنّ التزاحم لا ينشأ إلاّ من ناحية عدم تمكن المكلف من امتثال كلا التكليفين معاً، وأمّا إذا كان متمكناً منه فلا تزاحم ولا تنافي بينهما أبداً.
وعلى هذا الأساس فالفرع المزبور أو ما شاكله ليس من صغريات باب المزاحمة لتنطبق عليه الكبرى المتقدمة، فما أفاده (قدس سره) من تطبيق تلك الكبرى عليه في غير محلّه، لعدم كونه صغرىً لها.
وأمّا المورد الثاني: فيمكن المناقشة فيه من وجهين:
الأوّل: أنّ التزاحم لا يعقل أن يكون بين وجوب صرف الماء في الوضوء أو الغسل بما هو، ووجوب صرفه في تطهير البدن أو الثوب كذلك، وذلك لما ذكرناه غير مرّة من أنّ الأوامر المتعلقة بالأجزاء والشرائط جميعاً أوامر إرشادية فترشد إلى جزئيتها وشرطيتها، وليست بأوامر نفسية، ومن الواضح جداً أنّ المزاحمة لا تعقل بين الأوامر الارشادية بما هي، لأنّ مخالفتها لا توجب العقاب، وموافقتها لا توجب الثواب، بل لا تجب موافقتها بما هي لتقع المزاحمة بين موافقة هذا وموافقة ذاك في مقام الامتثال، وإنّما تعقل بين واجبين أو واجب وحرام نفسيين بحيث كان المكلف متمكناً من امتثال كل منهما في نفسه مع قطع النظر عن الآخر، إلاّ أ نّه لم يتمكن من الجمع بينهما في الامتثال.
وعلى هذا فالمزاحمة هنا لو سلّمت فانّما هي في الحقيقة بين الصلاة مع الطهارة الحدثية والصلاة مع الطهارة الخبثية، فالتعبير عن ذلك بوقوع المزاحمة

ــ[30]ــ

بين الطهارة الحدثية والطهارة الخبثية لا يخلو عن مسامحة واضحة، ضرورة أ نّه لا شأن لهما ما عدا كونهما من قيود الصلاة، فلا معنى لوقوع المزاحمة بينهما في نفسهما مع قطع النظر عن وجوب الصلاة.
وعلى الجملة: فالمزاحمة بين أجزاء وشرائط الصلاة مثلاً بعضها ببعض مع قطع النظر عن وجوبها مما لا تعقل، ضرورة أ نّه لا وجوب لها مع قطع النظر عن وجوب الصلاة. وعلى هذا فلا معنى لوقوع المزاحمة بين وجوب صرف الماء في الوضوء أو الغسل مثلاً، ووجوب صرفه في تطهير البدن أو الثوب مع الغض عن وجوب الصلاة، لعدم كونهما في هذا الحال واجبين لتقع المزاحمة بينهما. وأمّا مع ملاحظة وجوبها فالتزاحم بين وجوب الصلاة مع الطهارة المائية ووجوب الصلاة مع طهارة البدن أو الثوب، فاذا كان الأمر كذلك فلا وجه لتقديم الثانية على الاُولى بدعوى أنّ ما ليس له بدل يقدّم على ما له بدل، وذلك لفرض أنّ لكل واحدة منهما بدلاً، فكما أنّ للصلاة مع الطهارة المائية بدلاً وهو الصلاة مع الطهارة الترابية، فكذلك للصلاة مع طهارة البدن أو الثوب بدل وهو الصلاة مع البدن أو الثوب النجس على المختار وعارياً على المشهور، فاذن لايكون هذا الفرع أو ما شاكله من صغريات الكبرى المتقدمة، ولاتنطبق تلك الكبرى عليه.
نعم، لو كان التزاحم بين وجوب صرف الماء في الوضوء أو الغسل ووجوب صرفه في تطهير البدن أو الثوب مع قطع النظر عن وجوب الصلاة، لكان من صغريات تلك الكبرى، ولكنك عرفت أنّ التزاحم بينهما غير معقول.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net