2 ـ مبادئ الاجتهاد 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:التقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 13664


    2 ـ مبادئ الاجتهاد  :

   يتوقف الاجتهاد على معرفة اللغة العربية ، لوضوح أن جملة من الأحكام الشرعية وإن لم يتوقف معرفتها على معرفة اللّغة كوجوب مقدمة الواجب وغيره من موارد الأحكام العقلية الاستلزامية ، إلاّ أنه لا شبهة في أن أكثر الأحكام يستفاد من الكتاب والسنة وهما عربيان ، فلا مناص من معرفة اللّغة العربية في استنباطها منهما حتى إذا كان المستنبط عربي اللّسان ، لأن العربي لا يحيط بجميع اللغة العربية وإنما يعرف شطراً منها فلا بدّ في معرفة البقية من مراجعة اللّغة . ولا نقصد بذلك أن اللغوي يعتبر قوله في الشريعة المقدسة كيف ولم يقم دليل على حجيته ، وإنما نريد أن نقول إن الرجوع إلى اللّغة من الأسباب المشرفة للفقيه على القطع بالمعنى الظاهر فيه اللّفظ ولا أقل من حصول الاطمئنان بالظهور وإن لم يثبت أنه معناه الحقيقي بقوله ، وذلك لأن الفقيه إنما يدور مدار الظهور ولا يهمّه كون المعنى حقيقة أو مجازاً .

   ثمّ إن بهذا الملاك الّذي أحوجنا إلى معرفة اللّغة العربية نحتاج إلى معرفة قواعدها لأنها أيضاً مما يتوقف عليه الاجتهاد وذلك كمعرفة أحكام الفاعل والمفعول ، لضرورة أن فهم المعنى يتوقف على معرفتها . نعم ، لا يتوقف الاجتهاد على معرفة ما لا دخالة له في استفادة الأحكام من أدلتها ، وذلك كمعرفة الفارق بين البدل وعطف البيان وغير ذلك مما يحتوي عليه الكتب المؤلفة في الأدب .

   وأمّا علم المنطق فلا توقف للاجتهاد عليه أصلاً ، لأن المهم في المنطق إنما هو بيان ما له دخالة في الاستنتاج من الأقيسة والأشكال كاعتبار كلّية الكبرى وكون الصغرى موجبة في الشكل ، مع أن الشروط الّتي لها دخل في الاستنتاج مما يعرفه كل عاقل حتى الصبيان ، لأنك إذا عرضت على أيّ عاقل قولك : هذا حيوان ، وبعض الحيوان موذ ، لم يتردد في أنه لا ينتج أن هذا الحيوان موذ .

ــ[13]ــ

   وعلى الجملة المنطق إنما يحتوي على مجرد اصطلاحات علمية لا تمسها حاجة المجتهد بوجه ، إذ ليس العلم به ممّا له دخل في الاجتهاد بعد معرفة الاُمور المعتبرة في الاستنتاج بالطبع .

   والّذي يوقفك على هذا ، ملاحظة أحوال الرواة وأصحاب الأئمة (عليهم أفضل الصّلاة) لأنهم كانوا يستنبطون الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة من غير أن يتعلموا علم المنطق ويطّلعوا على مصطلحاته الحديثة .

   والعمدة فيما يتوقف عليه الاجتهاد بعد معرفة اللّغة العربية وقواعدها علمان :

   أحدهما : علم الاُصول ، ومساس الحاجة إليه في الاجتهاد مما لا يكاد يخفى لأن الأحكام الشرعية ليست من الاُمور الضرورية الّتي لا يحتاج إثباتها إلى دليل ، وإنما هي اُمور نظرية يتوقف على الدليل والبرهان ، والمتكفل لأدلة الأحكام وبراهينها من الحجج والأمارات وغيرهما مما يؤدي إلى معرفة الأحكام الشرعية علم الاُصول وما من حكم نظري إلاّ ويستنبط من تلك الأدلة، فعلى المستنبط أن يتقنها ويحصّلها بالنظر والاجتهاد لأنها لو كانت تقليديةً لأدى إلى التقليد في الأحكام لأن النتيجة تتبع أخسّ المقدمتين كما تأتي الإشارة إليه في محله .

   وثانيهما : علم الرجال ، وذلك لأن جملة من الأحكام الشرعية وإن كانت تستفاد من الكتاب إلاّ أنه أقل قليل ، وغالبها يستفاد من الأخبار المأثورة عن أهل البيت (عليهم السّلام) وعلى ذلك إن قلنا بأن الأخبار المدوّنة في الكتب الأربعة مقطوعة الصدور ، أو أنها ممّا نطمئن بصدورها لأن الأصحاب عملوا على طبقها ولم يناقشوا في أسنادها وهذا يفيد الاطمئنان بالصدور ، فقد استرحنا من علم الرجال لعدم مساس الحاجة إلى معرفة أحوال الرواة كما سلك ذلك المحقق الهمداني (قدّس سرّه) حيث قال :

   ليس المدار عندنا في جواز العمل بالرواية على اتصافها بالصحة المطلوبة ، وإلاّ فلا يكاد يوجد خبر يمكننا إثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق لولا البناء على المسامحة في طريقها والعمل بظنون غير ثابتة الحجية . بل المدار على وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية

ــ[14]ــ

وإن كان بواسطة القرائن الخارجية الّتي عمدتها كونها مدونة في الكتب الأربعة أو مأخوذة من الاُصول المعتبرة مع اعتناء الأصحاب بها وعدم إعراضهم عنها ، إلى أن قال : ولأجل ما تقدمت الإشارة إليه جرت سيرتي على ترك الفحص عن حالهم . إنتهى .

   وإنما اللاّزم حينئذ مراجعة أن الرواية هل هي معمول بها عندهم ، لتكون حجة أو أنها معرض عنها لتسقط عن الاعتبار . ومعه لا تمسّ الحاجة إلى علم الرجال إلاّ في بعض الموارد ، كما إذا لم يظهر لنا عمل الأصحاب على طبق الرواية أو إعراضهم عنها .

   وأمّا إذا بنينا على ما هو الصحيح عندنا ، من أن عمل الأصحاب والمشايخ (قدّس الله أسرارهم) على طبق رواية لا يكون جابراً لضعف دلالتها ، إذ المتبع حسب سيرة العقلاء هو الظهور ، ومن الظاهر أن عملهم على طبق الرواية لا يجعلها ظاهرة في المعنى المراد كما لا ينجبر بعملهم ضعف سندها ، فإن السيرة العقلائية الّتي هي العمدة في حجية الخبر وكذا الأخبار التي ادعينا تواترها إجمالاً ، وبعض الآيات المذكورة في محلّها إنما تدل على اعتبار الخبر الموثوق أو الممدوح رواته ، أو الرواية الّتي يطمأن بصدورها عنهم ـ لو اتفق في مورد ـ وأمّا الخبر الضعيف فلم يدلنا دليل على اعتباره إذا عمل المشهور على طبقه . فلا محالة تزداد الحاجة إلى علم الرجال ، فإن به يعرف الثقة عن الضعيف وبه يتميز الغث عن السمين ، ومعه لا مناص من الرجوع إليه للتفتيش عن أحوال الرواة الواقعين في سلسلة السند واحداً بعد واحد ليظهر أنه موثوق به ليؤخذ بخبره أو أنه ضعيف لئلاّ يعتمد على إخباره ، حتى الرواة الواقعين في السند بعد ابن أبي عمير وزرارة وأضرابهما ممّن ادّعوا الاجماع على تصحيح ما يصح عنهم في الرجال ، وذلك لأن هذا الاجماع ليس بأزيد من الاجماعات المنقولة الّتي لا نعتمد عليها في الأحكام .

   على أنه غير معلوم المراد وهل اُريد به أن السند إذا كان معتبراً إلى تلك الجماعة لم ينظر إلى من وقع بعدهم في سلسلة السند من الرواة ، بل يحكم باعتبارها ولو كان الراوي الواقع بعدهم غير معلوم الحال عندنا ليكون ذلك توثيقاً إجمالياً لهؤلاء الرواة أو أن المراد به توثيق أصحاب الاجماع في أنفسهم ليكون معناه أن الجماعة المذكورين

ــ[15]ــ

ثقات أو عدول وإن كان بعضهم واقفياً أو فطحياً أو غيرهما من الفرق ، ولم يرد توثيق لبعضهم مع قطع النظر عن هذا الاجماع ، فالسند إذا تمّ من غير ناحيتهم فهو تام من جهتهم أيضاً لأنهم ثقات أو عدول ، وأمّا من وقع في السند بعدهم فلا يكاد يستفاد توثيقه من الاجماع بوجه . وبما أن كُلاً من الأمرين محتمل الارادة في نفسه ، فيصبح معقد الاجماع مجملاً ولا يمكننا الاعتماد عليه إلاّ في المقدار المتيقن منه وهو الأخير .

   والمتحصّل : أن علم الرجال من أهم ما يتوقف عليه رحى الاستنباط والاجتهاد . وأما غير ما ذكرناه من العلوم فهو فضل لا توقف للاجتهاد عليه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net