طريق تصحيح الصلاة في المغصوب للجاهل بالحرمة وللعالم بها 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثالث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4136

ثمّ إنّه لو تنزّلنا عن ذلك وسلّمنا أ نّه لا يمكن تصحيح العبادة في مورد الاجتماع من هذه الناحية ـ أي من ناحية انطباق الطبيعة المأمور بها على هذا الفرد ـ ولكن يمكن تصحيحها من ناحية الالتزام بالترتب.
وأمّا ما أفاده (قدس سره) من أنّ الترتب لا يعقل في المقام، بدعوى أنّ عصـيان النهي الذي هو شرط للأمر بالصلاة إمّا أن يتحقق في ضمن نفسها، وإمّا أن يتحقق في ضمن ضدّها، فعلى الأوّل يلزم اشتراط الأمر بالشيء بوجوده وتحققه في الخارج وهو محال، وعلى الثاني يلزم اشتراط الأمر بالشيء بوجود ضدّه وتحققه فيه، وهذا غير معقول.
فيرد عليه: ما ذكرناه في بحث الضد (1) وملخّصه: هو أنّ المنهي عنه في المـقام هو الكون في الأرض المغصوبة، لأ نّه تصرف فيها حقيقة ومصداق للغصب كذلك، لا الأكل والشرب والنوم وما شاكل ذلك، ضرورة أنّ شيئاً منها لا يكون مصداقاً للغصب وتصرفاً في مال الغير، فالتصرف فيه إنّما هو الكـون فيها، ومن الواضح جداً أ نّه لا مانع من اشتراط الأمر بالصلاة على عصيان النهي عنه، كأن يقول المولى: لا تكن في أرض الغير وإن كنت فيها فتجب عليك الصلاة، فيكون الأمر بالصلاة معلّقاً على عصيان النهي عن الكون فيها، ومن المعلوم أ نّه لا يلزم من اشتراط الأمر بالصلاة به أحد المحذورين المزبورين، أعني بهما طلب الجمع بين الضدّين، واشتراط الأمر بالشيء بوجوده وتحققه في الخارج.
ـــــــــــــــــــــ
(1) راجع ص 176.

ــ[423]ــ

والوجه في ذلك ظاهر، وهو أنّ ما يتحقق به الغصب هو الكون فيها الذي هو من مقولة الأين، وأمّا الأفعال الخاصة كالأكل والنوم والشرب وما شاكل ذلك فليست مصداقاً للغصب، ضرورة أنّ الأكل ليس مما يتحقق به الغصب وكذا النوم والشرب وما شابه ذلك في مفروض الكلام، بل الغصب يتحقق بالكون فيها، ومن الواضح أ نّه لا مانع من اشتراط الأمر بالصلاة به، ولا يلزم شيء من المحذورين المذكورين. أمّا عدم لزوم محذور طلب الجمع بين الضدّين فلفرض أنّ الكون فيها ليس مضاداً لها، بل هو ملازم معها وجوداً ويجتمع معها خارجاً. وأمّا عدم لزوم محذور اشتراط الأمر بالشيء بوجوده وتحققه في الخارج، فلأ نّه مبني على أنّ الكون فيها متحد مع الصلاة خارجاً ويكون عينها فيه، ولكنّك عرفت أ نّه خلاف مفروض الكلام في المقام، فانّ المفروض هو أ نّه مغاير لها وجوداً، فانّ الكلام في المقام مبني على القول بالجواز وتعدد المجمع في مورد الاجتماع وجوداً وماهية، فإذن لا محذور أبداً.
ونتيجة ما ذكرناه: هي أ نّه لا مانع من الحكم بصحة العبادة في مورد الاجتماع من ناحية الترتب.
ولو تنزّلنا عن ذلك أيضاً وسلّمنا أ نّه لا يمكن تصحيح العبادة هنا بالترتب، إلاّ أ نّه لا مانع من الحكم بصحتها من ناحية الملاك على وجهة نظره (قدس سره) من تسليم اشتمالها على الملاك، وذلك لأنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ المـلاك في المقام لايكون مقرّباً من جهة القبح الفاعلي غير تام، والوجه فيه ما ذكرناه غير مرّة من أنّ الايجاد عين الوجود في الخارج ذاتاً وحقيقة، والاختلاف بينهما إنّما هو في الاضافة، فالشيء الواحد باعتبار إضافته إلى الفعل وجود، وباعتبار إضافته إلى الفاعل إيجاد، ويترتب على ذلك أنّ الوجـود إذا كان متعدداً في الخارج فلا محالة يكون الايجاد أيضاً متعدداً فيه، ولا يعقل أن يكون واحداً،

ــ[424]ــ

وبما أنّ الوجود في مورد الاجتماع متعدد خارجاً كما هو المفروض في المقام فلا محالة يكون الايجاد أيضاً كذلك، بمعنى أنّ المأمور به كما أ نّه مغاير للمنهي عنه وجوداً، كذلك مغاير له إيجاداً، وعليه فيكون إيجاد المأمور به بما هو محبوباً للمولى، وليس فيه أيّ قبح أصلاً، والقبيح إنّما هو إيجاد المنهي عنه فحسب، والمفروض أنّ قبحه لا يسري إليه، فإذن لا مانع من التقرب به من ناحية اشتماله على الملاك، وإن كان إيجاده في الخارج ملازماً لايجاد قبيح ومبغوض فيه، إلاّ أ نّه لا يمنع من التقرب به أصلاً، لفرض أنّ الفعل في نفسه صالح للتقرب به من جهة اشتماله على الملاك، وإيجاده في الخارج لا يكون قبيحاً ومبغوضاً، والقبيح إنّما هو إيجاد أمر آخر مغاير له ـ وهو إيجاد المنهي عنه ـ غاية الأمر أ نّه ملازم له خارجاً، ومن المعلوم أنّ مجرد ملازمته له لا يمنع عن الصحة، وعلى هذا فلا قبح فعلي ولا فاعلي.
فالنتيجة: أ نّه بناءً على ما يراه (قدس سره) من اشتماله على الملاك لا مناص من الحكم بالصحة أصلاً.
نعم، بناءً على وجهة نظرنا من أ نّه لا طريق لنا إلى إحراز الملاك، فالحكم بالصحة في المقام يبتني على الالتزام بأحد الأمرين الأوّلين: هما انطباق الطبيعة المأمور بها بما هي على هذا الفرد في مورد الاجتماع، والقول بالترتب فيه.
وأمّا الدعوى الثانية: وهي صحة العبادة في مورد الاجتماع في صورة الجهل والنسيان على القول بالجواز وتعدد المجمع ماهيةً ووجوداً، فلأنّ المفروض أ نّه لا تنافي بين الحكمين في مقام الجعل، والتنافي بينهما إنّما هو في مقام الامتثال من ناحية عدم قدرة المكلف على امتثال كليهما معاً، فلو صرف قدرته في امتثال أحدهما عجز عن امتثال الآخر وينتفي بانتفاء موضوعه وهو القدرة، وعليه فإذا فرض كون أحد الحكمين أهم من الآخر تعيّن صرف القدرة في

ــ[425]ــ

امتثاله، وبذلك عجز عن امتثال الآخر.
ولكن من المعلوم أنّ تعجيزه عنه إنّما هو في ظرف وصوله إلى المكلف وكونه منجّزاً عليه ليحكم العقل بلزوم امتثاله، وأمّا في ظرف كون المكلف جاهلاً به فحيث إنّ العقل لا يحكم بلزوم امتثاله، ولا يكون شاغلاً للمكلف بامتثاله، لا يكون معجّزاً له عن امتثال الآخر، لفرض أ نّه مع الجهل به قادر على امتثاله، والمفروض أ نّه مع القدرة عليه فعلي، لأنّ المانع عن فعليته عدم القدرة على امتثاله، ومع التمكن منه لا محالة يكون فعلياً بفعلية موضوعه وهو القدرة.
وإن شئت فقل: إنّه لا تنافي بين الحكمين في مقام الجعل على الفرض، والتنافي بينهما إنّما هو في مقام الفعلية والامتثال، فإذا فرض جهل المكلف بأحدهما فلا مانع من فعلية الآخر بفعلية موضوعه وهو القدرة، هذا في صورة الجهل.
وأمّا في صورة النسيان فالأمر أوضح من ذلك، لفرض أ نّه لا حرمة واقعاً في هذه الصورة، هذا على وجهة نظر شيخنا الاُستاذ (قدس سره). وأمّا على وجهة نظرنا فقد عرفت أنّ العبادة صحيحة في مورد الاجتماع على القول بالجواز وتعدد المجمع واقعاً في صورة العلم بالحرمة فضلاً عن صورة الجهل بها أو النسيان لها.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net