القسم الثاني : ما إذا كان للعبادة المنهي عنها بدل 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4456

وأمّا القسم الثاني: وهو ما إذا كان للعبادة المنهي عنها بدل، فيمكن أن يجاب عنه بعين هذا الجواب بلا زيادة ونقيصة.
ويمكن أن يجاب عنه بشكل آخر: وهو أنّ النهي في هذا القسم متعلق بحصة خاصة من الواجب، كالنهي عن الصلاة في الحمام وفي مواضع التهمة وما شاكل

ــ[22]ــ

ذلك، هذا من ناحية. ومن ناحية اُخرى أنّ هذا النهي نهي تنزيهي وليس بتحريمي.
وعلى ضوء ذلك يتبيّن أنّ هذا النهي لايوجب تقييد إطلاق الطبيعة المأمور بها بغير هذه الحصة المنهي عنها، بيان ذلك:
أنّ النهي المتعلق بحصة خاصة من العبادة على ثلاثة أقسام:
الأوّل: أن يكون إرشاداً إلى اقتران هذه الحصة بالمانع، بمعنى أنّ الخصوصية الموجبة لكونها حصة مانعة عنها، وذلك كالنهي عن الصلاة فيما لا يؤكل وفي النجس وفي الميتة وما شاكل ذلك، فانّ هذه النواهي جميعاً إرشاد إلى مانعية هذه الاُمور عن الصلاة وتقيدها بعدمها، وقد ذكرنا غير مرّة أنّ أمثال هذه النواهي الواردة في أبواب العبادات والمعاملات ظاهرة في الارشاد إلى المانعية بمقتضى الفهم العرفي، كما تقدّم الكلام فيها من هذه الناحية بصورة واضحة في أوّل بحث النواهي(1) كما أ نّه لا شبهة في ظهور الأوامر الواردة في أبواب العبادات والمعاملات في الارشاد إلى الجزئية أو الشرطية، وقد ذكرنا سابقاً أنّ هذه النواهي كثيرة في كلا البابين، كما أنّ هذه الأوامر كذلك.
وعلى الجملة: فالأمر والنهي وإن كانا في أنفسهما ظاهرين في المولوية فلا يمكن حملهما على الارشاد بلا قرينة، إلاّ أنّ هذا الظهور ينقلب في هذه النواهي والأوامر الواردتين في أبواب العبادات والمعاملات، فهما ظاهران فيها في الارشاد دون المولوية بمقتضى المتفاهم العرفي، كما هو واضح.
وعلى ضوء هذا البيان قد تبيّن أنّ هذه النواهي لا محالة تكون مقيّدة
ـــــــــــــــــــــ
(1) راجع المجلد الثالث من هذا الكتاب ص 307.

ــ[23]ــ

لاطلاق العبادة والمعاملة وموجبة لتقييدهما بغير الحصة المنهي عنها، فلا تنطبقان عليها، ومن هنا لم يستشكل أحد ـ فيما نعلم ـ في دلالة هذا النهي على الفساد في العبادات والمعاملات، والوجه فيه ما عرفت من أ نّها توجب تقييد المأمور به بغير هذه الحصة المنهي عنها، فهذه الحصة خارجة عن حيز الأمر ولا تنطبق عليها الطبيعة المأمور بها، ومع عدم الانطباق لا يمكن الحكم بصحتها أبداً، لفرض أنّ الصحة تنتزع من انطباق المأمور به على الفرد المأتي به، وأمّا إذا فرض أ نّه لا ينطبق عليه فلا يمكن الحكم بصحته أصلاً كما هو ظاهر، كما أ نّها توجب تقييد المعاملة بغير هذه الحصة، ولازم ذلك هو أنّ اقترانها بها مانع عن صحتها، فلا يمكن الحكم بصحتها عند تخصصها بهذه الخصوصية المنهي عنها.
ونتيجة ما ذكرناه: هي أ نّه لا شبهة في أنّ هذا القسم من النهي يوجب تقييد العبادة أو المعاملة بغير الفرد المنهي عنه، ومعه لا يكون هذا الفرد من أفرادها ولأجل ذلك يكون فاسداً.
الثاني: أن يكون لبيان حكم تحريمي فحسب، وذلك كالنهي عن الوضوء أو الغسل من الماء المغصوب، أو النهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة... وهكذا، فهذه النواهي تدل على حرمة متعلقها في الخارج ومبغوضيته، وأنّ الشارع لا يرضى بايجاده فيه أصلاً، ومن الواضح جداً أنّ أمثال هذه النواهي تنافي إطلاق المأمور به وتوجب تقييده بغير هذا الفرد المنهي عنه، والوجه في ذلك واضح، وهو أنّ مقتضى إطلاق المأمور به ترخيص المكلف في إيجاده في ضمن أيّ فرد من أفراده شاء المكلف إيجاده، ومقتضى هذا النهي عدم جواز إيجاد هذا الفرد المنهي عنه في الخارج، وعدم جواز تطبيق الطبيعة المأمور بها عليه، ضرورة استحالة كون المحرّم مصداقاً للواجب، وعليه فلا بدّ من رفع اليد عن

ــ[24]ــ

إطلاق المأمور به وتقييده بغير الفرد المنهي عنه، بداهة أنّ الشارع بنهيه عنه قد سدّ طريق امتثال المأمور به به، ومنع عن إيجاده في ضمنه، ومعه كيف يعقل بقاء إطلاقه على حاله الذي لازمه هو ترخيص الشارع المكلف في إيجاده في ضمن أيّ فرد من أفراده شاء إيجاده في ضمنه.
وإن شئت قلت: إنّ العقل وإن حكم من ناحية الاطلاق بجواز تطبيقه على أيّ فرد من أفراده شاء المكلف تطبيقه عليه، إلاّ أنّ من المعلوم أنّ حكمه بذلك منوط بعدم منع الشارع عن بعض أفراده، ومع منعه عنه لا حكم له بذلك أصلاً، بل يحكم بعكس هذا، أعني بعدم جواز تطبيقه عليه وتقييد إطلاقه بغيره، ضرورة استحالة أن يكون المحرّم مصداقاً للواجب والمبغوض مصداقاً للمحبوب، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الواجب توصلياً أو تعبدياً، فكما أنّ هذا النهي يوجب تقييد إطلاق دليل الواجب التعبدي، فكذلك يوجب تقييد إطلاق دليل الواجب التوصلي بعين هذا الملاك، وهو استحالة كون الحرام مصداقاً للواجب، وهذا واضح.
ونتيجة ما ذكرناه: هي أنّ هذا القسم من النهي يوجب تقييد إطلاق الواجب بغير الفرد المنهي عنه، من دون فرق فيه بين أن يكون الواجب تعبدياً أو توصلياً.
الثالث: أن يكون النهي تنزيهياً ملازماً للترخيص في متعلقه، ففي مثل ذلك لا موجب لتقييد الواجب بغيره حتّى إذا كان عبادياً، فضلاً عما إذا كان غير عبادي، بيان ذلك: أنّ المولى إذا نهى عن الصلاة في الحمام مثلاً وكان نهيه تنزيهياً وملازماً للترخيص في الاتيان بها، فمعناه جواز امتثال الواجب بالاتيان بالصلاة في الحمام وصحّتها، والجمع بين ذلك وبين النهي التنزيهي يقتضي أن يكون تطبيق الطبيعي الواجب على هذه الحصة في نظر الشارع مرجوحاً بالاضافة

ــ[25]ــ

إلى تطبيقه على سائر الحصص، وإلاّ فالحصة بما أ نّها وجود للطبيعة المأمور بها لا نقصان فيها أصلاً، ومن هنا لو لم يتمكن المكلف من الاتيان بغير هذه الحصة لزمه الاتيان بها جزماً، فهذا يكشف عن اشتراكها مع سائر الحصص في الوفاء بالغرض، وعدم تقييد الواجب بغيرها.
ومن هذا البيان يظهر أ نّه لا وجه لما ذكره غير واحد من حمل النهي في هذا القسم على الارشاد إلى أقلّية الثواب بالاضافة إلى سائر الحصص والأفراد، وجه الظهور: أنّ تخصص الطبيعة المأمور بها بهذه الخصوصية الموجبة للنهي التنزيهي، إن كان مرجوحاً في نظر الشارع فالنهي مولوي لا محالة، وإلاّ فلا موجب للارشاد إلى اختيار غير ما تعلق به من الأفراد.
ومما ذكرناه يظهر حال الأمر الاستحبابي المتعلق بحصة خاصة من الطبيعة الواجبة، فانّه بمعنى استحباب تطبيق الواجب على تلك الحصة، وكونها أفضل الأفراد المجامع مع جواز تطبيقه على سائر الأفراد، ومن هنا لا يوجب مثل هذا الأمر تقييداً في إطلاق المأمور به، سواء في ذلك الواجب وغيره، وتفصيل الكلام يأتي في بحث المطلق والمقيد(1) إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــ
(1) في ص 553.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net