بيان ما هو المستفاد من تعلق النهي بعبادة أو معاملة - العبادة مع الاضطرار إلى الحرام غير المتحد معها 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4581


ــ[38]ــ

وأمّا الكلام في الثاني فيقع في عدّة مقامات:
الأوّل: في بيان ما هو المستفاد من تعلق النهي بعبادة أو معاملة، وهذا وإن كان خارجاً عن محل الكلام فانّه في الاضطرار إلى ارتكاب المحرّم لا غيره، إلاّ أ نّه لا بأس بالاشارة إليه لأدنى مناسبة. الثاني: في صحة العبادة في فرض عدم اتحادها مع المحرّم خارجاً. الثالث: في صحة العبادة في فرض اتحادها معه كذلك.
أمّا المقام الأوّل: فقد ذكرنا غير مرّة أنّ النهي في العبادات كقوله (عليه السلام): «لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه» أو «في الميتة» أو «في الحرير» أو «في الذهب» أو «في النجس»(1) أو ما شاكل ذلك، أو في المعاملات كقوله (عليه السلام): «لاتبع ما ليس عندك»(2) وقوله (عليه السلام): «نهى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= من لم يدرك زمانه (عليه السلام) عن إسماعيل بن عبدالرحمن بلا واسطة.
وعلى هذا الأساس يتعين في هذه الرواية أنّه ابن جابر، لأنّ الراوي عنه أحمد بن محمّد ابن عيسى وهو ممن لم يدرك زمان أبي عبدالله (عليه السلام).
وثانياً: على تقدير التنزل عن ذلك، أنّ هذا الترديد لا ينافي اعتبار الرواية، لأن إسماعيل بن عبدالرحمن الجعفي أيضاً ثقة ولا أقل أ نّه حسن، لقول النجاشي في رجاله أ نّه كان وجهاً في أصحابنا، فإذن لا إشكال في اعتبار الرواية وصحّتها.
ـــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4: 346 / أبواب لباس المصلي ب2 ح6، وص344 ب1 ح2، و ص368 ب 11 ح 2، و ص 413 ب 30 ح 4، الوسائل 3: 418 / أبواب النجاسات ب 13 ح 2.
(2) الوسائل 18: 47 / أبواب أحكام العقود ب 7 ح 2.

ــ[39]ــ

عن بيع الغرر» (1) ونحوهما، ظاهر في الارشاد إلى مانعية هذه الاُمور عن العبادات أو المعاملات، ومعنى مانعيتها هو اعتبار عدمها فيها، ومن المعلوم أنّ مردّ ذلك إلى أنّ المأمور به هو حصة خاصة منها وهي الحصة المقيدة بعدم هذه الاُمور وكذا الممضاة من المعاملة.
ويترتب على ذلك: أنّ الصلاة فيما لا يؤكل أو الميتة أو الحرير أو نحو ذلك ليست بمأمور بها، ومن المعلوم أنّ الاتيان بغير المأمور به لايجزئ عن المأمور به ولا يوجب سقوطه، فإذن لا محالة يقع فاسداً، بل لو أتى بها مع أحد هذه الموانع بقصد الأمر لكان تشريعاً ومحرّماً، وكذا لو فعل معاملةً غرريةً أو باع ما ليس عنده، فلا محالة تقع فاسدةً لفرض أ نّها غير ممضاة شرعاً.
وقد تحصّل من ذلك: أنّ هذه النواهي إرشاد إلى بطلان العبادة أو المعاملة مع أحد هذه الاُمور، فيكون البطلان مدلولاً مطابقياً لها، ولا تدل على حكم تكليفي أصلاً، ولذا لا يكون إيجادها في الخارج من المحرّمات في الشريعة المقدّسة، فلا يكون لبس ما لا يؤكل أو الميتة أو النجس محرّماً ومبغوضاً. نعم، لبس الحرير والذهب من المحرّمات، إلاّ أنّ حرمته غير مستفادة من هذا النهي، بل هي مستفادة من دليل آخر، وكيف كان فهذا واضح، وأنّ هذه النواهي من هذه الناحية ـ أي من ناحية كونها إرشاداً إلى مانعية تلك الاُمور ـ لا تدل على حرمة إيجادها في الخارج أبداً. نعم، يمكن استفادة حرمة بعضها من دليل آخر، وهذا لا صلة له بدلالة تلك النواهي عليها كما لا يخفى.
وعلى ضوء هذا البيان يترتب أنّ المكلف لو اضطرّ إلى لبس ما لا يؤكل في الصلاة أو الميتة أو الحرير أو نحو ذلك، فمقتضى القاعدة الأوّلية هو سقوط
ـــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 17: 448 / أبواب آداب التجارة ب 40 ح 3.

ــ[40]ــ

الصلاة، لعدم تمكنه من الاتيان بها واجدةً لجميع الأجزاء والشرائط، ومعه لا محالة يسقط الأمر عنها، وإلاّ لكانت تكليفاً بالمحال. وأمّا وجوب الفاقد لهذا القيد فهو يحتاج إلى دليل آخر، فإن دلّ دليل على وجوبه أخذنا به، وإلاّ فلا وجوب له أيضاً.
وعلى الجملة: فمقتضى القاعدة الأوّلية هو سقوط الأمر عن كل مركب إذا تعذر أحد أجزائه أو قيوده من الوجودية أو العدمية باضطرار أو نحوه، ولايعقل بقاء الأمر به في هذا الحال، لاستلزامه التكليف بغير المقدور وهو محال. وأمّا وجوب الباقي من الأجزاء والقيود فهو يحتاج إلى دليل آخر، فإن كان هناك دليل عليه فهو، وإلاّ فلا وجوب له أيضاً.
نعم، قد ثبت وجوب الباقي في خصوص باب الصلاة من جهة ما دلّ من الروايات على أ نّها لا تسقط بحال(1)، هذا مضافاً إلى قيام الضرورة والاجماع القطعي على ذلك.
وقد تحصّل من ذلك أمران:
الأوّل: أنّ الأوامر والنواهي بطبعهما ظاهرتان في المولوية، وحملهما على غيرها من الارشاد أو نحوه يحتاج إلى عناية زائدة وقرينة خاصة تدل عليه، ولكن هذا الظهور قد انقلب في الأوامر والنواهي المتعلقتين بحصة خاصة من العبادات والمعاملات، فانّهما في هذه الموارد ظاهـرتان في الارشاد، فالأوامر إرشاد إلى الجزئية أو الشرطية والنواهي إلى المانعية. فتلخص أنّ ورودهما في أبواب العبادات والمعاملات قرينة عامّة على أ نّهما للارشاد.
ـــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2: 373 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

 
 

ــ[41]ــ

الثاني: أنّ مقتضى القاعدة سقوط الأمر عن المركب عند تعذره بتعذر أحد أجزائه أو قيوده. وأمّا وجوب الباقي فهو يحتاج إلى دليل آخر ولا دليل عليه إلاّ في باب الصلاة فحسب.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net