لحوق تعدد الاضافات بتعدد العناوين في الدخول في النزاع 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4805


ــ[126]ــ

الرابع: أنّ المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) قد ألحق تعدد الاضافات بتعدد العناوين والجهات، بدعوى أنّ البحث عن جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه لا يختص بما إذا تعلق الأمر بعنوان كالصلاة مثلاً، والنهي بعنوان آخر كالغصب، وقد اجتمعا في مورد واحد، بل يعم ما إذا تعلق الأمر بشيء كالاكرام مثلاً بجهة وإضافة، والنهي تعلق به بجهة اُخرى وإضافة ثانية، ضرورة أنّ تعدد العنوان لو كان مجدياً في جواز اجتماع الأمر والنهي مع وحدة المعنون وجوداً وماهية لكان تعدد الاضـافة أيضاً مجدياً في جوازه، إذ كما أنّ تعدد العنوان يوجب اختلاف المعنون بحسب المصلحة والمفسدة، كذلك تعدد الاضافة يوجب اختلاف المضاف إليه بحسب المصلحة والمفسدة والحسن والقبح عقلاً والوجوب والحرمة شرعاً. وعلى هذا فكل دليلين متعارضين كانت النسبة بينهما عموماً من وجه مثل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق يدخلان في باب الاجتماع لا في باب التعارض ليرجع إلى مرجحات ذلك الباب، إلاّ إذا علم من الخارج أ نّه لم يكن لأحد الحكمين ملاك في مورد الاجتماع، فعندئذ يدخل في باب التعارض، كما هو الحال أيضاً في تعدد العنوانين.
وعلى الجملة: فلا فرق بين تعدد العنوان وتعدد الاضافة من هذه الناحية أصلاً. وأمّا معاملة الفقهاء (قدس سرهم) مع مثل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق معاملة التعارض بالعموم من وجه، فهي إمّا مبنية على القول بالامتناع أو لاحراز عدم المقتضي لأحد الحكمين في مورد الاجتماع. وأمّا في غير ذلك فلا معارضة بين الدليلين أصلاً.
وغير خفي أنّ هذا من غرائب ما أفاده (قدس سره) من جهات:
ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول: 179.

ــ[127]ــ

الاُولى: أنّ فرض إحراز الفقهاء عدم وجود ملاك لأحد الحكمين في مورد الاجتماع بين الدليلين اللذين كانت النسبة بينهما عموماً من وجه في جميع أبواب الفقه أمر غريب، فان هذا يختص بمن كان عالماً بالجهات الواقعية والملاكات النفس الأمرية، ومن هنا قد ذكرنا غير مرّة أ نّه لا طريق لنا إلى إحراز ملاكات الأحكام مع قطع النظر عن ثبوتها، فإذن من أين يعلم الفقيه بعدم اشتمال المجمع لأحد الملاكين من أوّل الفقه إلى آخره.
وعلى الجملة: فعلى وجهة نظره (قدس سره) من أنّ المجمع في مورد الاجتماع لا بدّ أن يكون مشتملاً على ملاك كلا الحكمين معاً وإلاّ فلا يكون من باب الاجتماع أصلاً، فلا بدّ من فرض جهة وجوب وجهة حرمة في إكرام العالم الفاسق، ليكون داخلاً في هذا الباب، أي باب الاجتماع.
وعلى هذا الأساس يدخل جميع موارد التعارض بالعموم من وجه كهذا المثال في هذا الباب، إلاّ إذا علم من الخارج بعدم وجود الملاك لأحد الحكمين في مورد الاجـتماع، فوقتئذ يدخل في باب التعارض. وأمّا معاملة الفـقهاء (رضوان الله عليهم) مع هذا المثال وما شاكله معاملة التعارض بالعموم من وجه إنّما يكون لأحد سببين:
الأوّل: من ناحية علمهم بعدم وجود الملاك لأحدهما في مورد الاجتماع في تمام أبواب الفقه.
الثاني: من ناحية التزامهم بالقول بالامتناع في المسألة ـ أي مسألة الاجتماع ـ وعدم كفاية تعدد العنوان أو الاضافة للقول بالجواز.
ولنأخذ بالمناقشة في كليهما.
أمّا السبب الأوّل: فلأ نّه يرتكز على كون الفقهاء عالمين بالجهات الواقعية

ــ[128]ــ

والملاكات النفس الأمرية ليكونوا في المقام عالمين بعدم وجود ملاك لأحدهما في مورد الاجتماع، ولأجل ذلك عاملوا معهما معاملة المتعارضين بالعمـوم من وجـه، ومن الضـروري أ نّه ليس لهم هذا العلـم فانّه يختص بالله تعـالى وبالراسخين في العلم. على أ نّه لو كان لهم هذا العلم لكانوا عالمين بعدم وجود ملاك لأحدهما المعيّن، ومعه لا معنى لأن يعامل معهما معاملة التعارض، ضرورة أ نّه عندئذ يكون ملاك الآخر هو المؤثر، وكيف كان فصدور مثل هذا الكلام من مثله (قدس سره) يعدّ من الغرائب جداً.
وأمّا السبب الثاني: فلأ نّه يبتني على أن يكون الفقهاء جميعاً من القائلين بالامتناع في المسألة، وهذا مقطوع البطـلان، كما تقدم الكلام في ذلك بشكل واضح.
وعلى ضوء هذا البيان قد تبيّن أنّ هذا المثال وما شاكله خارج عن مسألة الاجتماع رأساً، لا يتوهم ولن يتوهم جواز اجتماع الأمر والنهي فيه، بداهة أ نّه يستحيل أن يكون في المجمع في مورد الاجتماع وهو إكرام العالم الفاسق جهة وجوب وحرمة معاً ومحبوبية ومبغوضية كذلك، فإذن لا محالة يدخل في كبرى باب التعارض كما صنع الفقهاء ذلك فيه وفي أمثاله، وذلك لاستحالة جعل كلا الحكمين معاً للمجمع في مادة الاجتماع بحسب مقام الواقع والثبوت، ونعلم بكذب أحدهما وعدم مطابقته للواقع، بداهة أ نّه كيف يعقل أن يكون إكرام زيد العالم الفاسق مثلاً واجباً ومحرّماً معاً. وعليه فلا محالة تقع المعارضة بين مدلولي دليليهما في مقام الاثبات والدلالة، فلا بدّ من الرجوع إلى مرجحات بابها، وهذا هو الملاك في باب التعارض، ومن هنا قد ذكرنا سابقاً أنّ التعارض بين الحكمين لا يتوقف على وجود ملاك لأحدهما دون الآخر، بل الملاك فيه ما ذكرناه من عدم إمكان جعل كلا الحكمين معاً في الواقع ومقام الثبوت، ولذا

ــ[129]ــ

قلنا إنّ مسألة التعارض لا تختص بوجهة نظر مذهب دون آخر، بل تجري على جميع المذاهب والآراء.
الثانية: أنّ ما ذكره (قدس سره) من المثال خارج عن محل الكلام في المسألة، وذلك لأنّ العموم في هذا المثال في كلا الدليلين عموم استغراقي، فلا محالة ينحل الحكم بانحلال موضوعه أو متعلقه فيثبت لكل فرد من أفراده حكم مستقل غير مربوط بحكم ثابت لفرد آخر منها... وهكذا، ولازم ذلك هو أن يكون المجمع في مورد الاجتماع وهو إكرام العالم الفاسق محكوماً بكلا هذين الحكمين على نحو الاستقلال، بأن يكون إكرامه واجباً ومحرماً معاً، ومن الواضح جداً أنّ القائلين بالجواز في المسألة لا يقولون به في مثل هذا المثال، ضرورة أنّ في مثله جعل نفس هذين التكليفين معاً محال لا أ نّه من التكليف بالمحال، فإذن هذا المثال وما شاكله خارج عن محل الكلام.
الثالثة: قد تقدم في مقدمات مسألة الاجتماع أنّ محل الكلام فيها فيما إذا تعلق الأمر بعنوان كالصلاة مثلاً والنهي تعلق بعنوان آخر كالغصب، ولكنّ المكلف قد جمع بينهما في مورد، فعندئذ يقع الكلام في أنّ التركيب بينهما اتحادي أو انضمامي، بمعنى أنّ المعنون لهما في الخارج هل هو واحد وجوداً وماهية أو متعدد كذلك، فعلى الأوّل لا مناص من القول بالامتناع لاستحالة كون المنهي عنه مصداقاً للمأمور به. وعلى الثاني لا مناص من الالتزام بالقول بالجواز بناءً على ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من الملزوم إلى لازمه. وقد تقدم تفصيل كل ذلك من هذه النواحي بصورة واضحة.
وعلى ضوء هذا الأساس قد ظهر أنّ مجرد تعدد الاضافة مع كون المتعلق واحداً وجوداً وماهيةً لا يجدي للقول بالجواز في مسألة الاجتماع، بل هو خارج عن محل الكلام فيها بالكلية، لما عرفت من أنّ محل الكلام إنّما هو فيما إذا

ــ[130]ــ

تعلق الأمر بعنوان والنهي بعنوان آخر مباين له، ولكن اتفق اجتماعهما في مورد واحد، والمفروض في المقام أنّ الأمر تعلق بعين ما تعلق به النهي وهو إكرام العالم الفاسق، غاية الأمر جهة تعلق الأمر به شيء وهو علمه، وجهة تعلق النهي به شيء آخر وهو فسقه، ومن المعلوم أنّ تعدد الجهة التعليلية لا يوجب تعدد المتعلق، فالمتعلق في المقام واحد وجوداً وماهيةً وهو الاكرام، والموضوع له أيضاً كذلك وهو زيد العالم الفاسق مثلاً، والتعدد إنّما هو في الصفة، فانّ لزيد صفتين: إحداهما العلم وهو يقتضي وجوب إكرامه، والاُخرى الفسق وهو يقتضي حرمة إكرامه، ومن البديهي أن لا يعقل أن يكون إكرام زيد العالم الفاسق واجباً ومحرّماً معاً، لأنّ نفس هذا التكليف محال، لا أ نّه مجرد تكليف بالمحال وبغير المقدور، والمفروض أنّ صفتي العلم والفسق ليستا متعلقتين للتكليف، بل هما جهتان تعليليتان خارجتان عن متعلق التكليف وموضوعه.
فالنتيجة: أنّ مثل هذه الموارد خارج عن محل الكلام في المسألة، والقائل بالجواز فيها لا يقول بالجواز فيه، بل تخيل دخول هذه الموارد في محل النزاع من مثله (قدس سره) من الغرائب جداً.
نتائج ما ذكرناه عدة نقاط:
الاُولى: أنّ المناط في الاستحالة والامكان في الأحكام التكليفية إنّما هو بوحدة زمان المتعلق وتعدده، ولا عبرة بوحدة زمان الحكمين وتعدده أصلاً، فالفعل الواحد في زمان واحد لا يمكن أن يكون واجباً ومحرّماً معاً ولو كان تعلق الوجوب به في زمان وتعلق الحرمة به في زمان آخر، ومن هنا قلنا باستحالة القول بكون الخروج واجباً فعلاً ومنهياً عنه بالنهي السابق الساقط بالاضطرار أو نحوه.

ــ[131]ــ

الثانية: أنّ الأحكام الوضعية لا تشترك في مناط الاستحالة والامكان مع الأحكام التكليفية، فانّ تعدد زمان الحكم في الأحكام الوضعية يجدي في رفع الاستحالة ولو كان زمان المتعلق واحداً، ومن هنا قلنا بالكشف في باب الفضولي وأنّ المولى من زمان تحقق الاجازة يحكم بملكية المال الواقع عليه العقد الفضولي من حين العقد للمشتري إذا كان الفضولي من طرف البائع، وللبائع إذا كان من طرف المشتري، بل قلنا إنّ ذلك مضافاً إلى إمكانه على طبق القاعدة في خصوص المقام.
الثالثة: أنّ ما أفاده شـيخنا الاُستاذ (قدس سره) من عدم الفرق في الاستحالة والامكان بين الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية وأ نّهما على صعيد واحد من هذه الناحية، لا يرجع إلى معنىً محصّل كما تقدم.
الرابعة: الصحيح هو أنّ الخروج من الدار المغصوبة داخل في كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار، وقد ذكرنا أ نّه لا فرق في الدخول في موضوع هذه القاعدة بين أن يكون الامتناع المنتهي إلى اختيار المكلف تكوينياً أو تشريعياً، كما أ نّه لا فرق في جريان هذه القاعدة بين التكاليف الوجوبية والتكاليف التحريمية، لما ذكرناه من أنّ هذه القاعدة ترتكز على ركيزة واحدة، وهي أن يكون امتناع امتثال التكليف في الخارج منتهياً إلى اختيار المكلف وإرادته.
الخامسة: أنّ ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من أنّ الحركات الخروجية داخلة في كبرى قاعدة وجوب ردّ المال إلى مالكه ومصداق للتخلية والتخلص لا يمكن المساعدة عليه أصلاً، وما ذكره من الوجوه لاثبات ذلك لا يتم شيء منها، وقد ذكرنا وجه فسادها بشكل واضح فلاحظ.

ــ[132]ــ

السادسة: أنّ ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من أ نّه لا تعارض بين خطاب صلّ وخطاب لا تغصب على القول بالامتناع غير تام، والوجه فيه ما ذكرناه هناك من أنّ مسألة الاجتماع على هذا القول ـ أي على القول بالامتناع ووحدة المجمع في مورد الاجتماع وجوداً وماهية ـ تدخل في كبرى باب التعارض لا محالة، لاستحالة كون المنهي عنه مصداقاً للمأمور به، فاذن لا محالة تقع المعارضة بين إطلاق الخطابين.
السابعة: أ نّه لا وجه لتقديم الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي، وما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من الوجوه لذلك لا يتم شيء منها كما عرفت، نعم العموم الوضعي يتقدم على الاطلاق الثابت بمقدمات الحكمة سواء أكان بدلياً أو شمولياً كما عرفت.
الثامنة: أ نّه لا أصل لقاعدة أنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة، على أ نّها لا تنطبق على الأحكام الشرعية أصلاً وأجنبية عنها بالكلية كما سبق.
التاسعة: أنّ الاستقراء الناقص لا يثبت بمورد وموردين فضلاً عن التام، مع أ نّه على تقدير ثبوته لا يكون حجة. أضف إلى ذلك: أنّ ما ذكروه من الموردين خارج عن مورد القاعدة وليس تقديم جانب الحرمة فيهما مستنداً إلى تلك القاعدة.
العاشرة: الصحيح هو أنّ جانب الحرمة يتقدم على جانب الوجوب في مورد الاجتماع فيما إذا كانت الحرمة ثابتة للشيء بعنوان ثانوي، وهو عدم إذن المالك في التصرف فيه، فانّ جواز انطباق الطبيعة المأمور بها على المجمع في مورد الاجتماع بمقتضى الاطلاق عندئذ لا يعارض حرمته كما عرفت.
الحادية عشرة: أ نّه لا شبهة في جريان البراءة عن حرمة المجمع بما هي عند

ــ[133]ــ

الشك فيها، لفرض أنّ الشبهة بدوية وهي المقدار المتيقن من موارد جريانها. وأمّا جريانها عن تقييد الواجب بغير هذا المكان فهو يبتني على جريانها في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين، ولكن بما أ نّا قد اخترنا جريان البراءة فيها هناك فلا محالة نقول بجريانها في المقام أيضاً.
الثانية عشرة: أنّ ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من إلحاق تعدد الاضافات بتعدد العنوانات في الدخول في محل النزاع في المسألة لا يرجع إلى معنىً محصّل أصلاً كما عرفت.
هذا آخر ما أوردناه في هذا الجزء.
إلى هنا قد تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه الجزء الرابع(1) من كتابنا محاضرات في اُصول الفقه، وسيتلوه الجزء الخامس إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــ
(1) [ حسب التجزئة السابقة ].




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net