الأصل العملي عند الشك في التداخل - اختصاص محل النزاع بما إذا كان الجزاء قابلاً للتكرار 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4605

الثاني: إذا فرض أ نّه لا دليل على التداخل ولا على عدمه فما هو قضية الأصل العملي، فهل هي التداخل أو عدمه أو التفصيل بين الأسباب والمسببات، يعني يقتضي التداخل في الاُولى دون الثانية؟ وجوه.
الصحيح هو الوجه الأخير، وهو التفصيل بينهما، والسبب في ذلك: هو أنّ مردّ الشك في تداخل الأسباب وعدمه إلى الشك في ثبوت تكليف زائد على التكليف الواحد المتيقن، ومن الطبيعي أنّ مقتضى الأصل عدمه، ومثال ذلك: ما إذا علم المكلف بحدوث وجوب الوضوء عند حدوث سببه كما إذا بال أو نام ولكن شك في ثبوته زائداً على هذا المتيقن كما إذا بال أو نام مرّةً ثانية، فحينئذ

ــ[255]ــ

لا محالة يكون مقتضى الأصل عدم ثبوته، وهذا بخلاف الشك في تداخل المسببات، فانّه حيث إنّا نعلم بتعدد التكليف هناك والشك إنّما هو في سقوط كلا التكليفين بسقوط أحدهما بالامتثال، فبطبيعة الحال يكون مقتضى الأصل عدم سقوطه.
ثمّ إنّ هذا الذي ذكرناه في كلا الموردين لا يفرق فيه بين الأحكام الوضعية والتكليفية، لوضوح أنّ الشك إذا كان في وحدة الحكم وتعدده عند تعدد شرطه فمقتضى الأصل عدم تعدده، يعني عدم حدوث حكم آخر زائداً على المتيقن، ومن المعلوم أ نّه لا يفرق فيه بين أن يكون المشكوك حكماً تكليفياً أو وضعياً، كما أ نّه إذا شك في سقوطه بعد العلم بثبوته فمقتضى الأصل عدم سقوطه، ولا يفرق فيه أيضاً بين كونه حكماً تكليفياً أو وضعياً.
فالنتيجة: أنّ مقتضى الأصل العملي هو التداخل في موارد الشك في تأثير الأسباب وعدم التداخل في موارد الشك فيه في المسببات. ومن هنا يظهر أنّ ما أفاده شيخنا الاُستاذ(قدس سره)(1) من أ نّه لا ضابط كلي لجريان الأصل في موارد الأحكام الوضعية فلا بدّ من ملاحظة كل مورد بخصوصه والرجوع فيه إلى ما يقتضيه الأصل لا يمكن المساعدة عليه، وذلك لما عرفت من أ نّه لا فرق في جريانه في كلا المقامين بين الحكم التكليفي والوضعي أصلاً.
الثالث: أنّ محل الكلام في تداخل الأسباب أو المسببات إنّما هو فيما إذا كان الجزاء قابلاً للتعدد كالوضوء أو الغسل أو ما شاكل ذلك، وأمّا إذا لم يكن قابلاً لذلك فهو خارج عن محل الكلام، كالقتل فانّ مَن يستحق ذلك بارتداد أو نحوه فلا معنى للبحث عن تداخل الأسباب أو المسببات فيه وفي أمثاله. نعم،
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 264.

ــ[256]ــ

قد يكون قتله مورداً لحقوق متعددة متباينة كما إذا افترض أ نّه قتل عدّة أشخاص متعمداً، فانّه يثبت لولي كل من المقتولين حق قتله على نحو الاستقلال، فلو أسقط أحد الأولياء حقه لم يسقط حقّ الآخرين فلهم اقتصاصه. نعم، لو اقتصه أحدهم سقط حقّ الباقين قصاصاً بسقوط موضوعه، ولكن لهم عندئذ أن يأخذوا الدية من أمواله، هذا بالاضافة إلى حقوق الناس.
وكذلك الحال بالاضافة إلى حقوق الله كما إذا افترضنا أنّ أحداً زنى بأحد محارمه كاُخته أو اُمّه أو بنته أو ما شاكل ذلك مرّتين أو أزيد، فانّه بطبيعة الحال لا يترتب على الزنا في المرّة الثانية إلاّ تأكد الجزاء حيث إنّ القتل غير قابل للتعدد.
ثمّ إنّه ربما لا يكون الجزاء قابلاً للتأكد أيضاً كاباحة شيء مثلاً أو طهارته، نظراً إلى أنّ الطهارة كالاباحة غير قابلة للشدة والتأكد فضلاً عن الزيادة، مثلاً إذا غسل الثوب المتنجس في الماء الكر وطهر فلا أثر لغسله ثانياً في الماء الجاري ولا يوجب ذلك تأكد طهارته وشدتها، وكذا إذا افترضنا إباحة شيء بعدة أسباب مجتمعة عليه دفعيةً أو تدريجية كاجتماع الاكراه والاضطرار وما شاكلهما في مادة شخص واحد حيث إنّه لا يوجب شدة إباحة الفعل المضطر إليه أو المكره عليه على الرغم من كون كل واحد منها سبب تام لذلك.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net