الفحص عن المخصص \ الفرق بين الفحص عن المخصص هنا والفحص في موارد الاصول 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4115


الفحص عن المخصص

قبل التكلم في ادلته ينبغي تقديم ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره)(1) تبعاً للمحقق صاحب الكفاية(2) وهو نقطة الفرق بين الفحص هنا والفحص في موارد الاُصول العملية وحاصلها: هو أنّ الفحص في المقام إنّما هو عن المانع والمزاحم لحجية الدليل مع ثبوت المقتضي لها ـ وهو ظهوره في العموم ـ حيث إنّه قد انعقد، لفرض عدم الاتيان بالقرينة المتصلة المانعة عن انعقاد ظهوره في العموم، والفحص إنّما هو عن وجود قرينة منفصلة وهي إنّما تزاحم حجية العام لا ظهوره، فالمقتضي للعمل به موجود ـ وهو الظهور ـ والفحص إنّما هو لرفع احتمال وجود المانع عنه في الواقع، وهذا بخلاف الفحص في الشبهات البدوية في موارد التمسك بالاُصول العملية، فانّه لتتميم المقتضي.
أمّا بالاضافة إلى أصالة البراءة العقلية فواضح، حيث إنّ العقل لا يستقل
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 351.
(2) كفاية الاُصول: 227.

ــ[404]ــ

بقبح العقاب بدون بيان ما لم يقم العبد بما هو وظيفته من الفحص عن أحكام المولى المتوجهة إليه، لوضوح أ نّه لا يجب على المولى إيصال الأحكام إلى المكلفين على نحو لا يخفى عليهم شيء منها، بل الذي هو وظيفة المولى بيان الأحكام لهم على النحو المتعارف بحيث إنّهم لو قاموا بما هو وظيفتهم وهي الفحص عنها لوصلوا إليها.
وعلى هذا الضوء فلايكون موضوع أصالة البراءة العقلية محرزاً قبل الفحص، فانّ موضوعها عدم البيان فلا بدّ في جريانها من إحرازه، ومن المعلوم أ نّه قبل الفحص غير محرز حيث يحتمل وجود بيان في الواقع بحيث لو تفحّصنا عنه لوجدناه، ومع هذا الاحتمال كيف يكون محرزاً. فالنتيجة: أنّ عدم جريانها قبل الفحص إنّما هو لعدم المقتضي لها، والفحص إنّما هو لتتميمه وإحراز موضوعها. وعلى الجملة فمن البديهي أنّ العقل يستقل باستحقاق العقاب على مخالفة التكليف المجهول إذا لم يقم العبد بما هو وظيفته من الفحص عن أحكام المولى مع احتمال قيام المولى بما هو وظيفته من بيان أحكامه المتوجهة إلى عبده بحيث إنّ العبد لو تفحص عنها لظفر بها، ومعـه كيف يكون العقل مسـتقلاً بعدم استحقاق العقاب عليها.
وقد ذكرنا في محلّه أ نّه لا تنافي بين هذه القاعدة وقاعدة قبح العقاب من دون بيان، لاختلافهما مورداً وموضوعاً. أمّا مورداً، فلأن مورد تلك القاعدة ما كان التكليف الواقعي فيه منجّزاً بمنجّز مّا، دون مورد هذه القاعدة، أي قاعدة قبح العقاب حيث إنّ التكليف الواقعي فيه غير منجّز لفرض عدم قيام منجّز عليه. وأمّا موضوعاً، فلأنّ موضوع تلك القاعدة هو ما قام بيان على التكليف ومنجّز عليه ولو كان ذلك البيان والمنجّز نفس احتماله في الواقع، حيث إنّه منجّز بحكم العقل إذا كان قبل الفحـص، وأمّا موضوع هذه القاعدة هو ما

ــ[405]ــ

لا يقوم بيان ومنجّز عليه.
وأمّا البراءة الشرعية فأدلتها على تقدير تماميتها سنداً وإن كانت مطلقة وغير مقيدة بالفحص، إلاّ أنّ إطلاقها قد قيّد باستقلال العقل بوجوب الفحص وأ نّه لا يجوز العمل باطلاقها، وإلاّ لزم كون بعث الرسل وإنزال الكتب لغواً، ضرورة أ نّه لو لم يجب الفحص بحكم العقل والنظر لم يمكن إثبات أصل النبوة، حيث إنّ إثباتها يتوقف على وجوب النظر إلى المعجزة وبدونه لا طريق لنا إلى إثباتها. وعلى الجملة فكما أنّ ترك النظر إلى المعجزة قبيح بحكم العقل المستقل لاستلزامه نقض الغرض الداعي إلى بعث الرسل وإنزال الكتب، فكذلك ترك الفحص عن الأحكام الشرعية المتوجهة إلى العباد بعين هذا الملاك.
فالنتيجة: أنّ موضوع أدلة البراءة الشرعية قد قيّد بما بعد الفحص، فالفحص في مواردها إنّما هو متمم لموضوعها، ومن ذلك يظهر حال دليل الاستصحاب أيضاً حرفاً بحرف.
ولنأخذ بالنظر على ما أفاداه (قدس سرهما) بيان ذلك: أنّ هذه النظرية وإن كانت لها صورة ظاهرية، إلاّ أ نّه لا واقع موضوعي لها، فانّ الفحص في كلا المقامين كان مرّةً عن ثبوت المقتضي والموضوع، ومرّةً اُخرى عن وجود المزاحم والمانع، توضيح ذلك: أنّ العمومات الواردة في الكتاب أو السنّة أو من الموالي العرفية إن كانت في معرض التخصيص بحيث قد قامت قرينة من الخارج على أنّ المتكلم بها قد اعتمد في بيان مراداته منها على القرائن المنفصلة والبيانات الخارجية المتقدمة أو المتأخرة زماناً، حيث إنّ دأبه إنّما هو على عدم بيان مراده في مجلس واحد، أو أخّر البيان لأجل مصلحة مقتضية لذلك كما هو الحال في عمومات الكتاب، حيث إنّ الله تعالى أوكل بيان المراد منها إلى النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأوصيائه (عليهم السلام).

ــ[406]ــ

ومن هنا قد ورد من الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) مخصصات بالاضافة إلى عمومات الكتاب والسنّة أو ورد منهم (عليهم السلام) عمومات ولكن اُخّر بيانها إلى أمد آخر لأجل مصلحة تقتضي ذلك أو مفسدة في البيان كخلاف تقية أو نحوها، ونتيجة ذلك: أنّ مثل هذه العمومات التي قد علمنا من الخارج أ نّها في معرض التخصيص وأنّ دأب المتكلم بها إنّما هو على بيان مراداته الواقعية منها بالقرائن المنفصلة المتأخرة عنها زماناً أو المتقدمة عليها كذلك، لا يكون حجةً قبل الفحص، لعدم إحراز بناء العقلاء على العمل بها قبله، وبدونه فلا يمكن التمسك بها، حيث إنّ عمدة الدليل على حجيتها إنّما هو بناء العقلاء على التمسك بها، وبما أ نّنا لم نحرز البناء منهم على التمسك بتلك الطائفة من العمـومات قبل الفحص عن وجود القرائن على خلافها، فلا يمكن الحكم بحجيتها بدونه، فاذن بطبيعة الحال كان الفحص عن وجود تلك القرائن بالاضافة إلى هذه العمومات متمماً للموضوع والمقتضي للعمل بها وبدونه لا يتم، وعليه فحالها من هذه الناحية حال أصالة البراءة فكما أنّ الفحص في موارد التمسك بها يكون متمماً للموضوع والمقتضي له، فكذلك الفحص في موارد التمسك بهذه العمومات.
وأمّا إذا كانت العمومات ليست من تلك العمومات التي تكون في معرض التخصيص كما هو الحال في أكثر العمومات الواردة من الموالي العرفية بالاضافة إلى عبيدهم وخدمهم، أو من الموكّلين بالاضافة إلى وكلائهم، أو من الاُمراء بالاضافة إلى المأمورين، فانّ هذه العمومات ليست في معرض التخصيص، ولأجل ذلك لا مانع من العمل بها قبل الفحص، حيث إنّها كاشفة عن أنّ المراد الاستعمالي مطابق للمراد الجدي وظاهرة في ذلك، وهذا الظهور حجة ما لم تقم قرينة على الخلاف ولا يجب عليهم الفحص.

ــ[407]ــ

والسر في ذلك كلّه: هو أنّ السيرة القطعية من العقلاء قد جرت على العمل بها قبل الفحص، فالتوقف عن العمل بها قبله خلاف تلك السيرة الجارية بينهم، وهذا بخلاف تلك العمومات فانّ السيرة لم تجر على العمل بها قبل الفحص عن وجود المخصصات والقرائن على الخلاف، نظراً إلى أ نّها غير كاشفة عن مطابقة الارادة الاستعمالية للارادة الجدية، فاذا كانت العمومات من هذا القبيل لم يجب الفحص عنها إلاّ فيما إذا علم إجمالاً بورود مخصص عليها، فعندئذ لا محالة يجب الفحص لأجل هذا العلم الاجمالي، حيث إنّه لو لم ينحل بالفحص لكان موجباً لسقوطها عن الحجية والاعتبار، وضرورة أنّ أصالة العموم تسقط في أطرافه.
ومن الواضح أنّ الفحص حينئذ إنّما هو عن وجود المانع والمزاحم مع ثبوت المقتضي للعمل بها، يعني هذا العلم الاجمالي يكون مانعاً عن العمل بها مع ثبوت المقتضي له، ومثل هذه العمومات الاُصول العملية في الشبهات الموضوعية حيث إنّ المقتضي للعمل بها في تلك الشبهات تام ولا قصور فيه أصلاً، نظراً إلى أنّ جريانها فيها لا يتوقف على الفحص إلاّ في موارد العلم الجمالي، كما إذا علم إجمالاً بنجاسـة أحد الاناءين مثلاً أو بخمرية أحدهما، فانّه مانع عن جريان الاُصول في أطرافه مع ثبوت المقتضي لها وعدم قصور فيه أبداً، ولذا لو انحل هذا العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بنجاسة أحدهما وجداناً أو تعبداً فلا مانع من جريانها في الآخر.
فالنتيجة: أ نّه لا فرق بين الاُصول العملية في الشبهات الموضوعية وتلك الطائفة من العمومات وأ نّهما من واد واحد.
إلى هنا قد استطعنا أن نصل إلى هذه النقطة، وهي أ نّه لا فرق بين الفحص في موارد الاُصول اللفظية والفحص في موارد الاُصول العملية، فما أفاده شيخنا

ــ[408]ــ

الاُستاذ (قدس سره) تبعاً للمحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من الفرق بينهما خاطئ جداً ولا واقع موضوعي له أصلاً.
وبعد ذلك نقول: إنّ المعروف والمشهور بين الأصحاب هو عدم جواز التمسك بعموم العام قبل الفحص، وهذا هو الصحيح واستدل على ذلك بعدة وجوه، ولكنها بأجمعها مخدوشة وغير قابلة للاستدلال بها.
الأوّل: أنّ الظن بمراد المولى من العموم لا يحصل قبل الفحص، فلزوم الفحص إنّما هو لتحصيل الظن به. وإن شئت قلت: إنّ حجية أصالة العموم ترتكز على إفادة الظن بمراد المولى، وبما أ نّها لا تفيد الظن قبل الفحص عن وجود المخصصات في الواقع فيجب حتى يحصل الظن به.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net