نقد الوجوه التي استدل بها على وجوب الفحص عن المخصص 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4602

ويرد عليه أوّلاً: أ نّه أخص من المدعى، فانّ المدعى هو وجوب الفحص مطلقاً وإن فرض حصول الظن منها قبل الفحص، مع أنّ لازم هذا الوجه هو عدم وجوبه في هذا الفرض. وثانياً: أنّ حجية أصالة العموم إنّما هي من باب إفادة الظن النوعي دون الشخصي كما ذكرناه بشكل موسّع في محلّه، وعليه فهي حجة سواء أفادت الظن أم لم تفد، بل لا يضر بحجيتها قيام الظن الشخصي على الخلاف فضلاً عن الظن بالوفاق.
الثاني: أنّ خطابات الكتاب والسنّة خاصة بالمشافهين فلا تعم غيرهم من الغائبيين والمعدومين، وعليه فلا يمكن لهم أن يتمسكوا بعموم تلك الخطابات لفرض أ نّها غير متوجهة إليهم، بل لا بدّ في إثبات الحكم المتوجه إلى المشافهين لهم من التمسك بذيل قانون الاشتراك في التكليف، ومن الطبيعي أنّ التمسك بهذا القانون يتوقف على تعيين حكم المشافهين من تلك الخطابات وأ نّه عام أو

ــ[409]ــ

خاص، ومن المعلوم أنّ تعيينه منها يتوقف على الفحص، فاذن يجب على غير المشافهين الفحص.
فالنتيجة: أنّ هذه النظرية تستلزم وجوب الفحص عن القرائن والمخصصات على غير المشافهين.
ويرد عليه أوّلاً: أ نّه أخص من المدعى، حيث إنّ جميع الخطابات الواردة في الكتاب والسنّة بشتى أنواعها ليس من الخطابات المشافهيّة، ضرورة أنّ بعضها ورد على نحو القضية الحقيقية، ومن الطبيعي أ نّها غير مختصة بالمشافهين كقوله تعالى: (وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ ا لْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(1) وما شاكله، وكقوله (عليه السلام): «كل شيء نظيف حتى تعلم أ نّه قذر»(2) و «كل مسكر حرام»(3) وما شابهها.
وثانياً: أ نّا سنذكر في ضمن البحوث الآتيـة (4) أ نّها لا تختص بالمشافهين والحاضرين في مجلس الخطاب، بل تعم غيرهم من الغائبين والمعدومين أيضاً.
الثالث: أنّ كل من يتصدى لاستنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنّة يعلم إجمالاً بورود مخصصات كثيرة للعمومات الواردة فيهما. وبتعبير آخر: أنّ المتصدي لذلك يعلم إجمالاً بوجود قرائن على إرادة خلاف الظواهر من الكتاب والسنّة، وقضية هذا العلم الاجمالي عدم جواز العمل بها إلاّ بعد الفحص عن
ـــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران 3: 97.
(2) الوسائل 3: 467 / أبواب النجاسات ب 37 ح 4.
(3) الوسائل 25: 351 / أبواب الأشربة المحرّمة ب 22 ح 3.
(4) في ص 430 وما بعدها.

ــ[410]ــ

المخصص والمقيد، كما أنّ قضية العلم الاجمالي بوجود واجبات ومحرّمات في الشريعة المقدّسة عدم جواز العمل بالاُصول العملية إلاّ بعد الفحص عن الحجة على التكليف.
وقد يورد عليه: بأنّ المدرك لوجوب الفحص لو كان هو العلم الاجمالي لكانت قضيته وجوب الفحص عن كل ما يحتمل أن يكون فيه مخصص أو مقيد، سـواء أكان من الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الأربعة أم كان من غيرها.
أو فقل: إنّ لازم ذلك هو وجوب الفحص عن كل كتاب يحتمل أن يكون فيه مخصص أو مقيد من دون فرق بين كون ذلك الكتاب كتاباً فقهياً أو اُصولياً أو غيرهما. ومن الطبيعي أنّ المجتهد لا يتمكن من الفحص عن كل مسألة مسألة كذلك، حيث إنّ عمره لا يفي بذلك، وهذا دليل على أنّ المدرك لوجوب الفحص ليس هذا العلم الاجمالي.
والجواب عنه: أنّ لنا علمين إجماليين: أحدهما علم إجمالي بوجود مخصصات ومقيدات في ضمن الروايات الصادرة عن المعصومين (عليهم السلام). وثانيهما: علم إجمالي بوجودهما في ضمن خصوص الروايات الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة وفي الأبواب المناسبة للمسألة، وقضية العلم الاجمالي الأوّل وإن كانت هي وجوب الفحص عن كل كتاب أو باب يحتمل وجود المخصص أو المقيد فيه، إلاّ أنّ هذا العلم الاجمالي ينحل بالعلم الاجمالي الثاني، حيث إنّ المعلوم بالاجمال في ذاك العلم ليس بأزيد من المعلوم بالاجمال في هذا العلم، ومعه لا محالة ينحل العلم الاجمالي الأوّل بالعلم الاجمالي الثاني، يعني أ نّه لا علم لنا بوجود مخصص أو مقيد في الخارج عن دائرة العلم الاجمالي الثاني

ــ[411]ــ

وإن كان احتماله موجوداً إلاّ أ نّه لا أثر له ولا يكون مانعاً عن التمسك بالعموم أو الاطلاق.
ومن الطبيعي أنّ الفحص عن وجود المخصص أو المقيد في كل مسألة في الأبواب المناسبة لها بمكان من الامكان ولا يلزم منه محذور العسر والحرج عادةً فضلاً عن عدم إمكان ذلك، نظير ذلك ما إذا علمنا إجمالاً بنجاسة عشرة إناءات في ضمن مائة إناء، ثمّ علمنا إجمالاً بنجاسة عشرة في ضمن خمسين، ونحتمل أن تكون العشرة في ضمن المائة بعينها هي العشرة في ضمن الخمسين.
وعلى هذا فلا محالة ينحل العلم الاجمالي الأوّل بالعلم الاجمالي الثاني، يعني لا علم لنا بالنجاسة الخارجة عن دائرة العلم الاجمالي الثاني وهذا هو معنى الانحلال، فاذن لا يجب الاجتناب إلاّ عن أطراف هذا العلم الاجمالي الثاني دون الزائد عنها، وقد أجبنا بمثل هذا الجواب عن هذه الشبهة التي أوردها هناك أيضاً على وجوب الفحص في موارد التمسك بالاُصول العملية فلاحظ. فالنتيجة في نهاية الشوط: هي أنّ هذا الاشكال غير وارد على هذا الوجه.
نعم، يرد عليه اشكال آخر: هو أنّ المقتضي لوجوب الفحص لو كان هذا العلم الاجمالي فبطبيعة الحال أ نّه إنّما يقتضي وجوبه ما دام لم ينحل، فاذا انحل العلم الاجمالي بالظفر بالمقدار المعلوم بالاجمال لم يكن مقتض لوجوب الفحص بعده لا محالة.
وعليه فلا مانع من التمسك بالعموم قبل الفحص، مع أنّ المدعى وجوبه مطلقاً ولو بعد الانحلال، ومن هنا يعلم أنّ العلم الاجمالي بما هو لا يصلح أن يكون مدركاً لوجوبه على الاطلاق.
هذا، وقد تصدى شيخنا الاُستاذ (قدس سره) لاثبات أنّ هذا العلم

ــ[412]ــ

الاجمالي غير قابل للانحلال وأفاد في وجه ذلك ما إليك نصه: ليس الميزان في انحلال العلم الاجمالي هو مجرد وجود القدر المتيقن في البين ليترتب عليه ما ذكرت من انحلال العلم الاجمالي بالظفر بالمقدار المعلوم بالاجمال من التكاليف أو المخصصات المستلزم لعدم وجوب الفحص بعد ذلك عند احتمال تكليف أو تخصيص، بل الميزان في الانحلال أمر آخر لا بدّ في توضيحه من بيان اُمور:
الأوّل: أ نّه لا بدّ في موارد العلم الاجمالي من تشكيل قضية شرطية على سبيل منع الخلو، ضرورة أ نّه لازم العلم بأصل وجود الشيء مع الشك في خصوصيته وانطباقه على كل واحد من أطرافه.
الثاني: أ نّه يختلف موارد العلم الاجمالي، فتارةً تكون القضية الشرطية التي لابدّ منها في موارد العلم الاجمالي مؤتلفةً من قضية متيقنة وقضية اُخرى مشكوك فيها كما هو الحال في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر. واُخرى تكون القضية الشرطية المزبورة مؤتلفةً من قضيتين يكون كل منهما مشكوكاً فيه كما هو الحال في موارد دوران الأمر بين المتباينين. وثالثةً تكون تلك القضية جامعةً لكلتا الخصوصيتين فهي من جهة تكون مؤتلفةً من قضية متيقنة واُخرى مشكوك فيها، ومن جهة اُخرى مؤتلفة من قضيتين مشكوك فيهما، ولازم ذلك انحلال العلم الاجمالي إلى علمين اجمالـيين أحدهما من قبيل القسم الأوّل، والثاني من قبيل القسم الثاني.
الثالث: من القضايا التي قياساتها معها هو استحالة أن يزاحم ما لا يقتضي خلاف شيء لما يقتضي ذلك.
إذا عرفت هذه الاُمور فاعلم أنّ الانحلال في القسم الأوّل كعدمه في القسم الثاني مما لا ريب فيه ولا إشكال. وأمّا القسم الثالث ففي انحلال العلم الاجمالي فيه وعدمه خلاف، وتوهم الانحلال فيه هو الموجب لتوهم الانحلال في المقام.

ــ[413]ــ

ولكنّ التحقيق خلافه، وتوضيحه مع التطبيق على المقام هو أن يقال: إنّنا إذا علمنا بعد المراجعة إلى ما بأيدينا من الكتب المعتبرة أنّ فيها ما يخالف الاُصول اللفظية والعملية فكل ما فيها من التكاليف الالزامية والتخصيصات الواردة على العمومات يكون منجّزاً لا محالة، لأنّ المفروض تعلق العلم به بهذا العنوان، أعني به وروده في تلك الكتب، وهذا العلم يوجب التنجز بمقدار عنوان متعلقه.
وعليه فالأحكام والمخصصات الواقعية الموجودة في تلك الكتب بما أ نّها معلومة بهذا العنوان مع قطع النظر عن كميتها تكون ذات علامة وتعيّن، فلا ينحل العلم بها بالظفر بمقدار يعلم بتحققه من التكاليف والمخصصات في هذه الكتب، فانّ العلم بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر إنّما يكون منحلاً إلى العلم بوجود الأقل والشك في وجود الأكثر إذا لم يكن الأكثر طرفاً لعلم إجمالي آخر متعلق بعنوان لم تلحظ فيه الكمية.
وأمّا فيما إذا كان كذلك كما في المقام فلا يكون العلم بوجود الأقل موجباً للانحلال، لأنّ غاية الأمر أنّ العلم بالتكاليف أو المخصصات من جهة تعلقه بما هو مردد بين الأقل والأكثر لا يكون مقتضياً لتنجّز الأكثر وذلك لا ينافي تنجّزها من جهة تعلقه بما له تعيّن وعلامة.
وعليه فكل حكم احتمل المكلف جعله في الشريعة المقدّسة أو كل عام احتمل أن يكون له مخصص يجب الفحص عنه في تلك الكتب، لكونه من أطراف العلم الاجمالي المتعلق بما له تعيّن وعلامة. ولا يفرق في ذلك بين الظفر بالمقدار المتيقن من حيث الكمية والعدد وعدم الظفر به.
وبالجملة: المعلوم بالاجمال في محل الكلام وإن كان مردداً بين الأقل

ــ[414]ــ

والأكثر، إلاّ أنّ ذلك بمجرده لا يكفي في عدم تنجّز الأكثر بعد تعلق العلم به بعنوان آخر لم تلحظ فيه الكمية والعدد، فغاية ما هناك هو عدم اقتضاء العلم الثاني للتنجز بالاضافة إلى المقدار الزائد على المتيقن، لا أ نّه يقتضي عدم التنجز بالاضافة إلى ذلك المقدار، فلا يعقل أن يزاحم اقتضاء العلم الأوّل للتنجز في تمام ما بأيدينا من الكتب على ما هو مقتضى المقدمة الثالثة. ونظير ذلك ما إذا كنت عالماً بأ نّك مديون لزيد بمقدار مضبوط يمكن العلم به تفصيلاً بالمراجعة إلى الدفتر، فهل يساعد وجدانك على أن تكتفي بمراجعة الدفتر بمقدار يكون فيه القدر المتيقن من الدين، وهل عدم الاكتفاء به إلاّ من جهة العلم باشتغال الذمة بمجموع ما في الدفتر الموجب لتنجّز الواقع المعنون بهذا العنوان على ما هو عليه في نفس الأمر من الكمية والمقدار.
فاتضح مما ذكرناه أنّ الانحلال يتوقف زائداً على كون المعلوم مردداً بين الأقل والأكثر على أن لا يكون متعلق العلم معنوناً بعنوان آخر غير ملحوظ فيه الكمية والعدد. وأمّا إذا كان كذلك فلا يعقل فيه الانحلال، ويستحيل أن يكون مجرد اليقين بمقدار معيّن مما يندرج تحت ذلك العنوان موجباً له، فانّه يستلزم سقوط ما فيه الاقتضاء عن اقتضائه لأجل ما لا اقتضاء فيه وهو غير معقول(1).
نلخّص ما أفاده (قدس سره) في عدة نقاط:
الاُولى: أنّ الضابط في انحلال العلم الاجمالي ليس هو الظفر بالمقدار المعلوم والمتيقن، بل له نكتة اُخرى لا بدّ في الحكم بالانحلال من توفر تلك النكتة،
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 355 ـ 359.

ــ[415]ــ

وسوف يأتي توضيحها في ضمن النقاط التالية.
الثانية: أنّ القضية المتشكلة في مورد العلم الاجمالي مرةً تكون مركبة من قضية متيقنة وقضية مشكوك فيها كما هو الحال فيما إذا كان المعلوم بالاجـمال مردداً بين الأقل والأكثر. واُخرى تكون مركبة من قضيتين مشكوكتين كما إذا تردد المعلوم بالاجمال بين أمرين متباينين. وثالثةً تكون جامعة بين الأمرين يعني أنّ العلم الاجمالي في هذه الصورة ينحل في الحقيقة إلى علمين اجماليين، فالمعلوم بالاجمال في أحدهما مردد بين الأقل والأكثر وفي الآخر بين المتباينين، فهذه الصورة في الحقيقة مركبة من الصورتين الأوّلتين وليست صورة ثالثة في قبالهما.
الثالثة: أنّ العلم الاجمالي إنّما يكون قابلاً للانحلال فيما إذا تعلق بعنوان لوحظ فيه الكمية والعدد من دون أن يكون ذا علامة وتعين في الواقع كما هو الحال في أكثر موارد العلم الاجمالي.
وأمّا إذا كان متعلقاً بعنوان ذات علامة وتعيّن في الواقع ولم تلحظ فيه الكمية والعدد فهو غير قابل للانحلال بالظفر بالمقدار المتيقن، ومثال ذلك: هو ما إذا علم إجمالاً بنجاسة أحد الاناءات، وعلم أيضاً بنجاسة خصوص إناء زيد مثلاً المردد بين تلك الاناءات واحتمل أن يكون المعلوم بالاجمال في العلم الاجمالي الأوّل هو إناء زيد كما احتمل أن يكون غيره، وبما أنّ المعلوم بالعلم الاجمالي الثاني ذو علامة وتعـيّن في الواقع دون المعلوم في العلم الاجمالي الأوّل، فلا ينحل الثاني بانحلال الأوّل بالظفر بالمقدار المعلوم، حيث إنّ نسبة إناء زيد إلى كل واحد من هذه الاناءات على حد سواء من دون فرق بين المعلوم منها بالتفصيل والمشكوك منها بالشك البدوي.

ــ[416]ــ

وإن شئت قلت: إنّ العلم التفصيلي بنجاسة أحدها وإن كان يوجب انحلال العلم الاجمالي الأوّل جزماً، إلاّ أ نّه لا يؤثر بالاضافة إلى العلم الاجمالي الثاني، فانّ المعلوم بالاجمال فيه وإن احتمل انطباقه على المعلوم بالتفصيل إلاّ أنّ مجرد ذلك لا يكفي بعد ما كانت نسبته إلى كل واحد منها نسبة واحدة، فلا تنحل القضية الشرطية فيه إلى قضيتين حمليتين إحداهما متيقنة والاُخرى مشكوك فيها، حيث إنّ ملاك انحلال العلم الاجمالي هو انحلال هذه القضية وهي قد انحلت في العلم الاجمالي الأوّل على الفرض دون العلم الاجمالي الثاني.
وما نحن فيه من هذا القبيل فانّ لنا علمين إجماليين: أحدهما متعلق بوجود المخصصات والمقيدات المردد في الواقع بين الأقل والأكثر. وثانيهما متعلق بوجوداتهما في خصوص الكتب الأربعة مثلاً، فالعلم الاجمالي الثاني يمتاز عن العلم الاجمالي الأوّل حيث إنّ المعلوم بالاجمال في العلم الثاني ذات علامة وتعيّن في الواقع دون المعلوم بالاجمال في العلم الأوّل.
ونتيجة ذلك هي: أنّ العلم الاجمالي الأوّل ينحل بالظفر بالمقدار المعلوم دون الثاني، نظراً إلى أنّ المعلوم بالاجمال فيه ذات علامة وتعيّن في الواقع من دون لحاظ الكمية والعدد فيه.
وعلى الجملة: فاذا ظفرنا بمقدار من المخصص والمقيد فان لوحظ بالاضافة إلى العلم الاجـمالي الأوّل، فإن كان بمقدار المعلوم بالاجمال فيه فقد انحل لا محالة، وإن لوحظ بالاضافة إلى العلم الاجمالي الثاني لم يؤثر فيه أصلاً حيث لم تلحظ فيه الكمية، فما دام العلم الاجمالي متعلقاً بما له تعيّن وعلامة في الواقع فهو غير قابل للانحلال، ولا ينتفي إلاّ بانتهاء تعيّنه وعلامته فيه، ولازم ذلك هو وجوب الاحتياط بالاضافة إلى كل ما ينطبق عليه المعلوم بالاجمال المعنون بهذا العنوان والعلامة، وفي المقام العلم الاجمالي الأوّل الذي يدور المعلوم

ــ[417]ــ

بالاجمال فيه بين الأقل والأكثر وإن انحل بالظفر بالمقدار المعلوم بالاجمال ـ وهو الأقل ـ ولازمه هو عدم وجوب الفحص عن المخصص أو المقيد في ضمن الأكثر، إلاّ أنّ هذا الأكثر طرف للعلم الاجمالي الثاني، وهو يقتضي وجوب الفحص عنه في ضمنه فلا يزاحم ما لا اقتضاء له ـ وهو العلم الاجمالي الأوّل ـ ما له اقتضاء وهو العلم الاجمالي الثاني.
الرابعة: ما إذا علم شخص إجمالاً بأ نّه مديون لزيد مثلاً بمقدار مضبوط في الدفتر يمكن العلم به تفصيلاً بالمراجعة إليه، لم يجز له الرجوع إلى أصالة البراءة عن الزائد بعد العلم التفصيلي بالمقدار المتيقن من الدين، وليس هذا إلاّ من ناحية أنّ المعلوم بالاجمال في هذا العلم الاجمالي ذات علامة وتعيّن في الواقع، فهو لا محالة يوجب تنجّز الواقع المعنون بهذا العنوان على ما هو عليه في نفس الأمر من الكمية والمقدار.
ولنأخذ بالنظر إلى هذه النقاط:
أمّا النقطة الاُولى: فهي خاطئة جداً ولا واقع موضوعي لها أصلاً، والسبب فيه: هو أنّ الضابط في انحلال العلم الاجـمالي إنّما هو الظفر بالمقدار المعلـوم بالاجمال تفصيلاً بالعلم الوجداني أو العلم التعبدي، فانّه إذا ظفر المكلف بهذا المقدار واحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه كما هو كذلك، فبطبيعة الحال ينحل العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بالاضافة إلى المقدار المعلوم بالاجمال والشك البدوي بالاضافة إلى غيره، فعندئذ لا مانع من الرجوع إلى الأصل في غير موارد العلم التفصيلي.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون المعلوم بالاجمال ذات علامة وتعيّن في الواقع وأن لايكون كذلك، ضرورة أنّ المعلوم بالاجمال إذا احتمل انطباقه على المعلوم

ــ[418]ــ

بالتفصيل أو على المعلوم بالاجمال في علم إجمالي آخر فضلاً عن إحرازه، فقد انحل ولو كان ذا علامة وتعيّن في الواقع، ولا تبقى القضية الشرطية المتشكلة في مورده على سبيل مانعة الخلو، بل تنحل إلى قضيتين حمليتين: إحداهما متيقنة والاُخرى مشكوك فيها، وليس لانحلاله نكتة اُخرى سوى ما ذكرناه، وما أفاده (قدس سره) من النكتة سوف يأتي بطلانها بشكل موسّع في ضمن البحوث التالية.
وأمّا النقطة الثانية: فيرد عليها أنّ فرض القضية المتشكلة في موارد العلم الاجمالي مركبة من قضية متيقنة وقضية مشكوك فيها بعينه هو فرض انحلال العلم الاجمالي، أو فقل: إنّ في كل مورد كان المعلوم بالاجمال مردداً بين الأقل والأكثر الاستقلاليين ففيه صورة للعلم الاجمالي لا واقعه الموضوعي.
نعم، فيما إذا كان الأقل والأكثر ارتباطيين فالعلم الاجمالي في مواردهما وإن كان موجوداً إلاّ أنّ القضية الشرطية فيها ليست مركبة من قضية متيقنة وقضية مشكوك فيها، بل هي مركبة من قضيتين مشكوكتين، حيث إنّ العلم الاجمالي في موردهما قد تعلق بالجامع بين الاطلاق والتقييد وكل منها مشكوك فيه، وبما أنّ الأصل في طرف الاطلاق غير جار لعدم الكلفة فيه، فلا مانع من جريانه في طرف التقييد، وبذلك ينحل العلم الاجمالي حكماً، لما حققناه في الاُصول من أنّ تنجيز العلم الاجمالي إنّما يقوم على أساس عدم جريان الاُصول في أطرافه وسقوطها من جهة المعارضة.
وأمّا إذا افترضنا أنّ الأصل قد جرى في بعض أطـرافه بلا معارض، فلا يكون العلم الاجمالي مؤثراً، وما نحن فيه من هذا القبيل. فالنتيجة: أنّ ما فرضه (قدس سره) من تركب القضية في مورده ـ أي مورد العلم الاجمالي ـ هو

ــ[419]ــ

فرض انحلاله لا فرض وجوده.
وأمّا النقطة الثالثة: فهي لو تمت فانّما تتم في المثال الذي ذكرناه لا في المقام، والسبب فيه: هو أنّ المعلوم بالاجمال هنا وإن كان ذا علامة وتعيّن في الواقع، إلاّ أ نّه إنّما يمنع من انحلال العلم الاجمالي بالظفر بالمقدار المتيقن فيما إذا لم يكن في نفسه مردداً بين الأقل والأكثر كالمثال الذي قدّمناه آنفاً.
وأمّا إذا كان ما له العلامة والتعين مردداً أيضاً بين الأقل والأكثر، فبطبيعة الحال يكون حاله حال ما ليس له العلامة والتعين في الواقع، فكما أنّ ما ليس له العلامة والتعيّن فيه ينحل بالظفر بالمقـدار المتيقن والمعلوم، فكذلك ما له العلامة والتعين، وما نحن فيه كذلك، فانّ ما له العلامة والتعين فيه حاله حال ما ليس له العلامة والتعيّن، فلا فرق بينهما من هذه الناحية، يعني من ناحية الانحلال بالظفر بالمقدار المتيقن.
وإن شئت فقل: كما أنّ العلم الاجمالي بوجود التكاليف والمخصصات في الشريعة المقدّسة ينحل بالظفر بالمقدار المعلوم والمتيقن، كذلك العلم الاجمالي بوجود التكاليف والمخصصات في خصوص الكتب المعتبرة ينحل بذلك، والنكتة فيه أنّ المعلوم بالاجمال في هذا العلم الاجمالي كالمعلوم بالاجمال في العلم الاجمالي الأوّل، يعني أنّ أمره دائر بين الأقل والأكثر.
وعليه فبطبيعة الحال ينحل بالظفر بالمقدار الأقل تفصيلاً، فلا علم بعده بوجود المخصص أو المقيد في ضمن الأكثر، والشاهد عليه هو أ نّنا لو أفرزنا ذلك المقدار من الكتب المعتبرة فلا علم لنا بعده بوجود المخصص أو المقيد فيها، وهذا معنى انحلال العلم الاجمالي.

ــ[420]ــ

وعلى الجملة: أنّ قوام العلم الاجمالي إنّما هو بالقضية الشرطية المتشكلة في مورده على سبيل مانعة الخلو، فاذا انحلّت هذه القضية إلى قضيتين حمليتين: إحداهما متيقنة والاُخرى مشكوك فيها، فقد انحل العلم الاجمالي ولا يعقل بقاؤه.
والمفروض في المقام أ نّه قد انحلت هذه القضية إلى هاتين القضيتين، ومجرد كون المعلوم بالاجمال فيه ذا علامة وتعيّن في الواقع لا يمنع عن انحلاله بعد ما كان في نفسه مردداً بين الأقل والأكثر، كالمعلوم بالاجمال في العلم الاجمالي الأوّل، هذا من ناحية.
ومن ناحية اُخرى: أنّ ما أفاده (قدس سره) لا يتم في المثال الذي ذكرناه أيضاً بناءً على ضوء نظريته (قدس سره) من أنّ العلم الاجمالي مقتض للتنجيز لا علة تامة، والوجه في ذلك: هو أنّ المكلف إذا علم بوجود نجس بين إناءات متعددة مردد بين الواحد والأكثر وعلم أيضاً بنجاسة إناء زيد بالخصوص المعلوم وجوده بين هذه الاناءات، فانّه إذا علم بعد ذلك وجداناً أو تعبداً بنجاسة أحد تلك الاناءات بعينه، فهذا العلم التفصيلي كما يوجب انحلال العلم الاجمالي الأوّل المتعلق بوجود النجس بينها المردد بين الأقل والأكثر، كذلك يوجب ارتفاع أثر العلم الثاني، لاحتمال أنّ الاناء المعلوم نجاسته تفصيلاً هو إناء زيد، فلا علم بوجود إناء زيد بين الاناءات الباقية، كما لا علم بوجود النجس بينها، فاذن لا مانع من الرجوع إلى أصالة الطهارة في الاناءات الباقية، ولا يلزم من جريانها فيها مخالفة قطعية عملية، والمفروض أنّ المانع عن جريان الاُصول في أطراف العلم الاجمالي إنّما هو لزوم المخالفة القطعية العملية، فاذا افترضنا أنّ جريانها في أطرافه لا يستلزم تلك المخالفة فلا مانع منه.

 
 

ــ[421]ــ

وبكلمة اُخرى: أنّ تنجيز العلم الاجمالي يتوقف على تعارض الاُصول في أطرافه، بتقريب أنّ جريانها في الجميع مستلزم للمخالفة القطعية العملية، وفي البعض دون الآخر ترجيح من غير مرجّح، فلا محالة تسقط في الجميع، وأمّا إذا افترضنا أ نّه لا يلزم من جريانها في أطرافه المخالفة القطعية العملية التي هي المانع الوحيد عنه فلا يكون العلم الاجمالي منجّزاً، وحينئذ لا مانع من جريانها فيها. وما نحن فيه كذلك حيث إنّه لا مانع من جريان أصالة الطهارة في الاناءات الباقية بأجمعها، لفرض عدم لزوم المخالفة القطعية العملية منه التي هي ملاك المعارضة بين جريانها فيها الموجبة لسقوطها، فاذا جرت أصالة الطهارة فيها فبطبيعة الحال ينحل العلم الاجمالي فيصبح وجوده كعدمه.
وفي نهاية الشوط قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة، وهي أ نّه بناءً على أساس نظريتـه (قدس سره) من أنّ العلم الاجـمالي يكون مقتضـياً للتنجـيز لا العلة التامة كما قوّينا أيضاً هذه النظرية، لا يفرق بين كون المعلوم بالاجمال ذا علامة وتعيّن في الواقع وما لا علامة وتعيّن له، وما له العلامة لا يفرق فيه بين أن يكون مردداً بين الأقل والأكثر وما لا يكون مردداً بينهما، فانّ العلم الاجمالي في جميع هذه الصور ينحل بالظفر بالمقدار المعلوم، يعني أ نّه لا مانع بعد ذلك من الرجوع إلى الاُصول فيما عدا هذا المقدار المتيقن تفصيلاً، حيث إنّ المانع من الرجوع إليها في أطرافه إنّما هو وقوع المعارضة بينها، وحيث إنّ منشأه لزوم المخالفة القطعية العملية وهي غير لازمة في المقام في تمام هذه الشقوق [ فلا مانع من الرجوع إلى الاُصول ].
وقد تحصّل من مجموع ما ذكرناه: أنّ العلم الاجمالي بوجود المخصصات أو المقيدات لا يصلح أن يكون ملاكاً لوجوب الفحص، وإلاّ لكان لازمه عدم وجوبه بعد انحلاله مع أنّ الأمر ليس كذلك.

ــ[422]ــ

وأمّا النقطة الرابعة: فقد ظهر خطؤها مما ذكرناه، فانّ مجرد العلم الاجمالي بكون مقدار الدين مضبوطاً في الدفتر لا يوجب الاحتياط والفحص بعد الظفر بالمقدار المتيقن ثبوته، لفرض أ نّه قد انحل بعد الظفر بهذا المقدار إلى قضية متيقنة وقضية مشكوك فيها.
ومجرد كون المعلوم بالاجمال هنا ذا علامة وتعيّن في الواقع لا يمنع عن انحلاله كما عرفت آنفاً، ولا سيّما فيما إذا كان مردداً بين الأقل والأكثر كما هو كذلك في المثال، فانّه ينحل لا محالة بالظفر بالمقدار المتيقن.
وعليه فوجوب الفحص عن الزائد على هذا المقدار يحتاج إلى دليل آخر يدل عليه بعد عدم الاطمئنان باشتمال الدفتر على الزائد عنه.
ومن هنا لو لم يتمكن من الرجوع إلى الدفتر لضياعه أو نحو ذلك لم يجب عليه الاحتياط جزماً بأداء ما يقطع معه بفراغ الذمة واقعاً، بل يرجع إلى أصالة البراءة بالاضافة إلى الزائد على المقدار المعلوم والمتيقن، لفرض الشك في اشتغال الذمة به، وهذا دليل على أنّ العلم الاجمالي المزبور لا يكون منجّزاً للواقع على ما هو عليه.
ثمّ إنّ شـيخنا الاُسـتاذ (قدس سره) (1) بيّن وجهاً آخر لوجوب الفحص وحاصله: هو أنّ حجية أصالة العموم إنّما هي لكشفها عن مراد المتكلم في الواقع وهو متقوّم بجريان مقدمات الحكمة في مدخوله التي تكشف عن عدم دخل قيد مّا في مراده، نظراً إلى أنّ أداة العموم إنّما وضعت للدلالة على عموم ما يراد من مدخولها ولا تكون متكفلةً لبيان أنّ المراد من مدخولها هو الطبيعة المطلقة دون المقيدة، فانّ إثبات ذلك يتوقف على جريان مقدمات الحكمة كما
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 360 ـ 361.

ــ[423]ــ

تقدم ذلك في ضمن البحوث السالفة موسّعاً، هذا من ناحية.
ومن ناحية اُخرى: حيث إنّنا قد علمنا بعد مراجعة الأدلة الشرعية أنّ طريقة الشارع قد استقرت على إبراز مراداته وبيان مقاصده من ألفاظه الصادرة منه في هذا المقام بالقرائن المنفصلة حتى قيل إنّه لم يوجد عام في الكتاب والسنّة إلاّ وقد ورد عليه تخصيص منفصل عنه، لا يكون للعمومات الواردة فيهما ظهور تصديقي كاشف عن المراد قبل الفحص عن مخصصاتها. ومن الطبيعي أنّ ما لم يكن لها هذا الظهور، يعني الظهور التصديقي الكاشف عن المراد قبل الفحص عنها، لا محالة لا تكون حجةً يصح الاعتماد عليها.
وعلى ضوء هذا العلم، يعني العلم بأنّ ديدن الشارع قد استقر على ذلك، فقد انهدم أساس جريان مقدمات الحكمة في مدخول الأداة أي أداة العموم، فانّها إنّما تجري في مدخول العمومات التي يكون المتكلم بها في مقام بيان مراداته منها، ولم تستقر سيرته على بيان مقاصده بالقرائن المنفصلة كما هو الحال في عمومات الكتاب والسنّة حيث إنّها واردة في عصر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومخصصاتها قد وردت في عصر الأئمّة (عليهم السلام)، وكذا الحال في العمومات الصادرة منهم (عليهم السلام)، فان بناءهم ليس على إبراز مقاصدهم ومراداتهم في مجلس واحد لمصلحة دعت إلى ذلك أو لمفسدة في البيان.
ومن الطبيعي أنّ هذا العلم أوجب هدم أساس المقدمات فلا يعقل جريانها في مدخول مثل هذه العمومات، لفرض أنّ من مقدمات الحكمة عدم نصب المتكلم القرينة على الخلاف، فاذا علمنا من الخارج أنّ ديدن هذا المتكلم قد جرى على نصب القرينة المنفصلة على الخلاف فكيف تجري المقدمات في كلامه، فاذا لم تجر المقدمات لم ينعقد له ظهور تصديقي في العموم حتى يكون

ــ[424]ــ

كاشفاً عن مراده الجدي في الواقع.
فالنتيجة: أنّ عدم جواز التمسك بالعمومات أو المطلقات الواردة في الكتاب أو السنّة قبل الفحص إنّما هو لأجل هذه النكتة.
ولنأخذ بالنقد على هذا الوجه بأمرين:
الأوّل: ما ذكرناه سابقاً بشكل موسّع(1) من أنّ أداة العمومات بنفسها متكفلة لاثبات إطلاق مدخولها، يعني أ نّها تدل بمقتضى وضعها على تسرية الحكم إلى جميع ما يمكن أن ينطبق عليه مدخولها من دون حاجة إلى إجراء مقدمات الحكمة فيه.
الثاني: سوف ما نذكره إن شاء الله تعالى في مبحث المطلق والمقيد أنّ مقدمات الحكمة إنّما تجري لاثبات ظهور المطلق في الاطلاق، فاذا صدر كلام مطلق عن متكلم في مجلس ولم يصدر منه قرينة على الخلاف جرت مقدمات الحكمة فيه، وبها يثبت ظهوره في الاطلاق والعلم بأنّ سيرة المتكلم قد جرت على إبراز مراداته ومقاصده بالقرائن المنفصلة، وليس بناؤه على إبرازها في مجلس واحد لا يمنع عن جريان مقدمات الحكمة في كلامه إذا لم ينصب قرينةً متصلةً على الخلاف، والسبب فيه واضح هو أنّ القرينة المنفصلة لا تمنع عن انعقاد ظهور المطلق في الاطلاق، وإنّما هي تمنع عن حجية ظهوره فيه، والمفروض أنّ جريان مقدمات الحكمة إنّما هو لاثبات ظهوره فلا يكون العلم المزبور مانعاً عنه.
وعلى الجملة: فبناءً على تسليم نظريته (قدس سره) من أنّ دلالة أدوات العموم على إرادته من مدخولها تتوقف على جريان مقدمات الحكمة فيه، فما
ـــــــــــــــــــــ
(1) في ص 307.

ــ[425]ــ

أفاده (قدس سره) في المقام غير تام، فانّ القرائن المنفصلة لا تمنع عن جريان مقدمات الحكمة في المطلق لاثبات ظهوره في الاطلاق، والمانع عنه إنّما هو القرينة المتصلة، فالمراد من عدم البيان الذي هو من إحدى مقدماتها هو عدم البيان المتصل لا المنفصل، فلا يتوقف انعقاد ظهوره في الاطلاق على عدم بيانه أيضاً.
وعليه فلا محالة ينعقد ظهور العام في العموم، مع أنّ لازم ما أفاده (قدس سره) هو عدم جواز التمسك بالعموم فيما إذا كان المخصص المنفصل مجملاً، حيث إنّه يصلح أن يكون مانعاً عن جريان مقدمات الحكمة في مدخوله، فاذا لم تجر لم ينعقد ظهور العام في العموم.
أو فقل: إنّ عمومات الكتاب والسنّة لا تخلو من أن ينعقد لها ظهور في العموم ولا يتوقف انعقاده فيه على عدم وجود القرائن المنفصلة أو لا ينعقد لها ظهور فيه.
فعلى الأوّل لا بدّ من التزام شيخنا الاُستاذ (قدس سره) بعدم وجوب الفحص، حيث إنّ ملاكه على ما ذكره (قدس سره) إنّما هو عدم ظهور لها في العموم، فاذا افترضنا أنّ الظهور لها قد انعقد فيه فلا مقتضي له بعد ذلك.
وعلى الثاني لا بدّ له من الالتزام بعدم جواز التمسك بها حتى فيما إذا كان المخصص المنفصل مجملاً، ضرورة أ نّه لو توقف انعقاد ظهور العام في العموم على عدم البيان أصلاً حتى المنفصل فبطبيعة الحال لا يفرق في المخصص المجمل بين كونه متصلاً أو منفصلاً، فكما أنّ إجمال الأوّل يسري إلى العام ويمنع عن انعقاد ظهوره في العموم، فكذلك الاجمال الثاني مع أ نّه (قدس سره) غير ملتزم به.

ــ[426]ــ

إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجـة وهي أنّ هذه الوجوه التي ذكرت لوجوب الفحص لا يتم شيء منها.
فالصحيح في المقام أن يقال: إنّ ما دلّ على وجوب الفحص عن الحجة في موارد الاُصول العملية بعينه هو الدليل على وجوبه في موارد الاُصول اللفظية، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً، فالملاك لوجوبه في كلا البابين واحد، وذكرنا هناك أنّ ما دلّ على وجوبه أمران:




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net