وضع المفرد المعرّف باللام - وضع الجمع المحلى باللام 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 6477

فالنتيجة في نهاية الشوط: هي أ نّه لا فرق بين أسماء الأجناس وأعلام الأجناس وأنّ كلتيهما موضوعة للماهية المهملة من دون أخذ خصوصية من الخصوصيات فيها، والخصوصيات الطارئة عليها من ناحية الاستعمال لا دخل لها في المعنى الموضوع له. وأمّا ترتيب آثار المعرفة على أعلام الأجناس دون أسمائها فهو لا يتجاوز عن حدود اللفظ فحسب كالمؤنثات اللفظية التي لا يتجاوز تأنيثها عن حدود اللفظ فحسب.
ومنها: المفرد المعرّف باللام.
أقول: المعروف بينهم أنّ اللام على أقسام: الجنس والاستغراق والعهد بأقسامه من الذهني والذكري والخارجي، كما أنّ المعروف بينهم أنّ كلمة اللام موضوعة للدلالة على التعريف والتعيين في غير العهد الذهني.
وأورد على ذلك المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) بقوله: وأنت خبير بأ نّه لا تعيّن في تعريف الجنس إلاّ الاشارة إلى المعنى المتميز بنفسـه من بين المعاني ذهناً، ولازمه أن لا يصح حمل المعرّف باللام بما هو معرف على الأفراد، لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلاّ الذهن إلاّ بالتجريد، ومعه

ــ[523]ــ

لا فائدة في التقييد. مع أنّ التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف. هذا مضافاً إلى أنّ الوضع لما لا حاجة إليه بل لا بدّ من التجريد عنه وإلغائه في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه كان لغواً كما أشرنا إليه. فالظاهر أنّ اللام مطلقاً يكون للتزيين كما في الحسن والحسين، واستفادة الخصوصيات إنّما تكون بالقرائن التي لا بدّ منها لتعيينها على كل حال ولو قيل بافادة اللام للاشارة إلى المعنى، ومع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة إلى تلك الاشارة لو لم تكن مخلّةً، وقد عرفت إخلالها فتأمل جيداً (1).
ما أفاده (قدس سره) يتضمن عدّة نقاط:
الاُولى: أنّ كلمة اللام لو كانت موضوعة للدلالة على التعريف والتعيين فلازمه عدم إمـكان حمل المفرد المعرّف باللام على الخارجيات، وذلك لأنّ الجنس المعرّف بها لا تعيّن له في الخارج على الفرض، وعليه فلا محالة يكون تعيّنه في اُفق النفس، يعني أنّ كلمة اللام تدل على تعيينه وتمييزه من بين سائر المعاني في الذهن.
ومن المعلوم أنّ الموجود الذهني غير قابل للحمل على الموجود الخارجي إلاّ بالتجريد.
الثانية: أنّ لازم ذلك هو التصرف والتأويل في القضايا المتعارفة المتداولة بين العرف، حيث إنّ الحمل فيها على هذا غير صحيح بدون ذلك، مع أنّ التأويل والتصرف فيها لايخلوان عن التعسف، لفرض صحة الحمل فيها بدونهما.
ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول: 245.

ــ[524]ــ

الثالثة: أنّ وضع كلمة اللام لذلك لغو محض فلا يصدر من الواضع الحكيم.
الرابعة: أنّ كلمة اللام تدل على التزيين فحسب من دون أن تكون موضوعةً للدلالة على التعريف والتعيين.
ولنأخذ بالنظر في هذه النقاط: أمّا النقطة الاُولى فهي تبتني على كون كلمة اللام موضوعةً للدلالة على تعين مدخولها في اُفق الذهن بنحو يكون التعين الذهني جزء معناه الموضوع له أو قيده. ولكنّ الأمر ليس كذلك، فانّ وضعها للدلالة على التعريف والتعيين لا يستلزم كون التعين جزء معنى مدخولها أو قيده، ضرورة أنّ اسم الجنس موضوع لمعنى واحد سواء أكان مع اللام أو بدونه، وأ نّه مع اللام لم يوضع لمعنىً آخر غيره، هذا من ناحية.
ومن ناحية اُخرى: أ نّنا إذا راجعنا مرتكزاتنا الذهنية نرى أنّ كلمة اللام تدل على معنىً هي موضوعة بازائه وهو التعريف والاشارة، وليس بحيث يكون وجودها وعدمها سيّان وأ نّه لا أثر لها ما عدا التزيين، فيكون حالها حال أسماء الاشارة والضمائر من هذه الناحية، فكما أنّ اسم الاشارة موضوع للدلالة على تعريف مدخوله وتعيينه في موطنه حيث قد يشار به إلى الموجود الخارجي كقولنا: هذا زيد، وقد يشار به إلى الكلي كقولنا: هذا الكلي يعني الانسان مثلاً أخص من الكلي الآخر وهو الحيوان، بل قد يشار به إلى المعدوم كقولنا: هذا الشيء معدوم ولا وجود له، أو هذا القول معدوم وغير موجود بين الأقوال، فكذلك كلمة اللام فقد يشار بها إلى الجنس كقولنا: أكرم الرجل، وقد يشار بها إلى الاستغراق كقولنا: أكرم العلماء، بناءً على دلالة الجمع المعرّف باللام على العموم، وقد يشار بها إلى العهد الخارجي، وقد يشار بها إلى العهد الحضوري، فهي في جميع هذه الموارد قد استعملت في معنىً واحد، والاختلاف إنّما هو في المشار إليه بها.

ــ[525]ــ

وبكلمة اُخرى: أنّ ما دلت عليه كلمة اللام من التعريف والاشارة فهو غير مأخوذ في المعنى الموضوع له لمدخولها لا جزءاً ولا شرطاً، ولذا لا يختلف معنى المفرد المعرّف باللام عما إذا كان مجرّداً عنها، فشأنها الاشارة إلى معنى مدخولها، فإن كان جنساً فهي تشير إليه، وإن كان استغراقاً فهي تشير إليه وهكذا.
وكيف كان، فالظاهر أنّ دلالتها على هذا المقدار من المعنى غير قابلة للانكار وأ نّها مطابقة للارتكاز والوجدان في الاستعمالات المتعارفة وإن لم يكن لها مرادف في سائر اللغات كي نرجع إلى مرادفها في تلك اللغات ونعرف معناها، حيث إنّه من أحد الطرق لمعرفة معاني الألفاظ، إلاّ أنّ في المقام لا حاجة إلى هذا الطريق لوجود طريق آخر فيه وهو التبادر والارتكاز.
وأمّا العهد الذهني فالظاهر أنّ دخول كلمة اللام عليه لا يفيد شيئاً فيكون وجودها وعدمها سيّان، فلا فرق بين قولنا: لقد مررت على اللئيم وقولنا: لقد مررت على لئيم بدون كلمة اللام، فانّ المراد منه واحد على كلا التقديرين، وهو المبهم غير المعيّن في الخارج، ولا تدل كلمة اللام على تعيينه فيه، وأمّا دخولها عليه فهو إنّما يكون من ناحية أنّ الأسماء المعربة في كلمات العرب لم تستعمل بدون أحد اُمور ثلاثة: التنوين، الألف واللام، والاضافة، لا أ نّها تدل على شيء، ففي مثل ذلك صحّ أن يقال: إنّ اللام للتزيين فحسب كاللام الداخلة على أعلام الأشخاص، وببالي أنّ المحقق الرضي(1) ذهب إلى ذلك، أي كون اللام للتزيين في خصوص العهد الذهني.
فالنتيجة في نهاية الشوط: هي أنّ ما أفاده المحـقق صاحب الكفاية
ـــــــــــــــــــــ
(1) شرح الكافية 2: 129.

ــ[526]ــ

(قدس سره) من أنّ كلمة اللام لم توضع للدلالة على معنى وإنّما هي للتزيين فحسب خاطئ جداً ولا واقع موضوعي له على إطلاقه، وإنّما يتم في خصوص العهد الذهني فقط.
ومنها: الجمع المعرّف باللام ذكر المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) أنّ دلالته على العموم لا تخلو من أن تكون من جهة وضع المجموع لذلك، أو وضع خصوص كلمة اللام لها، يعني أ نّها إذا دخلت على الجمع تدل على ذلك. وأمّا ما ذكره بعض الأصحاب من أنّ كلمة اللام بما أ نّها موضوعة بازاء التعريف والاشارة فلا بدّ أن يراد جميع أفراد مدخولها حيث لا تعيين لسائر مراتبها ـ الافراد ـ إلاّ تلك المرتبة يعني المرتبة الأخيرة، فهو غير تام، وذلك لأ نّه كما أنّ لتلك المرتبة تعيناً في الواقع كذلك للمرتبة الاُولى وهي أقل مرتبة الجمع. فاذن لا دليل على تعيين تلك دون هذه، هذا.
ولكنّ الظاهر أنّ ما ذكره هذا البعض هو الصحيح، والسبب فيه ما ذكرناه في ضمن البحوث السالفة من أنّ هذه المرتبة أي أقل مرتبة الجمع أيضاً لا تعيّن لها في الخارج وإن كان لها تعيين بحسب مقام الارادة، فانّ الثلاثة التي هي أقل مرتبة الجمع تصدق في الخارج على الأفراد الكثيرة ولها مصاديق متعددة فيه كهذه الثلاثة وتلك وهكذا.
وبكلمة اُخرى: أنّ كل مرتبة من مراتب الأعداد كالثلاثة والأربعة والخمسة والستة وهكذا، كان قابلاً للانطباق على الأفراد الكثيرة في الخارج فلا تعيّن لها فيه، حيث إنّا لا نعلم أنّ المراد منها فيه هذه الثلاثة أو تلك وهكذا. نعم، لها تعيّن في اُفق النفس وفي إطار الارادة دون اُفق الخارج وإطاره، هذا
ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول: 245.

ــ[527]ــ

من ناحية.
ومن ناحية اُخرى: أنّ كلمة اللام تدل على التعين الخارجي. ومن ناحية ثالثة: أنّ التعين الخارجي منحصر في المرتبة الأخيرة من الجمع وهي إرادة جميع أفراد مدخوله، حيث إنّ له مطابقاً واحداً في الخارج فلا ينطبق إلاّ عليه، فاذن يتعين إرادة هذه المرتبة من الجمع يعني المرتبة الأخيرة دون غيرها بمقتضى دلالة كلمة اللام على التعريف والتعيين.
وأمّا احتمال وضع المجموع من حيث المجموع للدلالة على ذلك زائداً على وضع كلمة اللام ومدخولها فهو بعيد جداً، ضرورة أنّ الدال على إرادة هذه المرتبة إنّما هو دلالة كلمة اللام على التعريف والتعيين، نظراً إلى أ نّه لا تعيّن في الخارج إلاّ لخصوص هذه المرتبة، وكذا احتمال وضع كلمة اللام للدلالة على العموم والاستغراق ابتداءً بعيد جداً، لما عرفت من أ نّها لم توضع إلاّ للدلالة على التعريف والتعيين.
فالنتيجة: أنّ الجمع المعرف باللام يدل على إرادة جميع أفراد مدخوله على نحو العموم الاستغراقي.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net