الكلام في حجّية القطع 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5726


الكلام في حجّية القطع

 ويقع البحث في جهات ثلاث:

 الاُولى: في أنّ طريقيته ـ بمعنى انكشاف المقطوع به به ـ ذاتية أو جعلية ؟

 الثانية: في أنّ حجّيته ـ بمعنى كونه منجّزاً في صورة المطابقة للواقع ومعذّراً في صورة المخالفة ـ هل هي من لوازم ذاته أو ثابتة ببناء العقلاء أو بحكم العقل ؟

ــ[14]ــ

وقد خلط بين هاتين الجهتين في كلام الشيخ (قدس سره) (1) فراجع.

 الثالثة: في أ نّه هل يمكن للشارع المنع عن العمل به أم لا ؟

 أمّا الجهة الاُولى: فالصحيح فيها أنّ حقيقة القطع هو نفس الانكشاف وذاته، فلا يعقل الجعل فيه أصلاً بجميع أنحائه، لا بسيطاً وهو الجعل المتعلق بمفعول واحد، ولا مركباً وهو الجعل المتعلق بمفعولين، لا استقلالاً ولا تبعاً، فانّ ثبوت الشيء لنفسه ضروري والماهية هي هي بنفسها.

 وبالجملة: لا يتصور الجعل في الذات والذاتيات ـ أي ما هو جزء للماهية والذات ـ فلا معنى لجعل الانسان إنساناً، أي حيواناً ناطقاً، ولا لجعله ناطقاً أو حيواناً. نعم، يصح تعلّق الجعل البسيط بوجوده، وهذا هو معنى ما اشتهر من أنّ الله (سبحانه وتعالى) ما جعل المشمشة مشمشة بل أوجدها، فيمكن للمولى القادر إيجاد القطع الذي هو الانكشاف للعبد، بل يمكن للمولى العرفي أيضاً إيجاد القطع بايجاد المعدّات والمقدّمات.

 وأمّا الجهة الثانية: أعني حجّية القطع وكونه منجّزاً ومعذّراً، وربّما يعبّر عنها بوجوب متابعة القطع، فالأقوال فيها ثلاثة:

 الأوّل: أنّ حجّية القطع ثابتة ببناء العقلاء إبقاءً للنوع وحفظاً للنظام، فتكون من القضايا المشهورة باصطلاح المنطقيين، وهذا البناء قد أمضاه الشارع لذلك فيجب اتباعه.

 الثاني: أنّ حجّيته إنّما هي بالزام من العقل وبحكمه.

 الثالث: أنّ حجّية القطع من لوازمه العقلية، واختاره صاحب الكفاية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 1: 51.

ــ[15]ــ

(قدس سره) (1) حيث قال: وتأثيره في ذلك لازم وصريح الوجدان به شاهد وحاكم.

 أمّا القول الأوّل، ففيه أوّلاً: أنّ حجّية القطع ولزوم الحركة على طبقه كانت ثابتة في زمان لم يكن فيه إلاّ بشر واحد، فلم يكن فيه عقلاء ليتحقق البناء منهم، ولم يكن نوع ليكون العمل بالقطع لحفظه.

 وثانياً: أنّ الأوامر الشرعية ليست بتمامها دخيلة في حفظ النظام، فان أحكام الحدود والقصاص وإن كانت كذلك، والواجبات المالية وإن أمكنت أن تكون كذلك، إلاّ أنّ جلاً من العبادات ـ كوجوب الصلاة التي هي عمود الدين ـ لا ربط لها بحفظ النظام أصلاً.

 وأمّا القول الثاني، فيرد عليه: أنّ العقل شـأنه الادراك ليس إلاّ، وأمّا الالزام والبعث التشريعي فهو من وظائف المولى. نعم، الانسان يتحرّك نحو ما يراه نفعاً له، ويحذر ممّا يراه ضرراً عليه، وليس ذلك بالزام من العقل، بل المنشأ فيه حبّ النفس، ولا اختصاص له بالانسان، بل الحيوان أيضاً بفطرته يحبّ نفسه ويتحرّك إلى ما يراه نفعاً له، ويحذر ممّا أدرك ضرره. وبالجملة حبّ النفس وإن كان يحرّك الانسان إلى ما قطع بنفعه، إلاّ أ نّه تحريك تكويني لا بعث تشريعي. فظهر بما ذكرناه: أنّ الصحيح هو:

 القول الثالث، وهو أنّ حجّية القطع من لوازمه العقلية [ و ] أنّ العقل يدرك حسن العمل به وقبح مخالفته، ويدرك صحّة عقاب المولى عبده المخالف لقطعه، وعدم صحّة عقاب العامل بقطعه ولو كان مخالفاً للواقع، وإدراك العقل ذلك لا يكون بجعل جاعل أو بناء من العقلاء، لتكون الحجّية من الاُمور المجعولة أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 258.

ــ[16]ــ

من القضايا المشهورة، بل من الاُمور الواقعية الأزلية، كما هو الحال في جميع الاستلزامات العقلية. وظهر الكلام ممّا ذكرناه في:

 الجهة الثالثة، إذ بعد كون الحجّية من اللوازم العقلية للقطع امتنع المنع عن العمل به، مع أ نّه يلزم منه اجتماع الضدّين اعتقاداً مطلقاً ومطلقاً في صورة الاصابة، إذ مع القطع بوجوب شيء لو منع الشارع عن العمل بالقطع ورخّص في تركه، فلو كان القطع مطابقاً للواقع لزم اجتماع الوجوب والاباحة واقعاً واعتقاداً، ولو كان القطع مخالفاً للواقع لزم اجتماعهما اعتقاداً، والاعتقاد بالمحال لا يكون أقل من المحال في عدم إمكان الالتزام به.

 ولنكـتف هنا بهذا المقـدار، وأمّا التعرّض لما ذكره الأخـباريون من منع الشارع عن العمل بالقطع الحاصل من غير الكتاب والسنّة والجواب عنه، فيأتي الكلام فيه قريباً (1) إن شاء الله تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 58.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net