3 ـ العفو عمّا لا تتم في الصّلاة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7666


ــ[428]ــ

الثالث مما يعفى عنه : ما لا تتم فيه الصلاة (1) من الملابس كالقلنسوة والعرقچين والتكة والجورب والنعل والخاتم والخلخال ونحـوها ، بشرط أن لا يكون من الميتة(2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن الثوب والبدن ، حيث إنها شاملة للبول في مفروض المسألة وإن لم يكن مؤثراً في تنجيس ما وقع عليه لتنجسه في نفسه .

   الثالثة : ما إذا وقعت على نفس الدم الأقل ولم يصل إلى الثوب ولها صورتان : إحداهما : ما إذا يبست القطرة الواقعة حال الصلاة . ولا مانع فيها من الحكم بصحة الصلاة لعدم تنجس الثوب بالبول لأنه إنما وقع على الدم والنجس لا يتنجس ثانياً، كما لا عين للبول الواقع لارتفاعه ويبوسته ، فليس الثوب حينئذ إلاّ متنجساً بالدم الأقل وهو معفو عنه في الصلاة . وثانيتهما : ما إذا كانت القطرة الواقعة باقية حال الصلاة . والحكم بصحة الصلاة أو بطلانها وقتئذ يبتنيان على جواز حمل النجس في الصلاة وعدمه ، وحيث إنّ التحقيق جوازه فلا بدّ من الحكم بصحة الصلاة في مفروض المسألة . هذا إذا قلنا بعدم تنجس الدم بالبول ، وأما إذا قلنا بتنجسه فصحة الصلاة في كلتا الصورتين أعني صورتي يبوسة البول وعدمها تبتني على جواز حمل النجس، لأنّ النجاسة الدموية وإن كانت مورداً للعفو  إلاّ أن نجاسة البول باقية بحالها ولم يعف عنها في الصلاة .

   (1) العفو في الصلاة عما لا تتم فيه الصلاة في الجملة مما لا خلاف فيه ، بل ادعي عليه الاجماع في كلمات غير واحد من الأصحاب ، كما وردت في ذلك جملة من الأخبار عمدتها موثقة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «كل ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء مثل القلنسوة والتكة والجورب»(1) .

   (2) لأن موثقة زرارة كما ترى واردة فيما لا تتم فيه الصلاة إذا كان متنجساً بشيء من النجاسات أو المتنجسات كما لعله صريح قوله : «لا بأس بأن يكون عليه الشيء»

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 456 / أبواب النجاسات ب 31 ح 1 .

ــ[429]ــ

وقد صرّح بذلك أيضاً في خبره قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثم صلّيت ، فقال : لا بأس» (1) فالموثقة تختص بما إذا كان ما لا تتم فيه الصلاة نجساً بالعرض ولا تشمل ما إذا كان نجساً بالذات لكونه ميتة فلا محالة تشمله عموم المنع عن الصلاة في النجس .

   نعم هناك روايتان تدلان في نفسهما على عدم الفرق في العفو عما لا تتم الصلاة فيه بين النجس الذاتي والعرضي إحداهما : رواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الابريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل ويصلي فيه» (2) وذلك لاشتمالها على ما لم تشتمل عليه الموثقة المتقدمة كالتكة الابريسم والخف والزنار ، وهي باطلاقها تعم ما إذا كانت الاُمور المذكورة فيها نجسة بالعرض وما إذا كانت نجسة بالذات ، بل هي بأمثلتها ظاهرة في أنه (عليه السلام) بصدد بيان أن الموانع المقررة للصلاة مختصة بما تتم فيه فلا تكون مانعة فيما لا تتم فيه الصلاة فلا عبرة بكونه من الابريسم أو الميتة أو غيرهما .

   وثانيتهما : موثقة إسماعيل بن الفضل قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن لباس الجلود والخفاف والنعال والصلاة فيها إذا لم تكن من أرض المصلين ، فقال : أما النعال والخفاف فلا بأس بهما» (3) لعدم استفصالها بين ما إذا كانت الخفاف والنعال نجسة بالعرض وما إذا كانت نجسة بالذات وترك الاستفصال دليل العموم ، بل يأتي أنها صريحة في جواز الصلاة فيما لا تتم فيه الصلاة المأخوذ من أرض غير المصلين المحكوم بعدم تذكيته بمقتضى الاستصحاب فلا يختص الاستثناء بما إذا كان ما لا تتم فيه الصلاة نجساً بالعرض .

   ولكن في قبـالها صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبدالله (عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 456 / أبواب النجاسات ب 31 ح 3 .

(2) الوسائل 4 : 376 / أبواب لباس المصلي ب 14 ح 2 .

(3) الوسائل 4 : 427 / أبواب لباس المصلي ب 38 ح 3 .

ــ[430]ــ

السلام) في الميتة قال : «لا تصل في شيء منه ولا في شسع» (1) والذي يروي عنه ابن أبي عمير وإن كان غير مذكور في السند إلاّ أنه ينقلها عن غير واحد ، ومثله خارج عن المراسيل حيث إن ظاهره أن الرواية كانت مشهورة وثابتة عنده من غير خلاف ومن هنا ينقلها نقل المسلّمات . وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا (عليه السلام) قال : «سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أ ذكي هو أم لا ، ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلي فيه ؟ قال : نعم ، أنا أشتري الخف من السوق ويصنع لي وأصلي فيه وليس عليكم المسألة» (2) حيث تدل على أنه لو سأل عنه وظهر أنه من الميتة لم يجز له الصلاة فيه ، إذ لو جازت الصلاة فيه حتى مع ظهور كونه من الميتة لم يكن لردعه (عليه السلام) عن المسألة وجه صحيح .

   والتعارض بين هاتين الروايتين مع الروايتين السابقتين وإن كان ظاهراً في بادئ النظر إلاّ أنه لا تعارض بينهما حقيقة ، وذلك أما بالاضافة إلى خبر الحلبي فلأنه ضعيف السند بأحمد بن هلال لأنه مرمي بالغلو تارة وبالنصب اُخرى ولا يمكن الاعتماد على رواياته كما أسلفناه في بعض المباحث المتقدمة . على أ نّا لو أغمضنا عن سنده فدلالته على جواز الصلاة فيما لا تتم فيه الصلاة من الميتة بالاطلاق ولا تعارض بينه وبين الروايتين ، بل مقتضى قانون الاطلاق والتقييد أن يقيد الخبر بصحيحة ابن أبي عمير الناهية عن الصلاة في الميتة ولا في شسع وغيرها مما هو بمضمونها وبهذا تختص الرواية بما لا تتم فيه الصلاة من غير الميتة .

   وأما بالاضافة إلى موثقة إسماعيل بن الفضل فلا كلام فيها بحسب السند . وأما بحسب الدلالة فقد يقال : إنها كالرواية السابقة إنما دلت على جواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه من الميتة بترك استفصالها وإطلاقها ، ومقتضى قانون الاطلاق والتقييد أن نرفع اليد عن إطلاقها بصحيحتي ابن أبي عمير والبزنطي المتقدِّمتين .

   ويبعّده أوّلاً : أنّ السائل قد خص سؤاله بلباس الجلود والخفاف والنعال فلو كان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 343 / أبواب لباس المصلي ب 1 ح 2 ، ب 14 ح 6 .

(2) الوسائل 3 : 492 / أبواب النجاسات ب 50 ح 6 .

ــ[431]ــ

أراد منها النجس بالعرض لم يكن وجه لتخصيصه السؤال بها لوضوح عدم انحصار المتنجس بالمذكورات ، وهذه قرينة على أن سؤاله إنما كان من جهة نجاستها بالذات أو من جهة عدم تذكيتها لأنها كانت في أرض غير المصلين ـ  أي المسلمين  ـ والأصل في الجلود عدم التذكية فلا تصح فيها الصلاة إلاّ أن تقوم أمارة على التذكية من يد المسلمين وسوقهم أو غيرهما من الأمارات .

   وثانياً : أن الإمام (عليه السلام) رخّص الصلاة في النعال والخفاف ولم يرخّصها في الجلود ، فلو كان الوجه في ترخيصه هو اشتمال النعال والخفاف على النجاسة العرضية لم يكن فرق بينهما وبين لباس الجلود ، وذلك لأن السائل غير عالم بنجاستها العرضية على الفرض ومع الشك في نجاستها يبني على طهارتها بقاعدة الطهارة من دون تفصيل في ذلك بين لباس الجلود والنعال والخفاف ، فتفصيله (عليه السلام) بينهما أوضح قرينة على أن السؤال إنما كان من جهة الحكم بعدم تذكية النعال والخفاف بمقتضى أصالة عدم التذكية ، فيستفاد من الموثقة أن الميتة إنما تكون مانعة فيما تتم فيه الصلاة دون ما لا تتم فيه . وبما ذكرناه في المقام تكون الموثقة كالصريح ولا تكون دلالتها بالاطلاق حتى يقيد بالصحيحة المتقدمة .

   فالصحيح أن يقال : إن الصحيحة والموثقة تختلفان مورداً ولا يرد النفي والاثبات فيهما على محل واحد ومعه لا تعارض بينهما حقيقة . بيان ذلك : أن الميتة ـ  كما مرّ غير مرّة  ـ هو ما استند موته إلى سبب غير شرعي فهو عنوان وجودي وما لم يذك عنوان عدمي ، وهما وإن كانا متلازمين في الخارج إلاّ أنها مختلفان بحسب المفهوم والعنوان ولاختلافهما كذلك فكّكنا بين آثارهما وأحكامهما وقلنا إن النجاسة مترتبة على الميتة دون ما لم يذك فلا يثبت نجاسة اللحم أو الجلد أو غيرهما باستصحاب عدم تذكيته نعم هما مشتركان في بعض أحكامهما كحرمة الأكل وبطلان الصلاة . واختلاف الأحكام الشرعية باختلاف العناوين غير عزيز ولو كان مصداقها شيئاً واحداً . وقد بيّنا في الكلام على العفو عما دون الدرهم من الدم أن الأثر يختلف باختلاف كون الدم المانع مقيداً بالقيد الوجودي وكونه مقيداً بالقيد العدمي ، مع أن مصداقهما شيء واحد .

   فعلى ذلك لا معارضة بين الصحيحة والموثقة لأن الموثقة إنما سيقت بظاهرها لبيان

ــ[432]ــ

ولا من أجزاء نجس العين كالكلب وأخويه (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جواز الصلاة فيما شك في تذكيته إذا لم تتم فيه الصلاة فلا تنافي عدم جوازها فيما اُحرز أنه ميتة وغير مذكى وتوضيحه : أن غير المذكى وإن كان قد اُخذ بعنوانه في موضوع الحكم بعدم جواز الصلاة فيه إلاّ أن ذلك فيما تتم فيه الصلاة ، فمع الشك في التذكية يجري استصحاب عدمها وبه يحكم ببطلان الصلاة فيه بلا حاجة إلى إثبات أنه ميتة وأما ما لا تتم فيه الصلاة فلم يؤخذ في موضوع الحكم بعدم جواز الصلاة فيه إلاّ كونه ميتة دون عنوان عدم التذكية ، فان أحرزنا في مورد أنه ميتة ولم تقع عليه التذكية فيحكم ببطلان الصلاة فيه بمقتضى هذه الصحيحة ، وأما مع الشك في ذلك فلا مانع من الحكم بصحة الصلاة فيه كما هو مفاد الموثقة ، لأن استصحاب عدم التذكية لا يثبت به عنوان الميتة وإن كان مصداقهما حقيقة شيئاً واحداً .

   ثم لو أبيت إلاّ عن إطلاق الموثقة وشمولها لما علم كونه ميتة وما شك فيه فلا  مناص من تقييدها بهذه الصحيحة الدالة على عدم جواز الصلاة فيما علم كونه ميتة فلا يبقى بذلك تعارض بين الروايتين هذا ، فلو أبيت إلاّ عن اتحاد الميتة وغير المذكى وبنيت على تعارض الروايتين فان أمكن حمل الصحيحة المانعة عن الصلاة في الميتة على الكراهة فيما لا تتم فيه الصلاة من الميتة فهو ، وأما إذا استبعدنا ذلك فالروايتان متعارضتان ومقتضى القاعدة هو التساقط والرجوع إلى عموم ما دلّ على المنع عن الصلاة في النجس إذ لم يرد عليه تخصيص أو تقييد . والنتيجة إذن ما ذهب إليه الماتن (قدس سره) من اختصاص العفو فيما لا تتم فيه الصلاة بالنجاسة العرضية وعدم شموله للنجس بالذات ، لا تقييد الموثقة بالصحيحة أو بغيرها مما هو بمضمونها لأنه أمر لا موجب له كانت الروايتان متعارضتين أم لم تكن .

   (1) قد يُقال باسـتثناء ما كان من نجس العين عن العفو عما لا تتم فيه الصلاة معللاً بأنه ميتة لأن نجس العين غير قابل للتذكية ، وقد مر أن الصلاة في الميتة باطلة بمقتضى صحيحة ابن أبي عمير المتقدمة . وهذا الاستدلال من الفساد بمكان ، وذلك لعدم اختصاص الكلام بأجزاء الميتة بل البحث فيما يعم الميتة وغيرها ، كما إذا صنع

ــ[433]ــ

قلنسوة من شعر الكلب وهو حي أو من شعر خنزير أو مشرك كذلك فانه من أجزاء نجس العين وليس من الميتة في شيء لأنه من الحي ، بل لو فرضنا أن الحيوان قد مات أيضاً لا يكون شعره من الميتة لما قدّمناه سابقاً من أن الموت إنما يعرض على ما تحلّه الحياة فاذا انقضت حياته يقال إنه ميتة ، وأما ما لا تحلّه الحياة فهو لا يتصف بالموت بوجه فلا تعرضه نجاسته وإن كان نجساً بالذات ، فكونه مانعاً عن الصلاة إنما هو لكونه مما لايؤكل لحمه ومن النجاسات الذاتية لا لأجل كونه ميتة ، فتعليل عدم جواز الصلاة في أجزاء نجس العين بأنه ميتة تعليل عليل .

   فلا مناص من مراجعة الأخبار لنرى أنها تدل على العفو عما لا تتم فيه الصلاة ولو كان من أجزاء نجس العين أو لا تدل ؟ وقد مرّ أن عمدة الأخبار الواردة في المسألة موثقة زرارة وهي إنما دلت على العفو عن النجاسة العرضية لقوله (عليه السلام) : «فلا بأس بأن يكون عليه الشيء» ولا دلالة لها على العفو عن النجاسة الذاتية فيما لا  تتم فيه الصلاة ، فعموم مانعية النجس في الصلاة محكّم وهو يقضي ببطلان الصلاة في أجزاء نجس العين ولو كان مما لا تتم فيه الصلاة هذا .

   على أن الكلب والخنزير مما لايؤكل لحمه وهو بنفسه جهة مستقلة في المانعية عن الصلاة على ما نطقت به موثقة ابن بكير المتقدِّمة(1) ومن هنا ظهر أنّ موثقة زرارة ولو كانت شاملة لكل من النجاسة الذاتية والعرضية ـ  كما إذا  كانت الرواية هكذا : كل ما  كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون نجساً  ـ أيضاً لم يكن الاعتماد عليها ، لمعارضتها بموثقة ابن بكير ، وحيث إن دلالة الثانية بالعموم لاشتمالها على أداة العموم في قوله : «في كل شيء منه» فلا محالة تتقدم على موثقة زرارة لأن دلالتها بالاطلاق ، أو لو كانت دلالتها أيضاً بالعموم ـ  كما هو كذلك  ـ لاشتمالها على قوله «كل ما كان» فلا محالة يتساقطان فيرجع إلى عموم ما دلّ على المنع عن الصلاة في النجس ولا تصل النوبة معها إلى البراءة بوجه .

   بقي شيء وهو أن الموثقة كما أنها ناظرة إلى عموم مانعية النجس في الصلاة ـ  حيث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 410 .

ــ[434]ــ

والمناط عدم إمكان الستر بلا علاج ، فان تعمم أو تحزم بمثل الدستمال مما لا يستر العورة بلا علاج ، لكن يمكن الستر به بشده بحبل أو بجعله خرقاً لا مانع من الصلاة فيه . وأما مثل العمامة الملفوفة التي تستر العورة إذا فلّت فلا يكون معفواً إلاّ إذا خيطت بعد اللّف بحيث تصير مثل القلنسوة (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فرضت أن للصلاة مانعاً وهو النجاسة ودلّت على عدم البأس بها فيما لا تتم فيه الصلاة  ـ فهل لها نظر إلى أدلّة سائر الموانع أيضاً كما لايؤكل لحمه والابريسم بأن تدل على أن الموانع المقررة للصلاة إنما هي في غير ما لا تتم فيه ؟

   الصحيح أنه لا نظر لها إلى غير مانعية النجس ، لأنها وإن كانت مطلقة أو عامّة إلاّ أن ذيلها وهو قوله : «فلا بأس بأن يكون عليه الشيء» يخصصها أو يقيدها بالمانعية من جهة النجاسة وذلك لأن ما يوجب بأساً في الثوب إنما هو نجاسته لأنها توجب سقوطه عن قابلية الصلاة فيه ، وهذا بخلاف أجزاء ما لايؤكل لحمه كما إذا كان على الثوب وبَر منه مثلاً فانه لا يقال إن الثوب مما لا يصح الصلاة فيه بل هو مما تصح فيه الصلاة حتى مع وجود الوبر عليه ، وإنما الوبر بنفسه مما لا تصح الصلاة فيه ، فاذا عرفت ذلك فنقول : الموثقة اشتملت على أن كل ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء ، وهذا التعبير واللسان لا يناسبهما سوى إرادة النجاسة من الشيء ، لأن اشتمال الثوب على غير النجاسة من موانع الصلاة غير مولد للبأس فيه بخلاف النجاسة كما مر .

   (1) صرّح الصدوق في محكي كلامه بجواز الصلاة في العمامة المتنجسة معلّلاً بأنه مما لا تتم فيه الصلاة ونقله عن أبيه(1) ومستنده في ذلك إما رواية الفقه الرضوي : «إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة أو الجورب أو الخف مني أو بول أو دم أو غائط

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نقله العلاّمة عنهما في المختلف 1 : 327 المسألة 243 . قاله الصدوق في الفقيه 1 : 42 ذيل الحديث 167 ، المقنع : 14 ، الهداية : 15 .

ــ[435]ــ

فلا بأس بالصلاة فيه وذلك أن الصلاة لا تتم في شيء من هذه وحده» (1) وإما موثقة زرارة (2) وغيرها مما اشتمل على أن ما لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس أن يكون عليه الشيء مثل القلنسوة والتكة والجورب .

   أمّا رواية الفقه الرضوي فهي ضعيفة سنداً ودلالة . أما بحسب السند فواضح بل لم يثبت كونها رواية فضلاً عن أن تكون حجة شرعية . وأما بحسب الدلالة فلأن العمامة مما تتم فيه الصلاة وحده ، ولعل المراد بها في الرواية هو العمامة الصغيرة التي لا يمكن التستر بها لصغرها أو لخياطتها على نحو صارت كالقلنسوة . ويؤيده التعليل في ذيلها بقوله : «وذلك أن الصلاة لا تتم في شيء من هذه وحده» مع وضوح أن العمامة المتعارفة مما تتم فيه الصلاة .

   وأمّا موثقة زرارة وما هو بمضمونها فهي أيضاً قاصرة الدلالة على المدعى ، لأنّ موضوعها الثوب المتنجس وقد دلت على أن نجاسته إنما تكون مانعة فيما إذا تمت الصلاة فيه دون ما لا تتم فيه ، ومن الظاهر أن العمامة المتعارفة في حد ذاتها ثوب تجوز فيه الصلاة سواء لفت على الرأس ليصدق عليه العمامة أم لم تلف بل شد على الوسط ليصدق عليه اسم الازار والمئزر . وعلى الجملة أن الفل والفك لا يخرجان العمامة عن موضوع اللباس ، وبهذا تفترق عن التكة والجورب ونحوهما حيث لا تتم فيهما الصلاة إلاّ بالعلاج بالخياطة أو غيرها مما يخرجهما عن عنوان التكة والجورب ، إلاّ أن تخاط العمامة على وجه لو انفلت خرجت عما كانت عليه قبل فلها فانها حينئذ كالقلنسوة وغيرها مما لا تتم فيه الصلاة إلاّ بخروجه عن الموضـوع ، نعم العمامة الصغيرة التي لا يمكن التستر بها في الصلاة يعفى عن نجاستها العرضية لا محالة .

   ثم إن الظاهر المنصرف إليه مما ورد في الروايات من جواز الصلاة فيما لا تتم فيه الصلاة إنما هو ما لا تتم فيه الصلاة لصغره وعدم كونه قابلاً للتستر به ، وأما ما لا تتم فيه الصلاة لأجل أمر آخر ككـونه رقيقاً حاكياً عما تحـته فهو خارج عن منصرف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فقه الرضا : 95 .

(2) المتقدِّمة في ص 428 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net