الأمر الثالث : وجه تقسيم الشيخ مسائل الشك في التكليف إلى ثمانية 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4041


 الأمر الثالث: أنّ شيخنا الأنصاري (قدس سره) (1) جعل الشك في التكليف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 1: 356 و 357.

ــ[292]ــ

الذي هو مجرى للبراءة على أقسام ثمانية، باعتبار أنّ الشبهة تارةً تكون وجوبية، واُخرى تحريمية. وعلى كلا التقديرين إمّا أن يكون منشأ الشك فقدان النص أو إجماله أو تعارض النصّـين أو الاُمور الخارجية كما في الشبهات الموضـوعية. وتعرّض للبحث عن كل قسم مستقلاً.

 والوجه في هذا التقسيم والبحث عن كل قسم مستقلاً أمران:

 الأوّل: اختصاص بعض أدلة البراءة بالشبهة التحريمية، كقوله (عليه السلام): «كل شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (1).

 الثاني: أنّ النزاع المعروف بين الاُصـوليين والأخباريين أيضاً مختص بها، وأمّا الشبهة الوجوبية فوافق الأخباريون الاُصوليين في الرجوع إلى البراءة إلاّ المحدِّث الاسترابادي (2).

 ولا يخفى أنّ الأقسام غير منحصرة في ثمانية، إذ من الشك في التكليف الذي هو مورد للبراءة دوران الأمر بين الوجوب والحرمة والاباحة، وعليه كانت الأقسام اثني عشر لا ثمانية.

 وجعل صاحب الكفاية (قدس سره)(3) البحث عاماً لمطلق الشك في التكليف الجامع بين جميع الأقسام المذكورة، إلاّ فرض تعارض النصّين فأخرجه من هذا البحث، بدعوى أ نّه ليس مورداً للبراءة، لأنّ المتعيّن فيه الرجوع إلى المرجّحات، ومع فقدها يتخيّر. فالبحث عنه راجع إلى التعادل والترجيح لا إلى البراءة، لأنّ أصالة البراءة تكون مرجـعاً عند عدم الدليل، ومع وجود

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27: 173 / أبواب صفات القاضي ب 12 ح 67 (في الطبعة القديمة ح 60).

(2) الفوائد المدنية: 138.

(3) كفاية الاُصول: 338.

ــ[293]ــ

الدليل تعييناً ـ كما إذا كان أحد النصّين راجحاً على الآخر ـ أو تخييراً ـ كما إذا لم يكن لأحدهما ترجيح على الآخر ـ لا تصل النوبة إلى البراءة.

 أقول: أمّا ما صنعه الشيخ (قدس سره) من التقسيم والتعرّض للبحث عن كل قسم مستقلاً ففيه: أنّ ملاك جريان البراءة في جميع الأقسام واحد، وهو عدم وصول التكليف إلى المكلف. وعمدة أدلة القول بالبراءة أيضاً شاملة لجميع الأقسام. وهذا هو الوجه لذكر الشبهة الموضوعية الوجوبية والتحريمية في المقام، فانّ البحث عنها ليس من مسائل علم الاُصول، بل من مسائل الفقه كما هو ظاهر، فذكرها في المقام إنّما هو لعموم الأدلة لها. واختصاص بعض الأدلة بالشبهة التحريمية لا يوجب تكثير الأقسـام وإفرادها بالبحث مع كون الملاك في الجميع واحداً، وشمول عمدة الأدلة أيضاً للجميع. فالصحيح ما صنعه صاحب الكفاية (قدس سره) من تعميم البحث لمطلق الشك في التكليف الجامع لجميع الأقسام.

 ولكن يرد عليه أيضاً: أنّ إخراج تعارض النصّين على إطلاقه من بحث البراءة ممّا لا وجه له، لما سنذكره إن شاء الله تعالى في مبحث التعادل والترجيح(1)من أنّ مقتضى القاعدة في التعارض هو التساقط والرجوع إلى عام فوقهما، ومع عدمه يرجع إلى الأصل العملي، ولا ينحصر التعارض بخصوص الخبرين، بل يمكن وقوعه بين ظاهري الكتاب، ويرجع فيه بعد التساقط إلى الأصل العملي بلا كلام وإشكال، بل وكذا الحال إن وقع التعارض بين الخبرين بالعموم من وجه، وكان العموم في كل منهما ناشئاً من الاطلاق، فيسقط كلا الاطلاقين لعدم جريان مقدّمات الحكمة، ويرجع إلى الأصل العملي، بل وكذا الحال لو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الجزء الثالث من هذا الكتاب ص 440، 499.

ــ[294]ــ

كان التعارض بين الخبرين بالتباين أو بالعموم من وجه، مع كون العموم في كل منهما بالوضع مع عدم رجحان أحدهما على الآخر بموافقة الكتاب ولا بمخالفة العامّة، فانّ الخبرين يسقطان عن الحجّية ويرجع إلى الأصل العملي، لما سنذكره في بحث التعادل والترجيح (1) من عدم تمامية أدلة التخيير، ولا أدلة الترجيح بغير موافقة الكتاب ومخالفة العامّة من المرجحات التي ذكروها في المقام، فانّ أدلة التخيير وأدلة الترجيح بتلك المرجحات غير تامّة من حيث السند أو من حيث الدلالة أو من الجهتين.

 نعم، إذا وقع التعارض بين الخبرين بالتباين أو بالعموم من وجه، مع كون العموم فيهما بالوضع وكان أحدهما موافقاً لظاهر الكتاب أو مخالفاً للعامّة تعيّن الأخذ به بمقتضى رواية الراوندي (2) الدالة على كون موافقة الكتاب ومخالفة العامّة من المرجّحات في الخبرين المتعارضين، فلا يمكن الرجوع إلى الأصل العملي. وعليه فالمناسب بل المتعيّن إدخال تعارض الدليلين بجميع صوره في بحث البراءة، إلاّ صورة واحدة وهي ما إذا كان التعارض بين الخبرين بالتباين أو بالعموم من وجه مع كون العموم فيهما بالوضع، وكان أحدهما راجحاً على الآخر بموافقة الكتاب أو بمخالفة العامّة.
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر السابق ص 493 ـ 495، 508.

(2) الوسائل 27: 118 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 29.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net