2 ـ دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجية \ 3 - في مقام الامتثال 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4077


  وأمّا القسم الثاني: وهو دوران الأمر بين التخيير والتعيين في الحجّية، فيحكم فيه بالتعيين، لأنّ ما علم بحجّيته المرددة بين كونها تعيينية أو تخييرية قاطع للعذر في مقام الامتثال ومبرئ للذمّة بحسب مقام الظاهر يقيناً، وأمّا الطرف


ــ[530]ــ

الآخر المحتمل كونه حجّة على نحو التخيير، فهو محكوم بعدم الحجّية عقلاً وشرعاً، لما عرفت في أوّل بحث حجّية الظن (1) من أنّ الشك في الحجّية بحسب مقام الجعل مساوق للقطع بعدم الحجّية الفعلية، فكل ما شكّ في حجّيته لشبهة حكمية أو موضوعية لا يصحّ الاعتماد عليه في مقام العمل، ولا يصح إسناد مؤداه إلى المولى في مقام الافتاء، فتكون النتيجة هي الحكم بالتعيين.

  وأمّا القسم الثالث: وهو ما إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال لأجل التزاحم، فالحق فيه أيضاً هو الحكم بالتعـيين، وتحقيق ذلك يستدعي ذكر أمرين:

  الأوّل: أنّ التزاحم في مقام الامتثال يوجب سقوط أحد التكليفين عن الفعلية لعجز المكلف عن امتثالهما، ويبقى الملاكان في كلا الحكمين على حالهما، إذ المفروض أنّ عجز المكلف هو الذي أوجب رفع اليد عن أحد الحكمين في ظرف امتثال الآخر، وإلاّ كان الواجب عليه امتثالهما معاً لتمامية الملاك فيهما.

  الثاني: أنّ تفويت الملاك الملزم بعد إحرازه بمنزلة مخالفة التكليف الواصل في القبح واستحقاق العقاب بحكم العقل، ولا يرتفع قبحه إلاّ بعجز المكلف تكويناً أو تشريعاً، كما إذا أمره المولى بما لا يجتمع معه في الخارج، فما لم يتحقق أحد الأمرين يحكم العقل بقبح التفويت واستحقاق العقاب عليه.

  إذا عرفت هذين الأمرين فنقول: إذا كان أحد الواجبين المتزاحمين معلوم الأهمّية فلا محالة يكون التكليف الفعلي متعلقاً به بحكم العقل، والملاك في الطرف الآخر وإن كان ملزماً في نفسه، إلاّ أنّ تفويته مستند إلى عجزه تشريعاً، لأنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 128.

ــ[531]ــ

المولى أمره بصرف القدرة في امتثال الأهم، فيكون معذوراً في تفويته. نعم، لو عصى التكليف بالأهم كان مكلفاً بالمهم بناءً على ما ذكرناه في محلّه من إمكان التكليف بالضدّين على نحو الترتب (1).

  وإذا كان الواجبان المتزاحمان متساويين من حيث الملاك، فلا يعقل تعلّق التكليف الفعلي المطلق بخصوص أحدهما دون الآخر، لقبح الترجيح بلا مرجح، فلا مناص من الالتزام بتعلّق التكليف بكل منهما مشروطاً بعدم الاتيان بالآخر أو بهما معاً على نحو التخيير على الخلاف المذكور في شرح الواجب التخييري(2). وعلى كل تقدير لا إشكال في جواز الاكتفاء بأحدهما عن الآخر لعدم قدرته على أزيد من ذلك في تحصيل غرض المولى، وأمّا إذا كان أحدهما محتمل الأهمّية فلا إشكال في جواز الاتيان به وتفويت الملاك في الآخر، لدوران الأمر بين كونه واجباً متعيناً في مقام الامتثال، أو مخيراً بينه وبين الطرف الآخر. وعلى كل تقدير كان الاتيان به خالياً عن المحذور. وأمّا الاتيان بالطرف الآخر وتفويت الملاك الذي احتمل أهمّيته فلم يثبت جوازه، فانّه متوقف على عجز المكلف عن تحصيله تكويناً أو تشريعاً، والمفروض قدرته عليه تكويناً وهو واضح، وتشريعاً لعدم أمر المولى باتيان خصوص الطرف الآخر ليوجب عجزه عن تحصيل الملاك الذي احتمل أهمّيته، فلا يجوز تفويته وإلاّ لاستحقّ العقاب عليه بحكم العقل.

  وممّا ذكرناه ظهر الفرق بين هذا القسم والقسم الأوّل، فانّ الشك في التخيير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 2: 399.

(2) محاضرات في اُصول الفقه 2: 5، و 3: 207.

ــ[532]ــ

والتعيين في القسم الأوّل إنّما كان ناشـئاً من الشك في كيفـية الجعل والجهل بمقتضى التكليف وبما يفي بغرض المـولى، فلا مانع فيه من الرجوع إلى البراءة عن التكليف الزائد على القدر المتيقن، بخلاف الشك في هذا القسم، فانّه ناشئ من التزاحم وعدم القدرة على الامتـثال، بعد العلم بمتعلق التكليف وباشـتمال كل من الواجبين على الملاك الملزم، فلا مناص فيه من القول بالاشتغال تحصيلاً للفراغ اليقيني والأمن من العقوبة على كل تقدير.
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net