الثاني : حكم الزيادة العمدية والسهوية 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4790

 

التنبيه الثاني

 في حكم الزيادة عمداً أو سهواً في المركبات الاعتبارية. وتحقيق الكلام في ذلك يستدعي البحث أوّلاً: عن مفهوم الزيادة من جهتين: الاُولى: في إمكان تحقق الزيادة في المركبات الاعتبارية وعدمه. الثانية: في اعتبار قصد الزيادة في تحققها وعدمه.

 أمّا الجهة الاُولى: فقد يقال باستحالة تحقق الزيادة، لأنّ الجزء المأخوذ في المركب إن اُخذ فيه على نحو الاطلاق من دون تقييد بالوجوب الواحد أو الأكثر، فلا يعقل فيه تحقق الزيادة، إذ كل ما أتى به من أفراد ذلك الجزء كان مصداقاً للمأمور به، سواء كان المأتي به فرداً واحداً أو أكثر. وإن اُخذ فيه مقيداً بالوجود الواحد، أي اُخذ بشرط لا بالنسبة إلى الوجود الثاني، فالاتيان به مرّةً ثانية مستلزم لفقدان الجزء لا لزيادته، إذ انتفاء القيد المأخوذ في الجزء موجب لانتفاء المقيد، فكان الجزء المأخوذ في المأمور به منتفياً بانتفاء قيده، فلا يتصوّر تحقق الزيادة على كل تقدير.

 وفيه أوّلاً: أنّ اعتبار الاطلاق واللا بشرطية في الجزء لا ينافي تحقق الزيادة فيه، فانّ أخذ شيء جزءاً للمأمور به على نحو اللاّبشرطية يتصوّر على وجهين: أحدهما: أن يكون الطبيعي مأخوذاً في المركب من دون نظر إلى الوحدة والتعدد، وفي هذا لا يمكن تحقق الزيادة كما ذكر. ثانيهما: أن يكون مأخوذاً بنحو صرف

 
 

ــ[541]ــ

الوجود المنطبق على أوّل الوجودات، ففي مثل ذلك وإن كان انضمام الوجود الثاني وعدمه على حد سواء في عدم الدخل في جزئية الوجود الأوّل، فانّ هذا هو معنى أخذه لا بشرط، إلاّ أ نّه لا يقتضي كون الوجود الثاني أيضاً مصداقاً للمأمور به، وحينئذ تتحقق الزيادة بتكرر الجزء لا محالة.

 وثانياً: أنّ عدم صدق الزيادة حقيقةً بالدقّة العقلية ممّا لا يترتب عليه أثر، لأنّ الأحكام الشرعية تابعة للصدق العرفي، ومن الظاهر صدق الزيادة عرفاً ولو مع أخذ الجزء بشرط لا فضلاً عمّا إذا اُخذ على نحو لا بشرط. هذا كلّه فيما إذا كان الزائد من سنخ أجزاء المأمور به، كما إذا أتى بركوعين أو سجودين مثلاً. وأمّا إذا كان الزائد غير مسانخ لأجزاء المأمور به، فصدق الزيادة فيه عرفاً ظاهر لا خفاء فيه.

 أمّا الجهة الثانية: فتحقيق الكلام فيها هو التفصيل بين الموارد المنصوصة وغيرها، بأن يقال باعتبار القصد في تحقق عنوان الزيادة في غير الموارد المنصوصة، والوجه فيه: أنّ المركب الاعتباري كالصلاة مثلاً مركب من اُمور متباينة مختلفة وجوداً وماهيةً. والوحدة بينها متقوّمة بالقصد والاعتبار، فلو أتى بشيء بقصد ذلك المركب كان جزءاً له وإلاّ فلا. وأمّا الموارد المنصوصة فتحقق عنوان الزيادة فيها غير متوقف على القصد كالسجود، لما ورد من أنّ الاتيان بسجدة التلاوة في أثناء الصلاة زيادة فيها، فبالتعبد الشرعي يجري عليه حكم الزيادة وإن لم يكن من الزيادة حقيقة. ويلحق بالسجدة الركوع بالأولوية القطعية، ويترتب على ذلك عدم صحّة الاتيان بصلاة في أثناء صلاة اُخرى في غير الموارد المنصوصة، فانّ الركوع والسجود المأتي بهما بعنوان الصلاة الثانية محقق للزيادة في الصلاة الاُولى الموجبة لبطلانها، كما أفتى به جماعة من

ــ[542]ــ

الفقهاء: منهم المحقق النائيني (1) (قدس سره) والمرحوم السيّد الاصفهاني (2)(قدّس الله أسرارهم).

 إذا عرفت تحقيق القول في مفهوم الزيادة، فنقول: إنّ الشك في بطلان العمل من جهة الزيادة يكون ناشئاً من الشك في اعتبار عدمها في المأمور به، ومن الظاهر أنّ مقتضى الأصل عدمه ما لم يقم دليل على اعتباره، فلا بأس بالزيادة العمدية فضلاً عن الزيادة السهوية. هذا فيما إذا لم تكن الزيادة موجبةً للبطلان من جهة اُخرى، كما إذا قصد المكلف امتثال خصوص الأمر المتعلق بما يتركب من الزائد، فانّه لا إشكال في بطلان العمل في هذا الفرض إذا كان عبادياً، لأنّ ما قصد امتثاله من الأمر لم يكن متحققاً وما كان متحققاً لم يقصد امتـثاله. نعم، لو قصد المكلف امتثال الأمر الفعلي، وقد أتى بالزائد لاعتقاد كونه جزءاً للمأمور به من جهة الخطأ في التطبيق أو من جهة التشريع في التطبيق صحّ العمل، لما عرفت من أنّ الزيادة بنفسها لا توجب البطلان. والتشريع في التطبيق وإن كان قبيحاً عقلاً وشرعاً إلاّ أ نّه لا ينافي التقرّب بامتـثال الأمر الموجود، وقد أتى بمتعلقه وقصد امتثاله كما هو المفروض.

 هذا ما تقتضيه القاعدة بلا فرق بين عمل دون عمل وبين جزء دون جزء، إلاّ أ نّه وردت نصوص تدل على بطلان الصلاة والطواف بالزيادة، فلا بدّ من ملاحظتها والحكم بما يستفاد منها من الصحّة أو البطلان بالزيادة، فنقول: أمّا الصلاة فالروايات الواردة فيها على طوائف:

 الطائفة الاُولى: ما تدلّ على بطلانها بالزيادة مطلقاً كقوله (عليه السلام):

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العروة الوثقى (المحشّاة) 3: 327 المسألة السابعة وكذا المسألة الثامنة.

(2) لاحظ العروة الوثقى (المحشّاة) 3: 327 المسألة السابعة.

ــ[543]ــ

«من زاد في صلاته فعليه الاعادة» (1).

 الطائفة الثانية: ما تدلّ على بطلانها بالزيادة السهوية كقوله (عليه السلام): «إذا استيقن أ نّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها، فاستقبل صلاته استقبالاً» (2).

 الطائفة الثالثة: ما تدلّ على بطلانها بالاخلال سهواً في الأركان بالزيادة أو النقصان. وأمّا الاخلال بغير الأركان سهواً فلا يوجب البطلان، كقوله (عليه السلام): «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور والقبلة والوقت والركوع والسجود» (3).

 وتوهّم اختصاص هذا الحديث الشريف بالنقيصة لعدم تصوّر الزيادة في الوقت والقبلة والطهور ـ كما عن المحقق النائيني (4) (قدس سره) ـ مدفوع بأنّ ظاهر الحديث أنّ الاخلال بغير هذه الخمس لا يوجب الاعادة، والاخلال بها يوجب الاعادة، سواء كان الاخلال بالزيادة أو النقيصة. وهذا المعنى لا يتوقف على أن تتصوّر الزيادة والنقيصة في كل واحد من هذه الخمس، فعدم تحقق الزيادة في الوقت والقبلة والطهـور في الخارج لا يوجب اختصـاص الحديث بالنقيصة، بعد قابلية الركوع والسجود للزيادة والنقيصة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8: 231 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2.

(2) المصدر السابق ح 1 وفيه: «... زاد في صلاته المكتوبة ركعة» لكن المنقول هنا موافق للكافي 3: 354 و 355 ح 2 والتهذيب 2: 194 ح 763 والاستبصار 1: 376 / ح 1428.

(3) الوسائل 7: 234 / أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 4.

(4) [ يتّضح بمراجعة تقريراته (قدس سره) في الفقه والاُصول أ نّه يرى شمول «لا تعاد» للزيادة والنقيصة فلاحظ أجود التقريرات 3: 528 وفوائد الاُصول 4: 238 وكتاب الصلاة 3: 24 ].

ــ[544]ــ

 ومقتضى الجمع بين هذه الروايات هو الحكم ببطلان الصلاة بالزيادة العمدية مطلقاً، وبالزيادة السهوية أيضاً إن كان الزائد من الأركان، وبعدم البطلان بالزيادة السهوية إن كان الزائد من غير الأركان.

 وذلك لأنّ الطائفة الاُولى الدالة على البطلان بالزيادة وإن كانت عامّة من حيث العمد والسهو، ومن حيث كون الزائد ركناً أو غير ركن، إلاّ أ نّها خاصّة بالزيادة، فالنسبة بينها وبين حديث لا تعاد ـ الدال على عدم بطلان الصلاة بالاخلال سهواً في غير الأركان ـ هي العموم من وجه، لأنّ حديث لا تعاد وإن كان خاصاً من جهة أنّ الحكم بالبطلان فيه مختص بالاخلال بالأركان، إلاّ أ نّه عام من حيث الزيادة والنقصان.

 كما أنّ الطائفة الثانية الدالة على البطلان بالزيادة السهوية عامّة من حيث الأركان وغيرها وخاصّة بالزيادة، فالنسبة بينها وبين حديث لا تعاد أيضاً هي العموم من وجه، فتقع المعارضة في مورد الاجتماع، وهو الزيادة السهوية في غير الأركان، فانّ مقتضى الطائفة الاُولى والثانية بطلان الصلاة بها. ومقتضى حديث لا تعاد عدم البطلان، إلاّ أنّ حديث لا تعاد حاكم عليهما، بل على جميع أدلة الأجزاء والشرائط والموانع كلّها، لكونه ناظراً إليها وشارحاً لها، إذ ليس مفاده انحصار الجزئية والشرطية في هذه الخمس، بل مفاده أنّ الاخلال سهواً بالأجزاء والشرائط التي ثبتت جزئيتها وشرطيتها لايوجب البطلان إلاّ الاخلال بهذه الخمس، فلسانه لسان الشرح والحكومة، فيقدّم على أدلة الأجزاء والشرائط بلا لحاظ النسبة بينه وبينها، كما هو الحال في كل حاكم ومحكوم.

 فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الزيادة العمدية موجبة لبطلان الصلاة مطلقاً بمقتضى إطلاق الطائفة الاُولى، وبمقتضى الأولوية القطعية في الطائفة الثانية. ولا معارض لهما، لاختصاص حديث لا تعاد بالاخلال السهوي، لظهوره في إثبات الحكم

ــ[545]ــ

لمن أتى بالصلاة ثمّ التفت إلى الخلل الواقع فيها، فلا يعمّ العامد. وأنّ الزيادة السهوية موجبة للبطلان إن كانت في الأركان بمقتضى إطلاق الطائفتين الاُولى والثانية وخصوص حديث لا تعاد. وأمّا الزيادة السهوية في غير الأركان فهي مورد المعارضة، وقد عرفت أ نّه لا مناص من تقديم حديث لا تعاد والحكم بعدم البطلان فيها. هذا كلّه في الزيادة.

 وأمّا النقيصة فلا ينبغي الشك في بطلان الصلاة بها إن كانت عمدية بمقتضى الجزئية والشرطية، وإلاّ لزم الخلف كما هو ظاهر. وأمّا إن كانت سهوية فهي موجبة للبطلان إن كانت في الأركان دون غيرها من الأجزاء والشرائط بمقتضى حديث لا تعاد.

 وأمّا الطواف فلا إشكال في بطلانه بالزيادة العمدية، لما ورد من أنّ الطواف مثل الصلاة، فإذا زدت فعليك بالاعادة (1). وأمّا الزيادة السهوية فلا توجب البطلان، فان تذكّر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه وليس عليه شيء، وإن تذكر بعده فلا شيء عليه أيضاً، إلاّ أ نّه مخيّر بين رفع اليد عن الطواف الزائد وبين أن يجعله طوافاً مستقلاً، فيضم إليه ستّة أشواط حتّى يتم طوافان، ولا ينافيه ما ورد (2) من عدم جواز اقتران الاسبوعين لاختصاصه بصورة العمد. وحكم الزيادة العمدية والسهوية في السعي هو حكم الطواف.

 وأمّا النقيصة العمـدية فلا إشكال في كونها موجبةً لبطلان الطـواف. وأمّا النقيصة السهوية فلا توجب البطلان، فان تذكّر وهو في محل الطواف فيأتي بالمنسي ويتم طوافه، وإن تذكر وهو ساع بين الصفا والمروة، فيقطع السعي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 13: 366 / أبواب الطواف ب 34 ح 11 (باختلاف).

(2) الوسائل 13: 370 / أبواب الطواف ب 36 ح 3 وغيره.

ــ[546]ــ

ويرجع إلى البيت، ويتم طوافه ثمّ يسعى، وإن لم يتذكّر إلاّ وقد أتى أهله فيستنيب من يطوف عنه. وكل ذلك للنصوص الواردة في المـقام فراجع (1)والتفصيل موكول إلى محلّه في الفقه (2).
 ـــــــــــــــ

(1) الوسائل 13: 357 و 363 و 404 / أبواب الطواف ب 32 و 34 و 56.

(2) شرح المناسك 29: 60 وما بعدها / المسألة 312 وما بعدها.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net