الرابع : دوران الأمر بين الجزئية والشرطية وبين المانعية والقاطعية 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 3947

 

التنبيه الرابع

 في حكم ما إذا تردد الأمر بين جزئية شيء أو شرطيته، وبين مانعيّته أو قاطعيته، بمعنى أ نّا نعلم إجمالاً باعتبار أحد الأمرين في الواجب إمّا فعل هذا الشيء أو تركه. وتحقيق الكلام فيه يستدعي البحث في مسائل ثلاث:

 المسألة الاُولى: ما إذا كان الواجب واحداً شخصياً لم تكن له أفراد طولية ولا عرضية، كما إذا ضاق الوقت ولم يتمكن المكلف إلاّ من الاتيان بصلاة واحدة، ودار الأمر بين الاتيان بها عارياً أو في الثوب المتنجس، والحكم فيه هو التخيير بلا شبهة وإشكال، إذ الموافقة القطعية متعذرة، والمخالفة القطعية بترك الصلاة رأساً غير جائزة يقيناً، فلم يبق إلاّ الموافقة الاحتمالية الحاصلة بكل واحد من الأمرين، وهذا واضح.


ــ[563]ــ

 المسألة الثانية: ما إذا كانت الوقائع متعددة وإن لم يكن للواجب أفراد طولية ولا عرضية، كما إذا دار الأمر بين كون شيء شرطاً في الصوم أو مانعاً عنه، وحيث إنّ المكلف به متعدد فالحكم فيه هو التخيير الابتدائي، فله أن يختار الفعل في جميع الأيام أو الترك كذلك، ولا يجوز له أن يأتي به في يوم ويتركه في يوم آخر، لكونه موجباً للمخالفة القطعية. وقد تقدّم أنّ العقل يحكم بقبحها ولو كانت تدريجية ملازمةً للموافقة القطعية أيضاً من جهة. ومرّ تفصيل الكلام فيه في بحث دوران الأمر بين المحذورين (1).

 المسألة الثالثة: ما إذا كان الواجب واحداً ذا أفراد طولية بحيث يكون المكلف متمكناً من الاحتياط وتحصيل العلم بالموافقة بالاتيان بالواجب مع هذا الشيء مرّةً وبدونه اُخرى، كما في المثال المذكور في المسألة الاُولى، مع سعة الوقت، فهل الحكم في مثل ذلك هو التخيير أيضاً أو الاحتياط وتكرار العمل ؟

 ظاهر شيخنا الأنصاري (2) (قدس سره) ابتناء هذه المسألة على النزاع في دوران الأمر بين الأقل والأكثر، فعلى القول بوجوب الاحتياط هناك لا بدّ من الاحتياط في المقام أيضاً، وعلى القول بالبراءة فيه يحكم بجريان البراءة في المقام، فانّ العلم الاجمالي باعتبار وجود شيء أو عدمه لا أثر له، لعدم تمكن المكلف من المخالفة العملية القطعية، لدوران الأمر بين فعل شيء وتركه، وهو لا يخلو من أحدهما، مع قطع النظر عن العلم الاجمالي، فلم يبق إلاّ الشك في الاعتبار، وهو مورد لأصالة البراءة.

 ولكن التحقيق وجوب الاحتياط والاتيان بالواجب مع هذا الشيء مرّةً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 398.

(2) فرائد الاُصول 2: 502 و 503.

ــ[564]ــ

وبدونه اُخرى، وذلك لأنّ المأمور به هو الطبيعي وله أفراد طولية، فالمكلف متمكن من الموافقة القطعية بتكرار العمل، ومن المخالفة القطعية بترك العمل رأساً، فيكون العلم الاجمالي منجّزاً للتكليف لا محالة، فيجب الاحتياط. وأمّا عدم التمكن من المخالفة القطعية في الفرد الخارجي لاستحالة ارتفاع النقيضين فهو لا ينافي تنجيز العلم الاجمالي بعد تمكن المكلف من المخالفة القطعية في اصل المأمور به وهو الطبيعة، إذ الاعتبار إنّما هو بما تعلّق به التكليف لا بالفرد الخارجي، فلا مناص من القول بوجوب الاحتياط في المقام، وإن قلنا بالبراءة في دوران الأمر بين الأقل والأكثر، إذ في المقام لنا علم إجمالي باعتبار شيء في المأمور به، غاية الأمر أ نّا لا ندري أنّ المعتبر هو وجوده أو عدمه في المأمور به، فلا بدّ من الاحتياط والاتيان بالعمل مع وجوده تارةً وبدونه اُخرى، تحصيلاً للعلم بالفراغ، بخلاف دوران الأمر بين الأقل والأكثر، فانّه ليس فيه إلاّ احتمال اعتبار شيء في المأمور به، فيكون مجرى للبراءة على ما مرّ تفصيل الكلام فيه (1)، فكيف يقاس العلم بالاعتبار على الشك فيه، ومن العجيب أنّ الشيخ (2)(قدس سره) التزم بوجوب الاحتياط عند دوران الأمر بين القصر والتمام، مع أ نّه داخل تحت كبرى هذه المسألة ومن صغرياتها، لأنّ الركعة الثالثة والرابعة أمرهما دائر بين الجزئية والمانعية كما هو واضح. وإن شئت قلت: إنّ التسليم في الركعة الثانية على تقدير وجوب القصر جزء للواجب، وعلى تقدير وجوب التمام مانع عن الصحّة ومبطل للصلاة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 497 وما بعدها.

(2) فرائد الاُصول 2: 441 و 442.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net