أدلة الاستصحاب 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5608


 فنقول: قد استدلّ على حجية الاستصحاب باُمور:

 الأوّل: دعوى السـيرة القطعـية من العقلاء على العمل على طبق الحالة السابقة، بل عمل الانسان على طبق الحالة السابقة ليس من حيث كونه إنساناً بل من حيث كونه حيواناً، لاسـتقرار سيرة سائر الحـيوانات على ذلك، فانّ الحيوان يمشي إلى المرتع السابق ويرجع إلى دار صاحبه عملاً بالحالة السابقة.

 والكلام في هذا الدليل يقع في مقامين: الأوّل: في ثبوت هذه السيرة. والثاني: في حجيتها.

 أمّا الأوّل: فالتحقيق عدم ثبوت هذه السيرة من العقلاء، فانّ عملهم على طبق الحالة السابقة على أنحاء مختلفة:

 فتارةً يكـون عملهم لاطمـئنانهم بالبقاء كما يرسل تاجر أموالاً إلى تاجر آخر في بلدة اُخرى لاطمئنانه بحياته، لا للاعتماد على مجرد الحالة السابقة، ولذا لو زال اطمئنانه بحياته كما لو سمع أ نّه مات جماعةٌ من التجار في تلك البلدة لم يرسل إليه الأموال قطعاً.

 واُخرى يكون عملهم رجاءً واحتياطاً، كمن يرسل الدرهم والدينار إلى ابنه الذي في بلد آخر ليصرفهما في حوائجه، ثمّ لو شك في حياته فيرسل إليه أيضاً للرجاء والاحتياط حذراً من وقوعه في المضيقة على تقدير حياته.

 وثالثة يكون عملهم لغفلتهم عن البقاء وعدمه، فليس لهم التفات حتى يحصل لهم الشك فيعملون اعتماداً على الحالة السابقة، كمن يجيء إلى داره بلا التفات إلى بقاء الدار وعدمـه، ومن هذا الباب جري الحيوانات على الحالة

ــ[12]ــ

السابقة، فانّه بلا شعور والتفات إلى البقاء وعدمه، فلم يثبت استقرار سيرة العقلاء على العمل اعتماداً على الحالة السابقة.

 ويدل على ما ذكرنا: أنّ ارتكاز العقلاء ليس مبنياً على التعـبد، بأن كان رئيسهم قد أمرهم بالعمل على طبق الحالة السـابقة، بل هو مبني على منشأ عقلائي، كما أنّ جميع ارتكازيات العقلاء ناشئة من المبادئ العقلائية، ولو كانت هنا جهة عقلائية تقتضي العمل على طبق الحالة السابقة لفهمناها، فانّا من جملتهم.

 وذكر المحقق النائيني (قدس سره) أنّ عملهم على طبق الحالة السابقة إنّما هو بإلهام إلهي حفظاً للنظام(1).

 وفيه: أنّ المنكرين لحجية الاستصحاب لم يختل النظام عليهم بعدُ، ولو كان حفظ النظام يقتضي ذلك لاختل على المنكرين.

 وأمّا الكلام في المقام الثاني: وهو حجية السيرة على تقدير ثبوتها، فالحق هو حجيتها، لأنّ الشارع مع القدرة على الردع لم يردعهم عن ذلك. وعدم الردع مع القدرة عليه يدل على الرضا.

 وأمّا ما ذكره صاحب الكفاية (قدس سره) من أ نّه تكفي في الردع الآيات الناهية عن العمل بغير علم(2)، فهو ينافي ما تقدّم منه في بحث حجية الخبر الواحد من أنّ الآيات واردة في اُصول الدين أوّلاً، وأنّ الردع بها لا يكون إلاّ على وجه دائر ثانياً (3) فما ذكره من الجوابين عن الآيات الناهية عن العمل بغير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 4: 30، فوائد الاُصول 4: 332.

(2) كفاية الاُصول: 387.

(3) كفاية الاُصول: 303.

ــ[13]ــ

علم في بحث حجية الخبر هو الجواب في المقام أيضاً. مضافاً إلى جواب ثالث ذكرناه في بحث حجية الخبر(1) وهو أنّ الآيات الناهية إرشادية إلى عدم العمل بالظن، لاحتمال مخالفة الواقع والابتلاء بالعقاب، كما في حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل، فلا تشمل الظن الذي يكون حجةً ببناء العقلاء، للقطع بالأمن من العقاب حينئذ، والعقل لا يحكم بأزيد مما يحصل معه الأمن من العقاب. وهذا الجواب أيضاً جار في المقام، نعم ما ذكره في هامش الكفاية من التمسك باستصحاب حجية الخبر لو قيل بسقوط كل من السيرة والآيات عن الاعتبار(2) لا يجري في المقام، لأنّ الكلام في حجية الاستصحاب ولا يمكن إثباتها بالاستصحاب، كما هو ظاهر.

 الثاني: أنّ ثبوت شيء في السابق مع الشك في بقائه موجبٌ للظن ببقائه، وكلّ ما كان كذلك يجب العمل به.

 وفيه: منع الصغرى والكبرى، أمّا الصغرى فلأ نّه لو كان المراد هو الظن الشخصي، فهو واضح البطلان في جميع الموارد، ولو كان المراد هو الظن النوعي الناشئ من غلبة الأفراد، فهو أيضاً كذلك، إذ لا تتصور جهة جامعة بين جميع الأشياء من حيث البقاء النوعي، فانّ البقاء النوعي لأفراد الانسان إلى مدّة كالستين سنة مثلاً، ولا يكون البقاء النوعي لغيره من الحيوانات إلى هذه المدّة، بل في بعضها الأقل من ذلك وفي بعضها الأكثر منه، فليس لنا سبيل إلى إحراز غلبة البقاء في جميع الأشياء الثابتة حتى يحصل لنا الظن النوعي بالبقاء في الفرد المشكوك بقاؤه. وأمّا الكبرى فلحرمة العمل بالظن بالأدلة الأربعـة على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الجزء الثاني من هذا الكتاب ص 232.

(2) كفاية الاُصول: 304.

ــ[14]ــ

ما تقدّم بيـانه في بحث الظـن(1)، إلاّ ما دلّ الدليل على اعتباره بالخصـوص، وليس لنا دليل على حجية الظن في خصوص المقام.

 الثالث: دعوى الاجماع على حجية الاستصحاب.

 وفيه: أنّ حجية الاستصحاب عند القائلين بها مستندة إلى مبان مختلفة مذكورة في كلامهم، فليس هناك إجماع تعـبدي كاشف عن رضا المعصوم (عليه السلام)، فلا بدّ من ملاحظة المدرك. مضافاً إلى أ نّه لا اتفاق في المسألة فانّها محل للخلاف. ومما ذكرنا ظهر عدم حجية الاجماع المنقول في المقام، وإن قلنا بحجيته في غير هذا المقام.
ـــــــــــــــــ

(1) في الجزء الثاني من هذا الكتاب ص 128.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net