التفصيل بين الشك في وجود الرافع ورافعية الموجود - التفصيل بين الأحكام الوضعية والتكليفية 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 7559


 إلاّ أ نّه ينبغي لنا التعرض لتفصيلين آخرين ذكرا في المقام:

 الأوّل: التفصيل في الشك في الرافع بين الشك في وجود الرافع والشك في رافعية الموجود، بالالتزام بحجية الاستصحاب في الأوّل دون الثاني.

 الثاني: التفصيل بين الأحكام التكليفية والوضعية.

  أمّا التفصيل الأوّل فقد التزم به المحقق السبزواري(3) (قدس سره) بتقريب

ــــــــــــ
(3) ذخيرة المعاد: 115.

ــ[91]ــ

أنّ الشك إذا كان في وجود الرافع كان رفع اليد عن اليقين نقضاً لليقين بالشك، فمن كان متيقناً بالطهارة من الحدث وشك في تحقق النوم مثلاً، فرفع اليد عن الطهارة وعدم ترتيب آثارها إنّما هو للشك في النوم ومستند إليه، فيصدق عليه نقض اليقين بالشك، فيكون مشمولاً لقوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشك... » وأمّا إذا كان الشك في رافعية الموجود فليس رفع اليد عن الطهارة مستنداً إلى الشك بل إلى اليقين بوجود ما يحتمل كونه رافعاً، لأنّ المعلول يستند إلى الجزء الأخير من العلة، فلا يكون من نقض اليقين بالشك، بل من نقض اليقين باليقين، سواء كان الشك في رافعية الموجود من جهة الشبهة الموضوعية كما إذا شك بعد الطهارة في أنّ الرطوبة الخارجة بعدها بول أو مذي، أو من جهة الشبهة الحكمية كما إذا شك في أنّ الرعاف ناقض للطهارة أم لا، فرفع اليد عن الطهارة في المثالين مستند إلى اليقين بوجود ما يحتمل كونه رافعاً لا إلى الشك في رافعيته، لأ نّا لو فرضنا عدم تحقق اليقين المذكور، لا يكون مجرد الشك في رافعية الرطوبة المرددة أو في رافعية الرعاف مثلاً ناقضاً لليقين بالطهارة ورفع اليد عنها، فالموجب لرفع اليد عن الطهارة إنّما هو اليقين بوجود ما يحتمل كونه رافعاً.

 والجواب عنه: أنّ كل يقين لا يوجب رفع اليد عن اليقين بالطهارة لولا احتمال كون المتيقن رافعاً لها، فانّ اليقين بشيء أجنبي لا يوجب نقض اليقين بالطهارة، حتى يكون من نقض اليقين باليقين، بل نقض اليقين باليقين إنّما يصدق فيما إذا كان اليقين الثاني متعلقاً بارتفاع متعلق اليقين الأوّل، كما إذا تيقن بالطهارة ثمّ تيقن بارتفاعها بالنـوم مثلاً، كما أنّ الشك الموجب لرفع اليد عن اليقين الذي يصدق عليه نقض اليقين بالشك إنّما هو فيما إذا تعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين، كي تتحد القضية المتيقنة والقضية المشكوكة، فرفع اليد عن

ــ[92]ــ

الطهارة المتيقنة في المثالين مستند إلى الشك في رافعية الشيء الموجود، لا إلى اليقين بوجوده، إذ اليقين بوجود شيء بمجرده لا يوجب رفع اليد عن الطهارة.

 وأمّا ما ذكره من أ نّه لو فرض الشك في نقض الرعاف مثلاً للطهارة مع عدم اليقين بوجوده في الخارج، لم يكن مجرد الشك موجباً لرفع اليد عن الطهارة، لعدم التنافي بين اليقين بالطهارة الفعلية والشك في كون الرعاف ناقضاً لها، فالناقض إنّما هو العلم بوجود الرعاف في الخارج، فرفع اليد عن اليقين السابق به نقض لليقين باليقين لا بالشك، فهو مغالطة ظاهرة، لأنّ الشك المفروض في كلامه إنّما هو الشك في كبرى انتقاض الطهارة بالرعاف، وهو لا يوجب رفع اليد عن الطهارة ألبتّة، لاجتماعه مع اليقين بالطهارة الفعلية، وإنّما الموجب لرفع اليد عن الطهارة المتيقنة هو الشك في انتقاض الطهارة بالرعاف الموجود خارجاً بالفعل الذي لا يجتمع مع اليقين بالطهارة الفعلية، وبعد كون رفع اليد عن الطهارة المتيقنة مستنداً إلى الشك، كان مشمولاً لدليل حرمة نقض اليقين بالشك، فلا يبقى فرق في حجية الاستصحاب بين الشك في وجود الرافع والشك في رافعية الموجود.

 وأمّا التفصيل الثاني، فقبل التعرض له لا بدّ من بيان حقيقة الحكم والفرق بين الحكم التكليفي والوضعي، فنقول:

 الحكم الشرعي من سنخ الفعل الاختياري الصادر من الشارع، وليس هو عبارة عن الارادة والكراهة أو الرضا والغضب، فانّها من مبادئ الأحكام تعرض للنفس بغير اختيار، وليست من سنخ الأفعال الاختيارية، فالحكم عبارة عن اعتبار نفساني من المولى، وبالانشاء يبرز هذا الاعتبار النفساني،

ــ[93]ــ

لا أ نّه يوجد به كما مرّ(1)، فهذا الاعتبار النفساني تارةً يكون بنحو الثبوت وأنّ المولى يثبت شيئاً في ذمة العبد ويجعله ديناً عليه، كما ورد في بعض الروايات أنّ دين الله أحق أن يقضى(2)، فيعبّر عنه بالوجوب، لكون الوجوب بمعنى الثبوت(3)، واُخرى يكون بنحو الحرمان، وأنّ المولى يحرم العبد عن شيء ويسد عليه سبيله، كما يقال في بعض المقامات: إنّ الله تعالى لم يجعل لنا سبيلاً إلى الشيء الفلاني، فيعبّر عنه بالحرمة، فانّ الحرمة هو الحرمان عن الشيء(4)، كما ورد أنّ الجنة محرّمة على آكل الربا (5) مثلاً، فانّ المراد منه المحرومية عن الجنّة، لا الحرمة التكليفية، وثالثةً يكون بنحو الترخيص وهو الاباحة بالمعنى الأعم، فانّه تارةً يكون الفعل راجحاً على الترك، واُخرى بالعكس، وثالثةً لا رجحان لأحدهما على الآخر، وهذا الثالث هو الاباحة بالمعنى الأخص.

 فهذه هي الأحكام التكليفية، والعبارة الجامعة أنّ الأحكام التكليفية عبارة عن الاعتبار الصادر من المولى من حيث الاقتضاء والتخيير، كما هو مذكور في بعض الكلمات، وما سواها كلّه أحكام وضعية، سواء كان متعلقاً بفعل المكلف، كالشرطية والمانعية والصحة والفساد أم لا كالملكية والزوجية وغيرهما، فكل اعتبار من الشارع سوى الخمسة المذكورة حكم وضعي. وبعد ما عرفت المراد من الحكم، والفرق بين التكليفي منه والوضعي، فهل الحكم الوضعي مجعول

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مرّ في ص 85، ولمزيد الاطلاع راجع محاضرات في اُصول الفقه 1: 92.

(2) سنن النسائي 5: 118.

(3) كما في المنجد: 887 والمصباح المنير: 648.

(4) المنجد: 128، المصباح المنير: 131.

(5) ورد مضمونه في الوسائل 18: 117 / أبواب الربا ب 1.

ــ[94]ــ

بالاستقلال أو منتزع من التكليف أو فيه تفصيل؟




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net