الاختلاف في أنّ الطهارة والنجاسة من الأحكام الوضعية - الاختلاف في الصحة والفساد من حيث انّهما مجعولان 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4680


ــ[100]ــ

 منها: الطهارة والنجاسة، فذهب الشيخ(1) (قدس سره) إلى أ نّهما من الاُمور الواقعية، فالطهارة عبارة عن النظافة الواقعية، والنجاسـة عبارة عن القذارة الواقعية، وكشف عنهما الشارع، كخواص بعض الأدوية التي لا يعرفها إلاّ أهل الخبرة والتجربة، فالطهارة والنجاسة من هذا القبيل، وليستا من الاُمور المجعولة كالأحكام التكليفية.

 وفيه أوّلاً: أ نّه خلاف ظواهر الأدلة، إذ ظاهرها أنّ الشارع حكم بالنجاسة في شيء وبالطهارة في شيء آخر بما هو شارع، لا أ نّه أخبر عن حقيقة الأشياء بما هو من أهل الخبرة.

 وثانياً: أ نّه خلاف الوجدان بالنسبة إلى بعض الموارد، فانّه وإن كان يمكن القول به في مثل البول والغائط والكلب وغيرها بأن يقال: إنّ الحكم بنجاسة هذه الأشياء إخبار عن قذارتها الواقعية، إلاّ أ نّه لا يمكن القول به في مثل ولد الكافر المحكوم بالنجاسة للتبعية، فانّ القول بأنّ الحكم بنجاسة الولد قبل إقرار الوالد بالشهادتين إخبار عن قذارته الواقعية، والحكم بطهارته بعده إخبار عن نظافته الواقعية خلاف الوجدان، وكيف تتبدل قذراته الواقعية الخارجية بمجرد تلفظ والده بالشهادتين سيّما إذا كان بعيداً عنه، وإن كان تبدل القذارة الواقعية بالنظافة الواقعية بالتلفظ بالشهادتين بالنسبة إلى نفس الوالد ممكناً. وأمّا التبدل الخارجي بالنسبة إلى الولد فلعله خلاف المقطوع به.

 نعم، لاننكر كون الحكم بالطهارة والنجاسة من قبل الشارع لأجل خصوصية وملاك في الموضوع، كما في الأحكام التكليفية عند العدلية. ولا يبعد أن يكون الملاك والمصلحة في الحكم بنجاسة الكفار تنفّر المسلمين عنهم لئلا يتخذوا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الطهارة: 335 النظر السادس فيما يتبع الطهارة.

 
 

ــ[101]ــ

أخلاقهم وعاداتهم، فانّ الحكم بنجاستهم يوجب تنفر المسلمين عنهم لئلا يبتلى برطوباتهم في البدن واللباس حتى يحتاجون إلى التطهير للصلاة وغيرها، فيأمنون من أخلاقهم الردية وعاداتهم الرذيلة، ولم يراع المسلمون في يومنا هذا الحكم، حتى صاروا متخلّقين بأخلاقهم، وصاروا بمنزلتهم في المآكل والمشارب.

 ويمكن أن يكون الحكم بنجاسة الخمر أيضاً بهذا الملاك وهو التنفر، فبعد حكم الشارع بحرمته حكم بنجاسته أيضاً ليوجب التنفر عنه، وهذا المعنى مراد الشهيد (قدس سره) من عبارته التي نقلها الشيخ (قدس سره) في المكاسب(1) من أنّ النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة والأغذية للاستقذار أو للتوصل بها إلى الفرار، فالظاهر أنّ مراده من التوصل بها إلى الفرار هو ما ذكرناه.

 وثالثاً: أ نّه لا يمكن القول بأنّ الحكم بالطهارة إخبار عن النظافة الواقعية في الطهارة الظاهرية، إذ الحكم بطهارة الشيء المشكوك فيه الذي يمكن أن يكون نجساً في الواقع لا يمكن أن يكون إخباراً عن النظافة الواقعية، ولا بدّ من القول بمجعولية الطهارة في مثله.

 فتحصّل: أنّ الصحيح كون الطهارة مجعولةً من قبل الشارع، غاية الأمر أنّ الطهارة الواقعية مجعولة للشيء بعنوانه الأوّلي، والطهارة الظاهرية مجعولة له بعنوان أ نّه مشكوك فيه.

 ومنها: الصحة والفساد، فهل هما مجعولتان مطلقاً أو ليستا بمجعولتين كذلك، أو يفصّل بين العبادات والمعاملات بالالتزام بعدم الجعل في الاُولى، والجعل في الثانية؟ فيه خلاف.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 1: 100.

ــ[102]ــ

 اختار صاحب الكفاية (قدس سره)(1) التفصيل، بدعوى أنّ الصحة والفساد في العبادات عبارة عن مطابقة المأتي به للمأمور به وعدمها، والمطابقة وعدمها أمران تكوينيان لا ربط لهما بالجعل الشرعي، بخلاف المعاملات فانّ الصحة والفساد فيها عبارة عن ترتب الأثر وعدمه، والحكم بترتب الأثر ـ كما في البيع وبعدمه كما في الربا ـ مجعول شرعي، هذا.

 والصحيح: أنّ الصحة والفساد ليستا من المجعولات الشرعية مطلقاً، فانّ الطبيعة الكلية المجعولة لا تتصف بالصحة والفساد، وإنّما المتصف بهما هو الفرد الخارجي المحقق أو المقدر، فيقال: إنّ البيع الفلاني صحيح لكونه واجداً للشرائط، أو فاسد لعدم كونه واجداً لها، فالصحة والفساد من أوصاف الفرد الخارجي المحقق وجوده أو المقدر، فكل فرد يكون مطابقاً للطبيعة المجعولة صحيح، وكل فرد لم يكن من مصاديقها فاسد، بلا فرق بين العبادات والمعاملات. فالصحة والفساد في العبادات والمعاملات منتزعتان من انطباق الطبيعة المجعولة على الفرد الخارجي وعدمه، وليستا مجعولتين.

 هذا في الصحة والفساد الواقعيتين، وأمّا الصحة والفساد الظاهريتين، فحيث إنّ موضوعهما الفرد المشكوك فيه، فللشارع أن يحكم بترتيب الأثر عليه، وأن يحكم بعدمه، فلا محالة تكونان مجعولتين من قبل الشارع، فقد حكم بالصحة الظاهرية في بعض الموارد كما في الشك بعد تجاوز المحل وبعد الفراغ، وحكم بالفساد في موارد اُخرى كما في بعض الشكوك في ركعات الصلاة.

 فتحصّل مما ذكرناه: أنّ الصحيح هو التفصيل بين الصحة والفساد الواقعيتين والظاهريتين، والالتزام بكون الأوّل غير مجعول والثاني مجعولاً، بلا فرق بين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 183 و 184.

ــ[103]ــ

العبادات والمعاملات.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net