تنبيهات الاستصحاب \ 1 ـ الاستصحاب الاستقبالي 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5547

 

التنبيه الأوّل

 أ نّه لا فرق في جريان الاستصحاب بين أن يكون المتيقن سابقاً والمشكوك فيه فعلياً، كما إذا علمنا بعدالة زيد سابقاً وشككنا في بقائها فعلاً، أو يكون المتيقن فعلياً والمشكوك فيه استقبالياً، كما إذا علمنا بعدالة زيد الآن وشككنا في بقائها إلى اليوم الآتي مثلاً، ويسمى بالاستصحاب الاستقبالي.

 ومورد بعض أدلة الاستصحاب وإن كان هو القسم الأوّل بالخصوص كما في قوله (عليه السلام): «... لأ نّك كنت على يقين من طهارتك... »(1) إلاّ أنّ عموم التعليل في بعضها يقتضي عدم الفرق بين القسمين، إذ قوله (عليه السلام): «إنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في صحيحة زرارة الثانية وقد تقدّمت في ص 58.

ــ[107]ــ

اليقين لا ينقض بالشك» يدل على أنّ ملاك الاستصحاب هو عدم جواز نقض اليقين بالشك، بلا فرق بين كون المتيقن سابقاً والمشكوك فيه فعلياً، وكون المتيقن فعلياً والمشكوك فيه استقبالياً.

 نعم، لا بدّ في جريان الاستصحاب الاستقبالي من الثمرة الفعلية، ففي مثال العلم بعدالة زيد الآن مع الشك في بقائها إلى اليوم الآتي، لا مجال لجريان الاستصحاب لعدم ترتب ثمرة فعلية على عدالته في اليوم الآتي مع عدالته الآن يقيناً، فجريان الاستصحاب الاستقبالي مختص بموارد الثمرة الفعلية.

 ومن جملة هذه الموارد مسألة جواز البدار لذوي الأعذار، فمن كان عاجزاً عن بعض الأجزاء أو الشرائط في أوّل الوقت مع العلم ببقاء عجزه إلى آخر الوقت، يجوز له البدار بلا إشكال، لأ نّه مأمور بالعمل الفاقد، ومخيّر عقلاً بين الأفراد الطولية والعرضية لهذا العمل الفاقد، كما كان مخيراً بين الأفراد الطولية والعرضية للعمل الواجد في صورة عدم العجز.

 ولو كان عالماً بزوال عذره إلى آخر الوقت، لا يجوز له البدار بل يجب عليه الانتظار، إذ ليس مأموراً باتيان العمل في خصوص أوّل الوقت حتى ينتقل إلى البدل فيه، بل هو مأمور بطبيعي العمل، فليس له الانتقال إلى البدل إلاّ بعد تعذر جميع أفراد المبدل منه، أمّا مع الشك في بقاء عذره لا يجوز له البدار لعدم العلم بكون البدل مأموراً به في هذا الوقت، إلاّ أنّ استصحاب بقاء العذر يكون بمنزلة العلم ببقائه بالتعبد الشرعي فيجوز له البدار، فان لم يظهر الخلاف إلى آخر الوقت، فليس عليه شيء، وإن انكشف الخلاف وزال عذره قبل خروج الوقت، فالاجتزاء بالبدل وعدمه مبني على القول بالاجزاء في الأمر الظاهري، فان قلنا به فلا تجب عليه الاعادة، وإن قلنا بعدمه كما هو التحقيق فتجب عليه الاعادة.

ــ[108]ــ

 هذا في غير التيمم من الأبدال الاضطرارية. وأمّا التيمم فقد ورد في بعض الروايات ما يدل باطلاقه على جواز البدار، كما في صحيحة الحلبي «أ نّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء، قال (عليه السلام): يتيمم بالصعيد، فاذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة»(1) ونحوها صحيحة اُخرى للحلبي(2).

 ولكن بعض الروايات نص في عدم جواز البدار كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «سمعته يقول (عليه السلام): إذا لم تجد ماءً وأردت التيمم، فأخّر التيمم إلى آخر الوقت، فان فاتك الماء لم تفتك الأرض»(3) وحيث إنّ مورد الثانية هو الشك في زوال العذر، إذ عدم جواز البدار إنّما هو مع رجاء زوال العذر لا مع العلم ببقائه، والرواية الدالة على جواز البدار مطلقة شاملة لصورتي اليأس والرجاء، فيتعين حملها على صورة اليأس والحكم بعدم جواز البدار مع رجاء زوال العذر، إذ مقتضى الجمع بين المطلق والمقيد حمل المطلق على المقيد، فتكون النتيجة عدم جواز البدار إلى التيمم مع الشك في زوال العذر إلى آخر الوقت.

 وأفتى السيد (قدس سره) في العروة(4) عكس ما ذكرناه من التفصيل بين التيمم وغيره، فقال بجواز البدار في التيمم دون غيره من الأبدال الاضطرارية ولم يظهر لنا وجهه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)، (2) الوسائل 3: 366 و 367 / أبواب التيمم ب 14 ح 1 و 4.

(3) الوسائل 3: 384 / أبواب التيمم ب 22 ح 1.

(4) العروة الوثقى 1: 355 و 379 و 380 / المسألة [ 1141، 1203، 1205 ].




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net