تفصيل الأنصاري بين الواسطة الخفية وغيرها - تفصيل آخر لصاحب الكفاية في المقام 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4702


 الأمر الثاني: أ نّه استثنى الشيخ (قدس سره) (1) من عدم حجية الأصل المثبت ما إذا كانت الواسطة خفيةً بحيث يعدّ الأثر أثراً لذي الواسطة في نظر العرف ـ وإن كان في الواقع أثراً للواسطة ـ كما في استصحاب عدم الحاجب، فان صحة الغسل ورفع الحدث وإن كان في الحقيقة أثراً لوصول الماء إلى البشرة، إلاّ أ نّه بعد صب الماء على البدن يعدّ أثراً لعدم الحاجب عرفاً.

 وزاد صاحب الكفاية (2) مورداً آخر لاعتبار الأصل المثبت، وهو ما إذا كانت الواسطة بنحو لا يمكن التفكيك بينها وبين ذي الواسطة في التعبد عرفاً، فتكون بينهما الملازمة في التعبد عرفاً، كما أنّ بينهما الملازمة بحسب الوجود واقعاً، أو كانت الواسطة بنحو يصح انتساب أثرها إلى ذي الواسطة، كما يصح انتسابه إلى نفس الواسطة، لوضوح الملازمة بينهما.

 ومثّل له في هامش الرسائل(3) بالعلة والمعلول تارةً وبالمتضايفين اُخرى،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2: 664 و 665.

(2) كفاية الاُصول: 415 و 416.

(3) درر الفوائد في الحاشية على الفرائد: 355 و 360.

ــ[190]ــ

بدعوى أنّ التفكيك بين العلة والمعلول في التعبد مما لا يمكن عرفاً، وكذا التفكيك بين المتضايفين، فاذا دلّ دليل على التعبد باُبوّة زيد لعمرو مثلاً، فيدل على التعبد ببنوّة عمرو لزيد، فكما يترتب أثر اُبوّة زيد لعمرو كوجوب الانفاق لعمرو مثلاً، كذا يترتب أثر بنوّة عمرو لزيد كوجوب إطاعة زيد مثلاً، لأ نّه كما يجب على الأب الانفاق للابن، كذلك يجب على الابن إطاعة الأب، والأوّل أثر للاُبوّة، والثاني أثر للبنوّة مثلاً، أو نقول: إنّ أثر البنوّة أثر للاُبوّة أيضاً، لوضوح الملازمة بينهما، فكما يصح انتساب وجوب الاطاعة إلى البنوّة، كذا يصح انتسابه إلى الاُبوّة أيضاً. وكذا الكلام في الاُخوّة، فاذا دلّ دليل على التعبد بكون زيد أخاً لهند مثلاً، فيدل على التعبد بكون هند اُختاً لزيد، لعدم إمكان التفكيك بينهما في التعبد عرفاً، أو نقول يصح انتساب الأثر إلى كل منهما لشدة الملازمة بينهما، فكما يصح انتساب حرمة التزويج إلى كون زيد أخاً لهند، كذا يصح انتسابها إلى كون هند اُختاً لزيد، وهكذا سائر المتضايفات.

 أقول: أمّا ما ذكره الشيخ (قدس سره) من كون الأصل المثبت حجةً مع خفاء الواسطة لكون الأثر مستنداً إلى ذي الواسطة بالمسامحة العرفية، ففيه: أ نّه لا مساغ للأخذ بهذه المسامحة، فانّ الرجوع إلى العرف إنّما هو لتعيين مفهوم اللفظ عند الشك فيه أو في ضيقه وسعته مع العلم بأصله في الجملة، لأن موضوع الحجية هو الظهور العرفي، فالمرجع الوحيد في تعيين الظاهر هو العرف، سواء كان الظهور من جهة الوضع أو من جهة القرينة المقالية والحالية، ولا يجوز الرجوع إلى العرف والأخذ بمسامحاتهم بعد تعيين المفهوم وتشخيص الظهور اللفظي، كما هو المسلّم في مسألة الكر فانّه بعد ما دلّ الدليل على عدم انفعال الماء إذا كان بقدر الكر الذي هو ألف ومائتا رطل، ولكنّ العرف يطلقونه على أقل من ذلك بقليل من باب المسامحة، فانّه لا يجوز الأخذ بها والحكم

ــ[191]ــ

بعدم انفعال الأقل، بل يحكم بنجاسته.

 وكذا في مسألة الزكاة بعد تعيين النصاب شرعاً بمقتضى الفهم العرفي من الدليل لا يمكن الأخذ بالمسامحة العرفية، ففي مثل استصحاب عدم الحاجب إن كان العرف يستظهر من الأدلة أنّ صحة الغسل من آثار عدم الحاجب مع صب الماء على البدن، فلا يكون هذا استثناءً من عدم حجية الأصل المثبت، لكون الأثر حينئذ أثراً لنفس المستصحب لا للازمه، وإن كان العرف معترفاً بأنّ المستظهر منها أنّ الأثر أثر للواسطة ـ كما هو الصحيح ـ فان رفع الحدث وصحة الغسل من آثار تحقق الغسل لا من آثار عدم الحاجب عند صب الماء، فلا فائدة في خفاء الواسطة بعد عدم كون الأثر أثراً للمستصحب، فهذا الاستثناء مما لا يرجع إلى محصّل.

 وأمّا ما ذكره صاحب الكفاية (قدس سره) من حجية الأصل المثبت فيما إذا لم يمكن التفكيك في التعبد بين المستصحب ولازمه عرفاً، أو كانت الواسطة بنحو يعدّ أثرها أثراً للمستصحب لشدة الملازمة بينهما، فصحيح من حيث الكبرى، فانّه لو ثبتت الملازمة في التعبد في مورد، فلا إشكال في الأخذ بها، إلاّ أنّ الاشكال في الصغرى، لعدم ثبوت هذه الملازمة في مورد من الموارد، وما ذكره في المتضايفات من الملازمة في التعبد مسلّم إلاّ أ نّه خارج عن محل الكلام، إذ الكلام فيما إذا كان الملزوم فقط مورداً للتعبد ومتعلقاً لليقين والشك، كما ذكرنا في أوّل هذا التنبيه(1)، والمتضايفان كلاهما مورد للتعبد الاستصحابي، فانّه لا يمكن اليقين باُبوّة زيد لعمرو بلا يقين ببنوّة عمرو لزيد، وكذا سائر المتضايفات، فيجري الاستصحاب في نفس اللازم بلا احتياج إلى القول بالأصل المثبت. هذا إن كان مراده عنوان المتضايفين كما هو الظاهر.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 181.

ــ[192]ــ

 وإن كان مراده ذات المتضايفين، بأن كان ذات زيد وهو الأب مورداً للتعبد الاستصحابي، كما إذا كان وجوده متيقناً فشك في بقائه وأردنا أن نرتّب على بقائه وجود الابن مثلاً، بدعوى الملازمة بين بقائه إلى الآن وتولد الابن منه، فهذا من أوضح مصاديق الأصل المثبت، ولا تصح دعوى الملازمة العرفية بين التعبد ببقاء زيد والتعبد بوجود ولده، فانّ التعبد ببقاء زيد وترتيب آثاره الشرعية كحرمة تزويج زوجته مثلاً وعدم التعبد بوجود الولد له بمكان من الامكان عرفاً، فانّه لا ملازمة بين بقائه الواقعي ووجود الولد، فضلاً عن البقاء التعبدي.

 وأمّا ما ذكره من عدم إمكان التفكيك في التعبد بين العلة والمعلول، فإن كان مراده من العلة هي العلة التامة ففيه: ما ذكرنا في المتضايفين من الخروج عن محل الكلام، لعدم إمكان اليقين بالعلة التامة بلا يقين بمعلولها، فتكون العلة والمعلول كلاهما متعلقاً لليقين والشك ومورداً للتعبد بلا احتياج إلى القول بالأصل المثبت.

 وإن كان مراده العلة الناقصة ـ أي جزء العلة ـ بأن يراد بالاستصحاب إثبات جزء العلة مع ثبوت الجزء الآخر بالوجدان، فبضم الوجدان إلى الأصل يثبت وجود المعلول ويحكم بترتب الأثر، كما في استصحاب عدم الحاجب فانّه بضم صب الماء بالوجدان إلى الأصل المذكور، يثبت وجود الغسل في الخارج ويحكم برفع الحدث، ففيه: أ نّه لا ملازمة بين التعبد بالعلة الناقصة والتعبد بالمعلول عرفاً، كيف ولو استثني من الأصل المثبت هذا لما بقي في المستثنى منه شيء، ويلزم الحكم بحجية جميع الاُصول المثبتة، فانّ الملزوم ولازمه إمّا أن يكونا من العلة الناقصة ومعلولها، وإمّا أن يكونا معلولين لعلة ثالثة، وعلى كلا التقديرين يكون استصحاب الملزوم موجـباً لاثبات اللازم بناءً على الالتزام

ــ[193]ــ

بهذه الملازمة، فلا يبقى مورد لعدم حجية الأصل المثبت.

 فالذي تحصّل مما ذكرناه: عدم حجية الأصل المثبت مطلقاً، لعدم دلالة أخبار الباب على أزيد من التعبد بما كان متيقناً وشك في بقائه، فلا دليل على التعبد بآثار ما هو من لوازم المتيقن.

 ثمّ إنّه قد تمسك جماعة من القدماء في عدّة من الفروع بالأصل المثبت، إمّا لأجل الالتزام بحجيته، وإمّا لأجل عدم الالتفات إلى عدم شمول الأدلة له، فانّ مسألة عدم حجية الأصل المثبت من المسائل المستحدثة، ولم تكن معنونة في كلمات القدماء.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net