التعرّض لتفصيل صاحب المعالم والمدارك في المقام 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6560


   وأمّا ما ذهب إليه صاحبا المعالم والمدارك من التفصيل بين الثوب والبدن والاكتفاء بالمرّة في البدن دون الثوب ، فهو مستند إلى استضعاف الأخبار الواردة في التعدّد في البدن . ويرد عليه ما أورده صاحب الحدائق (قدس سره) وحاصله : أن ما دلّ على التعدّد في الجسد عدة روايات :

   منها : صحيحة أو حسنة أبي إسحاق النحوي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن البول يصيب الجسد ؟ قال : صب عليه الماء مرّتين» (5) ومنها : حسنة الحسين بن أبي العلاء قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن البول يصيب

ــــــــــــــ

(5) الوسائل 3 : 395 / أبواب النجاسات ب 1 ح 3 ، 4 ، 396 / ح 7 .

ــ[26]ــ

الجسد ؟ قال : صب عليه الماء مرّتين فانّما هو ماء ...» (1) ومنها : صحيحة البزنطي المروية في آخر السرائر (2) وهي بعين الألفاظ المنقولة من الحسنة ومضمونها . وهذه الأخبار كما ترى بين صحيحة وحسنة فلا مجال فيها للمناقشة سنداً . فإلى هنا ظهر أن الصحيح هو ما ذهب إليه الماتن وفاقاً للمشهور من وجوب التعدّد في البول .

   بقي الكلام في جهات : الاُولى : هل الحكم بالتعدّد يخص الثوب والبدن فيكتفى بالغسلة الواحدة في غيرهما أو أنه يعم جميع الأشياء المتنجسة بالبول ؟

   الأخبار الآمرة بالتعدد إنما وردت في الثوب والبدن ولا يمكننا التعدي إلى غيرهما من الأشياء الملاقية له إلاّ بدعوى دلالة الأخبار على العموم بالغاء خصوصيتي الثوب والجسد ، وهذا مما لا سبيل إليه ، لأ نّا وإن قلنا إن الأمر بغسل ما لاقاه بول أو دم أو غيرهما من الأعيان المذكورة في الروايات إرشاد إلى نجاسة الملاقي ، وتعدينا عن مواردها إلى جميع ما يلاقي الأعيان النجسة حسبما يقتضيه الفهم العرفي من مثله ، إذ الانفعال عندهم ليس من الاُمور المختصة بملاقاة الأعيان المذكورة في الأخبار ، بل المستفاد منه أن ملاقاة مطلق العين النجسة سبب في تأثر الملاقي ، إلاّ أنه في خصوص المقام ليس لنا جزم بعدم خصوصيتي الثوب والبدن في وجوب التعدّد في الغسل ، لأنه من المحتمل القوي أن الشارع أراد فيهما المحافظة على المرتبة الشديدة من الطهارة ومع هذا الاحتمال ليس لنا أن نتعدى إلى غيرهما .

   وعلى الجملة إنما يمكننا التعدي إلى غير الثوب والجسد فيما إذا علمنا بعدم دخل خصوصيتهما في الحكم المترتب عليهما وجزمنا بوحدة المناط في الأشياء الملاقية مع البول بأسرها ، وأما مع عدم القطع بذلك فلا ، لأ نّا نحتمل دخل خصوصيتى الثوب والبدن في حكمهما ، لوضوح أن الأحكام الشرعية تختلف باختلاف موضوعاتها مع أنها مما قد تجمعه طبيعة واحدة . فنرى أن الشارع حكم بوجوب الغسل ثلاث مرات في الاناء ولم نر من الأصحاب من تعدّى عنه إلى غيره مما صنع من مادته من صفر أو خزف أو غيرهما ، مع العلم بأن الجميع صفر أو غيره من المواد إلاّ أنه إذا اصطنع بهيئة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 3 : 395 / أبواب النجاسات ب 1 ح 3 ، 4 ، 396 / ح 7 .

ــ[27]ــ

الاناء يعتبر في تطهيره الغسل ثلاث مرّات وإذا كان على هيئة اُخرى كفى في تطهيره الغسل مرّة واحدة مثلاً . وكذا نرى أن الشارع حكم بطهارة مخرج الغائط بالتمسح بالأحجار أو بغيرها من الأجسام القالعة للقذارة ، ولا يحكم بطهارة هذا الموضع بعينه إذا تنجس بغير الغائط من النجاسات بمجرد إزالتها ، كما إذا تنجس بدم قد خرج من بطنه أو أصابه من الخارج ، بل يجب غسله بالماء .

   ولأجل هذا وذاك لا يحصل القطع لنا بعدم الفرق بين الثوب والجسد وغيرهما من المتنجسات بالبول ، ولا يصغى إلى ما قيل من أن التوقف في ذلك من الخرافات ، بل الحكم بتعدّد الغسل أو الصب يختص بمورد النصوص وهو الثوب والجسد ، وأما في غيرهما فاطلاقات مطهرية الغسل محكمة وهي تقتضي الاكتفاء بالغسل مرّة واحدة .

   الجهة الثانية : هل الصبة الواحدة المستمرة بقدر زمان الغسلتين أو الصبتين والفصل بينهما كافية عن الصبتين أو الغسلتين المأمور بهما في تطهير الثوب والبدن أو يعتبر تحققهما بالانفصال ؟ فلو فرضنا امتداد كل من الصبتين دقيقة واحدة والفصل بينهما أيضاً كذلك بحيث كان زمانهما مع الفصل بينهما ثلاث دقائق لم تكف الصبة الواحدة المستمرة ثلاث دقائق أو أكثر في الحكم بطهارة البدن أو الثوب ، بل لا بدّ من صب الماء عليهما مرّتين بانفصال كل منهما عن الآخر أو غسلهما كذلك .

   حكي عن الشهيد في الذكرى القول بكفاية الصبة الواحدة بقدر الغسلتين أو الصبّتين (1) ، وتبعه جماعة ممن تأخر عنه ، ولعله من جهة أن الاتصال بين الغسلتين بالصب ليس بأقل من القطع بينهما بالفصل . إلاّ أن الصحيح هو اعتبار الفصل بين الغسلتين أو الصبتين لأنه الذي يقتضيه الجمود على ظواهر الأخبار الآمرة بالصب أو الغسل مرّتين ، حيث إن ظواهرها أن للتعدد دخلاً في حصول الطهارة المعتبرة . ودعوى : أن وصل الماء ليس بأقل من فصله ، مندفعة بأنه وجه استحساني لا مثبت له ، فانّه على خلاف ما عليه أهل المحاورة ، حيث إن السيد إذا أمر عبده بالسجدة مرّتين أو برسم خطّين مستقيمين لم يكتف العبد في امتثاله بالسجدة الواحدة الممتدّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الذكرى : 15 السطر 19 .

ــ[28]ــ

بقدر زمان السجدتين والفصل بينهما أو برسم خط واحد كذلك ، فرفع اليد عن ظهور الأخبار في التعدّد بمثل ذلك من الوجوه الاستحسانية مما لا مسوّغ له .

   الجهة الثالثة : هل الحكم بوجوب التعدّد يختص ببول الآدمي أو أنه يعم غيره من الأبوال النجسة ؟

   ظاهر الأسئلة الواردة في الروايات ـ حسب المتفاهم العرفي ـ هو الاختصاص لأنهم كانوا يبولون على وجه الأرض وهي على الأغلب صلبة فكان يترشح منها البول إلى أبدانهم وأثوابهم ومن أجل ذلك تصدّوا للسؤال عن حكمه ، ولا يبعد بهذه المناسبة دعوى انصراف الأخبار إلى بول الآدمي وأنه المنسبق إلى الأذهان من الأسئلة ، ولعل هذا هو الوجه في عدم استفصالهم عن كون البول مما يؤكل لحمه أو من غيره مع طهارة البول مما يؤكل لحمه . ومن ذلك يظهر أن نظرهم إنما هو السؤال عن خصوص بول الآدمي فتعميم الحكم إلى مطلق الأبوال النجسة مما لا وجه له . بل يمكن التمسّك في ذلك باطلاق قوله (عليه السلام) «إغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (1) لأنّ مقتضى إطلاقه جواز الاكتفاء بالمرّة الواحدة في بول غير الآدمي فلا  يجب التعدّد في مطلق الأبوال النجسة حينئذ .

   الجهة الرابعة : أن الظاهر من أسئلتهم عن أن البول يصيب الثوب أو البدن ، هو اختصاص السؤال والجواب بما قد يصيبه البول وقد لا يصيبه فيعتبر في مثله الغسل مرّتين ، وأما ما كان في معرض الاصابة دائماً فلا تشمله الروايات بوجه ، وعليه فلا  يجب التعدّد في مخرج البول حينئذ ، إذ لا يصح أن يقال إنه مما يصيبه البول ، بل إن كان هناك دليل يدل على اعتبار التعدّد فيه فهو ، وإلاّ فيقتصر فيه بالصبة الواحدة أو الغسل مرّة .

   الجهة الخامسة : هل يعتبر إزالة العين النجسة قبل الغسلتين أو الصبتين أو أن إزالتها بالغسلة الاُولى كافية في حصول الطهارة بالثانية ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهي حسنة عبدالله بن سنان المروية في الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2 .

ــ[29]ــ

   قد يتوهّم أنّ الغسلتين أو الصبتين لا بدّ من أن تقعا بعد إزالة العين بشيء فلا تكفى إزالتها بالغسلة الاُولى من الغسلتين . ويتوجه عليه أن الحكم بذلك يتوقف على دلالة الدليل ولا دليل على اعتبار وقوع الغسلتين بعد إزالة العين ، بل الأمر بغسل ما أصابه البول مرّتين أو صبّ الماء عليه كذلك يقتضى باطلاقه كفاية الإزالة باُولى الغسلتين وعدم اعتبار وقوعهما بعد إزالة العين بمزيل . بل المناسبة المرتكزة بين الحكم وموضوعه أن الغسلة الاُولى للازالة والثانية للانقاء كما نقلناه عن المحقق (قدس  سره) (1) هذا .

   وقد يقال : إن مقتضى الاطلاق في الروايات كفاية إزالة العين ولو بالغسلة الثانية فلا يعتبر إزالتها باُولى الغسلتين . ويندفع بأن الأخبار الواردة في المقام منصرفة إلى البول المتعارف الذي يكفي في إزالته الغسل أو الصب مرّة واحدة ، كما يرشدنا إليه قوله في بعض الأخبار المتقدِّمة «فانّما هو ماء» (2) تعليلاً لما أمر به من صبّ الماء عليه مرّتين ، فان ظاهره بيان أن الماء كما أنه لا لزوجة له ويكفي في إزالته صبّ الماء عليه مرّة واحدة ، فكذلك الحال في البول فتكون الغسلة الثانية مطهّرة لا مزيلة ، ومعه فالأخبار مختصة بالبول الذي يكفي في إزالته الغسل مرّة واحدة ، فإذا فرض بول لا يكفي ذلك في إزالته فهو خارج عن مورد الروايات ، هذا .

   ويمكن أن يوجّه المدعى بتقريب آخر : وهو أن الأخبار الواردة في المقام وإن اُخذت فيها الاصابة كما في قوله : «يصيب الثوب أو البدن» وظاهر الاصابة الحدوث فانّها لا تطلق على بقاء البول ، إلاّ أن من المقطوع به عدم الفرق في نجاسة البول بين الحدوث والبقاء ، وعليه فاذا أصاب الثوب أو البدن وجب غسله أو صبّ الماء عليه مرّتين كما دلّت عليه الأخبار المتقدِّمة ، فإذا غسلناه مرّة واحدة ولم يزل بذلك فهو أيضاً بول متحقق في الثوب أو البدن فيجب غسله مرّتين بمقتضى إطلاق الروايات وعليه فمقتضى الاطلاقات هو العكس أعني اعتبار كون الغسلة الاُولى مزيلة للعين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 25 .

(2) الوسائل 3 : 395 ، 396 / أبواب النجاسات ب 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net