8 ـ جريان قاعدة الفراغ في الشك في الموالاة والنيّة 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4228


ــ[380]ــ

 الأمر الثامن: في جريان قاعـدة الفراغ عند الشك في الموالاة وعدمه. وتفصيل الكلام فيه: أنّ الموالاة المعتبرة في الصلاة على ثلاثة أقسام: لأ نّها إمّا أن تكون معتبرة بين الأجزاء المستقلة، كالموالاة بين القراءة والركوع، وبينه والسجود، وإمّا أن تكون معتبرة بين الكلمات من كلام واحد، وإمّا أن تكون معتبرة بين الحروف من كلمة واحدة.

 أمّا الموالاة بين الأجزاء المستقلة، فهي معتبرة شرعاً، إذ لو لم يدل الدليل الشرعي على اعتبار الاتصال بين الأجزاء المستقلة، لأمكن الامتثال باتيان كل جزء مع الفصل الطويل عن الجزء الآخر كما هو الواقع في الغسل، ولكنّ الدليل الشرعي دل على اعتبارها في الصلاة، وحينئذ فان شك فيها بعد الفراغ من الصلاة، فلا إشكال في جريان قاعدة الفراغ وعدم الاعتناء بالشك، وإن شك فيها في أثناء الصلاة، فإن كان شكه بعد الدخول في الجزء اللاحق، تجري قاعدة التجاوز، إذ محلها بحسب الجعل الشرعي قبل الدخول في الجزء اللاحق، فيكون من قبيل الشرط المتقدم بالنسبة إليه، فيكون الشك فيها شكاً بعد تجاوز المحل، وإن كان شكه فيها قبل الدخول في الجزء اللاحق، فلا مجال

ــــــــــــــــــــــــــــ

=  إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال (عليه السلام): إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات، فابدأ بأوّلهنّ، فأذّن لها وأقم، ثمّ صلّها ثمّ صلّ ما بعدها باقامة لكل صلاة. وقال قال أبو جعفر (عليه السلام): وإن كنت قد صليت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها، فصلّ الغداة أيّ ساعة ذكرتها ولو بعد العصر. ومتى ما ذكرت صلاةً فاتتك صليتها. وقال (عليه السلام): إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك، فانوها الاُولى ثمّ صلّ العصر فانّما هي أربع مكان أربع... » [ الوسائل 4: 290 ـ 291 / أبواب المواقيت ب 63 ح 1 ].

 
 

ــ[381]ــ

لجريان قاعدة التجاوز، لكون الشك فيها شكاً في المحل، فلا بدّ من الاعتناء بالشك واستئناف العمل لولا استصحاب عدم تحقق الفصل الطويل. ويكون الشك المذكور في الحقيقة شكاً في وجود المانع، وهو الفصل الطويل والأصل عدمه، فيحكم بصحة الصلاة لأجل الاستصحاب لا لقاعدة التجاوز.

 وأمّا الموالاة بين الكلمات من كلام واحد أو بين الحروف من كلمة واحدة، فهي من الاُمور المعتبرة عقلاً لا من الشرائط الشرعية، لأ نّها مما لا بدّ منه في صدق الكلام والكلمة عرفاً، فانّه لو تكلم بكلمة من كلام ثمّ تكلم بكلمة اُخرى منه بعد مدة طويلة مانعة عن صدق الكلام عرفاً، لا يكون كلاماً مفهماً للمعنى. وكذا الأمر في الموالاة بين الحروف من كلمة واحدة، فلو شك في تحققها بعد الفراغ من الصلاة، لا إشكال في جريان قاعدة الفراغ. وأمّا لو شك في الأثناء، فلا مجال لجريان قاعدة الفراغ ولا قاعدة التجاوز، بلا فرق بين كون الشك بعد الدخول في كلمة لاحقة أو حرف لاحق أو قبله، لأنّ الشك في الموالاة هاهنا يكون في الحقيقة شكاً في وجود الكلام أو الكلمة مع عدم تجاوز المحل، فلا تجري قاعدة الفراغ لعدم كون الشك شكاً في الصحة، بل في الوجود، ولا قاعدة التجاوز لعدم تجاوز المحل، فلا بدّ من الاعتناء بالشك.

 وظهر بما ذكرناه حكم الشك في النية، فانّ النية بمعنى قصد القربة من الاُمور المعتبرة في العبادات شرعاً لا من الشرائط العقلية على ما ذكرناه في محلّه(1)، فلو شك في تحققها بعد الفراغ من العمل تجري قاعدة الفراغ بلا إشكال. وكذا لو شك في أثناء العمل في تحققها حين الاتيان بالأجزاء السابقة، تجري قاعدة الفراغ أيضاً ويحكم بصحة الأجزاء السابقة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 519 وما بعدها.

ــ[382]ــ

 وأمّا النية بمعنى قصد العنوان، فهي من الاُمور المعتبرة عقلاً، لتوقف صدق عنوان المأمور به على قصده، فلو شك بعد الفراغ من ذات العمل في أ نّه أتى به بقصد عنوان المأمور به أم لا، كما إذا أتى بركعتين من الصلاة ثمّ شك بعد الفراغ في أ نّه أتى بهما بعنوان صلاة الصبح مثلاً أو أتى بهما للتمرين مثلاً، فلا مجال لجريان قاعدة الفراغ، إذ الشك في قصد العنوان شك في وجود المأمور به، لعدم تحقق عنوان الصلاة إلاّ بالقصد، فلا بدّ من الاعتناء بالشك والاتيان بالمأمور به لقاعدة الاشتغال، وله فروع كثيرة في الفقه:

 منها: ما لو شك بعد الارتماس في الماء في أ نّه قصد به الغسل أو أتى به للتبريد مثلاً، فلا تجري قاعدة الفراغ على ما ذكرناه. وكذا لو شك في أثناء الصلاة في قصد العنوان بالنسبة إلى الأجزاء السابقة، كما إذا شك بعد الدخول في الركوع في أ نّه أتى بالقراءة بقصد عنوان الصلاة أم بعنوان آخر، لا تجري قاعدة الفراغ، لكون الشك شكاً في الوجود على ما ذكرناه.

 نعم، لو كان محرزاً لقصد العنوان في الجزء الذي هو مشغول به فعلاً، وشك في قصد العنوان بالنسبة إلى الأجزاء السابقة، كما إذا علم بأ نّه قصد عنوان الصلاة في الركوع مع الشك في قصد العنوان بالنسبة إلى القراءة، لا مانع من جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الأجزاء السابقة، لكون الشك بالنسبة إليها شكاً في الوجود بعد الدخول في الغير، فيكون مورداً لقاعدة التجاوز.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net