عدم جريان أصالة الصحة في العناوين القصدية إذا لم يحرز القصد 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4077


 الجهة السابعة: لابدّ في جريان أصالة الصحة من إحراز أصل العمل الجامع بين الصحيح والفاسد، إذ السيرة قائمة على الحمل على الصحة فيما إذا اُحرز أصل العمل وشك في صحته وفساده، لا فيما إذا شك في تحقق العمل. ومن هنا ظهر أ نّه لو كان العمل من العناوين القصدية ـ كالصوم والصلاة والغسل ـ لا مجال لجريان أصالة الصحة فيما إذا لم يحرز القصد، لكون الشك حينئذ في تحقق العمل لا في صحته وفساده بعد إحراز وجوده، كما تقدمت الاشارة إليه في قاعدة


ــ[400]ــ

الفراغ(1)، بل لا تجري أصالة الصحة مع عدم إحراز قصد العنوان ولو لم يكن العمل من العناوين القصـدية كالطهارة من الخبث، فانّها لا تحتاج إلى قصد العنوان أصلاً، ومع ذلك لو رأينا أحداً يصب الماء على ثوب متنجس ولم نعلم بأ نّه قصد تطهيره أو إزالة الوسخ مثلاً، لا مجال لجريان أصالة الصحة. نعم، بعد إحراز كونه قاصداً التطهير لو شككنا في حصول الطهارة الشرعية لاحتمال الاخلال بشرط من شروطها كالعصر والتعدد، يحكم بحصولها حملاً لفعله على الصحة.

 وظهر بما ذكرناه أ نّه لو استأجر الوصي أو الولي أحداً لاتيان الصوم أو الصلاة عن الميت فأتى الأجير بعمل لا يدري الوصي أ نّه قصد به النيابة عن الميت أم لا، لا مجال لجريان أصالة الصحة والحكم بفراغ ذمة الميت، لأنّ النيابة من العناوين القصدية لابدّ من إحرازها في جريان أصالة الصحة على ما ذكرناه، فبعد إحراز قصد النيابة لو شك في صحة العمل المأتي به عن الميت لاحتمال اختلال فيه جزءاً أو شرطاً، يكون مورداً لجريان أصالة الصحة والحكم بفراغ ذمة الميت.

 ثمّ إنّه ذكر شيخنا الأنصاري(2) (قدس سره) في المقام كلاماً حاصله: أنّ العمل الصادر عن النائب ذو حيثيتين: الاُولى: حيثية المباشرة وصدور العمل منه. الثانية: حيثية النيابة وكون العمل عن الغير، ولكل من الحيثيتين أحكام.

 فمن أحكام الحيثية الاُولى وجوب مراعاة تكليف نفسه من حيث الجهر والاخفات ولو كان نائباً عن امرأة. وكذا بالنسبة إلى الستر، فيجوز له الاكتفاء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ص 381.

(2) فرائد الاُصول 2: 727.

 
 

ــ[401]ــ

بستر العورتين، ولا يجوز لبس الحرير مع كون المنوب عنه امرأة، لأن هذه أحكام جعلت للمباشر للصلاة، سواء كانت لنفسه أو لغيره.

 ومن أحكام الحيثية الثانية وجوب مراعاة تكليف المنوب عنه من حيث القصر والاتمام، فاذا شك في صحة العمل الصادر عن النائب مع عدم إحراز قصد النيابة، فالرجوع إلى أصالة الصحة لا يفيد بالنسبة إلى الحكم بفراغ ذمة الميت، إذ مفادها صحة هذا العمل ولا يثبت بها قصد النيابة عن الميت. نعم، يحكم باستحقاق النائب للاُجرة بمقتضى أصالة الصحة، لأن مورد الاجارة هو العمل الصحيح، وأصل العمل محرز بالوجدان وصحته بأصالة الصحة، انتهى ملخّصاً.

 أقول: التفكيك بين الحكم بفراغ ذمة الميت واستحقاق الاُجرة غريب جداً، فانّ مورد الاجارة ليس هو الاتيان بالعمل الصحيح مطلقاً، بل الاتيان به نيابةً عن الميت، ولا يثبت بأصالة الصحة قصد النيابة باعتراف منه (قدس سره) فكيف يحكم باستحقاق الاُجرة لجريان أصالة الصحة. فالصحيح عدم الفرق بينهما في عدم ترتبهما على أصالة الصحة إلاّ مع إحراز قصد النيابة.

 ثمّ إنّ طريق إحراز هذا القصد إخبار العامل ليس إلاّ، فانّ العلم الوجداني به وقيام البينة عليه متعذر، لكونه أمراً قلبياً لا يعلمه إلاّ العامل، فهل يكفي إخباره مطلقاً لانحصار الطريق فيه، أو بشرط العدالة، أو بشرط الوثاقة؟ وجوه.

 أمّا اعتباره مطلقاً ولو كان فاسقاً غير متحرز عن الكذب، فلم يدل عليه دليل. واعتبار الاخبار مطلقاً في موارد مخصوصة لانحصار الطريق فيه مختص بموارد النص، كما في إخبار المرأة عن كونها طاهراً أو حائضاً أو حاملاً أو غير ذلك، فلا وجه للتعدي عن مورد النص إلى غيره.

ــ[402]ــ

 وأمّا اعتبار العدالة، فلم يدل عليه دليل أيضاً، فالمتعين هو الاكتفاء باخبار العامل إذا كان ثقة، لما ذكرناه في بحث حجية الخبر(1) من استقرار السيرة العقلائية على العمل بخبر الثقة ولم يردع عنه الشارع.
ــــــــــــــ

(1) راجع الجزء الثاني من هذا الكتاب ص 228.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net