تعارض الاستصحاب مع قاعدة اليد 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4694

 

الكلام في تعارض الاستصحاب مع قاعدة اليد

 وملخص الكلام فيه: أ نّه إن قلنا بكون قاعدة اليد في عرض سائر الأمارات وفي رتبتها، فلا إشكال في تقديمها على الاستصحاب، لكونه متأخراً عن سائر الأمارات، بناءً على كونه منها، فضلاً عن القول بكونه من الاُصول. وإن قلنا بتأخر قاعدة اليد عن سائر الأمارات، وأ نّها في رتبة الاستصحاب، فلابدّ من تقديمها على الاستصحاب أيضاً، لورود أدلتها في موارد الاستصحاب، فانّ الغالب العلم بكون ما في أيدي الناس مسبوقاً بكونه ملكاً للغير، إلاّ في المباحات الأصلية، بل يمكن جريان استصحاب عدم الملكية فيها أيضاً على وجه، فلا بدّ من تخصيص الاستصحاب بها، وإلاّ يلزم حمل أدلة قاعدة اليد على الموارد النادرة، بل يلزم المحذور المنصوص، وهو اختلال السوق.

 نعم، لا مانع من الرجوع إلى الاستصحاب في موردين، لا لتقدمه على قاعدة اليد، بل لعدم جريان القاعدة بنفسها لقصور المقتضي.

 المورد الأوّل: ما إذا تقارنت اليد بالاقرار، كما إذا اعترف ذو اليد بكون المال ملكاً للمدعي، وادعى انتقاله إليه بالشراء أو الهبة، فينقلب ذو اليد مدعياً والمدعي منكراً، فيحكم بكون المال للمدعي بمقتضى الاستصحاب، إلاّ أن يثبت ذو اليد انتقاله إليه. ولا مجال للأخذ بقاعدة اليد، لعدم الدليل عليها مع

ــ[410]ــ

اقتران اليد بالاعتراف، فانّ الدليل عليها هي السيرة، ورواية حفص بن غياث (1) الدالة على الحكم بالملكية على ما في أيدي المسلمين، المعلل بأ نّه لولا ذلك لما قام للمسلمين سوق. أمّا السيرة فلم يحرز قيامها في المقام، أي فيما إذا اقترنت اليد بالاعتراف. وأمّا الرواية فلا إطلاق لها يشمل المقام، إذ لا يلزم تعطيل السوق لو لم يؤخذ بها في مثل المقام.

 المورد الثاني: ما إذا كانت اليد مسبوقة بكونها غير يد ملك، كما إذا كانت أمانية أو عدوانية، بأن كان المال في يده بالاجارة أو العارية أو غصباً فادعى الملكية، فلا يمكن الأخذ بقاعدة اليد، بل يحكم ببقاء ملكية المالك بمقتضى الاستصحاب، لا لتقدمه على قاعدة اليد، بل لما ذكرناه من عدم المقتضي للقاعدة مع قطع النظر عن الاستصحاب، إذ لم يحرز قيام السيرة في المقام، ولا يكون مشمولاً للرواية المتقدمة على ما ذكرناه في المورد الأوّل، فلا حاجة إلى الاعادة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نقل في الوسائل عن محمّد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه، وعلي بن محمّد القاساني جميعاً عن القاسم بن يحيى عن سليمان بن داود عن حفص بن غياث عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «قال له رجل: إذا رأيت شيئاً في يد رجل يجوز لي أن أشهد أ نّه له؟ قال (عليه السلام): نعم، قال الرجل: أشهد أ نّه في يده ولا أشهد أ نّه له فلعله لغيره؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام): أفيحل الشراء منه؟ قال: نعم، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): فلعله لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك ثمّ تقول بعد الملك: هو لي وتحلف عليه، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك، ثمّ قال أبو عبدالله (عليه السلام): لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» [ الوسائل 27: 292 ـ 293 / أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 25 ح 2 ].

ــ[411]ــ

هذا، وذكر المحقق النائيني(1) (قدس سره) أنّ الوجه في تقديم الاستصحاب على قاعدة اليد في هذا المورد أنّ أدلة قاعدة اليد مختصة بموارد الجهل بحال اليد، بأن لايعلم كونها مالكية أو غير مالكية، واليد في المقام غير مالكية سابقاً، وبعد الشك في صيرورتها مالكية يحكم ببقائها على ما كانت بمقتضى الاستصحاب، فيحرز كونها غير مالكية بالتعبد، فلا يبقى موضوع لقاعدة اليد، لكون موضوعها اليد المجهولة حالها على ما ذكرناه، فتقديم هذا الاستصحاب ـ أي أصالة عدم صيرورة اليد مالكية ـ على قاعدة اليد إنّما هو لكونه أصلاً موضوعياً جارياً في موضوع قاعدة اليد. والاستصحاب الذي تكون قاعدة اليد مقدّمة عليه هو الاستصحاب الجاري في مدلول قاعدة اليد ـ أي الملكية ـ لا في نفسها.

 وفيه: أنّ لسان أدلة قاعدة اليد مطلق لم يؤخذ فيه قيد كون اليد مجهولة الحال. نعم، لا مجال للأخذ بقاعدة اليد مع العلم بكون اليد غير مالكية، كما أنّ الأمر في جميع الأمارات كذلك، فانّه لا يمكن الأخذ بها مع العلم بمخالفتها للواقع.

 فالصحيح في تقديم الاستصحاب على قاعدة اليد في هذا المورد هو ما ذكرناه من عدم تمامية المقتضي لها مع قطع النظر عن الاستصحاب، بحيث لا يمكن الأخذ بها ولو فرض عدم جريان الاستصحاب، بل لا بدّ من الرجوع إلى أصل آخر.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 4: 197 ـ 198، فوائد الاُصول 4: 604 ـ 606.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net