4 ـ التعدي عن المرجحات المنصوصة \ 5 ـ دخول اختلاف النُسخ في المتعارضين 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4834


 الأمر الرابع: أ نّه هل يجب الاقتصار على المرجحات المنصوصة، أو يتعدى إلى غيرها مما يكون أحد المتعارضين معه أقرب إلى الواقع؟

 ذهب الشيخ (قدس سره)(1) إلى التعدي وذكر في وجه ما ذهب إليه وجوهاً:

 منها: أن في جعل الإمام (عليه السلام) ـ مثل الأصدقية والأوثقية مرجحاً لإحدى الروايتين ـ دلالة على أنّ المناط في الترجيح بهما كونهما موجبة لأقربية إحدى الروايتين للواقع، فيتعدى إلى كل ما فيه هذا المناط.

 ومنها: أنّ الإمام (عليه السلام) علل وجوب الأخذ بالرواية المجمع عليها بكونها مما لا ريب فيه، ومن الظاهر أن عدم الريب فيها ليس إلاّ إضافياً بمعنى أنّ المشهور بالنسبة إلى الشاذ النادر لا ريب فيه، لا أ نّه في نفسه مما لا ريب فيه، وإلاّ لكان الخبر الشاذ مما لا ريب في كذبه، فيكون داخلاً في بيّن الغي،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2: 780 ـ 781.

ــ[505]ــ

وهو خلاف ظاهر الاستشهاد، فانّ الإمام (عليه السلام) أدرجه في المشتبه، فعلى هذا تدل المقبولة بعموم التعليل على أنّ كل خبرين ليس في أحدهما ريب بالنسبة إلى الآخر يلزم الأخذ به، فالمنقول باللفظ مثلاً مما لا ريب فيه بالنسبة إلى المنقول بالمعنى فيجب الأخذ به.

 ومنها: أنّ تعليل الإمام (عليه السلام) الأخذ بمخالفة العامة بأنّ الرشد في خلافهم، يدل على أنّ كل خبرين يكون في أحدهما الرشد غالباً يجب الأخذ به، فانّه ليس الأخذ بمخالف العامـة بحيث يكون فيه الرشد دائماً، لكثرة الأحكام المتفق عليها الفريقان في نفسها.

 وللنظر في جميع ما ذكره وجهاً للتعدي مجال واسع.

 أمّا ما ذكره من أنّ في جعل الأوصاف مرجحة للرواية دلالة على التعدي، ففيه: ما عرفت من عدم دلالة المقبولة على كون الأوصاف من مرجحات الخبرين المتعارضين فضلاً عن دلالتها على أنّ ذكر الأوصاف مثال لما يوجب أقربية أحد المتعارضين إلى الصدق.

 وأمّا ما ذكره من أن تعليل الأخذ بالمجمع عليه بكونه مما لا ريب فيه يدل على أ نّه كلّما لم يكن في أحد الخبرين ريب بالاضافة إلى الآخر يجب الأخذ به، ففيه: ـ مضافاً إلى ما تقدّم(1) من ضعف سند المقبولة ـ أ نّه لا يمكن حمل قوله (عليه السلام): «مما لا ريب فيه» على نفي الريب بالاضافة، فانّه يوجب تقديم إحدى الروايتين على الاُخرى إذا كانت الوسائط فيها أقل من وسائط الاُخرى ولو بواحد، ولا أظن أن يلتزم به أحد، فلا بدّ من أن يكون المراد من قوله

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 491.

ــ[506]ــ

(عليه السلام): «مما لا ريب فيه» ما لا يكون فيه ريب حقيقة، فيكون المراد كونه مقطوع الصدور كما ذكرناه سابقاً (1). ولا ينافيه فرض الريب في الخبر الشاذ المعارض له وعدم إدخاله في بيّن الغي، لاحتمال أن يكون هو الصادق، وإنّما كان الخبر المجمع عليه صادراً عن تقية.

 وإن شئت قلت: الاجماع في الرواية يوجب دخولها في السنة القطعية، فلا بدّ من طرح كل خبر يدل على خلافه، لما عرفت(2) من أنّ مخالف الكتاب والسنّة لا يكون حجة، وهذا غير ترجيح إحدى الروايتين على الاُخرى في مقام المعارضة لوجود المرجح فيها كما لا يخفى.

 وأمّا ما ذكره من أن تعليل الأخذ بمخالف العامة ـ بأنّ الرشد في خلافهم ـ يدل على لزوم ترجيح كل ما فيه مزية على الآخر، ففيه: أنّ التعليل المذكور لم يوجد في رواية، وإنّما هو في عبارة الكافي التي نقلناها سابقاً (3). نعم، وقع في المرفوعة ما يرادفه، وهو قوله (عليه السلام): «فانّ الحق فيما خالفهم» ولكن قد عرفت(4) ضعف سندها وعدم صحة الاعتماد عليها. وذكر أيضاً في المقبولة لفظ ففيه الرشاد، ولكنّه ليس بعنوان التعليل، بل بعنوان الحكم حيث قال (عليه السلام): «ما خالف العامة ففيه الرشاد» أي يجب الأخذ به، فلا تعليل فيه حتى يؤخذ بعمومه. ولو سلّم ظهوره في التعليل فلا إشكال في أنّ الرشد في مخالفة العامة غالبي، حيث إنّهم اعتمدوا كثيراً في استنباط الأحكام الشرعية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 495.

(2) في ص 484.

(3) في ص 494.

(4) في ص 486.

ــ[507]ــ

على الاستحسانات والأقيسة، واستغنوا بذلك عن المراجعة إلى الأئمة (عليهم السلام) ووقعوا في مخالفة الأحكام الشرعية كثيراً، فحينئذ لا مانع من التعدي إلى كل مزية تكون موجبة للرشد غالباً. ولكنّ الصغرى لهذه الكبرى غير متحققة، إذ ليس في المرجحات ما يكون موجباً لغلبة مطابقة الواقع.

 الأمر الخامس: أ نّه لو وقع الاختلاف في تفسير رواية لا ينبغي الريب في أ نّه غير داخل في التعارض، فانّ تعدد التفسير لا يوجب تعدد الحديث حتى يكون مشمولاً لقوله (عليه السلام): «إذا جاءكم حديثان مختلفان...» إلخ.

 أمّا لو اختلفت النسخ كما إذا روى الكليني (قدس سره) الخبر بنحو ورواه الشيخ (قدس سره) بنحو آخر مع وحدة السند، أو كان الخبر في بعض نسخ التهذيب مثلاً بلفظ، وفي بعضها الآخر بلفظ آخر، فيظهر من المحقق الهمداني في كتاب صلاته: أنّ ذلك لا يكون من باب تعارض الخبرين، بل من باب اشتباه الحجة بغيرها، للعلم بعدم صدور كليهما عن الإمام (عليه السلام).

 ولكنّ التحقيق هو التفصيل في المقام والالتزام بأن اختلاف رواية الكافي والتهذيب مثلاً داخل في تعارض الخبرين، فانّهما خبران والعلم بعدم صدور كليهما لا يضر بتعدد الخبر، كما في سائر موارد التعارض، فيكون المقام نظير ما إذا حكم الإمام (عليه السلام) بحكم في مجلس وخرج عنه راويان ثمّ اختلفا فروى أحدهما حكمه بنحو والآخر بنحو آخر، وأمّا إن كان الاختلاف في نسخ كتاب واحد، فالأمر كما ذكره، فانّا لا ندري في هذه الصورة أنّ ما أخبرنا به الشيخ (قدس سره) مثلاً أ يّهما. نعم، لو اُحرزت الوثاقة في كل من ناسخي الكتاب لا يبعد دخوله في المتعارضين كالقسم الأوّل.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net