ابطال الجبر والتفويض - اثبات الامر بين الامرين في القرآن 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 7200

وقد ثبت في محله أن خالق هذه الأشياء في الإنسان لم ينعزل عن خلقه بعد الإيجاد، وأن بقاء الأشياء واستمرارها في الوجود محتاج إلى المؤثر في كل آن، وليس مثل خالق الأشياء معها كالبناء يقيم الجدار بصنعه، ثم يستغني الجدار عن بانيه، ويستمر وجوده وإن فنى صانعه، أو كمثل الكاتب يحتاج إليه الكتاب في حدوثه، ثم يستغني عنه في مرحلة بقائه واستمراره. بل مثل خالق الأشياء معها "ولله المثل الأعلى" كتأثير القوة الكهربائية في الضوء. فإن الضوء لا يوجد إلا حين تمده القوة بتيارها، ولا يزال يفتقر في بقاء وجوده إلى مدد هذه القوة في كل حين، فإذا انفصل سلكه عن مصدر القوة في حين، انعدم الضوء في ذلك الحين كأن لم يكن. وهكذا تستمد الأشياء وجميع الكائنات وجودها من مبدعها الأول في كل وقت من أوقات حدوثها وبقائها، وهي مفتقرة إلى مدده في كل حين، ومتصلة برحمته الواسعة التي وسعت كل شيء. وعلى ذلك ففعل العبد وسط بين الجبر والتفويض، وله حظ من كل منهما. فإن إعمال قدرته في الفعل أو الترك وإن كان باختياره. إلا أن هذه القدرة وسائر المبادئ حين الفعل تفاض من الله، فالفعل مستند إلى العبد من جهة وإلى الله من جهة أخرى والآيات القرآنية المباركة ناظرة إلى هذا المعنى، وأن اختيار العبد في فعله لا يمنع من نفوذ قدرة الله وسلطانه.

ــ[89]ــ

ولنذكر مثلا تقريبيا يتضح به للقارئ حقيقة الأمر بين الأمرين الذي قالت به الشيعة الإمامية، وصرحت به أئمتها، وأشار إليه الكتاب العزيز.
لنفرض إنسانا كانت يده شلاء لا يستطيع تحريكها بنفسه، وقد استطاع الطبيب أن يوجد فيها حركة إرادية وقتية بواسطة قوة الكهرباء، بحيث أصبح الرجل يستطيع تحريك يده بنفسه متى وصلها الطبيب بسلك الكهرباء، وإذا انفصلت عن مصدر القوة لم يمكنه تحريكها أصلا، فإذا وصل الطبيب هذه اليد المريضة بالسلك للتجربة مثلا، وابتدأ ذلك الرجل المريض بتحريك يده، ومباشرة الأعمال بها - والطبيب يمده بالقوة في كل آن - فلا شبهة في أن تحريك الرجل ليده في هذه الحال من الأمر بين الأمرين، فلا يستند إلى الرجل مستقلا، لأنه موقوف على إيصال القوة إلى يده، وقد فرضنا أنها بفعل الطبيب ولا يستند إلى الطبيب مستقلا، لأن التحريك قد أصدره الرجل بإرادته، فالفاعل لم يجبر على فعله لأنه مريد، ولم يفوض إليه الفعل بجميع مبادئه، لأن المدد من غيره، والأفعال الصادرة من الفاعلين المختارين كلها من هذا النوع. فالفعل صادر بمشيئة العبد ولا يشاء العبد شيئا إلا بمشيئة الله. والآيات القرآنية كلها تشير إلى هذا الغرض، فهي تبطل الجبر - الذي يقول به أكثر العامة - لانها تثبت الاختيار، وتبطل التفويض المحض - الذي يقول به بعضهم - لأنها تسند الفعل إلى الله. وسنتعرض إن شاء الله تعالى للبحث تفصيلا، ولإبطال هذين القولين حين تتعرض الآيات لذلك.
وهذا الذي ذكرناه مأخوذ عن إرشادات أهل البيت (عليهم السلام) وعلومهم وهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. واليك بعض ما ورد منهم:

ــ[90]ــ

سأل رجل الصادق (عليه السلام) فقال:
"قلت: أجبر الله العباد على المعاصي؟ قال: لا. قلت: ففوض إليهم الأمر؟ قال: قال: لا. قال: قلت: فماذا؟ قال: لطف من ربك بين ذلك"(1).
وفي رواية أخرى عنه:
"لا جبر ولا قدر، ولكن منزلة بينهما "(2) وفي كتب الحديث للإمامية جملة من هذه الروايات.
وقالوا:
6 - لو كان الإتيان بكتاب ما معجزا "لعجز البشر عن الإتيان بمثله " لكان كتاب اقليدس وكتاب المجسطي معجزا، وهذا باطل فيكون المقدم باطلا أيضا.
الجواب:
أولا: ان الكتابين المذكورين لا يعجز البشر عن الإتيان بمثلهما، ولا يصح فيهما هذا التوهم، كيف وكتب المتأخرين التي وضعت في هذين العلمين أرقى بيانا منهما، وأيسر تحصيلا، وهذه الكتب المتأخرة تفضل عليهما في نواح أخرى، منها وجود إضافات كثيرة لا أثر لها فيهما.
ثانيا: إنا قد ذكرنا للمعجز شروطا، ومن هذه الشروط أن يكون الإتيان به في مقام التحدي. والاستشهاد به على صدق دعوى منصب إلهي. ومنها أن يكون
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي: 1 / 159، الحديث: 8.
(2) الكافي: 1 / 159، الحديث: 10.

ــ[91]ــ

خارجا عن نواميس الطبيعة، وكلا هذين الشرطين مفقود في الكتابين المذكورين. وقد أوضحنا ذلك أتم إيضاح في أول بحثنا عن الإعجاز.
وقالوا:




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net